دولنا إسلامية بامتياز

عبد القادر أنيس
abdelkadermalek@live.fr

2009 / 8 / 23

دفعني لكتابة هذه الأسطر أحد المعقبين باسم "معلق" تعقيبا على معقب آخر باسم "لجين" جاء ضمن التعقيبات التي نشرت مع مقال للسيد عمرو إسماعيل:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=182034
قال السيد "معلق" موجها كلامه للسيد "لجين": (تحطيم الدين لم ولن يكون الخطوة الأولي في حالتنا هنا لسبب إما انك غافل عنه واشك في هذا او انك تتجاهله وهو الأقرب ويتجاهله الكثيرين من المتحدثين عن العلمانية , الا وهو ان ان الإسلام ليس كالمسيحية فالإسلام لا يوجد به كهنوت يسيطر عليه ويجعله سلطة عليا علي سلطة الدولة, مثلما كان الحال في أوربا إبان ثورة التنوير, حيث كانت الكنيسة هي السلطة العليا, وكان لها الحكم فوق الملوك
اما في حالنا هنا فلا يوجد اي سلطة عليا إسلامية لا علي مستوي دولة ولا علي مستوي العالم الإسلامي ككل, فببساطة شديدة لا يوجد اي دولة إسلامية بها سلطة دينية عليا للمطالبة اولا بفصلها عن الدولة, وثانيا بتحجيم دورها
في حالنا هنا علينا ان نقوض التيارات السلفية التي تريد استغلال الدين للسيطرة علي الأفراد والتي تلعب دور هام مع الحكام المدنيين الذين يسيسوا الدين للسيطرة علي الشعوب,
فليس بين الدول الإسلامية اي دولة لاي هيئة دينية السيطرة العليا علي الحكم, حتى إيران عندما قامت بها ثورة إسلامية تحولت للجمهورية ولم يعين بها والي او إمام وأصبح لها دستور وتحكم بالقوانين وضعية.) انتهى
وهو كلام مغلوط بالطبع، تدحضه مواد دستور (الجمهورية الإسلامية) الكاذبة، المتعلقة بهذه المؤسسة المتعالية على الجميع كما يدحضه واقع وسياسات البلاد العربية وقوانينها ودساتيرها وكل المؤسسات الدينية النافذة فيها.
وقبل إيراد هذه المواد فمن الإنصاف أن أورد التعقيب الذي سفهه السيد (معلق)، قال فيه السيد "لجين" معقبا على المقال الرئيسي:
(مقال جميل واضح
العلمانية تعدل بين جميع أطياف المجتمع الذي تسود فيه، فتعاملهم على قدم المساواة وليس على قدم التفرقة في الحقوق والدين والعنصر .
هذه حقيقة لا خلاف عليها ولا جدال فيها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على المفكرين العرب الذين يحملون عبء السعي إلى ترسيخها في مجتمعاتهم هو: كيف السبيل إلى إقامة دولة علمانية ديمقراطية في مجتمعات ترفضها، لا لأنها لا تحمل لهم الخير، ولكن لأنها تتعارض مع معتقداتهم الدينية بالدرجة الأولى؟
هذه المعضلة واجهت المفكرين الغربيين من قبل ، فلم تفتّ في عضدهم، بل زادتهم وعياً بخطورتها، وإصراراً على حلّها.
فكان أن قام هؤلاء بشجاعة لا مثيل لها إلى تفكيك الفكر الديني المسيحي، لتحطيم سلطة الكنيسة، ولتكوين رأي جماهيري عام يرفض الخرافة الدينية، ويكون قادراً على النهوض بمشروع الديمقراطية والعلمانية. وقد نجح هؤلاء المفكرون لأنهم كانوا صادقين، وكانوا شجعاناً، فلم ترهبهم السلطة الدينية ولم يرهبهم الشعب الغافل الجاهل.
لم ينزلوا لهما عن فكرهم، ولم يجاملوهما بحجة مراعاة المشاعر والعدد والمهازل الأخرى التي يسوّقها بعض المفكرين العرب المترفين... كانت الحقيقة عندهم فوق كل شيء لا مراعاة ولا مجاملة ولا تقية فيها، أخلصوا لها فأخلصت لهم وكافأتهم بانتصار مشروعهم النهضوي التنويري
إنّ تحطيم الدين هو الخطوة الأولى التي يجب على المفكرين المسلمين أن يخطوها وهم في طريقهم إلى إقامة مشروع الديمقراطية والعلمانية، إنه الأساس لصرحهم الفكري، ومن دون هذا الأساس لن يقوم للعلمانية والديمقراطية صرح ولا بناء.
الشعب المحرَّر من الخرافة الدينية هو وحده القادر على بنائها. وتحرير هذا الشعب وتنويره هو المهمة التاريخية العظيمة المناطة بضمائر المفكرين الحقيقيين) انتهى كلام لجين الجميل هو الآخر.
هذه بعض مواد الدستور الإيراني لدولة دينية ثيوقراطية بامتياز:
المادة 109 :

الشروط اللازم توفرها في القائد وصفاته هي :

1 الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء‌ في مختلف أبواب الفقه.
2 العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.
3 الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة، ‌والقدرة الكافية للقيادة. وعند تعدد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة يفضل من كان منهم حائزاً على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره (انتهت المادة 109).
ولا يخفى على عاقل ما في هذا الكلام من غموض وتحيز سافر لرجال الدين، وللمسلمين حصرا رغم أن إيران فيها أقليات دينية مختلفة غير مسلمة.
المادة 110 (التعليق ما بين قوسين من عندي)
وظائف القائد وصلاحياته: (والمقصود به هنا الولي الفقيه وليس رئيس الجمهورية)، وهو يسمى أيضا القائد الأعلى للثورة الإسلامية...
1. تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام (وليس مع رئيس الجمهورية ولا مع مجلس الشورى المنتخبين).
2. الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.
3. إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
4. القيادة ‌العامة للقوات المسلحة.
5. إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
6. نصب وعزل وقبول استقالة كل من:
أ – فقهاء ‌مجلس صيانة الدستور. ب - أعلى مسؤول في السلطة القضائية. ج - رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية. د - رئيس أركان القيادة المشتركة. هـ - القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية. و- القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
7. حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث.
8. حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام (هكذا).
9. إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توفر الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم فيجب أن تنال قبل الانتخابات موافقة مجلس صيانة‌ الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة (أي الولي الفقيه !!!).
10.عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة‌ مصالح البلاد وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية، على أساس من المادة التاسعة والثمانين.
11.العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصاً آخر أداء‌ بعض وظائفه وصلاحياته.
(انتهت نص المادة 110)
بالإضافة إلى هذه الصلاحيات التي يتمتع بها شخص غير منتخب مباشرة من طرف الشعب، يقوم هذا الشخص أيضا بتشكيل "مجمع تشخيص مصلحة الدستور" ويعطيه من الصلاحيات ما يجعل مجلس الشورى المنتخب مجرد ديكور، لنقرأ المادة التالية:
المادة 112
يتم تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام - بأمر من القائد - لتشخيص المصلحة في الحالات التي يري مجلس صيانة الدستور أن قرار مجلس الشورى الإسلامي يخالف موازين الشريعة أو الدستور - في حين لم يقبل مجلس الشورى الإسلامي رأي مجلس صيانة الدستور - بملاحظة مصلحة النظام.
وكذلك للتشاور في الأمور التي يكلها القائد إليه وسائر الوظائف المذكورة‌ في هذا الدستور.
ويقوم القائد بتعيين الأعضاء الدائمين والمؤقتين لهذا المجمع.
أما المقررات التي تتعلق بهذا المجمع فتتم تهيئتها والمصادقة عليها من قبل أعضاء‌ المجمع أنفسهم وترفع إلى القائد لتتم الموافقة عليها. انتهت المادة 112.
لعلمك سيد معلق، فإن هذا الولي الفقيه ليس منتخبا من الشعب بل تنتخبه لجنة مغمورة غامضة يصعب فهم آليات عملها حتى بعد مراجعة الدستور، وله من الصلاحيات، كما رأيت، ما يفوق بكثير صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان المنتخب، وهو رجل دين بالضرورة وهو هيئة تنحدر من تقاليد عتيقة متخلفة ترتبط بنظام الإمامة الشيعية في انتظار عودة المهدي المنتظر من غيبته (راجع المواد من 105 وما بعدها) في الرابط:
http://www.alalam.ir/site/iranElection/2.htm
في البلاد الإسلامية الأخرى التي تعتقد خطأ أنها تخلو من المؤسسات الدينية مثل مؤسسة البابوية، هناك مؤسسات دينية كبيرة لا تقل أهمية ونفوذا مثل دار الإفتاء التي تتدخل في كل شيء، المجالس الإسلامية العليا، وزارة الشؤون الدينية، رئيس الجمهورية (المسلم كشرط) الذي يقسم على المصحف ويتعهد باحترام الدين الإسلامي ويدافع عنه ضد كل من يسيء إليه، ثم هناك امتدادات هذه المؤسسات العليا مثل المسجد الذي يتدخل أئمته يوميا في كل شؤون الناس السياسية والاقتصادية والتربوية وتنطلق منها حملات التشنيع والتشهير ضد الأفكار الحرة، وتهييج العامة واستعدائها ضد المفكرين. ثم هناك ملايين الجمعيات الأحزاب الدينية التي تنفرد بها البلدان العربية والإسلامية والتي لها نفوذ كبير على مصائر هذه الأمم. ثم هناك أولا وأخيرا النظام التربوي الذي يعج بالدين وفي كل المواد.
دولنا إذن دول إسلامية بامتياز لأنها تسهر على هيمنة الدين على حياة الناس وتسن القوانين لتأبيد هذه الهيمنة على الأسرة من خلال قوانين الأسرة الجائرة التي تجعل المرأة مجرد خادمة في بيتها وتجردها من كل حقوق الإنسان كما نصت عليها المواثيق الدولية. ومن خلال تدخل الدين في المناهج التربوية وتوجيهها توجيها غير علمي، بما في ذلك التدخل لمنع تدريس نظريات علمية أو حذفها إن وجدت. وتخويف الناس من التعامل مع البنوك التي يصفونها بالربوية، بما في ذلك صناديق التوفير التي يلجأ إليها الناس طواعية لحفظ تحويشة العمر.
طبعا لا ينفع القول بأننا لنا دساتير وقوانين وضعية هي أصلا من مخلفات الاستعمار وتعج بالتناقضات مثل حرية الاعتقاد التي تنص عليها الدساتير ثم تأتي قوانين أدنى لإفراغها من محتواها، ومثل المساواة بين المواطنين ثم تأتي قوانين أخرى جانبية لتمسحها.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن