الصحراء، القبيلة و ما قبل تشكل الدولة المغربية.

بودريس درهمان
OURIBLI@HOTMAIL.COM

2010 / 1 / 25

بداية غشت سنة 1994 قام معهد أسبين بولاية كولورادو الأمريكية بتجميع لمدة أسبوع حوالي عشرون من الفاعلين الدوليين منهم ماركريت تاتشر، جيمس بيكر، وزراء من أسيا، أوروبا و أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى موظفين مرموقين في الأمم المتحدة. حضر هذا الاجتماع المغلق من الجانب الفرنسي شخصيتان مهمتان هما جاك أتالي وبرنار كوشنير وزير الشؤون الخارجية الفرنسي الحالي. موضوع اللقاء المغلق كان هو محاولة استشعار نوعية الأزمات المرتقبة لما بعد الحرب الباردة. جاك أتالي الذي حضر اللقاء، لم يتطرق إلى محتوى النقاش الذي دار في الجلسة المغلقة لأنه كما قال مثل هذا النقاش لا يستفيد منه إلا منظمي اللقاء؛ لكن رغم ذلك فقد حدد مجموعة خصائص تهم الحروب المرتقبة. أول هذه الخصائص هي أن الحروب القادمة هي حروب مزمنة ستحدث في المناطق البدوية التي لازالت فيها القبيلة هي المجال المعبر عن أشكال الهوية. مثل هذه الحروب تحتاج إلى تدخل قوة عظمى لضبط النظام. لكن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى لا تتوفر لا على التجربة ولا على الإمكانيات المادية الممكنة للتدخل في جميع أنحاء العالم. الأمم المتحدة هي الأخرى لا تتوفر على الإمكانيات القانونية و المالية العسكرية للقيام بهذا الدور. الحل الوحيد لمثل هذه الأزمات المقبلة هو الاندماج الاقتصادي و السياسي الجهوي. لان هذا الاندماج سيخفف من حدة الصراع حول الحدود التي هي دائما أصل النزاعات. تبقى نقطة واحدة جد مهمة و هي أن الحروب و المذابح المقبلة يمكن لمجموعة من المعاهد الدولية التنبؤ بوقوعها و لهذا لا يجب الانتظار إلى أن تحدث فعلا.
رغم هذا الإنذار المبكر و الذي تم الفصح عنه سنة1994 ففي الصحراء المغربية بقيت القبيلة هي القبيلة و العشيرة هي العشيرة. الحضور المادي و الرمزي للقبيلة لا يمكن إنكاره، حتى في باقي التراب الوطني؛ و لكن تدبير الانتخابات بالقبيلة هو إعلان بأن المملكة المغربية هي دولة للقبيلة؛ و هذا التصرف هو نكوص تاريخي ما بعده نكوص، لأنه يعود إلى قرون خلت حينما كانت فيه القبيلة تساوي الدولة..
السياسة في مفهومها الحديث هي تدبير شؤون المدينة بواسطة أفراد عقلاء متحضرين منضوون في أحزاب سياسية حاملة لبرامج؛ لان الأفراد العقلاء المتحضرين متساوون في كل شيء؛ و لكن في حالة الإبقاء على انتمائهم للقبيلة هل سيبقون متساوون في الحقوق. القبيلة انتماء و لكن ليست حقوق لأنها مبنية على العرف و على قيمة الأكبر سنا.
محتوى و غايات القانون المنظم للأحزاب السياسية المغربية يستجيب لمواصفات الدول العصرية الحديثة لأنه:"يندرج في إطار الحرص على توطيد صرح الدولة الحديثة في نطاق الملكية الدستورية الديمقراطية الاجتماعية، ويعد لبنة أساسية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي إلى الأمام، وإنجاح رهانه وتأهيل العمل البرلماني بتجاوز البرلمانية التمثيلية التقليدية إلى البرلمانية العصرية عبر ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة. "
الانتماء إلى القبيلة أثناء فترة الانتخابات يتنافى و قيم المواطنة لأنه حالة وجدانية و ليس حالة قانونية و الاقتصار فقط على هذا النوع من الانتماء، لا يساعد بتاتا على بناء "البرلمانية العصرية" بل يساعد على بناء برلمان الأعيان.
احتواء القبيلة للحزب هي هزيمة ما بعدها هزيمة لان السؤال الذي سيطرح من ذا الذي سيحتوي باقي القبائل و هل سيصبح في الصحراء لكل قبيلة حزب و لكل حزب قبيلة!!!
تأسيس الانتخابات على القبيلة هو نكث للعهد الملكي ليوم 8 ماي 1958، لماذا؟
لان المادة الرابعة من القانون المنظم للأحزاب السياسية الذي يشير في ديباجته إلى هذا العهد تقول:
"يعتبر باطلا وعديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي أو يقوم بكيفية عامة على كل أساس تمييزي أو مخالف لحقوق الإنسان• "
قبل الحملة الأخيرة للانتخابات الجماعية لشهر يونيو 2009 تم التركيز بشكل ملفت للنظر على هذه المادة من القانون مما دفعني إلى التساؤل: الم يكن في نية الذين ركزوا على هذا الفصل إثارة الانتباه إلى شيء أخر يحدث في الصحراء يتنافى مع محتويات هذا البند من القانون المنظم للاحزاب؟
ينص هذا البند من القانون كما هو ظاهر من قراءته على عدم الترخيص للأحزاب السياسية التي تتأسس على العرق و العقيدة أو المخالفة لحقوق الإنسان.
للتذكير فقط هذا القانون المنظم للأحزاب السياسية المغربية المصادق عليه يوم 20 أكتوبر 2005 خصصت له الجمهورية الجزائرية بندا خاصا في الدستور.
التدبير الإداري و السياسي المبني على القبيلة، يعود إلى مرحلة ما قبل تشكل الدولة المغربية التي على الأقل انبنت كما اتفق على ذلك مجموعة من الدارسين الذين تناولوا تشكل الدولة المغربية على تحالف قبلي أما الانتخابات المحلية الأخيرة لشهر يونيو 2009 فهي انبنت على أساس القبيلة الواحدة فقط.
المجالس المحلية المنبثقة عن الانتخابات الأخيرة هي مجالس للقبيلة و ليست مجالس للأحزاب السياسية التي يسهر القانون المغربي على تنظيمها و الثروة التي تكدست في يد القبيلة الواحدة هي نتيجة لتغليب منطق القبيلة على منطق دولة المؤسسات.
للأسف الشديد تغليب كفة القبيلة حصل ليس فقط في الصحراء، بل حصل حتى في بعض المناطق الأخرى من المملكة المغربية حيث ظهر في أوج الانتخابات الأخيرة على صفحات الجرائد بيان سياسي لقبيلة السراغنة تندد فيه بالهيمنة التاريخية الغير مشروعة لقبيلة الرحامنة.
ليس هذا فقط، بل لقد تم تمديد وظائف القبيلة حتى بعد نهاية المسلسل الانتخابي. يوم 7 أكتوبر 2009حيث أصدر شيوخ القبائل بيانا نددوا فيه بعملية انتحال الصفة التي قام بها بعض الصحراويين الحقوقيين في زيارة للثكنات العسكرية و للخبراء العسكريين و المخابراتيين لجبهة البوليساريو و للجزائر. الغريب في الأمر ركز هذا البيان في عملية التنديد على: الشرع، العرف، القانون و المرجعية الأممية. هل هذا التركيز على هذه النقط هو نوع من الإصرار على الإبقاء على اتفاقية مدريد كإطار وحيد و أوحد للممارسة السياسية في المنطقة؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن