يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد، صراع عقيدة أم صراع منفعة ؟

الطيب آيت حمودة

2010 / 4 / 18

الكتابة ُ عن إسهام الأمازيغ في تمكن الإسلام د ينا ولغة لا يرضي زبانية الفكر القومي العروبي ، الذين اناخوا الإسلام عبر شبكة الأحاديث الضعيفة ، وتربعوا على عرشه ، وحولوا أنفسهم إلى قاطرة تجر الإسلام ، أو قل خيمة بداخلها الدين ، فهم مقتنعون أنهم والإسلام مثل الجسد والروح ، ومن هنا تكونت قدسية العرب باعتبارهم حواريو الإسلام ، وأصبح جهد المسلمين باسم الإسلام يصب في معين العروبة ، فلوّن جهد هم بلون العروبة قسرا ، فأصبحت حضارة المسلمين ( عربية) ، وانتشار الاسلام عربيا ،لا يقدر على منافستهم الفضل في ذلك قادر .
استطلاع التاريخ ، وإعمال العقل فيه ، يوضح أن العرب ، هم جزء من كل ، وأنهم والأقوام الأخرى غير العربية متساويين أمام الله ، فلا تمايز إلا بالتقوى ، فمعيار القومية ممقوت مدحور بنظرة المتدينين الفعليين ،ورغم شراسة المعارضة السرية والعلنية ، إلا أن العرب ومن سايرهم ، قد جدوا في غرس الفكر الآثم ، ومدوه عبر التآليف المندسة التي يغلب عليها فكر الهوى ، وهو ما أحدث انشقاقات في صفوف المسلمين ، والعرب هم أول من مثل القاطرة القومية ، عبر التاريخ الإسلامي ، وأنتجوا هزات متتالية بفعلهم ، بدأت بظهر الفكر الشعوبي ، وأفضت حاليا إلى انقسام المسلمين العرب إلى ملوك الطوائف بشكل جديد تحت مسمى الجامعة العربية .
فإذا كانت الأقوام الغربية الأوروبية جادة في البحث والإنتاج العلمي ، والإصلاح الديني وما واكبه من تطور في شتى المجالات ،وبلوغه مستوى راق في التفكير منها أن المعيار السلالي لا قيمة له ، إلا أن العرب ما زالوا في غييهم حتى الآن ، فهم مازالوا متشبثين (بقيم خير أمة) التي حسبوها عربية ، كما حسب أجدادهم الكافور ملحا عند فتحهم لعمورية ، وعنهم تعلم الترك والفرس والأقباط والنوبيون والأمازيغ قيّم العنصرية إما تماهيا أو نرجسية مماثلة ، وما اقترفوه من جرم في إركاع الخلافة العثمانية تعاونا مع الأنجليز يعد شبيها بما فعله المعتمد بن عباد الأندلسي العربي بعد استعانته بجيوش ألفونسو السادس النصراني في ضرب المرابطين المسلمين .
ولو عدنا الى ذاكرة التاريخ لوجدنا فيه ميلانا إلى القوم العربي ، وعزوفا مقصودا عن ذكر جهود غير العرب ،وإذا لم يستطيعوا حجبه فهم ينسبونه لقومهم على شاكلة استلحاق معاوية بن أبي سفيان لزياد بن أبيه ، ولو بما يخالف القرآن . ولعل فيما يذكره الكاتب المحترم فاضل الخطيب في مقاله لماذا ياعرب ؟ إشارة واضحة لذلك ( أنظر الرابط http://tomaar.selfip.com/vb/showthread.php?t=41218).
وإن تأخر انتشار الإسلام في ربوع شمالنا الإفريقي ، والذي عرف فترات مد وجزر دامت قرابة السبعين عاما ، بسبب عدم أهلية الوافد الذي وقف عاجزا عن ترجمة معاني إيصال الإسلام للبشرية جميعا ، فكانت بشاعة القتل السمة الأبرز في الفعل ضد أناس يجهلون تعاليم هذا الدين ، أو أن الغازي لم يكن مقنعا في فعله الذي جاء مناقضا لتعاليم الدين لذي تسربل به ، لأنهم ترجموه بصورة سلبية نابذة أكثر منها جابذة ، ويتضح ذلك جليا في تجاوزات عقبة بن نافع ، ومن لحقه من قادة الغزو العربي ، وقد تفطن الأمازيغ لرغبة العرب الإستحواذ على البلاد ، فأشعلوها حربا تحت لواء الفكر الخارجي الصفري ، فكانت انتصارات ميسرة المدغري ، و خالد بن حميد الزناتي مدوية في ربوع المغرب والأندلس في معركتي (الأشراف ، وبقدورة ) سقط فيها جل العرب ، وقفل الباقي راجعا نحو الشرق ، فيما انكفأ الباقي بقيادة بلج بن بشر القشيري محاصرا في منطقة سبتة وطنجة بين الأمازيغ وعرب الأندلس . .
فالإنسان الذي ولد في جحيم الاستبداد العروبي ، يعرف قيمة الحرية أكثر من الذي ولد في زمانها ، فلذا قد يكون الأمازيغي مدركا لقيمة الحرية ومدافعا عنها أكثر من غيره وبأساليبه الخاصة ، ونحن حاليا في أوطاننا ( إلى حاكم فعال أحوج من حاكم قوال )[1] . ومن لم يقدر على تثمين جهده ، ثمَّنهُ له الأنداد والخصوم ، على هواهم ، ولعل في تاريخنا المرابطي الأمازيغي دلالات تشير إلى ذلك ، فبعد أن أطاله النسيان بفعل وتوجيه من المستشرقين ، صفق لذلك التوجيه عرب المشرق مرحا [2] ، واقتنع به أمازيغيونا تماهيا مع العربان قائلين ( لو دخل العرب جحر ضب لدخلناه ).
في حقيقة الأمر أن الملثمين الذي عرفوا بالمرابطين ، تعد دولتهم أمازيغية إسلامية خالصة ، وهي دولة تمكنت من توحيد الشمال الإفريقي تحت سلطانها ردحا من الزمن ، وكانت مناصرة للمسلمين الأندلسيين أيام محنتهم مع الفونسو السادس الصليبي ، فكانت وثبة المرابطين في الزلاقة عام 479 للهجرة ، عنوانا للولاء الإسلامي ، وقد عبروا لرابع مرة ، لأسباب مختلفة ، آخره استكمل بإزاحة ممالك الطوائف ، وكان لسقوط اشبيليا والمعتمد بن عباد وقعٌ خاص في نفوس عرب المشرق والمغرب، الذين اعتبروا فعل المرابطين فعلا بدويا بربريا ضد عرب الحضارة ؟ !!! ولعل ما وقع أيام ثورة الزنج ضد عرب الدولة العباسية هو صنو لما وقع في بلاد المغرب والأندلس ، حيث زحزح البساط من تحت أقدامهم لأسباب وجيهة ليدركوا أن ما كان جائزا لهم قد يجوز لغيرهم .
القراءة في التراث و مخلفات المؤرخين المدونة ، يكتشف التقية البارزة فيما يُكتب ، فالمؤرخون العرب تناولوا تاريخنا الأمازيغي بتبعية مطلقة ، فالجهد كله للعرب دون سواهم ، والحقيقة المستخرجة عرضا من أقوال المؤرخين تظهر أن للأقوام المسلمة دور فعال في خدمة الإسلام والمسلمين ، فجل عظماء الإسلام ليسوا عربا إثنيا ، وما وقع من امتعاض واستهجان ليوسف بن تاشفين عندما زحزح المعتمد بن عباد عن السلطة يثير في نفوسنا عدة تساؤلات ، منها هل الوجود الإسلامي (عربا وأمازيغ ) في شبه جزيرة ايبيريا يعد فتحا حقيقة ؟ أم أنه غزو إسلامي تقاسم فيه الأندلس المضريين واليمنيين والأمازيغ ، و أن الإسلام لم يُنشر فعليا بقدر ما انتقلت جماعات إسلامية لتعميره والاستئثار بخيراته ؟ !! فهم عاشوا بها قرابة التسعة قرون ولم يحولوها الى الإسلام ، فعندما خرجوا خرج الإسلام معهم ، وذاك يعني أن الأسبان لم يتحولوا إلى الإسلام بالقدر الذي تحول فيه المسلمون إلى النصرانية [3].
فنقمة بعض العرب المستترة تظهر عداء مركبا لتاشفين ، كيف لهذا البربري البدوي أن يستئثر بهذا الفضل الكبير على حساب العرب الأشراف ؟ ، كيف لهذا البربري أن يكون ندا للخليفة عمر بن الخطاب وشبيها لمواقفه؟ ،أو صنو لعمر بن عبد العزيز في إصلاحاته ؟ وكيف يجرأ القوم دعوته إلى قبول تسميته بخليفة المسلمين ورفض ،وأعلن التبعية الإسمية للخلافة العباسية، وقبل تسميته بأمير المسلمين وناصر الدين ،ووصف بالخليفة الراشدي السادس ، كيف لهذا البربري أن يظهر عفافة وتدينه برفض غنائم الزلاقة قائلا : جئت مجاهدا في سبيل الله ولم آت طلبا للغنيمة ؟، كيف لهذا الأمازيغي البربري أن يعطي دروسا في الإيمان وحسن المعتقد الذي أبداه في دعائه حين كان وجنده وسط البحر الهائج ( اللهم إن كان ذهابي إلى الأندلس خير للمسلمين فهديء هذا البحر ، وإن كان غير ذلك فأعدنا حيث جئنا)؟ ، كيف لهذا الأمازيغي أن يمدد حكم الإسلام في هذه البلاد أربعة قرون أخرى ، ويحصل على ثناء صاحب الرحلة المراكشية ، والحلل الموشية والروض القرطاس ، في حين أن معتمدهم تعاون مع الفونسو النصراني في ضرب أخوانهم المسلمين ؟ بالرغم من قوله فيما سبق أن رعي الإبل عند تاشفين أفضل من رعاية الخنازير عند ألفونسو ، فبفعلته تلك نزل من القصر بالقسر ، إلى قبة الأسر في أغمات منفيا مقهورا ، كيف للشاعر أن يقول فيه : لولا يوسف المنقى ***** رأينا الجزيرة للكفر دارا
رأينا السيوف ضحى كالنجوم *** وكالليل ذاك الغبار المثارا.؟
وكيف يحصل هذاالأمازيغي على رضاء الفقهاء والعلماء وعامة الناس ، منهم الإمام ابن حزم الذي دعاه إلى نصرة الإسلام في الأندلس ؟..
وفي المقابل نجد المعتمد بن عباد ، ملك اشبيليا ( أقوى مملكة في الأندلس) ، مال إلى العربدة واللهو والمجون والخلاعة ، وإتيان المنكر، وكان ذاك الإسراف المادي سببا في سقوط طليطلة في يد الإفرنج ، وكثيرا ما خضع لشروط الفونسو القاسية ، وقدم الجزية صاغرا ، وقد تجرأ الفونسوا على إهانة المسلمين بأن طلب من المعتمد أن تلد زوجته داخل حرم مسجد قرطبة ؟ وطلب نجدة من يوسف فأنجده ، وتحقق نصر كبير على الصليبيين ، فتكاثر المباركون والمهنئون عند قصر المعتمد . وعندما شعر بالخطر المرابطي الداهم لم يتوان في الإستعانة بأعداء الإسلام ضد المسلمين ، فوضع يده بيد الفونسوا وقدم له ابنته ( زائدة) عربون محبة ، مؤديا له الجزية عن طيب خاطر ، ويبدوا أن أسره في أغمات قد أسال حبرا كثيرا وحسرة كبيرة في نفوس القوم الذين وصفوا فعل تاشفين بالقسوة والغلظة البدوية ، متناسين أن رهافة حس معتمدهم وشاعريته لم تمنعه من قتل صديقه ووزيره الشاعر أبي بكر بن عمار داخل السجن ، ولعل ما فعله ويفعله سلاطين دول الخليج حاليا مع أمريكا مستلهم من تصرفات المعتمد بن عباد ، فإذا كان المعتمد وجد ندا له أنزله حق قدره أسرا في أغمات ، فمن هم أنداد هؤلاء الذين استقدموا جيشا نصرانيا للقتال مسلمي العراق ؟

خلاصة القول أن العرب بغزوهم وفتحهم نافقوا أهالي البلاد المفتوحة باسم الدين ، علموهم كيف يخضعون للوافد ، علموهم كيف يسفكون الدماء ، ويقطعون الرؤوس ، علموهم أن العرب هم تاج على رؤوس الموالي الأعاجم ، علموهم كيف يكونوا صورة نمطية لهم ، فكان طارق بن زياد ، ويوسف بن تاشفين ،والمهدي بن تومرت ،وأتباعهما بالأمس ضحايا سجن عقائدي يبيح الجهاد والقتل في كل زمان ومكان بفرمان من الله العلي القدير ، وعلموهم نفاقا أن الإسلام لا يصح إلا مقرونا بالعربي ؟ ولو كان هذا العربي بصفات المعتمد ؟ ، هؤلاء هم الذين شيدوا اليوم ضريحا أنيقا لمعتمدهم في أغمات ، وتركوا ضريح يوسف بن تاشفين في مراكش خرابا ، ولا غرو أن في ذلك نظرة مخزنية متطرفة مصابة بداء يعرف اصطلاحا بالأمازيغوفوبيا ، وتقديرهم أن نقد تصرفات الإنسان العربي هو نقد للإسلام وانتقاص من تعاليمه ، وكل نقيصة يرمى بها (هذا العربي ) تعد كفرا، لأن حب العرب إيمان وبغضهم كفرا كما علمونا دائما وأبدا ؟؟؟ ..وفي ذلك كله إشارة ضمنية بأن العرب لم يتجهوا غربا لنشر الإسلام وإنما حلوا لسفك الدماء وتعليم المسلمين الجدد كيف يخضعون للوافد دينا ولغة وتاريخا وتراثا ، وكل محاولة للإبانة التمايز عنهم ، تعد في عرفهم ضلالة وردة و تغريد خارج السرب .

الهوامش ---------------------------------------------------------
[1]مقولة الخليفة الراشدي عثمان بن عفان عنما ارتج في كلامه وهو على المنبر ( أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ) فنزل من المنبر ، فكان ماقاله أبلغ من خطبة .
[2] المشارقة لا يرضيهم تفوق المغاربة وذاك من عنصرية المشرق على المغرب ، وفي قول ابن حزم ما يترجم ذلك /أنا الشمس في جو العلوم منيرة *** ولكن عيبي أن مطلعي الغرب (ابن حزم الأندلسي ).
[3] أفكار مستوحاة من رواية هاني النقشبندي السعودي في روايته بعنوان ( سلاّم ) يصف فيها الفعل الإسلامي في الأندلس بالغزو .




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن