المحكمة الجنائية الدولية...وتطبيق إنتقائى للقانون

رشا زكى
rzaki@ymail.com

2009 / 3 / 29

تأسست المحكمة الجنائية الدولية فى الأول من يوليوعام 2002 ، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء. تعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير. فالمسئولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو 2002، أى بعد تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.
وقد رفضت التوقيع على ميثاق المحكمة عدد من الدول منها أمريكا وروسيا والصين والهند وإسرائيل .
وفي الرابع من مارس الحالى أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة إعتقال بحق الرئيس السودانى عمر البشير ليصبح بذلك أول رئيس تصدر مذكرة إعتقال بحقه وهو ما يزال رئيسا .و ثالث رئيس دولة تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة إعتقال بحقه بعد رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلر والرئيس السابق ليوغسلافيا سلوبودان ميلوسوفيتش ، إلا أن مذكرة الإعتقال قد صدرت بحقهما بعد أن تركا منصبيهما.
ودعونا نحصى كم الجرائم البشعة التى ارتكبت فى حق المسلمين منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية فى يوليو 2002 حتى الآن،وغضت عنها المحكمة الجنائية الطرف.
ودعونا نتسائل ...اذا كان للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية الحق فى توجيه تهم المسئولية الجنائية بمختلف دول العالم، فلماذا لم يصدرحتى الآن مذكرة لاعتقال قادة "‏إاسرائيل" لما يرتكب فى حق المدنيين الفلسطنيين من إنتهاكات لحقوق الإنسان من إبادة جماعية وعرقية ودينية. وبوش كيف يمر بفعلته فى العراق مرور الكرام ، ويفلت من العقاب جزاء ما إرتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى حق الشعب العراقى . ‏
وكذلك توني بلير الشريك الرئيسى لبوش في غزو العراق وقتل المدنيين العراقيين، بدلا من أن تتم معاقبته ، تم تكريمه ‏دوليا بأن أصبح مبعوث "اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الاوسط"، بل أاكثر من ذلك، فقد تم تكريمه ‏في الكويت حيث بات مستشارا على اعلى مستوى؟!.
من هنا يمكنني القول أن القضية سياسية، وليست قانونية، إذ أن الهدف يبدو فيما يتعلق باصدار هذه المذكرة ‏بخصوص توقيف الرئيس السوداني أول رئيس تصدر بشانه مذكرة توقيف من هذه المحكمة وهو يمارس ‏مهامه في الحكم منذ تاسيسها عام 2002.
إذن الهدف المقصود من هو تفتيت السودان وتقسيم الجزء الجنوبي عن ‏الجزء الشمالي منه خاصة وأن البشير يعد من رؤساء محور الممانعة في العالم العربي الرافض ‏للتطبيع مع "إسرائيل"، والخضوع لأمريكا وهذا لا يمنع من حدوث إنتهاكات صارخة في إقليم دارفور ‏في السنوات الخمس الماضية. ‏
إن العدالة غير مطبقة في العالم بشكل حقيقي، فهناك جبهتان، جبهة الدول الكبرى المتنفذة بقيادة أمريكا، وجبهة الدول الضعيفة التى يجب أن ‏تخضع لمنطق الدول الاقوى أو يفرض عليها "عدالة الاقوياء من منطق الدول الاقوى".
إن السبب الحقبقى وراء الحكم بإعتقال الرئيس السودانى ، هوسبب سياسى وليس قانونى ،وهو إسقاط نظام الحكم فى السودان وتغييره لما يخدم المصالح الأمريكية فى المنطقة العربية ، وحتى تتمكن أمريكا من إستكمال مخططتها فى المنطقة ، فلا تكون السودان عقبة فى مواجهة تلك المخططات.
لابد أن يكون هناك ‏نظام عالمي عادل وإنساني يقوم على مبدأ إحترام الشعوب وحضاراتها وثقافاتها، ولا يمكن ‏أن يتحقق هذا النظام إلا بعد قيام حرب عالمية جديدة ، تتغير بعدها موازين القوى في العالم. و أتوقع ان تكون إيران بقوتها ‏النووية أحد اطراف هذه الحرب الجديدة ، وهى تتحرش ببعض الاقطار العربية ‏الصغرى.
وإذا كان هناك عدل دولي اليوم لتأسست -مثلا- إما محكمة جنائية دولية تابعة للامم المتحدة ملزمة لكل الدول الاعضاء بالامم المتحدة ومختلفة في مهامها عن ‏محكمة العدل الدولية، بحيث تنظر في مختلف القضايا، وتصدر أحكاما بشان التهم والمسئوليات الجنائية بمختلف دول ‏العالم، التهم المرتكبة من دولة ضد أخرى أو الجرائم المرتكبة ضد الشعوب. أويتم تأسيس محاكم جنائية إقليمية، كمحكمة جنائية عربية ومحكمة ‏جنائية أوروبية وغيرها. ‏
وعلى ذلك لن تكون المحكمة الجنائية الدولية هى العلاج السحرى لضحايا جرائم الإبادة فى الدول الصغرى ، ولكنها ستتحول إلى أداة فى أيدى الدول المتنفذة لتحقبق سياساتها الدولية فى العالم.، وخنجر يفتك بكل من يقف فى طريق تحقيق مخططاتها.
rzaki@ymail.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن