الكتابة و الوجود الجزء الثاني و الثالث و الرابع

خالد ساحلي
khaleds2006@gmail.com

2009 / 11 / 30

الكتابة والوجود
الجزء الثاني

أولا : وجود المؤلف والقيمة في عملية النص:
الكتابة تحمل كتابات عديدة داخلها، يجمعها رابط واحد يصعب حلّه عن بعضه الآخر ومنحه شكله و فكرته المستقلة؛ الكاتب لا يهتدي لذلك إلا حين يتبع خيوط الربط الأخرى ويَهتدي إلى الخيط السميك الرئيسي ويشكّل من الكتابات مفرد كتابة إنها وجود لحياة وتذكرة لما كان وجود.
المؤلف حين يكون حصيفا متقد الذكاء و غير كسول ينجح في الوصول لحل النصوص وتفكيكها و التعامل مع أجزائها بكل سهولة ويسر. الكتابة قد تحمل أكثر من علامة ولون وشكل و نوع ومكان؛ في النهاية يجمعها محتوى واحد إنه الكشف عن حقيقة ما نريده وما نريد أن نكونه لنعرف أين نحن من مراحل الحياة و الموت و الموت في الحياة.
الكتابة الواحدة تحمل عُقَدَهَا، العقد تحمل نظيراتها في الكتابات العدة، أمواج متجددة من الأسئلة يصنعها بحر العقل والروح. التعداد يحمل أجزائه وهكذا تصبح الكتابة ناقصة دائما تحتاج لتكملة قابلة للحذف قابلة للتمزيق قابلة للإعادة قابلة التصويب لا الإضافة . العُقد بحاجة لحل، عامل الحل داخل الكتابة ضروري للمؤلف كما للقارئ.
الحيلة في العثور على العقدة تحتاج لمهارة إبداعية أيضا ؛ المؤلف قبل وضع عقد النص الظاهرة والباطنة يتوجب عليه إيجاد حل العقدة لكي يربط نصه ربطا دقيقا وينسجه نسجا محكما. النص الميّت هو النص الذي لا يحتاج للتكملة و لا إلى الإشراك في حل عقده إنما يولد ميتا وينتهي بمجرد البداية.
عجز المؤلف عن حل عقد النصوص داخل النص الواحد و إفراد الخصوصية المميزة وتبسيط شكلها المراد يدفعه للبتر و القطع وفصل الرابطة بين نص و آخر في هذه الحالة انفلات مكونات النص المجمل؛ المؤلف يحتاج هنا لروابط جديدة تعينه على إعادة بناء الأيقونات كلها.
لماذا نلجأ لحل عُقد الكتابة؟ العقد هي حتمية الفرز ، خصوصية الفرز إزالة المتشابه، المتشابه من نفس الجنس المعرفي، المقارنة محمولة مع القيمة نفسها وقد تتعداها ، القيمة في القيّم التي تحملها و المعلومات المعرفية و التاريخية و التحليلية للوضع القائم أو القادم وعليه فالمؤلف بحاجة إلى التوسيع ، التوسيع يتيح إدخال تحسينات لمطابقة القيّم في النصوص الأخرى المتشابهة في الكتابة. التوسيع إعطاء فرصة الولوج في المختفي والباطني ، تقليب الهيكل والشكل، يمنح الاختراق، يمّكن إزاحة العالق، التنقية والاستعانة بأدوات لغوية و معرفية حادة و دقيقة لأجل إعادة التشكيل النصي. تنقية أساس النص (اللغة ) الانتقال للوجه الدال على الشكل ( قوة اللغة ومستوى الخطاب ).
الوجه الدال ، التعبير عن الشكل والمضمون معا، اجتهاد مسح الغموض المكتنف الكامن في تأويلاته.
الكتابة مرهونة بالوقوف على العتبات ( الصورة، الشكل ، العنوان..) إبراز العنوان هو دليل المؤلف و القارئ إلى عالم النص، النص يحمل عناوين كثيرة داخله، ضرورة الحاجة لتغييره من الشريك؛ الشريك هو المؤلف و القارئ على السواء، المؤلف قارئ في ذات الوقت، القارئ الآخر شريك يحدد تغيير العنوان أيضا( صاحب دار النشر، رئيس التحرير، مترجم، مدرّس، مفتش، هيئة ثقافية أو علمية...).
الكتابة كما المؤلف تحتاج مناخ خاص أكثر خصوصية أكثر ملائمة للمتقبل؛ المتقبّل في بعض الأوقات لا يتعامل مع الزمان والمكان بقدر تعامله مع زمان و مكان الكتابة. الكتابة الجيدة مؤلفها لا يهمل الزمن و المكان بصورة مطلقة متواصلة؛ فالمكان عنده مهول بالأسرار، المكان يحدد الزمان على عكس الزمان لا يستطيع تحديد المكان.
الكتابة الجيدة مع مرور الوقت لا تبلغ استحسانها الكلي ما دام هناك جدل قائم فيه، الجدل لا يقابله الاستحسان، الاستحسان و الإطراء مقبرة كل نص.
الجدل وقود البحث لبلوغ الأحسن داخل كل نص جيد في حال العثرات إن لم يوجد في الوقت الحاضر سيكون مستقبلا. هل العثرة الواحدة البسيطة تطيح بقيمة النص الجيّد مهما كان راقيا؟ الشيء المؤكد في الكتابة أنه لا مطلق فيها مؤكد.



ثانيا: الأنا و الوظيفة الإبداعية:
كيف للأنا الشاعرة الحاسة المحفوفة بالقلق الممتزجة بتعقيدات الواقع ومشاكله أن تنتج خطابها الإبداعي داخل الجدل الدائر بين الخارج و الداخل؟ داخل الشعور و اللاشعور؟ داخل الوعي واللاوعي، الوعي وماهيته؟ داخل الوجود و الفناء؟
الكتابة ليست وحيا إنما انسلاخ من الأنا المتجادلة الناقدة لأوضاع قائمة مستحسنة ومستهجنة، الأنا الطموحة للصعود المتدرج لاكتشاف الغير الموجود لترضي طموحها لا غرورها.
الكتابة النظرة إلى ذات الإنسانية التي هي أساس الوجود لا تكف عن التساؤل عن الوجود المحيط بها لأنه من خلال هذا التساؤل تتعدى وجودها ، تتجاوز الوجود في كليته من اجل تأسيس آنيتها كما قال هايدجر.*
الأنا الحقيقية متفاعلة لا يمكنها الرضا بغرورها للوقوع في السطحية و التقليد ولا في قيد الملوكية الأدبية، الأنا المتفوقة خالدة في النص مع النص نافية فكرة الضياع في هذا العالم.
إن برغسون1 حلل" حالة الشعور بذكر مالم يعد موجودا و استباق مالم يوجد بعد ويعتبرها الوظيفة الأولى للشعور بل الانتباه انتظار ولا يكون شعورا بدون شيء من الانتباه" .
حياة الأنا المبدعة مستقبل وجود يجبر على عمل الكتابة؛ الأنا تستمد وجودها من الآخرين بغض النظر عما يحويه شعور الآخرين من أخطاء في تجاربهم الحاوية لتعقيدات تجارب الماضي السالفة.
الأنا المبدعة تنتج عملها خارج سلطة شعور الآخرين وخارج لا شعورهم أيضا فاللاشعور عند برغسون" ذاك الشعور الذي لا يملك من ماضيه إلا شيئا يسيرا و ينسى نفسه بغير انقطاع يفنى ويحيا في كل لحظة"2 ويمكننا أن نقول أيضا أنه ينسى لحظات الآخرين لأن ذوات الآخرين ليست وحدها الحقيقة ولا تعرف المطلق.
الكتابة اختلاف من الجدل الدائر بين الخارج و الداخل، الداخل النفس المستقبلة لما تطرحه الظروف والعراقيل و العقبات؛ لا أجوبة جاهزة داخل الأنا المبدعة ؛ المسألة عند البعض لا تحتاج للتفكير والبحث لأن الأجوبة سهلة في اعتقادها.
الجدل داخل الداخل لأجل البقاء وتحقيق الرغبة في الكشف وتحقيق الفرح حين تمكّنه التجربة بداخله أن يصنع الأمل من خلال الإبداع و المعرفة لتستمر حياة النفوس البائسة.
إن تشييد مملكة الكتابة أمل في الأنا يمنح الخَلْق والإبداع ويدفعه للخارج، الخارج يبنى على لبنات تفكير الداخل وولادة متعبة للموقف.
الأنا تَدْفع للخارج و الخارج لن يكون إلا تشابه لما حلبه جدل الداخل للأنا وما أبدعته في إناء التناقض؛ الخارج ليس المتطابق كله.( لا يتوضح مفهوم إلا بالآخر و إذا حضر علينا حدس الفراغ يكون من هنا أن نرفض حدس الامتلاء) كما قال باشلار و كما تساءل في كتابه جدلية الزمن. أليست المعرفة سجالا وجدالا في أساسها وجوهرها؟ .
إن لم تكن الأنا مطابقة و ليست ذات قيمة ولم تكن ذو أثر لقلق ولم تثر اهتماما و لم تَعْلق بالأذهان ولم ترمز لشخص ولا تتكلم عن خلفية سياسية أو عقائدية أو إنسانية لم تكن أنا توقع التأثير الجدلي بين الداخل و الخارج، الخارج هو التجاوز الفردي إلى الجماعة.
هل يمكن للأنا أن تجمع جدل الداخل و الخارج في آن واحد حين يتطابق خارجها مع داخلها؟
الأنا ما تنتجه من سلوك وما تأكده بالإبداع فقط وما دون ذلك فهو كذب و افتراء والرضا بهذه الخدعة و التصديق بها وتصديرها للغير ينفي مفهوم حقيقة الكتابة و يجعلها ضرب من عبث و لهو.
الكتابة أنا ووعي والوعي كما يعتبره هيجل ليس إلا انتماء للوجود، جزءا من الوجود وكما اعتبره قبله سقراط من آلاف السنين .
الوعي كالينبوع من الأرض مع اعتبار الصخرة الكبيرة ليست هي الجبل إنما جزء منه.
الكتابة دليل وجود و الأنا جزء منه.





ثالثا : حرية الكتابة كتابة الحرية:

امتلاك الموقف الواحد غير المتغير، قناعات المؤلف عدم تغيير الموقف إلا في الحالات التي يجد أهدافه لا تخدم الإنسانية أو تصل لحد الخطأ. المواقف ذاتها قد تكون أساس بناء خاطئ من أوله وما عدا ذلك فكل تغيير لا يملك مرجعية أخلاقية فهو تنازل عن ضعف داخل النفس محكوم بالهوى والمصلحة أكثر من أي شيء آخر.
المنطق أن الكتابة بحاجة إلى دراسة معمّقة من كاتبها و إسقاط لسلوكياته و مواقفه على نصه ذاته ليمتحن القارئ حقيقته؛ أما النص المستقل عن كاتبه اللا منتمي إليه فمن لحظته الأولى التي خرج فيها دخل سجن ذاتيته وزنزانته حكم على العالم وعلى الآخرين.
المشاعر و الفكر المتحرر ينتقل من زمان الكاتب إلى أزمنة أخرى أكثر اتساعا و أكثر رحابة و أكثر قسوة أيضا، زمن القارئ نفاذ وتوغل، تحرّر من وطن الكاتب( المكان) إلى فضاء الأمكنة الأخرى (تداوله)؟ الأسئلة الكثيرة عتبات.
المؤلف وجوبه التمتع بقدر واسع من الحرية، الحرية إمتاع الانفلات من الأحكام الجاهزة من التصورات الخاطئة المعارضة لجهة على حساب جهة لتيار على آخر، الحرية رؤية ، خدمة في اتجاه كتابة تكتسب مصداقيتها لا من التكسب. يقول لوكيه في كتابه البحث عن الحقيقة :"كيف أقوم بأي خطوة في البحث عن الوجود بل كيف أتردد ما لم يكن ذلك بواسطة حركة أفكاري حركة حرة".*
الإنسان حر حرية مطلقة فهو قادر على التحكم في أفكاره و إتباع نظام غير محتوم في هذا العالم، حرية الإنسان شرط سابق لكل شرط و حقيقة سابقة لكل حقيقة.
الكتابة أنواع وبكثرة عدد المؤلفين والنصوص لا تخلو من إيديولوجيات بعينها كما يقول ادوارد سعيد "كل كتابة لها مرجعية سياسية و إيديولوجية".*
الحرية في الكتابة لا تقبل برفض الآخر ومنهجه، لا تضع قيودا على تفكيره؛ إما تضيف و إما تمتزج و إما تعارض لأجل تكوين حرية إيجابية في الأخير تعترف بالآخر أساسا وأصلا في الكتابة.
بعض الكتّاب يعتبرون الكتابة مجرد واجهة ( سطح علوي لافتة) كامنة تحتها الحقيقة الجوهرية.
الاهتمام بالبحث عن المعنى الحقيقي يطيح بالأقنعة ويفرز دواعي الوعي المتبع للإبداع، إفراز الأصيل من المزيف.
الكتابة الجيدة حصاد غير مستعجل، امتلاك للزمن الحقيقي، ادخار حيوات كلما انقضت حياة تقدمت أخرى، انتفاض كطائر الفينيق، موت و انبعاث، في الانبعاث إلغاء للوقت، انبهار للمكان، رؤية وحقيقة كما المعجزة.
الحرية في الكتابة امتلاك للفعل الحر داخلها، امتلاك القدرة على الاستمرار و الانبعاث من جديد أو بعث الذي مضى و إلحاقه بغيره الذي هو كائن أو الذي لم يكن بعد.
الحرية في الكتابة كشف في حقيقة ما يختبئ من أسرار وما يتخفى من معاني كلما كثرت المحن والضيق والشدة نفس الطريق يسلكه الاتساع و الفرح والانشراح؛ تعب الفهم على حصول إدراكه.
الإسرار لا تتجلى إنما هي إفشاء اللامصرح به والغير مفصح عنه بوضوح؛ الحرية في الكتابة حمل التأويلات الكثيرة المثمرة المتوغلة في نوايا المؤلف الخيّرة؛ على ضوئه الخلود و البقاء الذي تملكه و توزعه ، النص المملوء بالأكسجين يتنفس القارئ فيه براحة، يمكّنه من الإبحار والغطس في التعمق رؤية المرجان و العقيق و اللؤلؤ؛ المنبهر بالجواهر لا يمكنه التخلي عما لم تراه عيناه بعد والذي ذاق سكرة الحرية و فلسفتنها لا يمكنه أن يترك الكتابة كِتابة أو قراءة.
الكتابة خمرة، جوهرة، مفتاح طريق، تصوّف، كره للترّع و الهمّل، انغماس في العقل والروح ، ارتفاع بالحواس عن الحواس لاستكشاف المستعصي. الحرية هي إعطاء الحرية للآخر لا تقييد النفس معه. الحرية المسئولة ابتعاد عن التحامل و الاتهام للتفكير والمنطق، هي اللامحدودية في العلاقة التتابعية في رسم الموّحد المشكّل المهيأ للفهم، إرادة تحدي الأشكال المتعارف عليها، هي الاختلاف لا الخلاف و التخلف ، هي البحث عن خصوصية جديدة تحمل نقدا داخلها لتزداد ألقا ووخزا وتحريضا ممتعا لا رهقا.
يقول بول ريكير" ليس هنا قيمة لحياتي ، فحياتي هي كتبي و مقالاتي، إن كتبي هي آثاري الباقية و قد يكون تاريخ آرائي الفلسفية طريقا ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لتاريخ حياتي...".
عجيب محاسبة المؤلف عن آرائه؛ عن قدره في الحياة عن فقره و غناه، قبحه ووسامته طوله وقصره، وعن مهنته بائعا أو حدادا أو صبّاغا أو اسكافيا على شوارع المدن التي تضيق بأهلها؛ عن نسبه ابن وزير أو أمير أو قاضي أو ابن فلاح أو جندي أو ابن خائن أو ابن سفّاح، لو كان الأمر كذلك ما تبع المؤمنون أنبيائهم فآبائهم و أبنائهم و أعمامهم آزر وأبو لهب ومن ابن آدم سافك الدم إلى ابن نوح الغريق إلى يهودا إلى أخ يوسف صاحب فكرة الجب و القميص و الذئب...
كتابة الحرية محاولة جميلة ومهنة قد تكون خطيرة ، حرية الكتابة لا لعب فيها و لا تسلية ولا تزجية، المحاولة تأكيد وجود يقود إلى المحاولة الحقيقية ، كل محاولة لا تحمل نصيبا من المسؤولية نصيبا من الشعور لا معنى لها.
حرية المؤلف في التخلص من هيمنة النصوص الأخرى عليه، الوقوف على مقولات النقاد و المفكرين و الفلاسفة و الأدباء، الوقوف عند المعرفة و التحرر من معطيات الواقع وتصورات المجتمع حتى و لو تم عرضها لكن دون التأثر بها، التمسك بالقديم لأجل الجديد والجديد الذي لم يولد بعد المختفي في غيب الله، إن المختفي يُبحث عنه بذاك القديم و الجديد إنها الحرية في التقيد لا القيد، إن الزمن بحث ودائرة متماسكة يؤدي وظيفة واحدة؛ حرية الكتابة يتخلى مؤلفها عن نفسه عن الكل لأجل الكل لأجل أن يخلق رأيا نفعيا و صورة جمالية عملية، يخلق لغة جديدة يقتضيها الراهن.
الكتابة التي تحمل مواصفات تميزها عن غيرها وحدها تستطيع تمثل مؤلفها خير تمثيل، تدافع عن نفسها قبل مؤلفها في كل مكان وعلى كل المنابر. تمنح صاحبها شرفا ما بعده شرف حتى و لو منحه الغير منصفين ذلا و تخاذلا وعارا.
قد يتساءل القارئ لسطورنا: أليست الكتابة ملك كاتبها، أليست الكتابة حاضنة كاتبها، أليس المؤلف نفسه محصّل الشرف صانعه لنفسه؟.
الكتابة ولادة حية وعلى قدر معاناة المؤلف تولد الكتابة و تأتي بالقيمة، الإنسان الذي يملك القسط الوفير من الحرية لا يمكنه أن يكتب عنها أو يرسم صورتها، القرصان الذي لم يجرح الحبل راحة يديه في هبوب العاصفة لا يعرف كم هو البحر عميق و أمواجه باردة وقوية، لن يعرف كم هي السباحة ضرورية لأجل البقاء؟ الكتابة كشف لضر يٌُحْصِّلْ لصاحبها الضرر، إنها ضرورة يخفيها مؤلفها لوقت الضرورة . المؤلف يخفي نصوصه وقد لا يخرجها و لا يحررها إلا بعد موته، قد يموت المؤلف و النصوص وحدها من تصنع له شرف لم يصنعه هو في حياته. وإن حسنة المؤلف حسنة في حياته و بعد موته.
المؤلف الحر يصنع أولا شرف كتابته فلولا يصنع ذلك لن تصنع له شرفه، إن النصوص لكثيرة و ترى الكتّاب كثرة و إن عددت كتابات الشرف قلّت عددا.
إن الشرف المزيّف عمره قصير حتى لو صنع اسما و تمثالا و إن الأصيل ظاهر و لو عسّه الرقيب.
قال ابن الرومي:
قدح ضوء العين ممزوج بالشحم وضوء القلب مخفي في قطرات الدم .
الشرف المزيّف و إن بلغ عنان السماء موته في موت كاتبه قد يموت الكاتب الحر ويحيه نصه داخله بشرفه.
الشرف صنيع الحرية والكتابة خروج عن الدائرة وبحث لإدراك الحقيقة وتصورا لفهم كاملا للحياة ؛ رغبة في الكمال الذي لا كمال له.














رابعا: الشخصية مواقف تاريخية في طريق التحرر
المواقف تحرر، حاجة الكتابة لطاقة فكرية وعقلية وجهد نفسي لصهر العادات الإنسانية البغيضة التي تتحكم فيها امتيازات الحياة التي تخدعنا بها الطبيعة الحيوانية. " لأن قوانين الطبيعة مثل العدل و الإنصاف والتواضع و الرحمة باختصار أن نعمل للناس ما يجب أن يعملوه لنا بحد ذاتها ودون الخوف من قوة تفرض مراعاتها مناقضة لعواطفنا الطبيعية التي تحملنا على التحيز و الكبرياء و الانتقام." 3هوبس
الكتابة مجاهدة في الارتفاع و السمو على الحياة المادية دون نسيان المادة كشرط ضروري للحياة بها تتم و تكمل و تستمر؛ امتزاج الروح مع الواقع.
إن كل نص خالد تحفظه الذاكرة هو مقتضى إحقاق، لقد تكلم كونفوشيوس من قرون وتكلم بوذا والمسيح كما تكلم نبينا صلى الله عليه و سلم ووصل كلامهم أسماعنا؛ لقد كانوا أحرارا قبل أن يصيروا أنبياء وصاروا أنبياء لأنهم كذلك وتبعهم الأحرار بعد تمكنهم تخليص أنفسهم من عبودية أنفسهم ومن شعورهم بالدون واستأصلوا ضعفهم الذي ورثوه من سخرية الأثرياء الذين لم يكونوا قطا أسيادا إلا بألوهيتهم وربوبيتهم الصغيرة بفضل ثراء أسلافهم إنها سخرية القدر أن يقف الفضلاء وتكن حاجتهم بأيديهم.
لقد كان الأنبياء و الفلاسفة و الحكماء عظاما لأنهم قلة ملكوا طاقة مجهولة، طاقة التحرر و المسؤولية يقول برغسون في كتاب معطيات الشعور ص 129" مجمل القول هو أننا نكون أحرارا عندما تصدر أفعالنا عن شخصيتنا بأجمعها وعندما تعبّر عنها و يكون بينها و بين هذه الشخصية ذلك الشبه الذي نجده أحيانا بين الفنان و إنتاجه..."5
الكتابة تأكيد للشخصية في زمن الإبداع ، إتاحة لحياة داخلية، حياة ماضية للتاريخ الذي يغفل عنه كثير من الناس ، التاريخ تمنحه الحياة داخل لحظات زمان الإبداع الذي يمنحه الاحترام الكامل و الانحناء.
إن الشخصيات لتتكلم و المكان يرجع إليه سحره و ألقه وفتنته، تعود الأطلال إلى طبيعتها و أبهتها، يمارس الجميع حريته في إطار النص، يمارس كلام ، حركة، استذكار، تلك التراكمات المدفونة في أغوار الحياة، الموبوءة في زوايا النسيان، تلبس أرواحا وتأخذ لها أسماء كما الحياة الحقيقية، حتى الأمكنة تأخذ عناوين جديدة، كما يمنح النص البقاء للماضي البعيد، يثبّت الواقع الراهن، يكتب للقادم نبوءته ويرسم صورته بقلق وطمأنينة معا .
إن الذي يبقيه النص حيا يواكب حاضر القارئ؛ يمنح صاحبه كيانه حين يساعد نفسه على الفعل الحر و لا ينقاد.
الكتابة ولادة النص من رحم معاناة المؤلف وقلقه، مؤازرة الظل الخائف فينا؛ تُدعّيم الإقبال المتردد، معطية الثبات لخطوات الولوج، الولوج خطوة واحدة تتجاوز باب اللعنة السرمدية الأبدية التي يكرهها الحكام و العامة على السواء المسماة تدوينا.
يتكامل النص بصدقه حين تكثر الأوزار على ظهر مؤلفه، تجسيدا لمعالم الشخصية التي يحملها.
هي القلق الذي مصدره الطمأنينة المنتظرة، لا كتابة في لحظة بعينها، متشابهة، اللحظة لا تتكرر مرات كثيرة، اغتنام اللحظة شعور بحرية الإبداع في خلق النص الحاجة إليه، الشعور لحظات متفاوتة والكتابة أيضا خضوع لقيمة الحضور الذي يبحث عن بقائه.
الكتابة تحصيل للحصول على ثقة الآخرين لأنها أساسا "عروض لآراء ونقد" .
التلاشي ذوبان لا إضافة لشخصية الآخرين، لا تحريك و لا امتزاج و لا انقياد ولا تعرية لا استنفاذ منها( طاقتها، هدف النص الأصيل تحايل في عبثية مفرطة بل المتأصل في جذور مشكلات العالم وهمومه من هنا اكتساب المصداقية ، التحدي و تعدي الحياة الممّلة، انتصار على القيود و تجاوز العراقيل التي تحد حرية المؤلف.
الكتابة تسّمى إبداعا و رسالة و استباقا و موقفا موفقا وغير موفق في الفعل الحر والتصور الحر المسئول داخل الالتزام ومحاولة إقناع القارئ و الآخر أيضا…


الأنا وتعيين وجود الآخر في ظل التغير
الجزء الثالث
1 ـ كتابة الأنا في تعيين وجود الآخر، كتابة الآخر لتحديد وظيفة الأنا.
هناك كتابة باهرة، طريق الاكتشاف داخل الطموح الإنساني، الوصول للمقدرة الفائقة في محاكاة الذات، التوق لتحصيل التفوق، البراعة وحدها لا تكفي و القدرة على امتلاك اللغة و أسرارها لا يكفي حتى دونما اقتراف للأخطاء، حتى في استعمال الكلمات الدقيقة والصحيحة أيضا؛ وبقدر ما تقترب الكتابة من اللغة البسيطة المستعملة ومكانها عند الآخر فمن خلالها تعيّن الآخر ومكانه على خريطة الفكر و الإبداع.
الحالة النفسية و الاجتماعية و السياسية تشي بالآخر واتجاهه في الحياة من خلال الملاحظات و الاقتراب بعلاقات التواصل الدائم مع المحيط فترسمه في صورة كما تريدها و تحمل الصورة ألوانها كما هي في النص والذي لا يخفي معنى الصورة و إن خبأها جائزة لمن يقدّم جهده العقلي و الفكري؛ الكنز يحتاج لنبّاش أسرار.
الآخر هنا يفيض بالأحداث يرتدي ألبسة فكرية كثيرة وكلما دعت ضرورة المكان والزمان لذلك؛ جزء من ماضي الذات يصنع حادث الكتابة، يكوّن حضور الذات في النص ولو بتقليد محاكاة الآخر، كتابة الآخر نقلٌ لتجاربه لسلوكياته بواسطة لغة متموّجة تضيع منه وتنتهي إلى شاطئ المؤلف.
انتقال الملاحظة الماضية وتكوّنها في استحضار مسألة مفاتيح المعاني الأنا المتقاربة لهذه التجارب؛ والتجارب ظواهر وتحولات للأشياء يعبر عنها الإنسان انطلاقا من حواسه والحواس تختلف من بشر إلى آخر فإن المعرفة ذاتها مشكوك فيها كما رأى ذلك جورجياسgeorgias وبروتاغوراس protagoras1
إن سلوك الآخر بوجه عام هي حقيقة جزء من كياننا جميعا و إن اختلفت مستوياتها. لقد أكد سقراط على حقيقة واحدة موجودة و هي الماهية فإذا توصلنا إلى معرفة الماهيات فإننا نتوصل بالضرورة إلى الكشف عن الحقيقة الكامنة راء كل تغيّر؛ و الحقيقة لا تتمثل عنده في الخصائص المتغيرة التي تبدو في الأشياء و إنما في الخصائص الثابتة لكل نوع من أنواع الموجودات.2
نحن طبيعة واحدة بشرية دلالة مشاركة الآخرين في صنع الكتابة المعتبر ملكية المؤلف.
الحقيقة أنّ الآخر يقدّم خدمة ابتغاء جواز الوجود للذات لولاه ما انفتحت مسألة الفكر والبحث و لما اتسعت مدارك العقل ولما تحركت دواليب الجوهر في تحفيز رسم العالق في حياتنا القاسية الجارحة حزنا أو فرحا.
يعتبر ياسبرز الوجود حقيقة لا يمكن أن تدرك إلا على نحو وجودي عن طريق المعاناة و التجربة و ليس عن طريق التصور و التعريف المنطقي، و الطريقة المثلى لمعرفته هي أن يكون على وعي مباشر ومن أجل أن يفكر في شيء هو بطبيعته لا موضوعي لكنه يفكر فيه في صورة شيء موضوعي و هذا الشيء يكون مجرد وسيط أو وسيلة يجعل ذلك الإنسان واعيا بالشامل."3
فالوجود انبثاق ينجذب دائما نحو وجود آخر، بحث عن اليقين مصدر الوجود و أصله.
الذات تكتب تفاعلات كيميائها الباطنية فتتشارك مع آلاف الحالات الكيمياء نفسها والمعادلة نفسها، الذات تتحرر في النص من قيد اللحظة وترفض الواقع حين تمثّل فعلها وتغير زمنها لتقدّم حريتها في الاعتراف، الاعتراف المحدد لحريتها المنفلتة.
الذات في الكتابة تكسّر قيدها لتخالط ذوات كثيرة في رحلة تلتقي فيها بماضي صنعته الجماعة على اعتبار التفاعل المباشر كما يحدد ذلك هومانز، الأفراد طالما يتحقق بينهم نوعا محددا من التكامل كما قال لاندكر، ثقافة اعتبارها الجزء من البيئة الذي صنعه الإنسان على حد تعريف تايلور، وعرفا وتحولا إلى وظائف و أدوار .
ممارسة الحرية لتثبيت استقرارها و تأكيد حقيقتها تغيير الآخر، تغيير الآخر في اتجاهات مختلفة ووجهات كثيرة التي هي بحاجة للتغيير أو قابلة لتغيير التغيير. الفلاسفة اليونانيون القدامى اعتبروا التغيير يخفي في طياته الحقيقة التي لا يجب أن نربطها بمظاهر الأشياء؛4 ولا شيء جاهز في الذات مهما اكتسبت موهبة من غريزة نائمة أو فطرة في طبيعة اللاشعور، في خضم الكتابة الذات تتحرر لتصنع فعلها بتساوي العقل مع الروح، طاليسthales أكد بأن كل شيء يتغير ويعود إلى مصدر واحد؛5 تصنع فعلها داخل المعنى لتحريك القارئ ندما أو اعترافا بالخطايا، تأثرا أو انقلابا وارتقاء واقترابا من مصدرها الأول الذي انبثقت منه كما أجتهد في ذلك أفلوطينplotin6 واعتبر حركة الذات هبوطا صعودا.
الكتابة تصنع فعلها زمن التدوين أو في لحظات القراءة كما فِعْلُ الجلد و السوط الذي يحدث أثره في اللحظة ثم يزول بزوال العقوبة ؛ والذات حركة مستمرة تبدأ من عالم الذات إلى الكون الذي انبثقت منه إلى الخارج (الآخر) إلى الواقع (الفساد) الذي تنتهي إلى مواجهته لأجل هدف التصفية و المجاهدة إلى الصعود نحو الأفضل الذي أصدرت كتابتها عنه.
الكتابة الرديئة تصنع الأثر السيئ و الذات القارئة الرديئة تصنعه أيضا. التناقض بين المسألتين واضح إذ أن الواحد لا يتغير لأنه بسيط أما الذي يجب أن يتغير فينبغي أن يكون مرّكبا كتابة رديئة و قارئ رديء.
الكتابة التي تتغير الذات في سطورها و لا تثبت تحدث معنى الفعل داخل الآخر تحرّك لتتوغل لتحفر عميقا فتطوّر من الفكر وتصبغ عليه رغبة في ذلك. فأنكسمندرanaximandre يعتقد أن هناك لا نهائيا من خواص كامنة تنبعث من الحرارة والبرودة الصحة و المرض والأشياء تحمل التناقضات.
في زمن كتابة الذات يتساوى أحيانا الآخر مع الذات كثيرا و الذات باحثة عن هذا التساوي لأجل إنتاج خطابها المعرفي و الأدبي و الجمالي وتسويقه، وأحيانا في بحثها عن المعرفة تشترط انتقال العقل من حالة القوة إلى الفعل و الانتقال ليس بفعل الإنسان ذاته بل بتأثير عقل آخر وهو يتجاوز العقل الإنساني(العقل الفعّال) كما قال بذلك الفارابي.7
الكتابة في السوق الإبداعية تعجّ بأنواع البضائع الأدبية و الفكرية و الفلسفية لأن الكِتاب تحوّل إلى صناعة و سوق.
الكتابة الجيدة الحاملة للذات والآخر في جدلية دياليكتية ونقاش مستمر في التفاوض والإقناع تمثل البضاعة النادرة المتهافت عليها لأنها تحمل أصالتها دون زيف.
الذات ارتباط بحوادث متتالية ومتغيرة وكل منها له سبب معقول يرجع إليه حدوثه كما قال ابن خلدون8 فإذا فهمت الأسباب فهمت الحادث و أثبتته وهذا هو قانون السببية.
الكتابة كما الوجود تجربة وتغير و تحوّل وبحث عن هدف أسمى، لا يمكن للكتابة أن تعطى دون وجود تحمله لأنه لو كان كذلك لنفينا صفة التغير.
علّقت الدكتورة فريدة غيوة حيرش حول التغير عند الفلاسفة الوجوديين المؤمنين من أمثال كيركاد وياسبرز وجابريال مارسال " نحن نخرج من ذواتنا ونعرف من خلال هذا الخروج المطلق أو الله لكن هذه العملية تعني في نفس الوقت أننا نتغير ونصير إلى الوجود لا خارج الوجود."
الكتابة و الوجود الجزء الرابع
1 ـ معاني مفاتيح الكتابة و الفلسفة في الحياة:
ما من أحد في الحياة لا يملك مفاتيح تحفظ له متاع ما يملكه، يقفل بها على أشيائه الغالية بتحصينها و إخفائها عن أعين اللصوص و الفضوليين ولا يظهرها إلا في الأوقات السعيدة و المناسبات والضرورات والمحن و لا يُطلع عليها أحد إلا الذين يتوسم فيهم خيرا ويمنحهم ثقته؛ يختبر سرائرهم و إن مثّلوا وتبدلوا.
هذه المفاتيح تتيح الولوج لعوالم جديدة و أفضية غير مألوفة، يُكتشف من خلالها الخبايا والأسرار، قد يطول زمن التأثر و التأثير لكل من رأى جمال و تلذذ بمتعة وعرف من أسرار و أختبر من أمكنة.
لكل شيء مفاتيح ، للمعنى مفاتيح ، للباطن مفاتيح، للعقل مفاتيح و للكتابة مفاتيح لا تعطى إلا للذين أختارهم الله أن يغيّروا مجتمعاتهم بعد تَغَيُّرِهِمْ في أنفسهم.
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". قرآن كريم
ليس كل ما يكتب يؤدي هدفا نبيلا في الحياة أو يزرع فضيلة أو يظهر موقفا أويبيّن عيبا أو يدافع عن قضية أو مبدأ فقط فالكتابات كثيرة و الأطماع كثيرة و الأباطيل كثيرة ، الأنانية المفرطة و النفس المتعلقة بالخطأ و الخطيئة والشر تشغل تقريبا كل مساحات الأمكنة في هذا العالم الضيّق المتسع.
إن الرأي في اليد الباطشة الأمية الجاهلة الظالمة المالكة دون البصيرة، والصواب قليل يطوّق بحصاره الحرية، الحق قلة أهله و الكتابة تحمل من هذا و ذاك و المتمسّحون كثر والخدم.
الصواب حق و الحق يحمل على التغيير و التغيير تجديد للأصيل.
الخطأ مرغوب فيه ومحمول على القبول مربوطا بوثاق مُلْكٍ أو سياسة أو إيديولوجية، يتحمّل الدخيل لا يصارعه ليتكامل بالمنفعة متواطئا على الخير، يتجسد بصورة أوضح في المجتمعات المتخلفة.
للكتابة مفاتيح يحملها النص في حلقة والفكر علّيقة.
الكتابة معنى في هدف الجملة التي قالها برغسون:" خير الناس و أكثرهم حظا من الحياة من كانت حياته وهي نفسها فتية وقوية مبعثا للقوة و النشاط في فعل غيره من الناس ومن كانت حياته وهي في نفسها نبيلة كريمة تضيء بأشعة نبلها و كرمها نفوس الآخرين".
وكذا تصور وليام جيمس: " الإخلاص هو انتصار الخير و الغلبة" و هي وصايا عمر الفاروق لأبي موسى الأشعري: " أعرف الأمثال و الأشباه و قس الأمور عند ذلك وأعمد إلى أحبها إلى الله" .
الله مطلق وما تأخذه من المطلق لا يمكن حمل الخطأ أبدا إلا إذا أدخلنا مجمل تصوراتنا ورغباتنا الكاذبة وخبث أطماعنا فأفسدنا قدسية ما أخذنا؛ الكتابة من المطلق هي قريبة من الحقيقة.
من السابق في هذا الطرح؟ هل أخذ ديكارت من عمر بن الخطاب؟ إنها معرفة الإنسان بحقيقة المعاني القائمة في النفس، إنه التفكير النبيل من أجل الفعل والتغيير.
الكتابة الحقة عذاب النفس وتعب العقل، ظهور الباطن وجهر لجلد ذات مستترة.
الكتابة دعوة للتوازن في الحياة، البحث عن الحياة بتفجير فكر الانتباه لشظاياه لملأ الفراغ و إثارة الاهتمام و الراحة في هذا الشقاء.
الكتابة تملك حريتها إذا انسلخت من الأوقات السيئة المشبوهة للأنظمة و الأحزاب والسياسات الزائغة، إذا انسلخت من أوقات الخدمة و الطلب و التصقت بأوقات المستضعفين و المهمّشين و المقصيين و المطاردين و صدودا عن المخصيين أدبيا الذين لا تفوح من أخلاقهم مواقف الرجولة.
الكتابة خدمة للإنسانية و اعترافا بفضل الله و النظر في مطلقه المزروع فينا و في الآفاق المحيطة بينا؛ تَمَلُكٌ لحريتها حين التغلغل في زمن الآخرين مفككة فاضحة الخطط كاشفة ما ينام خفاءً لتستحق عن جدارة خلودا.
إن الجهد في بناء المفرّق يطوّل عمر النسيج الإبداعي و الفكري الإنساني ويدحض الديمومة السراب.
حين تتمكن الكتابة من إرجاع السوية لما تم تحريفه من مفاهيم الخير و الجمال.
الكتابة تحيي السلبية النائمة في النفوس لتجتثها و تحملها على قبول الايجابية لتُخَلِصْ الأوقات من العبثية حين التمكن من قبر الانفعالات الباطلة المتغذية بأوامر إكراهية وتهدئتها مثيرة في الوقت ذاته عوامل التحريض في الأغوار المقيدة بالوهن.
فتح أبواب البحث عن حقيقة كل وجود فلسفة لتحريك الحياة كلها الحياة العميقة للعقل
والروح يقول ديوي : " كل سعي وراء الحقيقة ليس سوى أسلوب منظم من الروح
أساليب البحث يراد بها خلق الوسائل الناجعة التي يمكن استخدامها في حياتنا العملية". مفاتيح الكتابة تحتاج ليد أمينة تحافظ على قدسيتها وقدسية القلم وحي الله وقسمه خدمة للتوازن، الحياة توازن الروح و العقل توازن الوجود حين الفناء.

2 ـ الوجود الحداثة في مقاومة فكرة عقلية الصحراء الشيخ والتابع:

إن الوجود في الحياة ارتباط بموضوعات العالم ومسائله، وجودنا يفرض علينا التغيير نتغير و نظل على ارتباطنا بمواقفنا لأننا نطمح للحرية الغائبة إننا نريد أن نكون وقد لا يتحقق الذي نريده أن يكون؛ نتكلم في محيط يحكمه الاستبداد على إمكانية تحقيق وجودنا في الآفاق التي يُضّيّق فيها البشر مجال المستقبل و الأماني و العراقيل التي يضعونها باستبدادهم ومرضهم النفسي خوفا من تجاوز أصحاب المواقف لعقباتهم و نهوضهم من كبواتهم للجهر بالحقيقة و لو على الذات.
إن الوجود الإنساني الذي يؤكد حقيقة وجوده الفعلي يظل قائما باستمرارية المواجهة لأفعاله لأن أهمية الإمكان و القدرة ترتبط بالواقع.
إن غياب إمكانيات التحرك الايجابي في اتجاه التغيير و الخير يقيّد هذا الوجود و يجعله محدودا. كيف يمكننا أن ندرّس الخير للناس وهم يقطعون رزقنا و يتآمرون علينا حين يتحركون بفعل أمر الآخر وتوجيهه.؟ هل في هذه الحالات تبقى المواقف ثابتة في فعل الخير؟ أدليل وجودك إلجام مواقفك لحماية الوجود ذاته. لا أحد يملك حرية مطلقة و لا نسبية أيضا، إن الذين يقولون بوجوب الحرية في الدول التي يقبع فيها الفقر والحرمان النفسي ويتجول الجهل بدون قيود، الدول التي مرجعيتها الديني والعرفي المتحكم فيها أصحاب الأهواء و المطامع؛ أليست هذه الحرية في هذا الوجود خدعة؟
إنها حرية الاستبداد تجعلك تطيع وقيمتك قيمة الحيوان الذي يُمنح الأكل ويُفك قيده ليسرح بعض الوقت من ثمة يعود إلى قيده وإلى تملقه وطاعته لإشارات المسيطّر عليه. هل نشعر بالوحدة حقيقة؟ هل نتحرك لخير العالم ككل؟ أم أننا عبيد أهوائنا و أنانيتنا؟ هل نتحول من أنفسنا للنظر للآخرين الأكثر ضررا وألما منا؟ هل نتجاوز أطماعنا و غضبنا على الذي نعانيه داخلنا لنعفو على هذا الواقع الذي يسلبنا أعمارنا و أحلامنا؟ إرادتنا التي تنهار جراء الإقصاء و الاضطهاد بكل أنواعه و الحصار؟ .
إن الخلق في مجتمعاتنا عناصر سلبية قائمة لما تنتجه من أفعال مأساوية، حربها وحصارها عراقيل توضع لأجل شعورك بالفشل و الإخفاق لا غير؛ والذي لا يقوى على تجاوز هذه المحنة يعيش مسلوب الوجود لأنه يحيا في وجود الآخرين الذين تمكنوا من إخضاعه يعيش في وجود الآخرين ذليلا دون حرية ودون اختيار منه ولا فهم.
لأن هؤلاء المتحكمون لا يقلقون على المستقبل إنما يقلقون على منفعتهم التي قد يحرمون منها لأن ذاتهم المريضة سحر مستتر.
حياة هؤلاء معنا نشعر بها ضاغطة، صحراء جافة، قاحلة مهجورة مسكونة بالأشباح والخوف، التفكير في تغيير المكان إلى مكان مفضّل هو هروب من الضيق إلى الاتساع هروبا بالنفس ونجاة للعقل إنه منطق العقل ومنطق العقل هنا عند الآخرين أمثالنا يعتبر فرارا من المسؤولية و خيانة لهذه المواقف. إن بحثنا للانتقال من الأوقات السيئة العصيبة إلى الايجابية التي تمكّننا من الاستمرار في الحياة و تباعد عنا الخطر وتصدّ عنا الأشباح هو هروبا من واقعنا إلى واقع أكثر ملائمة مع تفكيرنا وطموحنا و آمالنا ورغباتنا أيضا. هل هو هروبا من المسؤولية مخافة أن نتنازل عليها لصالح من جعل الله حاجتنا عندهم و جعلهم ابتلائنا الكبير؟ لأجل رغيف خبز ووظيفة ننهي بها أوقات عمرنا فنتحول إلى وشاة وعبيد مطيعين؟
إن المجتمعات المستبدة لا تريد موظفا أو مثقفا أو كاتبا إنما تريد موظفا واشيا في نفس الوقت إنها عقلية الصحراء شيخ القبيلة و التابع.
لماذا تُهمل الكتابة والقراءة معا في المجتمعات المتخلفة؟ لماذا يحاصر الكتاب و يقصون في مجتمعاتهم؟ لماذا الكاتب الأصيل سيء الحظ؟ كلنا نعرف الإجابة و لو أختلفنا في الطرح و الأسلوب لكن الحقيقة تبقى واحدة لا تغيب على أحد.
الذي يداوي الجرح يفتحه أكثر ليطهّره و يخيطه برغم الألم الذي يحدثه، إنه يحدث الألم الشديد للحظات ليتوقف الألم الدائم.

3 ـ وجود القدر، الجسد و الروح وقدر وجود الآخر في الكتابة :
هل الكاتب قدر الله للناس؟ أم الكاتب قدره الناس؟
إن قدر الكاتب مسطر من القدم يجبن أو لا يجبن، يتنازل أو يظل على مواقفه، و لتطمئن النفس من قلقها عن حريتها التي قد تسلب منها أو تنتهي بتوقيع إلى السجن أو بطلقة بندقية أو بخيانة أو بتكالب الأشرار عليه و الأصدقاء وجفاء الوقت و أهله، لا بد من قبول هذا القدر بإرادته. أفعال الآخرين المسئولون عن زرع عراقيلهم المؤلمة في وجوده من أجل حده أو النيل من عزيمته بغية شقائه.
جزء من قدره ماضي من تاريخه لم يستطع تغييره في حاضره؛ مرغم هو على هذا القدر الذي لم يشأه أن يكون ملتصقا بوجوده وربما كان هو نفسه قدر الآخرين يغيّر في لحظاته ووجوده ، إن هذا القدر ملكه و لا يمكنه أن يورثه لأحد غيره، ملك بكل ما فيه من أفعال الآخرين هو فيه سيد وعبد.
لم نكن نعلم أننا سنصير كتابا بؤساء أو سعيدين برغم اختيارنا لجهة المواقف و الحق برغم رفضنا انتمائنا للطبقات الأخرى الكثيرة التي اختارت مكانها ولو كان نتنّا عفنا موحشا بغيضا ظالما مستبدا.
واجهنا ولم نختر المواجهة مع عادات و تقاليد هي نفسها قد تحدد موتنا أو تفرض علينا النفي و الاغتراب، لا نختار الصراع و لا نعتبر ما نكتبه صراعا إنما القائمين على حرية الآخرين من يعتبروننا أعداء و مغفلين و أندادا و مخربيّن ومفسدين.
يغيرون قدرنا بقوة القوة و الوسائل كثيرة و ينتهون بالإقصاء بالقانون لأجل أن نتغيّر ونبدّل الاتجاه في طريق معاكس لأجل أن نتنازل إلى ما نطمح لرؤيته يتغير في الآخرين.
قدرنا ماضي فينا لأنه حكم الله لم نختر اللا استقرار لكننا نخضع لذلك في أنفسنا ، نكشف ما يحجبوه عنا فنجد الوضوح يزداد عتمة لمستقبلنا و حياتنا كأننا مطالبون بترك ما هو في أيدينا، إننا نعلم أن إساءة الآخرين و الشقاء الذي صنعوه قدرنا لكنهم يجهلون أننا ربما لا نتغير ، إن اعتقادهم بعملهم هذا كسروا سنن القدر إنها حماقة قاسية.
نأكل مع الناس و نلتقي بهم في الطرقات و نصادفهم في المقاهي ونرى وجوها كثيرة وغريبة، نزدحم معهم في الأسواق و نتوسخ بوحل الأرض و الطين لأننا نملك جسما متشابها، إننا من لحم ودم و لسنا كائنات ضوئية.

مقيدون نحن بالعادة و لا نقوى على تجاوز هذه العادة لأننا على الأرض وعددا في عدّاد الزمن.
" وما من ذرة في السموات و لا في الأرض من قبل أن ندرأها إن ذلك على الله يسير" قرآن كريم.
إنها مطالب الجسم و الجسد و الرغبة و استمرار الحياة ، إن جزء منا مادة لا يمكن عبورها لتحقيق و جودنا المطلق الكلي ، هذا الجسد يفرض علينا القيد و يعطّل مشاريع كثيرة و أهدافا و آمالا و أحلاما، هو القالب الذي سكنته الروح للتجلي للعيش مع العالم وجزئه الأكبر المنغمس في الأنانية و الفظاعة ، الجسد لم يكن سرا إنسانيا غامضا بقدر الروح و العقل.
4 ـ مقاومة فكرة الثقل الميّت و الانتقال لحركة العدد:
قدر الله فينا يتجزأ كلما تجزأت تركيبتنا؛ إننا أعدادا وأرقاما؛ الدقائق والساعات و الأيام، مولدنا وزننا وعدد نبضاتنا ، الدواء الذي أعطي لنا عدد الحبات والقطرات، مرات الرضاعة ومدة تغيير حفاظاتنا؛ وفي كل يوم نكبر فيه يزداد العدد أو ينقص في أجسادنا وعقلنا و سنين دراستنا ، نخضع لعلاماتنا ومعدلاتنا؛ جسدنا الذي نعرف كم عظما فيه وكم عضلة وكم عصبا وكم خلية.
جسد متصل بالعالم الخارجي محكوم بالعدد و الأرقام ، العدد و الأرقام قدر أيضا حتى في وفاتنا نقضي زمننا المحدد وحتى بعد موتنا نظل عددا و أرقاما، يحسب يوم موتنا ويوم ميلادنا وماذا فعلنا وماذا أنجزنا مؤرخين بالعدد و الإحصاء، ألم ينظر معظم الفلاسفة إلى الجسم نظرة إبستيمولوجية، إن معرفة الجسم تتم بواسطة الإدراك الجسمي1.
إننا محكومون بأجسادنا لذواتنا ، وسيلة العبور الضرورية لدافعية الوجود و الارتفاع لتحقيق مراتب تأكيد ذواتنا ، بإرادتنا وصبرنا نستطيع تحقيق ذاتنا على أحسن وجه ، نتكيّف مع بيئتنا و حاضرنا ومن خلال ذلك نغيّر أوضاعنا، أجسادنا قدر الله ومسؤوليتنا في الشفتين وهذا اللسان الذي ينطق العبارة .
" ألم نجعل له لسانا و شفتين و هديناه النجدين" قرآن كريم

وهذه الحنجرة التي تنادي للحق أو تصيح للخراب أو هذه الأصابع التي تمضي بيان الحقيقة أو توّقع الظلم و الهلاك و الفناء. قدر واقع تحت مسؤوليتنا نتحمل تبعاته.
جوارحي تطلب عادتها، تدعوني للحرام حين يغيب الحلال أو يكون ضابطا و حدا ونهيا، تهيج وتفك عقال العقل منها، و الذات تمل وضعها والروح تضعف من خلال ضغوطات وعراقيل الخارج، الجسم يتحوّل إلى طبيعة حيوانية شرسة إلى مادة جامدة تتحكم فيّ، تقودني إلى أي وجهة شاءت حين يزيغ وعيي يحدث هذا الحيوان.
التحكم في هذه الرغبة الحيوانية صعب، والجسد أمانة من أجل تحقيق الوجود المشروع بحصول الوعي، قدر واختيار، رجوع الوعي و تسخيره في تصحيح الأخطاء ومحو آثار السيئ في حياتي.
قدرنا أن نكتب لنؤكد حقيقة ذاتنا على وجودها في هذا العالم وتأكيد لذوات الآخرين الذين يشاركوننا حركاتنا و أعمالنا " إن الصورة الجسمانية هي أسلوب للتعبير عن أن جسمي قائم في العالم" 2.
لقد بين موريس ميرلونبونتي الجسم: " هو شيء فوق المادة ، فهو ليس مجرد آلة تقوم بحركات بدافع الإرادة الإنسانية و لكن " الأنا" أو الذوات الإنسانية هي حقيقة تتجاوز جسمها لتصبح أعلى من الجسم و في هذا الصدد يكون من الصواب أن نقول دائما إننا نملك أجساما لأننا نستطيع أن نتجاوز وقائعية أجسامنا في حدود معينة"3.
هل قدر مجتمعاتنا أن تتحكم الحيوانية فيها ؟ أم أن الحرمان بالنقص الذي تتعرض له هو ما يجعلها كذلك؟ لماذا يغيب الذكاء و تحضر العادة باستمرار؟ لماذا يهجر العقل مركزه ويصير إلى الهامش؟ لماذا يتلاشى وجودنا وتهمل المعرفة؟ لماذا ينظر إلى الكاتب كمذنب أو مهرّجا أو مسخرة؟ لماذا الكاتب لا ينسلخ من قدره و يعيش كباقي الخلق يصنع لفعله اجترار العادة فيرتاح من عذاباته؟ الكلام عن قدر الكاتب الحقيقي الأصيل مهما كان أسلوبه في الكتابة. لا عن الكاتب العامل؟.
لا شك الإجابة سهلة ودونها الغزالي في كتابه كمياء السعادة:" الروح حقيقة جوهرك وغيرها غريب منك و عارية عندك فالواجب عليك أن تعرف هذا و تعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء و سعادة فإن سعادة البهائم في الأكل و الشرب و النوم و النكاح فإن كنت منهم فأجتهد في أعمال الجوف و الفرج و سعادة الملائكة في مشاهدة جمال الحضرة الربوبية وليس للغضب و الشهوة إليهم طريق فإن كنت من جوهر الملائكة فأجتهد في معرفة أصلك." 4
القطرة تصنع البحر وحبة القمح تصنع الكيس ووجودها منفردة يعطي فكرة الخبز والرغيف و السنابل و الحقل.
إن وجودي الحقيقي في هذا العالم إضافة فإن لم يكن كذلك وكان إلا جسدا فهو حلقة دخان، وجودي جسدا يحمل موضوع وهو ذاته موضوع الآخرين فبمشاركة مواضيع الآخرين أدل عليّ، أدل على المكان الذي أنا فيه، عن الأوضاع التي تحيط بي، عن الوضعية التي أحتلها، إنه نظام la pus كل يضاف إليها ليصبح معلوما، تكون موضوع بالتمكن من ولوج أغوار الحقيقة لتكون شاهدا على عصرك، على ما يحفّك:
" تطوير الجسد لتأنيس الكائن ، و تأنيسه لترقيته ، وتأنيسه وترقيته لجعله يشعر بفرديته والكل من أجل الوصول به إلى الأشكال الروحية الأكثر سموا، ذلك هو برنامج كل تربية واعية بأهدافها" 5.
تحقق نظرتك باتجاه الآخرين دون اللجوء إلى ذاتيتك المعقدة المريضة الحاقدة الناقمة، المغرورة ، وجودك الحقيقي هو حين تكون وسيلة اتصال بينك و بين الآخرين ، قد يقس الآخرون عليك كثيرا و لا يبالون و يعملون على إيقاف تواصلك بفضل أي علاقة قد تدلك إليهم. إننا متشابهون نحن البشر في الصفات مختلفون في الطباع و الطبائع، إنما اتصالنا يزداد وثاقه للآخرين الذين نراهم متآخين في رسالة يتقاسمون حملها بلا امتيازات ولا غنيمة وبلا أنانية المنفعة لأن بغير هذا فناء الآخرين.
نمارس الكتابة فنصبح وجود عند الآخر بموضوعنا وموضعه الذي عرفناه وكان جسر عبورنا إليه.
نكتب لأن إحساسا مركّزا جارحا أو بهيجا انفعل معه وجودي المتفاعل مع علاقاتي بمحيطي و الآخرين ، أي وجود هذا إن لم نضاف إلى المركز وكنا فقط الثقل الميّت في الأجسام.
وجودي الحقيقي خضوع الذات لوظيفة الحياة؛ نكتب وقد نثير غضب الناس ، قد نخطئ في حق فئة، قد نتعرض لانتقادات سلطة في هذا العالم ونكون في ظل حكمها، قد نسجن أو نضرب أو نغرّم أو نقصى أو ننفى على أساس ذلك فإننا موجودون؛ نظرنا لوجودنا نظرة صحيحة أو استخدمنا ذواتنا و أجسامنا بوصفهما الوجود البشري دعامة لعملنا لتعزيز الحقيقة، إن تواصلنا مع كل هؤلاء بما نعرفه من حقائق عنهم بالذي لا يعرفونه هم أنفسهم هو مسيرة لأجل تأكيد حقيقة الوجود الأسمى من حقيقة الوجود الأدنى؛ " إنه عمل خفي كما العقل" ينمو في الخفاء كنور الصبح الذي يكمل بطلوع قرص الشمس"6.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن