عقد شل فيه جوانب إيجابية أيضا

حمزة الجواهري
hjawahri@yahoo.com

2009 / 1 / 3

لمحة تاريخية لمنظومة غاز الجنوب:
من المعروف أن العراق يخسر سنويا بحدود ملياري دولار حاليا كنتيجة لحرق الغاز المصاحب في الجنوب، محسوبا ذلك على أساس سعر النفط هذه الأيام، لأن الدلالة على سعر الغاز هو المكافئ الحراري له مقابل النفط، وهي عملية حسابية فيها تفاصيل كثيرة. وفي الواقع أن العراق يخسر أكثر من ذلك فيما لو أضفنا له غاز الشمال حاليا، فربما تصل خسارة العراق السنوية إلى أكثر من ثلاثة مليارات سنويا، وفيما لو نجح العراق برفع إنتاجيته فإن الرقم سيتضاعف أكثر وأكثر بحسب الزيادة، وستكون الخسارة أكثر أيضا فيما لو ارتفع سعر النفط عن المستوى الذي هو فيه حاليا.
هذه الخسائر كانت قد استمرت منذ أن بدأ العراق بإنتاج النفط ولحد الآن، أي ما يقرب من 80 عام وهو يخسر مبالغ هو بأمس الحاجة لها. من هنا تأتي أهمية استغلال الغاز المصاحب والتوقف عن حرقه. وإن جاء الأمر متأخرا جدا، فقد فكر العراق باستغلال هذه الغاز منذ أوائل السبعينات، وقد أنشأ العديد من الصناعات التي تعتمد على الغاز كالأسمدة والحديد والصلب والصناعات البتروكيماوية وإنتاج الطاقة الكهربائية وتزويد البيوت والصناعة بوقود الغاز على شكل غاز مسال، وفي أواخر الثمانينات عمل العراق على بناء منظومة غاز الجنوب من أجل الاستغلال الأمثل للغاز المصاحب كانت قد اكتملت في عام1990 وكان أول ثمار هذا العمل هو البدء بتحميل أول شحنة من الغاز المسال كان مقررا لها يوم الثاني من آب من عام90، وهو نفس اليوم الذي اجتاح فيه النظام السابق دولة الكويت، فمات الحلم يوم ولادته، وبقي الغاز في خزاناته العملاقة، وانتهى الأمر به أن احترق كما دمر قصفا أجزاء مهمة من المشروع العملاق الذي تكلف آن ذاك بحدود سبعة مليارات دولار، فبقي في أرضه إما محطما كخردة أو علاه الصدأ عبر ما يقرب من ثلاثة عقود.
خلال عام2004 جرت دراسة هندسية لإعادة تأهيل المشروع، ورغم الاستقرار النسبي للأوضاع الأمنية في الجنوب عموما، لكن مع الأسف لم تنجح الوزارة بإعادة الحياة لهذا المشروع العملاق، فبقي يراوح في مكانه وأجزاءه التي بقيت صالحة للعمل يعلوها الصدأ يوما بعد آخر، لذا فكرت الوزارة بإعادة الحياة للمشروع من خلال التعاون مع الشركات العالمية، فكانت شركة شل هي الشركة الوحيدة التي تقدمت بمقترح كامل لاستغلال هذا المشروع.
هدف المقالة:
من هنا جاء عقد الشراكة بين شركة غاز الجنوب مع شركة شيل، وبرغم التعتيم على عقد الشراكة واعتباره سريا من قبل الوزارة، لكن التكنوقراط العراقي المهتم بالأمر قد وجد له سبيلا ليقرأه ويقيمه، فكان هناك دراسات جادة من شخصيات مهنية اتسمت بالحيادية والجدية، جاء بعضا منها بطلب من لجنة النفط والغاز في مجلس النواب أو تطوعا من منطلق وطني كما أفعل الآن، لكن مع الأسف كان هناك أيضا قراءات أخرى، من الواضح أنها ذات مغزى سياسي لا تخفى نواياها على القارئ المختص، بدت متحاملة على الوزارة، أعتقد أن هدفها عرقلة عملية البناء في البلد، أرجو أن لا أكون قاسيا عليها بالحكم، لكن بغض النظر عن هذه الكتابات، لم تختلف التقييمات الجادة كثيرا عن بعضها البعض، فعرضت جوانبه الإيجابية والسلبية، لكن مع الأسف، وهنا مربط الفرس، كانت القراءات السلبية أكثر من تلك التي وجدت به جوانب إيجابية من صالح العراق، أو أنها مرت على الإيجابيات مرور الكرام.
في هذا المقالة أحاول أن أسد بعضا من جوانب النقص هذه، إي تبيان بعض الجوانب الإيجابية التي أهملها الزملاء من المختصين الذين تناولوا الموضوع.
إن ما تقدم يعني أني أتفق مع الكثير من الآراء حد التطابق، كما ولا أختلف مع الرؤى التي ركزت على السلبيات، فإن هذه السلبيات، حسب اعتقادي، قد تم قراءتها بالنظر للموضوع من زاوية واحدة، بينما كان ينبغي النظر له من زوايا مختلفة.
لذا فإن هذا المقال سوف يركز فقط على الإيجابيات التي أهملها الزملاء من المختصين بالصناعة النفطية، ولا يعالج السلبيات إلا بالقدر الذي يمليه السياق العام للحديث في حينه.
حيثيات العقد مع شركة شيل:
العقد ليس كالعقد الخدمي أو عقد التجهيز أو البناء ينبغي النافس عليها من خلال منافسة طرح تندر، فهذا عقد شراكة، أي من حق أي جهة اختيار الشريك الذي يستطيع أن يحقق الطموح الذي تسعى إليه تلك الجهة. لذا ليس من المعقول محاسبة الوزارة على اختيار شركة شل دون غيرها.
يبقى هناك أمر آخر، وهو أن الوزارة كانت تستطيع طرح مسألة التعاقد على عدة شركات وتدرس العروض ومن ثم تختار الأنسب الذي يتفق مع شروطها، لكن، وحسب علمي المتواضع، كان معظم الشركات قد رفض مبدأ هذه الشراكة ولم يتقدم للوزارة بعروض حول هذا الموضوع سوى جهتين، شل ودانة غاز العراقية- الإماراتية، لكن عرض دانة غاز كان قد تضمن على شرط الحصول على حقول نفطية أو غازية للتطوير على أساس المشاركة بالإنتاج المرفوض موضوعيا من قبل الوزارة والمختصين العراقيين في هذه الصناعة كونه يتعارض مع بنود الدستور العراقي الدائم، كما وأن دانة غاز كانت قد أدرجت على رأس القائمة السوداء في الوزارة كونها وقعت عقد مشاركة بالإنتاج مع إقليم كوردستان بشكل غير شرعي ومخالف لبنود الدستور العراقي الدائم، أضف إلى ذلك، إن ما تستطيع أن تقدمه دانة غاز لا يمكن مقارنته مع ما تستطيع أن تقدمه شركة شيل العملاقة والعريقة بالصناعة النفطية وصناعة الغاز تحديدا، وهذا ما سنعود لمناقشته من خلال عرضنا لجوانب أخرى من الموضوع.
لذا علينا الاعتراف بأن عقد الشراكة مع شركة شيل لم يكن له بديلا، إلا إذا أراد العراق إعادة الحياة لهذا المشروع من دون مساعدة أجنبية، وهذا الأمر سنتطرق له أيضا في سياق الحديث.
مقاربة تجريدية سريعة:
لابد لنا من إجراء مقاربة تجريدية لفهم طبيعة العقد، فلو أن العراق استطاع اليوم بيع هذه الكميات من الغاز التي تحرق حاليا إلى دولة أخرى، لبارك الجميع عقد البيع هذا، لأنه ينقذ الغاز من الحرق ويكون له مردود مالي جيد جدا، مع أن الغاز سوف يصنع في دولة أخرى، وستكون العمالة غير عراقية، ومنافع التصنيع بمختلف أشكالها ستستفيد منها دولة أخرى غير العراق، فلماذا نكره أن تستفيد القوى العاملة العراقية من تصنيع هذا الغاز؟ ولماذا نكره مسألة إعادة الحياة لمليارات الدولارات تعتبر الآن خردة يعلوها الصدأ؟ و لماذا نكره أن تستفيد الدولة العراقية من منافع التصنيع الأخرى حتى لو كان لدينا شريك أجنبي؟ فهذه الشراكة أفضل بكثير من بيع الغاز خارج العراق كما يباع النفط الخام حاليا، علما بأن هذه الشركة سوف تشتري الغاز بالأسعار العالمية المعروفة.
الإجماع العراقي حول التعامل مع النفط والغاز:
لقد أجمع المختصون في الصناعة النفطية والسياسيون والاقتصاديون العراقيون على أهمية استجلاب رؤوس الأموال والخبرات العالمية للاستثمار في العراق سواء كان الأمر يتعلق بالصناعة النفطية أو أي قطاع من القطاعات الاقتصادية، وعلى هذا الأساس تم تشريع قانون الاستثمار الجديد، وقانون مصافي النفط، وحسب علمي المتواضع، ليس هناك خلاف حول مشاركة الاستثمار الأجنبي في صناعة الداون ستريم من الصناعة النفطية، أي تصنيع النفط أو الغاز، كما وليس هناك اعتراض على الاستثمار في الصناعة الخدمية التخصصية في صناعة الأب ستريم، أي الصناعة الاستخراجية للنفط أو الغاز، فقد كان الاعتراض فقط على مسألتين من حيث الأساس، الأولى كانت لامركزية التعاقد والتخطيط للتطوير ما يتسبب بفوضى الإنتاج ومزيدا من الفساد، والثانية كانت الاستثمار في الصناعة الاستخراجية على أساس المشاركة بالإنتاج أو منح امتيازات على غرار تلك القديمة التي كانت تعمل في العراق، هذا فضلا عن تعارض السببين مع بنود الدستور.
لذا أجد أن عقد الشراكة مع شركة شيل العملاقة يقع ضمن أنواع الاستثمار الحميد المقبول عراقيا، لأنه يتعلق فقط بتصنيع الغاز الذي بقي يحرق ثمانية عقود ويعيد الحياة لمشروع عراقي على وشك الاندثار بسبب الصدأ ما لم نعيد له الحياة من جديد، فهو بحاجة إلى أموال تقدر بأربع مليارات في المرحلة الأولى وربما يصل حجم الاستثمار من خلال هذا العقد إلى أكثر من ذلك بكثير.
ما تقدم يعتبر جانب إيجابي كبير جدا لهذا العقد كان ينبغي النظر له وعدم إهماله، فهو يعد فتحا كبيرا للعراق يشجع الآخرين للاستثمار في مجالات تصنيع النفط والغاز، أي صناعة الداون ستريم، والاستثمار في الصناعة الخدمية التخصصية في الصناعة الاستخراجية.
أحد الأهداف للاستثمار الأجنبي هو نقل قيم العمل الراقية:
إن اللجوء للمستثمر الأجنبي ليس فقد افتقار العراق لأمواله لكي تستثمر في العراق، فإننا بحاجة إلى قيم عمل جديدة وتكنولوجيا حديثة متطورة ونظم إدارة متطورة لإدارة الإنتاج وإدارة العقود وإدارة المشاريع، كما ونحن بحاجة إلى تطوير الكوادر الوطنية للوصول بها للمستوى العالمي، وهذه المهمات وغيرها لن نستطيع الوصول إليها بسهولة من دون اللجوء للاستثمار الأجنبي من قبل شركات مؤهلة تأهيل عالي وليس مجرد أموال، فالمال موجود بقدر لا بأس به ونستطيع توفيره من البنوك بضمان اسم العراق، لكن الذي يبدد الأموال هو عدم الخبرة والفساد المالي والإداري وتخلف نظم العمل.
لذا أجد أن عقد الشراكة مع شركة شيل يمكن أن يحقق كل ما تقدم من الأغراض دفعة واحدة، ويا حبذا لو نستطيع الوصول إلى عقود أخرى للشراكة مشابهة لعقد شيل، وهذه النقطة بالذات أعتقد أن لها من الوزن ما يغطي على الجوانب المالية أو السياسية، ما كان ينبغي التغاضي عنها أو المرور عليها مر الكرام دون أن تأخذ حقها من التقييم.
العقد لا يعتبر احتكاريا:
إن حدود العقد كما هو واضح من بنود الاتفاقية هو حدود شركة نفط الجنوب، أو الغاز الذي تنتجه شركة نفط الجنوب، والتي حدد مجال عملها في محافظة البصرة مؤخرا بعد أن تم تأسيس شركتي نفط ميسان وشركة نفط ذي قار، أي إن حدود العقد الجغرافية هو محافظة البصرة فقط، وربما يكون إنتاج الغاز الطبيعي أيضا بالإضافة إلى الغاز المصاحب، وهذه نقطة لا أجدها إيجابية على المدى البعيد وليست لصاح العراق، وذلك في حال توفر منشآة تنقل وتصنع الغاز الطبيعي من الحقول الغازية في المحافظة مستقبلا، إذ لا أعتقد أن العراق سوف يصل إلى تلك المرحلة التي يحتاج بها للغاز الطبيعي لأغراض تجارية خارج حدود البصرة قبل انتهاء مدة العقد التي حددت ب25 سنة.
الاستنتاج الواقعي الذي نستطيع الوصول له: رغم أن مدة العقد قد حددت ب25 سنة كم أسلفنا، فإن أي طرف من الأطراف يمكنه إيقاف العمل بالعقد وقتما يشاء على أن يتم التعويض المالي، فالمسألة لا أرى أنها ترهن الغاز العراقي إلا بحدود زمنية وجغرافية ضيقة جدا ليس لها ذلك التأثير على العراق مقارنة بالفوائد التي نجنيها من هذا العقد.
نسبة المشاركة والقرارات:
أتفق مع ما جاء بدراسة الأستاذ فؤاد الأمير الجادة من أن نسبة المشاركة العراقية ب51 بالمية ليس لها أهمية أو معنى مادامت القرارات تؤخذ تضامنية وبالإجماع على مستوى مجلس الإدارة الذي يتألف من ستة مدراء، أي ثلاثة مدراء من كل جانب، وإن الرئاسة للمجلس هي إدارة تضامنية. لكن أرى أن للرقم أيضا دلالته الرمزية، كون النسبة العراقية أعلى من نسبة الشريك الأجنبي، لأن الهدف من حيث ألأساس في وجود نسبة أعلى هو اتخاذ القرارات، وكما أسلفنا، فهي تضامنية وفق بنود هذا العقد.
لكن علينا أن نكون واقعيين أكثر عند معالجة هذه النقطة، حيث بالرغم من أن هذا النوع من الإدارة يعرقل من سرعة اتخاذ القرارات، لكنه بالنسبة للعراق أفضل، كون القرار سيكون قد خضع لدراسة أو دراسات معمقة قبل أن يتخذ، وليس على غرار القرارات التي تؤخذ حاليا على أساس المزاج أو المصلحة الشخصية الضيقة أو الحزبية أو الكثير من الأسباب والدوافع التي تقف وراء الكثير من القرارات في إدارات فاسدة كما يعلم الجميع، حيث سيبقى الفساد بأشكاله علة العراق الرئيسية لعقدين من الزمان على أقل تقدير.
لذا فإن هذا النمط من الإدارة في العراق الذي يغرق بشتى أنواع الفساد المالي والإداري ضروري جدا، فإنه سوف يعلم العراقي أن اتخاذ القرار يجب أن يعتمد على نتائج دراسة علمية محايدة، وموسعة إذا كان القرار له أثر مالي أو فني كبير، حيث من ديدن الشركات الكبرى أن تكون قراراتها مبنية على أسس علمية ومن خلال توصيات توصلت إليها دراسات علمية جادة على أيدي مختصين بمجالات عملهم.
البعد الاجتماعي للعقد:
البعد الاجتماعي، أي الاقتصادي والسياسي، للمسألة قد يكون هو العامل الحاسم في تقييم هذا العقد لما له من أهمية استثنائية بالنسبة للعراق في وضعه الحالي ولسنوات أخرى قادمة، فوجود غاز رخيص يعني دعم كبير للصناعات التي تعتمد على الغاز بشكل كبير، كما ويعني وقود منزلي رخيص جدا وهو ما يجب أن يحصل عليه العراقي، وهذا ما ركزت عليه دراسة الدكتور محمد علي زيني المقدمة للبرلمان العراقي.
فإذا كان لابد من المضي بعقد هذه الشراكة بشكل نهائي، ينبغي توفير بدائل عملية لدعم المشاريع الاقتصادية الكبرى بما يضمن تنافسية منتوجاتها مع الأجنبي المستورد، لأن ليس من السهل العبور على هذه النقطة بالذات، أما الغاز المستعمل في الوقود المنزلي فله شأن آخر في بيوت العراقيين، وهو حق لكل أسرة، ويجب أن تنعم أسرنا بوقود نظيف ورخيص، وهذه نقطة لا جدال فيها رغم انها تخالف توصيات صندوق النقد الدولي الملزمة للعراق.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن