هل الإيمان بالله وراثيّ أم مكتسب ؟

محمد كشكار
mkochkar@gmail.com

2010 / 2 / 23

أنطلق هذه المرّة من بحث أجريته علي عيّنة تتكوّن من 275 أستاذ تعليم ثانوي تونسيّ.
طرحت فيه السؤال التالي : هل يوجد استعداد للإيمان بالله يورّثه الآباء للأبناء ؟
أجب بنعم أو لا ثم علّل جوابك. بعد فرز الأجوبة, توصّلت إلي النتائج الآتية: 78,5 % من الأساتذة أجابوا بلا و %14,3بنعم و%7,2 لم يجيبوا. نصف المستجوبين تقريبا لم يعلّل جوابه و 40 % فسروا رفضهم لتوارث الإيمان بتأثير البيئة التي يعيش فيها الأبناء و 10 % قدّموا حججا أخري.
قبل أن أشرع في التحليل أجيب علي سؤال قد يسأل: لماذا هذا البحث من أصله و المسألة واضحة و محسومة لدي الجميع و الإيمان مكتسب و ليس وراثيّ؟
كل العلماء يؤكدون أن لا وجود لمسألة واحدة في العالم واضحة و محسومة و لنقرأ معا ما ورد في غلاف مجلة "العلم و الحياة": "مخّ الإنسان مبرمج (programmé) للإيمان. اكتشاف الجزيء (molécule) المسئول عن العقيدة ؟" و نتابع ما كتب في الصفحة 49 : في جامعة سويدية توّصل فريق من الباحثين إلي ربط درجة التديّن بنسبة السروتونين(sérotonine) في المخّ و هي إفراز عصبيّ ينقل المعلومات من خليّة عصبيّة إلي أخري و هي مسئولة علي الإحساس بالجوع و العطش و النوم. و توصّل فريق آخر في جامعة أمريكيّة إلي ربط التديّن لا بالمحيط الذي ترعرع فيه الشخص فقط بل بما هو مكتوب رمزيّا في جيناته((gènes.
نوجه سؤالين إلي الفريقين : أولا علي أي تديّن يتحدّثون ؟ المسيحيّة أم الإسلام أم اليهوديّة أم البوذيّة أم المجوسيّة ؟ ثانيا و الملحدون ! أين ذهبت جينة التديّن عندهم ؟ هل هي موجودة و صامتة ؟ من المسؤول علي عدم وجودها أوصمتها ؟ نترك العلماء الأفاضل يواصلون بحوثهم لعلّهم يكتشفون ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء.
نعود الآن إلي بحثنا الذي بيّن أنّ أكثرية الأساتذة يعتقدون أن الإيمان مكتسب و ليس وراثيّ. يقولون أنه نابع من دور المحيط العائليّ و المدرسيّ و الثقافيّ في نحت سلوكيّات الإنسان و أفكاره و معتقداته خلال تجربته الشخصيّة في الحياة. أما الذين أجابوا بنعم فيبرّرون إجابتهم بأن كل الصفات الذهنيّة محدّدة مسبّقا في الجينات مثلها مثل لون العينين أو فصيلة الدم.
يبدو لي أن جل العلماء المعاصرين تقريبا قد أجمعوا علي أن كل الصفات الذهنيّة و السلوكيّة هي وليدة التّفاعل الدائم بين الموروث و المكتسب, أي بين الجينات و المحيط الداخلي و الخارجي للخلية, منذ نشأتها من اتحاد الخليتيّن التناسليّتين, البويضة و الحيوان المنويّ.
خلاصة القول, الإيمان بالله هو سلوك ناتج عن إرث ثقافيّ مكتسب عبر العصور لكن لا يؤمن إلا من ورث مخّا بشرياّ لأن الحيوانات لا تدرك الأفكار المجرّدة و همّها الوحيد هو البقاء علي قيد الحياة أطول مدّة ممكنة و إشباع رغباتها الغذائيّة و الجنسيّة للمحافظة علي النوع.
نذكّر بأن الجدل العلميّ الذي كان قائما بين نسبة الموروث ونسبة المكتسب في الصفات البشريّة و خاصة الذهنية منها قد ولّي و انتهي و أصبحنا نقول أن الصفات الذهنية مثل الإيمان بالله أو الذكاء وراثيّ بنسبة 100 % و مكتسب بنسبة 100 % .
سنواصل وسنعمّق هذا البحث داخل مشروع عالمي مموّل من طرف الاتحاد الأوروبي, عنوانه
"CITIZEN- BIOHEAD " و يعنى بعلاقة البيولوجيا بالتربية الصحيّة و البيئيّة قصد تطويرها حتى تخلق مواطنا واعيا. طرحنا في هذا البحث السؤال المذكور أعلاه علي عيّنة أكبر من عيّنتنا في 19 دولة منهم تونس و سنفرز الأجوبة في أواخر سنة 2007 و سوف نمدّكم بالنتائج والاستنتاجات في الإبان.
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى".
Références bibliographiques : REVOY, N. & BOURDIAL, I. (2005). Pourquoi Dieu ne disparaîtra jamais. Sciences & Vie, 1055, pp 47- 66.
ATLAN, H. (1999). La fin du « tout génétique » ? Vers de nouveaux paradigmes en biologie. Paris : Editions de l’INRA.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن