معا نحن قادرون على صد الفاشية

دوف حنين

2009 / 2 / 8

تأتي هذه الانتخابات البرلمانية في ظل تزايد الخطر على الهامش الديمقراطي في إسرائيل المهدد بالانقراض نهائيا، وهذه الحالة وليدة عدة مصادر وعوامل إلا أن أخطرها هو تعامل الدولة العنصري مع الأقلية الفلسطينية في البلاد.
في السنوات الأخيرة نشهد انتشارا واسعا جدا بين أوساط اليمين للخطاب الديمغرافي العنصري، فما كان يقوله كهانا قبل أكثر من عشرين عاما ضد المواطنين العرب، والذي كان حينها يبدو وكأنه نشاز يتيم، بات اليوم الخطاب المهيمن عند أوساط اليمين وحتى في مستويات رسمية، وعلى رأسهم المرشح لرئاسة الحكومة القادمة بنيامين نتنياهو، الذي طالما ردد أن المواطنين العرب هم خطر من الداخل، وإلى جانبه أفيغدور ليبرمان صاحب الخطاب الفاشي المعروف.
هذه الأجواء تشكل خطرا على الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد، لكنها تهدد مستقبل الجميع، فالتاريخ يعلمنا أن الفاشية تبدأ بنفث سمومها ضد الأقليات والتخويف منها، لكن المعركة لا تنتهي هنا، ومكافحة الفاشية هي تحدي حقيقي ليس فقط أمام الجماهير العربية في البلاد إنما أمام المجتمع الاسرائيلي برمته.




التاريخ علمنا أيضا أن مواجهة الفاشية لا تكون بالانغلاق والتقوقع ومقابل الواقع المؤلم في إسرائيل، حيث الفصل بين المواطنين العرب واليهود شبه تام، فإن الجبهة الديمقراطية هي شكل التعاون الحقيقي والعمل العربي اليهودي المشترك، المبني على اسس سياسية واجتماعية أثبتت مصداقيتها على مر السنين.
ونحن نرى أن بناء الجبهة الواسعة لعزل اليمين الفاشي لا تكون إلا بالنضال العربي اليهودي المشترك، وحينما نتحدث عن النضال العربي اليهودي المشترك فإننا نتحدث عن سباحة جريئة وعنيدة ضد التيار السائد في البلاد، ونؤكد باللغتين، العربية والعبرية، مبادئنا بشكل واضح وأهم ما أسجله الآن في "كل العرب" سجلته في الأسبوع المنصرم في هآرتس:




إن أمن وأمان المواطن الإسرائيلي لا يكون إلا بأمن وأمان المواطن الفلسطيني وأن السلام لا يكون بالتصالح مع الاحتلال إنما بقلعه، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبالنضال من أجل الاعتراف الاسرائيلي بحق العودة وبإعداد الآليات لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين في حدودها.
إننا نقول إن الأغلبية اليهودية في هذه البلاد لن تعيش بسلام مع الأغلبية العربية المحيطة بها في الشرق الأوسط، إلا أذا عرفت كيف تتعايش مع الأقلية التي تعيش معها، ولذا فإننا نناضل من أجل الاعتراف بالجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل أقلية قومية عربية فلسطينية لا تكتفي بالحقوق المدنية إنما لها الحق، كل الحق بالمساواة القومية الكاملة، في السياسة والقضايا الاجتماعية والثقافية واللغة وغيرها.




لقد أثبتت الجبهة بمصداقيتها أن لها برنامج سياسي واحد، نجمع عليه، رغم محاولات التشويه، ونشر في وسائل إعلامنا وموقعنا على الانترنت باللغة العبرية، في كل ما يتعلق بآفاق عملنا السياسي، ونظرتنا الى شكل السلام الذي نطمح اليه، دولة فلسطينية في حدود 1967، بما في القدس الشرقية، واخلاء المستوطنات، وكما جاء في البند الرابع من برنامج الجبهة في القسم السياسي: "يتم ضمان حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بموجب قرارات الأمم المتحدة (التي تعترف بحق اللاجئين بالاختيار بين العودة الى وطنهم وبين الحصول على تعويضات) وفي اطار المفاوضات".




إنني، وكسائر رفاقي العرب واليهود، أنظر باعتزاز كبير إلى الدور التاريخي الهام الذي أداه حزبنا الشيوعي وجبهتنا الديمقراطية بقيادة الجماهير العربية في البلاد، بقيادة مسيرة البقاء والتجذر والمواجهة والتي بلغت ذروتها في يوم الأرض، وأذكر باعتزاز كيف خرجنا في يوم الأرض الأول إلى ساحة ديزنغوف في تل أبيب لتوزيع منشور ضد الاعتداء البوليسي على المواطنين العرب فتعرضنا إلى الاعتداء من المارة، لكننا بقينا راسخين في مواقفنا المبدئية.




الحزب الشيوعي والجبهة، اللذان تحديا مؤامرات السلطة بتفتيت الأقلية القومية إلى طوائف وملل واللذان أنشآ أجيالا عربية على العزة القومية والهامة المنتصبة لم يكتفيا بهذا الإنجاز التاريخي المشرف وتساءلا دوما، وهنا، هنا ميزتهما الأساسية: كيف نستغل هذا الوزن الكمي والنوعي للجماهير العربية في خدمة القضايا المركزية، قضايا السلام والمساواة والديمقراطية؟
والجواب كان واضحا اختزله عزيزنا الراحل إميل حبيبي بكلمتين "أرجموهم بالواوات"، هذا الشعار على بساطته يشير إلى الدور التاريخي الذي اختارته الجماهير العربية: بخوض المعركة السياسية في قلب إسرائيل، ومخاطبة الرأي العام بندية ومقارعة الإجماع الصهيوني.




هذه مهمة صعبة لكننا لها، والقيمة المضافة للجبهة هنا، كانت واضحة عند العدوان على قطاع غزة، فنحن كنا في كل الحلبات الممكنة لصد العدوان، في الناصرة وسخنين وباقة ورهط ولكننا كنا وحدنا في تل أبيب، نشق فضاء الإجماع القومي ونرفض إملاءات الشرطة بمنع رفع الرايات الفلسطينية، وكان لنا أيضا رفاق قادوا من سديروت والمناطق المتاخمة لقطاع غزة، حملة لمناهضة العدوان على غزة، وبينهم المرشح التاسع في قائمتنا، بيدرو جولدفارب.
رغم حلكة الظروف، أقول بكل الثقة والتفاؤل أننا قادرون بوحدتنا الكفاحية العربية اليهودية المشتركة، بنهجنا المسؤول، لا المهاتر ولا المساوم، الملتزم للمصالح الحقيقية لشعبي هذه البلاد، على طرح بديل جدي للنهج الفاشي في إسرائيل.




إنني أكتسب هذه الثقة من التجربة التي مررت بها في الانتخابات لبلدية تل أبيب- يافا مؤخرا، حينها شن أعضاء الكنيست مما يسمى باليسار وحتى اليمين حملة تحريضية بشعة ضدي مدعين أن شخصا مناهضا للصهيونية مثلي لا يمكن أن يكون رئيس البلدية الأكبر، ورغم هذا التحريض حصلت على 35% من الأصوات أي أن 46 ألف مصوت أتوا إلى الصناديق ليقولوا إن الشيوعية لا تخيفهم، أتوا ليقولوا إن القضايا الحياتية الحارقة أهم بالنسبة لهم من الصهيونية وأداء النشيد القومي، وهذه حقائق تستحق التمعن والتفكير العميق.




المعركة السياسية طويلة وتتطلب نفسا طويلا، ونحن قادرون، ولنتذكر دائما أن التحدي هو "من يعزل من" وأن المشاركة الفعلية يوم الانتخابات ضربة لمن يريدون عزل الجماهير العربية، لمن يريدون تنفيذ الترانسفير السياسي بحقها تمهيدا للترانسفير الفعلي..





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن