مشكلة الفقر

زهير قوطرش
globus102@yahoo.com

2010 / 3 / 28

يقول فقيد الأدب العربي عباس محمود العقاد:
"وليس في وسع أحد أن يزعم أن ميزان المجتمع سليم من الخلل في توزيع الأرزاق أو تقدير المكافآت على حسب الجهود.ففي كل أمة أغنياء لا يستحقون الغنى,وفقراء لا يستحقون الفقر".
إن المضطلع على تقارير هيئة الأمم المتحدة في كل عام ,يقرأ ويستنبط منها أن هناك هوة شاسعة بين الغنى والفقر ,حتى أصبح من العسير إقامة جسور من التعاون بين الأمم الفقيرة والأمم الغنية.والسبب الذي لا يغيب عن عاقل ,في أن جشع وطمع بعض الدول ,وبعض الحكومات التي تتطلع دائماً إلى المزيد من الثراء عن طريق تثبيت مصالحها على حساب فقراء العالم .
ومشكلة الفقر ,ليس في كونها مقصورة على الجوانب الروحية والخلقية. لكن المشكلة حين يكون الفقر دافعاً لزيادة الجرائم (السرقة ,والرشوة ,والنهب ,تفككك الأسرة) إلى جانب الإرهاب والتطرف.

الفقر يولد الفوارق الاجتماعية ,بين مجتمع الوفرة,ومجتمع الفاقة.وهذا الفرق يولد حتى ضمن الدولة الواحدة ,البغضاء والتبرم ,لما يحدثه الفقر من كوارث وأخطار اجتماعية.
وحتى نكون منصفين للفكر العالمي ,يجب أن نقر أن مفكري العالم , وعوا ويعون خطورة الفقر ,وقد وضعوا لذلك العديد من النظريات الاجتماعية والفلسفية.
بعضهم رأى أن الحل الوحيد للقضاء على الفقر والمجاعة هو بتحديد النسل .وذلك عن طريق سن القوانين الجائرة.
مالتس وأنصاره ,يعتبرون أن الفقر والفاقة مردها إلى أدوار بيولوجية واقتصادية سابقة طرأت على العالم ,ويدعون إلى بتر النسل.بل ويعتبرون أن الزيادة السكانية هي التي تدعوا إلى عالم المجاعات والقلق.
وبعضهم ادعى أن الفقر والفاقة والجوع ,تعتبر نوعاً من القوانين الطبيعية,أو هي من مخلفات الحروب البشرية.


كل هذه النظريات تلوم الفقراء على فقرهم ,والجياع على جوعهم.والمحرومين على فاقتهم. وبدلاً من فتح أبواب الرزق لهم ,يودون لو أنهم يستطيعون قتلهم والتخلص منهم.
الاشتراكيون ,على مدى التاريخ عالجوا موضوع الفقر ,وتفاوتت نظرياتهم وحلولهم ,حتى توجت بالنظرية الماركسية مع تطبيقاتها العملية في روسيا القيصرية, ودعت الماركسية إلى النضال الطبقي من أجل إعادة حقوق العمال والفلاحين في وسائل الإنتاج ,وقيام مجتمع لكل حسب عمله.
لكن التطبيق أظهر ,أن الفقراء والمحتاجين ,كانوا يُستغلون من قبل عدد قليل من الإقطاعيين والرأسماليين ,وإذ بالحزب الذي قاد عمليات التحول الاشتراكية ,حرف الاتجاه إلى أن أصبح عدد الذين اغتنوا من قيادات الحزب على حساب الشعب يفوق عدد المستغلين الأوائل قبل تطبيق الاشتراكية.
جورج سورس أحد أقطاب الاقتصاد العالمي الجديد ,يقول "لقد أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف إلى المركز .(المركز ...الدول الغربية ,الأطراف...الدول النامية).وهذا يعني باختصار أن العولمة حولت فتات ما كان يقتات عليه الفقراء إلى موائد المتخمين"

وهناك فرق بين الزهد ,والفقر.... الزهد هو اختيار نمط معيشي معين في الحياة بإرادة ذاتية ,أما الفقر ,فهو الحالة التي تُفرض على الإنسان خارج إرادته , بحيث الفقر يحيط به من كل نواحي حياته ,وهو لا حول ولا قوة له.
عوامل الفقر هي بعيدة عن الفطرة والطبيعة ولهذا يمكن تبديلها أو تغيرها.وخاصة إذا بحثنا في الأسباب التي يمكن تلخيصها ,بسوء عدالة التوزيع ,وقلة الموارد,وندرة الصناعة ,وغياب العدالة الاجتماعية .

الأرزاق في العالم متوفرة بأكثر من حاجة البشرية ,لكن هناك من اغتال ويغتال هذا الرزق (فئة قليلة من عدد سكان العالم) ,ويجيره إلى حسابه على حساب الشعوب والأفراد .
لهذا ...لا يمكن أن نطالب بتحقيق العناوين الكبيرة في عالمنا العربي ,مثل الحرية والديمقراطية والعلمانية والليبرالية ,قبل وضع حلول جذرية و نسبية لمشكلة الفقر .
الحلول التي تم تقديمها لحل مشكلة الفقر تتلخص في تقديم الغذاء والدواء والخيام دون السعي لإيجاد حلول طويلة الأمد ,ذلك لأن الحل لا يكمن في تقديم القوت للجياع ,بل يجب القضاء على الأسباب.
ويبقى السؤال المطروح ,هل في الأديان على اختلافها حلولاً لمشكلة الفقر؟ الجواب .....نعم هناك تشريعات إلهية لحلها, لكن التدين والفكر الديني ,حول تلك التشريعات أيضاً إلى ينابيع يغتني منها رجال الدين ومن يدور في فلكهم.
ويبقى السؤال ....كيف يمكن حل مشكلة الفقر؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن