لا لبناء مسجد نيويورك

رائف بدوي
tnwksa@yahoo.com

2010 / 9 / 13

تزامناً مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية الأليمة، والتي أودت بحياة أكثر من ثلاثة آلاف إنسان بريء، يطالب المسلمون في تلك المدينة المنكوبة ببناء مركز إسلامي يضم مسجدا ومركزا اجتماعيا في نفس المنطقة التي شهدت انهيار مركز التجارة العالمي فوق رؤوس من قضى في ذلك اليوم الأليم.

أشد ما يؤلمني كمواطن ينتمي إلى تلك البقعة التي صدرت أولئك الإرهابيين (دون أن أتشرف بهم طبعا)، هو تلك الجرأة لمسلمي نيويورك والتي تصل إلى حدود الوقاحة، دون أخذهم أي اعتبار لآلاف الضحايا الذين قضوا في ذلك اليوم المشؤوم أو أسرهم.

وما يزيدني إيلاما هو هذا الاستعلاء (الإسلاموي) الشوفيني، على الناس بالإدعاء أن الدماء البريئة التي أهدرتها عقول همجية وحشية، تحت شعار (الله أكبر)، لا تعني شيئا أمام بناء مسجد إسلامي مهمته إعادة تفريخ إرهابيين جدد، فضلا عن أن الطلب ببناء المسجد في نفس المنطقة هو تحدٍّ سافر للذاكرة الجمعية الإمريكية بشكل خاص والإنسانية على وجه العموم والتي لا تقبل بأي حال من الأحوال ذاك المشهد من القتل الجماعي.

والسؤال الذي يفرض نفسه عليّ كإنسان عالمي أولا وكمواطن ينتمي إلى تلك البقعة التي صدرت أولئك الإرهابيين هو ما هذا الاستعلاء على الإنسانية وما هذا التمييز العنصري في الدماء البشرية، ولو فرضنا أن نضع أنفسنا قليلا محل المواطن الأمريكي فهل كنا سنرضى أن يعتدي مسيحي أو يهودي علينا وفي عقر دارنا ثم نبني له كنيسة أو كنيسا وفي نفس منطقة الاعتداء؟؟؟؟ أشك في ذلك.

فنحن نرفض بناء الكنائس في السعودية بدون أن يعتدي أحد علينا فما بالك إذا كان من أراد بناء تلك الكنيسة هو من اقتحم حرمات أراضينا، أليس ما حدث في 11 سبتمبر اعتداء على حرمات أرض ووطن... ومن تلك الأرض وذاك الوطن إنه أمريكا.

ثم ألم نسأل أنفسنا كيف تسمح أمريكا بوجود مبشرين إسلاميين على أراضيها، وكيف نرفض بأي حال من الأحوال السماح بالتبشير على أرض المملكة، أسئلة لم يعد بالإمكان إخفاء رؤوسنا كالنعامة ونقول إنه لا يرانا أحد ولا يهمنا أحد فنحن شئنا أم أبينا جزء من الإنسانية وعلينا ما على الآخرين من واجبات ولنا ما للآخرين من حقوق.

وكما يحترم الآخرون اختلافنا معهم، يجب أن نحترم اختلاف الآخرين معنا، ومن هذا المنطلق الإنساني العظيم أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بادرته الشهيرة والعظيمة "حوار الأديان"، لنكون جميعا تحت سقف الحضارة الإنسانية.

ولذلك لا نستغرب لماذا لاقت دعوة خادم الحرمين الشريفين "حوار الأديان" كل هذا القبول عند العالم أجمع، حتى أصبح الملك عبد الله قدوة ومثالا عالميا، فبالعقل وحده نستطيع أن نجاري العالم الذي يتطور كل يوم.

إن احترام آراء مخالفينا شجاعة، وتقدير معتقدات الناس وخياراتهم وحقهم الأصيل فيما يعتقدون، يتطلب بطولة منا، وبذلك سنشعر بأننا نخطئ على كل الصعد الإسلامية والدينية وأخيرا الإنسانية، عندما يطالب مجموعة منا بناء مسجد في منطقة أقل ما يقال عنها إنها أصبحت تشكل عبئا ثقيلا في ذاكرة الأمريكيين وجميع الشرفاء في العالم.

إن النسيج الإجتماعي والديموغرافي الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يحترم معتقدات الآخرين وحرياتهم الدينية ودور عباداتهم على اختلافها أدياناَ إبراهيمية وحتى غير إبراهيمية، يدعونا بكل احترام وتقدير لمشاعر أهالي الضحايا أن نقول وبكل شجاعة: لا لبناء ذلك المسجد وفي ذلك الموقع بالذات، فأرض أمريكا الحرة واسعة وتقبل الجميع وبالإمكان نقل ذلك المسجد من تلك المنطقة.

وأخيرا لايخفى على أحد من المتابعين لمسلمينا في السعودية وهو أنهم لا يحترمون معتقدات الآخرين، لا بل ونكفرهم أيضا فكل شخص غير مسلم هو كافر وفي حدود ضيقة كل شخص مسلم وغير حنبلي فهو مخالف، فكيف ونحن لدينا مثل هؤلاء أن نبني حضارة إنسانية وعلاقات طبيعية مع 6 مليارات إنسان أكثر من أربعة مليارات ونصف منهم لا يدينون بالإسلام.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن