متلازمة الجنس و الموت

رندا قسيس

2010 / 5 / 2

قام الكثير من مختصي النفس و الانتربولوجيين بدراسة المعتقدات القديمة، ليتوصل البعض منهم الى ضرورة تشخيص الحالة الغريزية الجنسية عند الانسان لفهم الاساطير التي بدورها كانت اساس الروحانيات و الاديان، فاعتبر البعض ان المنطقة التناسلية شكلت العنصر الاساسي لجميع المعتقدات.

اعتبر " جيزا روهيم" ان العلاقة الجنسية مثلت الفكرة اللاواعية المؤسسة للروحانيات فهي المادة المركزة للروح، و حسب تفسيره لاساطير شتى، اتضح له وجود علاقة مترابطة ما بين النطاف و الروح، فالعضو الذكري مهدد في حالة الانتصاب و التزاوج للانفصال عن الجسد، اي انه مهدد بالخصي. هذا المعتقد المتسرب الى الافراد بشكل لاواعي، دفع الكثير من مختصي علم النفس و الانتربولوجيا الى التعمق في اساطير القبائل، فوجد "روهيم" على (سبيل المثال) أن افراد بعض القبائل كقبيلة ال "ماوريس" التي اعتبرت ان النشوة الجنسية عبارة عن ضياع للروح و خصوصاً عند قذف النطاف لدى الذكورالى الخارج، اي ان الروح عبارة عن شكل اخر للحياة المتمثلة بالنطاف الذكوري، اما الموت فهو يتمثل في العضو التناسلي الانثوي، و هذا ما نراه في اسطورة "موي" عند التقائه مع " هيني-نوي-تي-بو" و المسببة لموت "موي" عند تزاوجهما، و من اجل درء المخاطر و الاحتفاظ بالروح، كان لدى هذه القبائل ممارسات سحرية و اقوال تحمي العضو الذكري من الموت عند التزاوج. لا بد لنا ان نقارب مفهوم الارض مع هذه الاساطيرو التي هي (اي الارض) انثى في لغات و ثقافات عدة، فنراها ترمز قبل كل شيئ الى الموت، فكما قالت: الارض ل"رانجي" في اسطورة اخرى "سأسترجعكم جميعاً في الموت".
فالارض تعبر عن فناء الجسد، ففيها نفنى و نتلاشى، و عند البحث في الثقافات الانسانية القديمة نجد ان السماء او الطبقات العليا ترمز الى الذكورة كما هو الحال عند الاغريق، ف"اورانوس" هو الغلاف الجوي الذي يحيط "غايا" الهة الارض ، كما نرى ان هذا المفهوم يتكرر ايضاً عند الصينين في "اليانغ و الين".
لنلقي نظرة على مفهوم الجنة و النار عند "الكارينز"، الذي يتطلب من المرء عبور جسر رمحي ما بين الارض و السماء للوصول الى الجنة، حيث لا يجتازه الا بعض من الرجال القادرين على المرور، اما البعض الاخر منهم الذين يستصعب عليهم اجتيازه، نراهم يتساقطون منه ليتحولوا الى نساء على الارض، اذاً النساء عند هذه القبيلة عبارة عن رجال مذنبين تم عقابهم بواسطة الخصي اي حرمانهم من عضوهم الذكوري.

لا ننسى ان خوف الذكر البدائي من ضياع النطاف و جهله لعملية التكاثرو استقبال الانثى لنطافه، ساهم في تسطير اساطير عدة حيث ربطت عملية القذف بالموت، من هنا نجد معنى لمنع عملية التزاوج بين الذكر و الانثى في حالة الحرب عند بعض القبائل، فهي تبشر بخسارة امام العدو، لنلاحظ وجود الكثير من الممارسات السحرية عند بعض قبائل الهنود الحمر لاسترجاع المني و ذلك اعتقاداً منهم بتواجد روح الذكر في نطافه، و بما ان عملية القذف مترابطة مع تلقي الانثى له، تم ربط العضو التناسلي الانثوي مع مفهوم الموت، و لهذا ربما نجد في معظم الاساطير و الاديان مفهوماً قهرياً للمرأة ليلقى على عاتقها مسؤولية الشر و العذاب.
عملية الخوف الذكوري من الخصي نراها في اساطير عدة، كأسطورة اوزيريس- سيث او التي تروي قصة القوم الاول، و العراك ما بين الاب و الابناء من اجل النسوة، حيث قام اوزيريس بخصي اباه، و المشابهة في حد ذاتها لعملية قتل الاب البدائي. فبعد محاولة " فرويد" في فك اللغز الطوطمي، حيث فسرلنا علاقة الانسان بطوطمه ليتم استبدال الطوطم بالاب لترتفع مرتبته مع الايام الى الاعلى، طبعاً هذه الجريمة سببت في نشوء عقدة الذنب، و التي نراها في ثقافات و اساطير و اديان عدة.

شكل الموت لدى الانسان هاجساً مزمناً، فنرى ان معظم الاساطير ارتكزت على فكرة الحياة ما بعد الموت، و اعتبار الموت ولادة جديدة، لهذا يعتقد ان فكرة التحنيط نفسها قائمة على مبدأ ايجاد حياة جديدة ما بعد الموت لاعطاء مفاتيح السعادة الابدية لكل من آمن بها، و هذا ما نلاحظه مكرراً في بعض الاديان التي دعمت مبدأ السعادة الابدية، و بما ان الانسان القديم عجز عن ايجاد مفهوم توازني ما بين السعادة الارضية و الابدية و ذلك لتراكم المشاعر اللاوعية المتضادة فيما بينها، لم يستطع خلق سعادتين في آن واحد، و بما ان فترة الحياة تعتبر فترة قصيرة، قام الانسان بتعويضها في مكان آخر اي تعويض السعادة الارضية بسعادة واهية ابدية خارجة عن حدود الارض و العقل.
كما نجد عند تعمقنا اكثر في بعض القوانين القديمة الاجتماعية ان اعتقاد الاتسان الطوطمي في وجود كائنات حية وراء بعض الظواهر الطبيعية ما هو الا محاولة منه للحفاظ على الحياة، فتبادل الارواح بين الانسان وطوطمه، على حسب تفسير "فريدزر"، و انتقال الطاقة الحياتية بين الكائنات الحية كانت سبباً من اسباب خلق الانسان للابدية.

نعود الى اساس العراك بين الانسان و قرينه المرتكز على تلبية الحاجات الغرائزية (من بينها حاجة الاكتفاء الجنسي)، اما عدم اكتفاء الحاجات الجنسية تسبب حالة من العنف تجاه الاخر، و من هنا تحدثت نظرية "فرويد" عن تسامي الدوافع الجنسية الى قيم و اهداف اجتماعية تصب في مصلحة الثقافة الجماعية، الا انه علينا ان لا ننسى ان العملية الجنسية كانت عاملاً اساسياً في خلق الانسان لاساطيره و اديانه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن