العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام

صباح ابراهيم

2010 / 1 / 8

الجزء الاول
ان العلاقات بين المسيحية والاسلام، لايمكن ان تبُنى اليوم وفي المستقبل على اساس ما ورد في القرآن قبل اربعة عشر قرنا ، لأن القرآن كان يخاطب نصارى عصر الدعوى الاسلامية ، وهؤلاء لا يمثلون ولا يؤمنون بالعقيدة المسيحية الموجودة اليوم لكونهم من طائفة النصارى الهراطقة المطرودين من الكنيسة الام ، لانهم اتبعوا افكار الهراطقة الابيونين والمريميين ولجأوا الى الجزيرة العربية كمأوى لهم . ومسيحييوا اليوم هم ليسوا بنصارى أهل الكتاب الذين خاطبهم القرآن
والذين يرد ذكرهم في مختلف السور القرآنية .وتعاليمهم ليست التعاليم التي يكفرها القرآن .

ان ما يقوله القرآن عن اوصاف التثليث وعن الوهية السيد المسيح، لاتعبرالتعبير الصحيح عن الايمان المسيحي بالتثليث وبالوهية السيد المسيح.
وإذا ما اريد اجراء حوارديني بين المسيحيين والمسلمين، فانه لابد ان يتضمن نقطتين اساسيتين :-
1- الاعتراف بواقع الاختلاف، وبالحق في الاختلاف .
2- التركيز على نقاط التلاقي في العقيد والاخلاق بين المسيحية والاسلام.

ان العلاقات المسيحية الاسلامية النموذجية والغير مسيسة اوالمتعصبة والتكفيرية، تفرض الاحترام المتبادل لعقائد الطرف الاخر ولتعاليمه الاخلاقية، والغاء فكرة التكفير المتبادل والحرم .فلا يجوز للمسلمين ان يتهموا المسيحيين بالكفر والشرك لكون المسيحيين يؤمنون بالتثليث والتوحيد. اي الايمان باله واحد في ثلاثة اقانيم (صفات) ، الاب والابن والروح القدس. كما لا يجوز للمسيحيين ان يدعوا المسلمين مبتدعين وهراطقة لكونهم لايؤمنون بان يسوع المسيح هو ابن الله .

الخلافات في العقائد، ناتجة من كون كل ديانة تستند في عقائدها الى كتاب مقدس ، تعتبره آتيا من الله . اما موحى به كما تقول المسيحية، واما منزلا كما يقول الاسلام. فالمسيحية تؤمن ان الانجيل الذي بين ايديها اليوم هو كتاب الله والوحي الاخير الذي لايمكن ان يأتي من بعده وحي آخر .، وتؤمن ان ان يسوع المسيح هو في شخصه وحياته وموته وقيامته وحي الله النهائي والاخير .

والاسلام يؤمن ان محمدا هو خاتم النبيين ، وان القرآن هو كتاب الله والوحي الاخير الذي كمّل وحي التوراة والانجيل.
وبما انه لايمكن ان يترك كل طرف عقيدته، ويؤمن بعقيدة الطرف الاخر، لانه متمسك بها الى حد الشهادة في سبيلها منذ نشأتها ولحد الان ، لذلك يجب على كل ديانة ان تحترم عقيدة ما يؤمن به الاخر المخالف ليمكنها االدخول معها في حوار بناء لمناقشة مواضيع غير عقائدية اذا ما توفرت النية الحسنة للعيش بسلام .

فلا يجوز ان يُتهَم المسيحيّون بانهم حرفوا الانجيل، يكفي ان نقول هنا ان مخطوطات الانجيل تعود الى القرن الثاني والثالث والرابع الميلادي، اي بضع مئات من السنين ، قبل ظهور الاسلام وهذه المخطوطات تؤكد التوافق التام بين الانجيل الذي كان بين ايدي المسيحيين في القرون الاولى والانجيل الذي بين ايدينا اليوم. فكيف يكون الانجيل محرفا .
ومن يدعي ذلك ، عليه اظهار ما يثبت دعواه ويبرز لنا النسخة الاصلية الغير محرفة لمقارنتها مع ما بين ايدينا من كتاب ، وليكون لهم الحجة فيما يدعون .


ان المشاجرات حول عقائد الدين لاتفيد شيئا ولن توصل لنتيجة ، والاتهامات المتبادلة حول صحة القرآن والانجيل لا تفيد شيئا. نحن اليوم ازاء ديانتين منتشرتين بين ملايين البشر تستند كل منهما الى كتاب تعتبره مقدسا لديها، ترتكز عليه لتؤكد صحة عقائدها. المسيحية والاسلام ديانتان مختلفتان وستبقيان مختلفتين حتى يوم القيامة ، وفقا لما جاء في سورة الحج 69:
" لكل امة جعلنا منسكاً هم ناسكوه ، فلا ينازعك في الامر ، وادع الى ربك، انك لعلى هدى مستقيم، وإن جادلوك فقل الله اعلم بما تعملون، الله يحكم بيننا وبينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون " .
اذا علينا ان نلتقي في العناصر المشتركة بين الديانتين والتي يؤمن بها اتباعهما . ومنها :

وحدانية الله
ما يجمع المسلمون والمسيحيون هو الايمان بالله الواحد الاحد. وان المادة والحياة والروح لا تخلق مصادفة من العدم بل هي من خلق الله، والله روح وحياة .
وصفت الديانتان الله بصفات كثيرة مشتركة منها :-
الله - الواحد – الخالق – الذي تكلم بالانبياء – المحب – الرحيم – المجازي- المحي للاموات وغيرها.

الله الواحد : المسيحية تؤمن باله واحد ، كما جاء في قانون الايمان المسيحي الذي يؤمن به كل مسيحيي العالم .
" نؤمن بإله واحد ، الآب الضابط الكل ، وخالق السماء والارض، وكل ما يُرى وما لا يرى "
وهذا الايمان هو الوصية الاولى حسب قول السيد المسيح، اذ سأله احد الكتبة من اليهود :
" اي وصية هي اولى الوصايا جميعا؟" . فاجابه " اسمع يا اسرائيل: ان الرب الهنا هو الرب الوحيد، فاحب الربَّ الهَك بكل قلبَك، وكل نفسَك وكل ذِهنك وكل قوتِك" .مرقس 12/28-30
ويؤكد بولس الرسول برسالته الاولى بقوله عن وحدانية الله : " فنحن انما لنا اله واحد ، الآب الذي منه كل شئ ونحن اليه "
وهذا الايمان بوحدانية الله لا يناقضه ايماننا بالتثليث، ذلك ان الآب وكلمته وروحه ليست في عقيدتنا ثلاثة الهة منفصلة احدها عن الآخر، بل اله واحد له ثلاث اقانيم ، اي ثلاث صفات ذاتية غير منفصله احدها عن الاخر، كما ان للانسان الحي كيان(ذات) ، وعقل( نفس)، وروح لاتنفصل اثناء الحياة .

المسيحيون يبتدئون فاتحة صلاتهم ، قائلين: بسم الآب والأبن والروح القدس... الاله الواحد آمين .
لذلك نؤكد ان المسيحية ديانة توحيد وقولها بالتثليث هو تعمق في سر الله وتفسير لتجلي الله في عالم البشر ، فلا نكتفي بالقول ان الله ارسل انبياءه الينا، بل انه حضر في ما بيننا في شخص كلمته المتجسد يسوع المسيح ، التي حلت بهيئة روح القدس في احشاء القديسة مريم العذراء وتحولت كلمة الله الى انسان مولود غير مخلوق. لان كلمة الله ازلية وليست مخلوقة.
انه كلمة الله التي القاها الى مريم وروح منه كما اكد ذلك القرآن .
وكلمة الله بعد ان صارت انسانا بشخص السيد المسيح ، نقلها لنا بتعاليمه ووصاياه عندما عاش بيننا كبشر وابن الانسان .
في افتتاحية انجيل يوحنا هناك تطابق لما جاء بالقرآن


في (القرآن) : "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ"
: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }آل عمران45

وفي (الانجيل) : في البدء كان الكلمة ، وكان الكلمة عند الله ، وكان الكلمة هو الله .
فالاسلام والمسيحية تعترفان ان المسيح هو كلمة الله ، والله وكلمته ازليان ، وهما واحد وليس اثنان لانهما غير منفصلين . فهذا هو تفسيرنا للمسيح انه ابن الله لكونه بُعثَ من روح الله وليس له أب بشري، وانه كلمة الله المتجسدة على هيئة انسان . اما ما يقال ان الله تزوج من صاحبة وانجب المسيح فهو هراء وخرافة في نظر المسيحية ، ولا يقولها الا من لا عقل له .

اما التثليث الذي يكفره القرآن ، فهو عبادة كائنين منفصلين من دون الله، اي لا علاقة لهما بالله. وهذا التثليث المسيحية منه براء، لان كلمة الله وروح الله ليسا كائنين من دون الله انما هما صفات ذاتية من الله الواحد نفسه.
كما ان الاسلام وصف الله بتسعة وتسعين اسما وصفة ، اسموها اسماء الله الحسنى، كذلك نحن نصف الله بثلاث صفات لكيان واحد لا يتجزأ.

الاسلام يؤمن بالاه واحد ويؤكد ( لا الاه الا الله ) كما جاء بالقرآن ( وهو الله الذي لا الاه الا هو ) اية 59-22-24
والتوحيد القرآني هو استمرار للتوحيد المسيحي, وتوحيد اهل الكتاب كما جاء بسورة العنكبوت -46 " لا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن ، الا الذين ظلموا منهم، وقولوا ، آمنّا بالذي انزل علينا ، وانزل اليكم، والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون "
فالمسلمون اذاً اسلموا لله الواحد الذي يؤمن به المسيحيون واليهود، والنصارى الذين اعتنقوا الاسلام ، لم يروا فيه التبشير بالاه جديد، بل هو الاله الذي كانوا يعبدونه من قبل ظهور الاسلام . كما جاء بسورة القصص-53 " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، اذ يُتلى عليهم قالوا: آمنا به انه الحق من ربنا، انا كنا من قبله مسلمين" اي موحدين وفي هذا يقول القرآن ايضا مخاطبا محمد في سورة يونس 94:
" فإن كنت في شك مما انزلنا اليكَ، فاسال الذين يقرؤون الكتاب من قبلكَ " اي اسال يا محمد اهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين يعرفون الكثير عن الله وانبياءه ورسالاته وتعاليمه من قبلكَ .

البقية في الجزء الثاني










https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن