الحزب الشيوعي ولعنة التوقيتات

محمد جسون
moh_zahed@yahoo.com

2010 / 9 / 19

أصبح واضحا أن تحديد مواقيت المناسبات الدينية والإصرار المتكرر على تقسيم المناسبة الدينية الواحدة إلى مناسبتين واحدة سنية وأخرى شيعية ينطوي على أهداف سياطائفية بعيدة تسعى بصورة منهجية إلى تكريس وتغميق هذا الخط الشفاف الفاصل بين طائفتي العراق تمهيدا لخطة تقسيمه على أساس طائفي وعرقي , وهي أيضا امتداد لسياسية التهجير التي نجحت إلى حد بعيد في ضرب هوامش روحية التسامح لدى الشخصية العراقية وخلفت أضغانا ستبقى قادرة على العيش لأجيال قادمة .. هذا الابتلاء الذي خلفته الأحزاب والحركات الطائفية انقلب عليها وبدأ المواطن العراقي عملية محاكمتها عن تلك الجرائم من خلال صناديق الاقتراع عندما شهدت آخر انتخابات تراجعا واضحا للأحزاب ذات الخط الطائفي الصريح , وهو تغيير برغم كل شيء يستحق أن نحتفي به لأنه جاء نتيجة وعي متزايد لدى الناخب العراقي بمخاطر هذه الأحزاب وغاياتها الشيطانية , وهذه فرصة ممتازة يجب على التيار الديمقراطي المتعثر في الفترة السابقة استغلالها بحكمة فهذا التحول وان كان طفيفا سيوفر بلا شك بيئة أفضل لبداية صعود هذا التيار الذي يجب عليه الآن يقرِّب بديله الفكري والسياسي إلى الناس والكف ( كما يفعل البعض ) عن اتهام هذا الشعب بسوء الاختيار والجهالة بينما هم يجلسون في بروجهم العاجية , إنها مسؤولية تاريخية تستوجب النضال والتضحية من أجل ملء هذا الفراغ وأن لا يترك هذا الفراغ مرة أخرى نهبا لشكل آخر من المغامرين وتجار الحروب ولكن بعباءة ( أقل عتمة ) وعندها سيكون حقّا على هذا الشعب الذي اتهموه بالجهالة أن يتهمهم بالجبن . خصوصا وأن هذه الأحزاب الطائفية بدأت أستثمار طاقاتها الطفيلية وباتت تتحرك لاستعادة رصيدها السابق من خلال محاولة عصرنة خطابها الدعائي والتخفيف من تابواتها التي كانت تفرضها بكل عجرفة أمام الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية والترفيهية , بل أصبحت تتملق بعض المؤسسات الثقافية من خلال بذل أموال السحت السخية لها .
لكن المفارقة أن نجد اليوم حزبا عريقا كالحزب الشيوعي وفي توقيت أقل ما يقال عنه انه ساذج ينكفئ إلى مداهنة المشاعر الدينية من خلال محطته الإذاعية ( راديو اتحاد الشعب ) التي تبث من بابل حيث أقتصر بثها خلال شهر رمضان بالكامل على الموشحات الدينية وبرامج وفواصل خالية من الموسيقى , ألم يفكر هذا الذي قرر هذه السياسة الغريبة أنه عاجلا أم آجلا سينتهي رمضان وسيكون عليه إعلان العيد .. فعلى أي الأوقاف سيتم إعلان عيد الحزب الشيوعي , والى أي طائفة سينحازون !! وبالفعل كان إعلان العيد من هذه المحطة صورة محزنة من صور التخبط , فقد بدؤوا برنامجهم الاحتفالي وأطلقوا الأفراح والليالي الملاح صباح يوم الجمعة الذي أعلن فيه الوقف السني والتيار الصدري العيد ثم بعد بضع ساعات توقف البث فجأة وحتى نهاية اليوم ولست أدري إذا كان نتيجة خلل فني أو أنهم صحوا من النوم متأخرين فاكتشفوا أن أغلب سكان بابل ما يزالون على صومهم لأن مرجعية النجف لم تعلن العيد بعد فأصابهم الحرج وأوقفوا البث!! أهكذا تدار وسيلة إعلامية حساسة تصل إلى أكثر من مليون مستمع , والغريب إنها تابعة لحزب متخم بالكفاءات والطاقات الفكرية .. الآن رمضان والعيد مضى وعادت المحطة إلى نمطها القديم تبتدئ البث بالسيدة فيروز وتختتمه بناظم الغزالي دون أن تقدم أي مادة دينية .. أليس من حق الناس أن يتساءلوا ألآن ما كان الهدف من هذه النزوة الإيمانية الطارئة , والى أي سياسة إعلامية تنتمي وما الهدف ! تخيلوا فقط لو إننا عكسنا هذه السياسة على أحدى المحطات التابعة لحزب طائفي فاختارت هذه المحطة شهر من أشهر السنة لتقدم فيه برامج منوعة وأغاني عاطفية وذلك بهدف استقطاب ومغازلة العلمانيين !.. تخيلوا مقدار ما سترمى به هذه المحطة من تهم التدليس والسُخف وسيل عبارات التندر من العلمانيين أنفسهم قبل الإسلاميين ... أليست الحالة متطابقة والمقارنة حاصلة ؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن