من ذكريات الماضي ... في البصرة

صباح ابراهيم

2010 / 5 / 2


في البصرة .... مسقط رأسي

ولدتُ في مدينة النخيل ، البصرة الفيحاء ، ونشأت في طفولتي وصباي قرب ضفاف شط العرب الجميل وانهار العشار والخندق وبين احضان غابات الخورة واشجار الاثل التي تنتشرفي المناطق الصحراوية خارج المدينة .
كانت البصرة ومازالت تسمى ثغر العراق الباسم ، او الفيحاء، المدينة المطلة على حافات الخليج العربي ، تمتاز بجمالها وطيبة اهلها وبحلاوة تمورها ذات الانواع العديدة وحرارة اجوائها صيفا وكثرة الرطوبة .

تشبّه البصرة بمدينة البندقية الايطالية لكثرة تغلغل الانهار المتفرعة من شط العرب في ارضها ، والتي تخترق المدينة كالشرايين التي تغذي الجسد ، تسقي بمياهها العذبة بساتين النخيل المنتشرة في كل ارجاءها .

ولدت في مدينة العشار قلب البصرة النابض بالحياة ، حيث مرتع صباي واحلى ذكريات الطفولة . كانت مدرستي الابتدائية ( مدرسة الفيحاء الاهلية ) التابعة الى راهبات الكلدان تجاور نهر الخندق ، وكنت اذهب اليها مشيا مخترقا سوق العشار الرئيس المسمى( سوق المغايز) ، حاملا حقيبتي المليئة بكتب القراءة والحساب والعلوم مع الدفاتر. وكان نظام المدرسة عندما يرن جرس الحصة الاولى ان يقف كل التلاميذ في طوابير حسب الصفوف لنبدأ الصلاة اولا بعد ان تبدءه الراهبة مديرة المدرسة ، ثم يقوم المعلمون والمعلمات بتفتيش التلاميذعن نظافة الملابس والاحذية وتمشيط الشعر جيدا وقص الاضافر مع ضرورة وجود منديل ابيض نظيف مع كل تلميذ . ثم ندخل الصفوف بانتظام .

في اوقات العصر كنا نلعب كرة القدم مع اولاد المحلة في الازقة القريبة من دورنا .
او نقضي بعض الوقت على ضفاف النهر لصيد السمك ، بينما كانت بعض النسوة من العوائل الفقيرة يغسلن الملابس او الصحون في ماء النهروخاصة عندما يرتفع منسوب ماء النهر الى الاعلى تحت تأثير ظاهرة المد والجزر المعروفة بها انهار البصرة لقربها من الخليج العربي.
وبسبب ارتفاع حرارة الجو صيفا في البصرة ، كانت العوائل البصرية تخرج الى المتنزهات والحدائق التي تنتشر على طول ضفاف كورنيش شط العرب , اجمل شوارع المدينة .حيث مياه الشط الزرقاء والامواج المتلاطمة من حركة البواخر التجارية التي تمخر عباب النهر متجة او خارجة من ميناء المعقل التجاري.
وفي شط العرب الجميل ، يركب الناس الزوارق ذات المجاديف او القوارب ذات المحركات للتنقل عبر النهر الى الضفة الشرقية حيث ترقد مدينة التنومة المشهورة بغابات النخيل الزاهية وبساطة اهلها .

تشتهر البصرة بكثرة السينمات الصيفية ، التي تلائم جوها اللاهب ، حيث يرتادها الشباب والعوائل البصرية ليلا للتمتع بمشاهدة الافلام الامريكية او المصرية او الهندية القديمة المنتجة في الاربعينات والخمسينات من القرن العشرين . حيث يجلس المشاهدون على كراسي حديدية غير مثبتة على الارض ، في ساحة مكشوفة بدون سقف ، حيث يهب النسيم الليلي العليل على وجوه الرواد، واذا صادف ان سقطت بعض قطرات المطر في موسم الخريف فيقوم رواد السينما بالهرب والخروج من السينما الا من اراد اكمال الفيلم ولم يهمه البلل فيغطي راسه بورق الجريدة او اي شئ يحميه من المطر .

ومن ذكريات شقاوة الطفولة ، اذكر اني كنت اتفق مع بعض الصبية لعمل مقالب على المارة في زقاق حارتنا ، حيث كنت اربط طرف عملة ورقية من فئة ربع دينار بخيط رفيع لا يرى وقت الغروب، وارمي العملة في وسط الطريق وامسك بطرف الخيط من الجهة البعيدة بعد ان اختبئ في مكان يبعد اكثر من عشرة امتار , وما ان ارى احد المارة ينحني ليلتقط الربع دينار، اقوم فورا بسحب طرف الخيط ، فتقفز العملة الورقية من مكانها ، ويبقى الشخص الذي يريد التقاطها مشدوها حائرا لطيران الفلوس بعيدا ، بينما نقهقه نحن الصبية عليه .

يحب اهالي البصرة النوم على سطوح المنازل صيفا بسبب شدة الحر، واعتاد الناس على فرش الافرشة وقت الغروب كي تبرد من تأثير حرارة الشمس التي تلفحها طول النهار،ولمها صباحا، ورش ارضية السطح بالماء لترطيب الجو . وتناول الفواكة الصيفية الباردة كالبطيخ والرقي والعنب فوق السطوح قبل النوم كي تساعد على اطفاء الظما وتبريد الجسم .

كان يحلو لجدتي العجوز ان تحكي لنا حكايات جميلة ونحن ممدين على اسرتنا ننظر الى نجوم السماء الصافية والقمر ، لتساعدنا على النوم حتى نغفو ونحلم بيوم جديد .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن