هل نتكلم العربية ام المصرية ؟ (3)

لطيف شاكر

2010 / 10 / 27


يسأل البعض عن علاقة اللغة المصرية الحديثة باللغة العربية والذي يجهل هذه العلاقة يرفض الاعتراف باللغة المصرية بل ويهاجمها بضراوة معتبرا ان هذا من باب الغلو للغة المصرية ,واود في هذه المقالة ان نوضح العلاقة القوية والرابطة المتينة لتطور اللغة المصرية القديمة الي اللغة التي نتكلمها الان ,ويعتبرها البعض انها عربية او عامية الفصحي ,وكما وضحت في مقالات سابقة عن ان اللغة تتمثل في: تركيب ونحو وصرف اللغة , وقد اثبتنا بطريقة تخلو من الشك وتبعد عن الجدل ارتباط لغتنا الحالية بالقبطية او المصرية القديمة من هذه النواحي بما فيها ايضا الفونميات اي الصوتيات , وبالرغم من ان الكلمات لاتصنع لغة لكن في هذا المقال سوف اوضح كثير من الكلمات المصرية التي شكلت اللغة الحالية ,اضافة الي تركيب وصرف اللغة القبطية في اللغة المصريةالحديثة التي نتكلمها
وتحت عنوان اللغة المصرية القديمة في مجتمعنا المعاصر يذكر د.طه عبد العليم بجريدة الاهرام خلال سبتمبر 2010 الآتي :
ليس ثمة ما يعبر عن أصالة المصريين والاستمرارية الحضارية لمصر أكثر من أنه لاتزال بقية من مفردات اللغة المصرية القديمة التي سادت منذ فجر التاريخ المكتوب قائمة حية في مجتمعنا المعاصر‏.
تجري علي ألسنة المصريين في أسماء قراهم ومدنهم‏,‏ وأسماء شهورهم الزراعية‏,‏ وتتخلل أحاديثهم في شئون حياتهم اليومية‏,‏ لتصلهم بماضيهم كأول أمة أخرجت للناس‏.‏ ورغم أن اللغة العربية قد غلبت علي اللغة المصرية القديمة باعتبارها لغة المحتل‏,‏ فانها لم تلغيها تماما‏,‏ واستمرت المسميات المصرية القديمة في أسماء مدن وقري معاصرة كثيرة‏,‏ ولكن في آخر تطوراتها اللفظية التي سجلتها الكتابة القبطية‏.‏
وفي البحث عن تكوين مصر والمصريين في فجر التاريخ‏,‏ وعن تطور شخصية مصر والمصريين بين الأصالة والمعاصرة وبين الاستمرارية والانقطاع‏,‏ تبرز مسألة لغة المصريين باعتبارها أساس وحدة الثقافة وتكوين الأمة المصرية التي جمعها الأصل العرقي المشترك والموقع المتصل الموحد‏.‏ وقد ارتبكت ألسنة القلة منا باستعارة اللغة الانجليزية أو باستدعاء اللغة القبطية القديمة أو باستنكار العامية المصرية‏,‏ ولإزالة الالتباس‏,‏ المربك للولاء والانتماء‏,‏ ربما كان علينا أن نتذكر تعريف المصري القديم في عصر الأسرات‏,‏ الذي تلخص في أنه من يتحدث اللغة المصرية‏,‏ وكفي‏!‏
ويقول عالم الآثار المصري عبد العزيز صالح أن الزارعون الآن لازالوا يحتفظون لشهور السنة الزراعية بأسماء ربط أسلافهم بينها وبين أرباب قدسوها وأعياد كانوا يحتفلون بها‏,‏ ثم دونوا أسماءها متفرقة في نصوص متباعدة من عصور الدولة الحديثة‏,‏ وبدأوا يسجلونها متتابعة في عصورهم المتأخرة منذ القرن السادس ق‏.‏ م فصاعدا‏.‏ ومازال تفسير الأصول القديمة لهذه الشهور يحوطه التردد والحذر‏,‏ ولكنه تردد لا يختلف في شيء عن التردد في تعليل معاني شهور السنة الهجرية أو الميلادية وتحديد مناسبتها الأولي‏.‏
وتتداخل في تعبيراتنا الدارجة الحالية ألفاظ كثيرة نستعملها كما استعملها أجدادنا مع تحويرات يسيرة‏,‏ وذلك مثل قولنا‏:‏( مأمأ عينيه) بمعني نظر وأطال النظر‏(,‏ وإدي وإديني )بمعني أعط وأعطني‏,‏ (ومدب )بمعني كثير العثرات من دبا بمعني سقط‏.‏ وهناك أفعال الأصوات الطبيعية مثل ‏:‏( سك )بمعني ضرب‏,‏ (وحوح‏ ),‏ (وقرقر) بمعني ضحك عاليا‏,‏ (وبح )بمعني انتهي ونهاية‏.‏ ومثل قولنا في الأسماء والصفات‏:‏( ست )بمعني سيدة‏,‏( وننه) بمعني طفل صغير‏,‏ (وخم )بمعني جاهل‏,‏ ‏و وكلمات‏:‏ شونة‏,‏ ودميرة‏,‏ وطوبة‏,‏ وطمي‏,‏ وويبة‏,‏ ووزي‏,‏ وإيش‏,‏ وبرش‏,‏ وصهد‏,‏ وهوب بمعني درس الحبوب‏,‏ ونو بمعني الريح‏,‏ وواوا بمعني ألم الأطفال‏,‏ وكاني بمعني دسم حلو في عبارة كاني ماني‏!‏ .‏ ومن أسماء الأعلام‏:‏ بيومي بمعني البحري أو النيلي‏,‏ وباخوم بمعني الصقر‏,‏ وبسادة من كلمة بسج المصرية القديمة بمعني نور‏,‏ وبانوب أي المنسوب إلي المعبود أنوب‏,‏ وبشاي بمعني عيد أو حظ أو بتاع العيد وبتاع الحظ‏,‏ وشنودة بمعني حي هو الرب‏.‏
واهتم المرحوم أحمد كمال باشا والأستاذ جورجي صبحي بتقصي الكلمات المصرية القديمة في اللغة المصرية المعاصرة‏,‏ وظهرت لهما أبحاث قيمة في موضوعها‏.‏ ومن الكلمات الطريفة التي استشهد بها الأستاذ جورجي صبحي في بحثه المشار إليه كلمات‏:‏ قوطة‏,‏ وجلابية‏,‏ وشبورة‏,‏ وورد‏,‏ وبرسيم‏,‏ ومعدية‏,‏ ودهبية‏,‏ وحلولي بمعني طفلي أو يا صغير‏,‏ وننوسة بمعني جميلة أو ما أجملها‏!‏ وعبارات أخري وألفاظ كثيرة تشيع في الريف‏,‏ وفي الصعيد خاصة‏.‏ وحاول المرحوم أحمد كمال باشا أن يتعرف منها علي اسم بتاو علي اعتبار أن تا في المصرية القديمة كانت تعني الخبز علي وجه العموم وكلمة‏ ‏ عككة‏ ‏ ودلالتها علي الكعك‏.‏ وفي التعبير عن أعضاء جسم الإنسان‏,‏ عبر المصريون في نصوص الدولة القديمة‏,‏ عن العين بلفظ‏ ‏ عين‏ ,‏ وعبر المصريون عن الموت بلفظه الحالي‏.‏ وقالوا منمة أو منامة بمعني سرير ومرقد المتوفي‏,‏ وعبروا عن القمح بلفظه الحالي‏,‏ ففي أعضاء الجسم عبر أهلها عن الأذن بكلمة ادن‏.‏ وليس من سبيل للأسف إلي معرفة مدي فضل المصريين في نحت هذه الألفاظ السامية‏,‏ ولكن يرجح من ناحية أخري‏,‏ أن أهل التوراة استعاروا منهم أسماء ومفردات وأفعالا فأخذوا عنهم اسم موسي بمعني الوليد‏.‏
ودعونا نغوص معا فى بحور الكلمات المصرية , كلمات لها تاريخ, تاريخ يرجع لخمسه الاف :
فاللغة المصرية القديمة لم تندثر تماما - بل انها باقية الى يومنا هذا , بل لااكون مغاليا ان اللغة المصرية بدأ يدب فيها الحياة مرة ثانية بعد ان طال غيابها المؤقت تحت نير مستعمر جاهل احمق. وبدأت تنتشر بسرعة ملحوظة ليس في اوساط الاقباط فحسب بل بين كثير من المسلمين المصريين الذين اهتموا باللغة المصرية ,اضافة الي العدد المهول من الاجانب من جميع الجنسيات واصبح للغة المصرية القبطية مكانة متميزة في اغلب جامعات العالم ومراكز اللغات القديمة ,خاصة بعد اكتشاف مكتبة نجع حمادي والكتب والمخطوطات والبرديات القبطية .
ان مئات الجمل والالفاظ لاتزال مستعملة كل يوم فى اللغة العامية للمصريين .. فما يكاد المولود يرى النور حتى يسمع امه تخاطبه بلغة غريبة عنه ولكنها فى الوقت نفسه اقرب ماتكون الى حسه وفهمه ..
من اوائل الكلمات التي يستعملها الطفل المصري كلمة (امبو) والتي تعني ماء اي اريد ان اشرب وهناك مدينة يطلق عليها كوم امبو فهو اذا جاع - تقوم امه باحضار الطعام له وتقول له ( مم ) بمعنى ان ياكل..
اما اذا ارادت الام ان تنهر طفلها تقول له ( كخة ) وهذه الكلمة قديمة ومعناها القذارة واذا اتسخت ملابسه حذرته امه من( السخام )اي النجاسة..
واذا ارادت ان تعلمه المشى قالت له ( تاتا خطى العتبة ) وتاتا فى المصرية معناها ) امشى) .
اما اذا ارادت الام تخويف ابنها فانها تقول له ( هجيبلك البعبع) والماخوذ من القبطية ( بوبو ) وهو اسم عفريت مصرى مستخدم فى تخويف الاطفال .
وفى موسم الشتاء يهلل الاطفال لنزول المطر بقولهم ( يامطرة رخى - رخى ( وأصل كلمة ( رخى ) فى العامية المصرية هو ( رخ ) فى الهيروغليفية معناها ( نزل) .
وعرف المصري القديم اسم اللحمة باسم( حات ) والجزار اسمه (حاتي )والذي ياكل الطعام كله (حتتك بتتك) اي انه لم يفرق بين اللحم والعظم ويقول حاتا باتا علي الانسان الفقير اي جلد علي عظم ومن الامثلة المصرية القديمة( اخويا هايص وانا لايص) ولايص يعني الطين وكلمة (هوب ليصا ) .
وسيدهش المصريون هنا - اذا ماعلموا ان اصل كلمة ( مدمس ) ومعناها الفول المستوى فى الفرن بواسطة دفنه او طمره فى التراب والتى تشير الى اكثر الوجبات الشعبية لدى المصريين وهو كلمة ( متمس ) المصرية اى انضاج الفول بواسطة دفنه فى التراب
ومن الاكلات الشعبية ايضا التى اكتسبت اسمها من المصرية القديمة اكلة ( البيصارة ) واسمها القديم ( بيصورو ) ومعناها الفول المطبوخ .
ثم هناك المصطلحات الشعبية الدارجة مثل كلمة ( شبشب ) ( الخف ) والتى اصلها قبطية ( سب سويب ) ومعناها مقياس القدم .
وفى الحر يقول المصريون ( الدنيا بقت صهد ) وصهد كلمة قبطية تعنى نار .
وكلمة (واح )والتى صارت واحة بالعربية, وكلمة( نونو) وهي الوليد الصغير,وكلمة (كحكح )وتعنى العجوز, وكلمة( طنش) معناها لم يستجب,....وغيرها كثير -- بطط اى دهس
ويقول ان الفجر( شأشأ )وعندما يتراجع الشخص عن عهوده نصفه انه (حمرا )واذا كان خفيف العقل نقول عقله( تراللي) وكلمة (شاروقة) مازالت تستخدمها المراة امام الفرن وهي تستخدم (البشكور والماجور) كلها كلمات مصرية.
وايضا المكاييل( كاالاردب والويبة والتليس) وكلمات السب مثل بقف (مهياص ) (جاتك اوا) (يكوش) ( جايا) الحقوني
هذا بخلاف كلمات كثيرة جدا وعبارات عديدة من اللغة العامية والدارجة تتبع النطق وما ذكرناه هو لغتنا الحالية لا مثيل لها فى اللغة العربية فى شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج والدول العربية الأخرى وماذكرناه هو علي سبيل المثال فقط وليس الحصر (انظر موسوعة تاريخ اقباط مصر).
وقد احتفظت النصوص القبطية بمفردات كثيرة شاعت في اللغة الدارجة القديمة ولم تهتم بها النصوص الأدبية والرسمية الأولي‏,‏ ولكنها مازالت تستعمل في لغتنا الدارجة حتي الآن مع تلوين دخيل بسيط ترتب علي التجارة‏.‏ كما ترتب علي تأثر أهل الدين الأقباط بالكلمات الإغريقية التي دخلت لغة الأناجيل‏,‏ مثل‏:‏ قلة‏,‏ زير‏,‏ ماجور‏,‏ لبش‏,‏ شوشة‏,‏ ضبة‏,‏ ولظلظ‏,‏ وبوش في عبارة طلع بوش‏!‏ وتوت بمعني اجتمعوا في عبارة توت حاوي‏,‏ ولكلك بمعني عجن‏,‏ وإمبو في الحديث إلي الأطفال‏!‏ ومازالت آثار قواعد اللغة المصرية القديمة باقية في بعض أساليبنا الدارجة مع اختلاف الألفاظ‏,‏ مثل‏:‏ قام كتب‏,‏ وحيكتب‏,‏ ورايح يكتب‏,‏ وبيكتب‏,‏ وعمال يكتب‏.‏
ويقول جمال حمدان الباحث في شخصية مصر ‏:‏ إن كل الغطاء البشري‏,‏ الذي يغطي ما يعتبر الآن العالم العربي هو أساسا فرشة واحدة ومن جذر واحد‏,‏ توزع مع عصر الجفاف وتطورت اللغات والألسن ما بين سامي وحامي‏,‏ لكن الثابت المحقق أن اللغة المصرية القديمة‏,‏ الحامية تصنيفا‏,‏ تشترك في أكثر من عشرة آلاف كلمة مصرية مع اللغة العربية‏!‏
ويفاجئنا بيير روسي الباحث الفرنسي في كتابه التاريخ الحقيقي للعرب إذ يؤكد أن تعريف العرب عرقيا يقتصر علي بدو شبه الجزيرة العربية دون غيرهم‏.‏ ‏,‏ ويوضح أن اللغة العربية المعاصرة قد تطورت عن اللغة الآرامية‏,‏التي تطورت عن اللغات المصرية والكنعانية والآشورية البابلية التي توجد في أصولها العناصر الأساسية للغة العربية‏!‏ ‏.‏
من الثابت أن عرب الجزيرة لم يكفوا عن الخروج منها والتدفق علي مصر أو التسلل إليها طوال التاريخ المكتوب وقبله‏.‏ فقد عرفت مصر قبل الإسلام العرب القحطانيين الزراع الذين كانوا يعبرون البحر ويستقرون في الوادي ويختلطون بسكانه‏,‏ والعرب العدنانيين الذين كانوا يجوبون الصحراء الشرقية كبدو رحل وحاربهم الفراعنة طويلا‏,‏ كما يورد حسين مؤنس في مصر ورسالتها‏.‏
‏ ولنا أن نقول‏-‏ كما يخلص جمال حمدان... وأن تعريب المصريين تحول في النهاية إلي تمصير العرب‏!‏ وبذلك تكون لغتنا التي نتكلمها مصرية وليست عربية كما يتوهم البعض....هل لنا ان ننهض بلغتنا الاصلية لغة الأم .
ويقول السيد محمد البدري : يثبت أن اللغة عند المصريين ليست بذات القيمة بقدر الثبات على الأرض و التمسك بالوطن حتى و لو كان محتلا من الأجانب ، فاللغة عند المصري أداة و ليست هدفا ، وسيلة و ليست قدسا من أقداسه .
فليس غريبا إذن أن تنهار اللغة العربية حاليا لصالح لغات أخري ، بل يتخوف البعض من انقراضها لعدم إمكانها من دخول العصر الحديث بكل معارفه و أدواته ، و لا يهب أحد لإنقاذها .. قديما كان التحول اللغوي مرده إلى سياسة الأجنبي المحتل ، أما الآن فالعولمة والتحولات المعرفية باتت خطرا ليس فقط علي الثقافات ذات اللغات الميتة إما على كل حامل للغة لم تعد تفي بحاجة العصر من خيرات مدنية و أمن اجتماعي و إمكانية الدخول إلى العصر الحديث.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن