دور الإعلام في عملية التنمية في العراق

فلاح خلف الربيعي
faalah@gmail.com

2009 / 2 / 19

الإعلام سواء كان هيئة مستقلة أم نشاط داخل هيئات أخرى، هو جهاز يسعى إلى نقل الحقائق والمعلومات التي تهم أفراد المجتمع ؛ والإعلام التنموي هو المنظومة الإعلامية الرئيسية أو الفرعية التي تعالج قضايا التنمية. والإعلام التنموي فرعًا أساسيًا ومهمًا من فروع النشاط الإعلامي يعنى بوضع النشاطات المختلفة التي تضطلع بها وسائل الإعلام في مجتمع ما في سبيل خدمة قضايا المجتمع وأهدافه العامة. أو بمعنى آخر هو العملية التي يمكن من خلالها التحكم بأجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري داخل المجتمع وتوجيهها بالشكل المطلوب الذي يتفق مع أهداف الحركة التنموية ومصلحة المجتمع العليا.
ومن أبرز خصائص الإعلام التنموي : أنه إعلام هادف يسعى إلى خلق الأرضية المناسبة لإنجاح الخطط التنموية. كما أنه إعلام شامل يرتبط بنواحٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية تربوية. وإعلام واقعي يفترض أن يستند إلى الوضوح في التعامل مع الجمهور والثقة المتبادلة؛ كما يتصف بالتخطيط والبرمجة المعقولة.
وتكمن أهمية الإعلام التنموي في الدفع قدمًا نحو الأمام لمسار التنمية وإنجازها بالشكل المطلوب؛ فإنجاز التنمية يفترض تعبئة الموارد الذاتية للمجتمع وفق استراتيجية واضحة ومدروسة لكيفية تحقيق التنمية وحصر أولوياتها من ناحية وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية من ناحية ثانية وإنشاء وتحديث الأجهزة والمؤسسات التي تنهض بالدور الرئيسي في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية من ناحية ثالثة وتحقيق قدر من العدالة في توزيع أعباء التنمية وعوائدها من ناحية رابعة.
ومن الناحية الاجتماعية يقوم الإعلام التنموي بتوسيع الآفاق الفكرية؛ ولفت انتباه الناس إلى القضايا العامة باعتبار التنمية تتطلب قيمًا ومعايير ومعتقدات اجتماعية متجددة. فنظام الاتصال هو أداة للتغيير نحو نظام اجتماعي شامل.
وعلى صعيد السياسي فإنه يهدف إلى تأكيد أهمية مبدأ الوحدة الوطنية وتوسيع دائرة الحوار السياسي؛ ودفع الناس باتجاه المشاركة السياسية واتخاذ القرار وتوضيح الأبعاد الوطنية للتنمية.
ومن الناحية الثقافية يسعى في خلق الظروف المواتية للتنمية ودعم التحولات الاجتماعية؛ وترسيخ التطورات الإيجابية في مجال التعليم؛ والاهتمام بالتربية جنبًا إلى جنب مع التطور الاقتصادي والاجتماعي؛ فالتنمية عملية إنسانية حضارية ونسبية.
وهكذا فالإعلام التنموي يهدف إلى خدمة قضايا المجتمع وأهداف عامة أخرى فهو يسعى في تحقيق أهداف وغايات اجتماعية مستوحاة من حاجات المجتمع الأساسية ومصالحه الحيوية. ويسهم أيضًا في ترسيخ الوعي الحقيقي بالتنمية القائم على المصارحة وتقديم الحقائق ومن ثم تبني الخطط التنموية اللازمة.
أن هذه الحقائق تشير الى وجود نوع من التفاعل الديناميكي بين التنمية بمظاهرها المتعددة ووسائل الإعلام.
فالتنمية الاقتصادية تؤدي إلى زيادة وتيرة التدفق الإعلامي من خلال دورها في مضاعفة القدرة الشرائية للناس؛ كما أن زيادة التدفق الإعلامي وزيادة المعلومات تسهم في رفع مستوى التنمية الاقتصادية. وبالمقابل فأن غياب النظم السريعة للاتصال و ضعف الشفافية وهيمنة التعتيم الإعلامي؛ قد تشكل سببا رئيسياً من أسباب تخلف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كثير من مناطق العالم الثالث.
والمهمة الأساسية للجهاز الإعلامي في مجال التنمية هي تزويد المجتمع بأكبر قدر ممكن من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها. وبقدر ما يقدم الإعلام من حقائق ومعلومات بقدر ما تحقق التنمية أهدافها؛ خاصة وأن دور الإعلام ينصب على كيفية توجيه الأفراد لمساعدة أنفسهم؛ والإسهام بفاعلية في الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم؛ وتشجيعهم للقيام بدور فعال في تنمية مجتمعهم وتوعيتهم ليكونوا على إدراك ووعي بمشكلات ببيئتهم.
و تنبع أهمية الجهاز الإعلامي المرتبط بمسار التنمية من مساهمته في تحديد احتياجات المجتمع بطريقة علمية وترتيب أولوياتها ؛ ووضع إستراتيجية لتلبية متطلباته واحتياجاته ؛و تحديد المشكلات التي تواجه المجتمع واختيار أنسب الطرائق لمعالجتها؛وتحقيق التوازن في التنمية. وربط مجهودات التنمية في مختلف أنحاء المجتمع. وتحديد مستويات الجهات المختلفة المسؤولة عن التنفيذ.
أن تحقيق تلك الأهداف يستلزم وجود تخطيط إعلامي يتسم بالشمولية؛ والتكامل؛ لضمان الأداء الجيد؛. وفقاً للأساس الزمني: القصير؛ والمتوسط؛ والبعيد المدى ؛ وبالتالي لا تنمية بدون تخطيط إعلامي؛ يتولى مهمة حشد الطاقات الإعلامية البشرية والمادية؛ وتوسيع جهود المؤسسات الإعلامية الجماهيرية والشخصية من خلال وحدة العمل الإعلامي بجميع صوره وأشكاله؛ واستغلال كل القنوات الاتصالية وعناصرها؛ وجعلها في خدمة الإستراتيجية العليا وهي التنمية.
و تساهم التغطية الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية للشؤون الاقتصادية في التعريف بالنشاط التنموي عن طريق نشر الأخبار والآراء والتحليلات وتفسير المصطلحات الاقتصادية المعقدة ونشر المعلومات التي تشمل على الحقائق والأرقام والإحصائيات والدراسات والأبحاث.
وتنفرد الصحافة في عملية توثيق المعلومات والتحليل والتفسير المستند على استخدام أدوات البحث العلمي في العمل الصحافي، وإجراء استطلاعات الرأي لمعرفة اتجاهات الجمهور حول قضايا التنمية والاستثمار، والقاعدة الأساسية لكل وسائل الإعلام هي أنها مجرد قنوات توصيل كفوء بين وسط الأعمال والجمهور الأوسع، وبالتالي فأن الأخبار والتحليلات الاقتصادية ليست الا مؤشرات ولا يجوز استخدامها كأساس لأجراء الصفقات الاقتصادية .
والإعلام التنموي نشاط شامل ومخطط ومتعدد الأبعاد يخاطب الرأي العام بهدف إقناعه بضرورة المشاركة الايجابية في عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي وبرامج إعادة الأعمار الاجتماعي عبر تقديم صورة عن طبيعة التوجهات المستقبلية للاقتصاد والتعريف بالنشاطات والفعاليات الاقتصادية والتنموية والطاقات المتاحة وتشجيع حركة التبادل الاقتصادي الاستثماري بشتى مجالاته وصوره من خلال ما يسمى بالاتصال المعزز للتنمية،الذي يهدف إلى نشر ثقافة التنمية بعرض وتبسيط وشرح وتفسير وتحليل المضامين الاقتصادية في قوالب إعلامية مهنية جاذبة لخدمة أهداف التعليم والتثقيف ونشر المعلومات وتنشئة المجتمع على مفاهيم تنموية تخدم مصالحهم وتمس حياتهم اليومية ومستقبل أجيالهم. ويرتبط تطور أداء الإعلام التنموي ارتباطاً وثيقاً برغبة الدولة في تحسين المناخ الاقتصادي وتوسيع دائرة المشاركة في عملية صنع القرار الاقتصادي، وتحسين درجة الشفافية وقبول الانتقاد.ولضمان نجاح الإعلام في نشر التنمية لابد من وجود رؤية واضحة وستراتيجية للإعلام التنموي ، تهدف الى إبراز فلسفة التنمية وتوجهاتها، واستخدام أدوات البحث العلمي لزيادة المقدرات الإعلامية على التحليل والاستقراء، والمهنية والمصداقية واحترام الحرية الصحافية والاستقلالية في تحديد مشكلات وقضايا وتحديات التنمية،والاستفادة من العلم والتكنولوجيا الإعلامية والثورة التقنية، لبناء قاعدة معلومات وتحليلات يستفاد منها في وضع ستراتيجيات وتحليل السياسات.وتساهم وحدات للإعلام الاقتصادي المعززة لدور التنمية في توجيه سلوك المواطنين، وحضهم على تحمل مسؤولياتهم في مجالات إعادة الأعمار والتنمية، وإبراز وجهة نظر المجتمعات المحلية وعمل تسويق اجتماعي لمشروعات التنمية، بتحويل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى الى مواقع لعرض نتائج الدراسات العلمية الاقتصادية، ومنابر لتبادل الأفكار والآراء الاقتصادية والمعالجات الواقعية لقضايا وهموم التنمية، عبر حضورها بقوة في الفعاليات الاقتصادية وتواصلها مع الحركة الأكاديمية في هذا المجال، واختيار المعلومات والموضوعات بشكل دقيق وجذاب واستخدام أساليب مشوقة من اجل جذب كل شرائح المجتمع للتفاعل مع الوسائل الإعلامية في مجال الإعلام الاقتصادي.
ولتفعيل دور الإعلام التنموي في العراق ينبغي أن يركز الخطاب الإعلامي على القضايا الآتية:ـ
1. التعريف بالتحديات التي تواجه عملية التنمية في العراق وبخاصة مشكلة الفساد الإداري والمالي .
2. التعريف بعناصر القوة والضعف في الاقتصاد العراقي،وتحديد طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه كل من أدوات السوق والتخطيط الاقتصادي في عملية التنويع والتغيرات الهيكلية وتحفيز القطاعات الإنتاجية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية، على أجراء عملية التصحيح للهيكل الإنتاجي .
3. بلورة الأفكار المتصلة باقتصاد السوق ومزايا الحرية الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص في الإنتاج وخلق الوظائف وبتوسيع نشاط المشروعات الصغيرة والمتوسطة.باعتبارها شرطاً لازماً لزيادة إنتاجية المجتمع وإطلاق طاقاته وتنمية روح التنافس بين قطاعات النشاط الاقتصادي وخلق الثقافة والوعي الاقتصادي الذي يمكن أن يساعد على تفعيل المشاركة الايجابية مع المتغيرات الناجمة عن التحول نحو اقتصاد السوق.
4. التصدي للظواهر الاقتصادية ذات الصلة بحياة المواطن كأزمات البنيوية والازمات الطارئة المرتبطة بالظروف الاستثنائية الناجمة عن الحروب والاحتلال كأزمة توزيع المشتقات النفطية والكهرباء والخدمات الأخرى وظاهرة التضخم وتحسين الأجور والرواتب للنهوض بمستوى معيشة الشرائح المختلفة
5. متابعة التقدم المحرز في مجال التنمية البشرية، وكيفية معالجة مشكلة البطالة والقضايا الأخرى ذات الصلة بالسكان والقوى العاملة ومتطلبات سوق العمل.
6. الاهتمام بالقضايا المتعلقة بعلاقة الاقتصاد العراقي بالعالم الخارجي وفي مقدمتها الانفتاح الاقتصادي والعولمة والاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف والمناطق الحرة، وسبل زيادة التدفقات المالية الواردة والاستثمار الأجنبي المباشر والاستفادة من مزايا العولمة والانفتاح التجاري والاقتصادي.
7. الابتعاد بقدر الإمكان عن توجيه الجمهور نحو مجالات استثمارية معينة،لتجنب ما قد يترتب على هذا التوجيه من مكاسب أو خسائر يمكن أن تلقى بتبعاتها على وسيلة الإعلام. فقد يلجأ بعض العاملين في وسائل إعلام الى تضليل المستثمرين من خلال التقديم لهم بشراء أسهم تراجع سعرها في السوق،من دون الارتكاز على أية تحاليل أو دراسات مهنية
8. الاهتمام بقضايا البيئة وقضية التوافق بين النمو ولاعتبارات البيئية والاستخدام الرشيد للموارد 9. إضفاء طابع مشوق على الإخبار الاقتصادية للتخفيف من التعقيد والملل الذي قد يصيب القارئ أثناء مطالعة الإحصاءات والحقائق الاقتصادية وعدم التركيز على النخبة، فيما ان المواطن العادي مهمل وغير مدرج ضمن أجندة التوعية والتوجه الإعلامي
10. فتح باب النقاش بشأن القضايا التنموية، لإنعاش الوعي التنموي للمجتمع العراقي .
11. التقليل بقدر الإمكان من الإعلانات التي تحرض على زيادة الاستهلاك،والتوعية بأهمية زيادة الادخار .
12. وضع ستراتيجيات وخطط آنية ومستقبلية للنهوض بالمستوى الفني للمنتج الإعلامي المحلي المقروء والمسموع والمرئي والالكتروني في ظل التدفق المطرد للمعلومات والتطورات التقنية العالمية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن