الشاعر المغربي محمد الشنتوفي .. سحر الغموض ، و فتنة الآسر

عزيز باكوش
azziz_bakouch@yahoo.fr

2008 / 10 / 25

تسع سنوات بعد نشره لديوان طرائد الغواية ، سيصدر شاعرنا محمد الشنتوفي أستاذ مادة الاقتصاد بثانوية مولاي إدريس ديوانه الثاني طبعة 2008، وسيختار له عنوانا شديد الإيحاء ، ومقدمة بدلالات كونية.
العنوان هو "الغابة الأولى" ، والمقدمة لشاعر وناقد عربي ، هو الدكتور عبد السلام المُساوي، أحد أهم أصوات هذا الجيل ، وصاحب الدواوين التالية: (خطاب إلى قريتي)، (سقوف المجاز)، (عصافير الوشاية) و(هذا جناه الشعر عليّ) إضافة إلى العديد من الكتب التي صدرت والتي ستصدر ، والدراسات النقدية التي هي قيد النشر والإصدار .
ديوان الغابة الأولى صدر أخيرا عن مطبعة انفو برانت بفاس –المغرب- هو الثاني في ريبيرتوار الأديب والشاعر ، يتضمن 16 قصيدة مؤثثة ضمن 89 صفحة من القطع المتوسط ، ومزدان بلوحة للفنان أنور الدرويش . وتتوالى القصائد :
1. العزلة -
2. لي في قرار الجيب عناوين منسية
3. مساحة وتعطلت
4. تربة أتكفن باختمارها
5. للواقفين على باب المجاز
6. تراتيل
7. مساحة الإلحاح
8. دفتر الهواء
9. بصمات العزلة
10. أعانقك بشهوة الدالية
11. أسماء كرسطال القلب
12. انبلاج
13. وجه الموت
14. مدارات الغرق
15. ذات للكاتبين
16. دفتر النار

الحديث عن الشعر على نحو عام بغض النظر عن كونه “محاكاة للعالم المحسوس(أرسطو) أو كونه “قولا موزونا مقفى دالا على معنى(قدامة بن جعفر) أو صياغة وضرب من النسيج وجنس من التصوير(الجاحظ) بغض النظر عن كل هذا وذاك ,هو بالنسبة للشاعر و للأديب المغربي “ محمد الشنتوفي ” تفاعل وجداني للذات الحالمة مع الواقع المحبط ، تناسل متناسل للوجع الجميل حيث يولد الكلام ويرتقي عشقا مؤلما , هو أيضا حديث عن صنو للحياة والوجود, وهو إضافة إلى كل ذلك ,حديث عن نار تكتوي به الذات , تلك النار التي تحيل الشعور الإنساني وقودا تتلظى به النفس ’ ولا تملك كبح جماحها إزاءه إلا عبر التلاوة والتدوين.
من هذا المقام توا , ينهض ديوان الغابة الأولى.
وإذا كانت التجربة الأولى طرائد الغواية للشاعر المغربي ضمن منشورات نفس المطبعة قبل سنوات ، قوبلت باستحسان عدد من القراء والمهتمين غداة نشرها حسب العديد من المتابعات النقدية التي واكبت الإصدار . فمن حقنا كمتتبعين وعاشقين لمسار الشاعر ورجل الاقتصاد أ ن نتساءل :
هل في المتسع الحديث عن امتداد جمالي لغوي ، أو إضافة نوعية فنية ترسم تطورا ، أم قفزة تعكس تجاوزا يمكن رصده هنا ، والآن، ونحن نسبر أدغال الغابة الأولى ؟؟؟ الجواب ببساطة ..أجل
من اجل الاقتراب أكثر من عوالم الشنتوفي ، لابد من مواصلة الاستماع إلى دفقات قصائده الست عشرة نبضة نبضة ، فهو يستدعي هولدرلين في لحظة مغموسة في الكتابة والحنين ، حيث لا سبيل للنجاة من عبث الخراب . سوى عربة الخيول المجنحة حيث الهواء أكثر يقينا "كما يستحضر هايدجر في غابتيه المسكونتين بالورد والطير، والتماثيل الناعمة السوداء كشفاه النساء، وجمجمتاه المنذورتين للعتمة والأخرى للفرح - ويتماهى مع عوالم سان جون بيرس القدير على رش المنارات على قمم الخيال – فيما يطرق باب الصمت باكرا على ارتور رامبو الأمير المجنح بفيض الإشراق والحسير على كآبة النخلة التي ماتت – حتى يتسنى له تشييع سيد العتمات شارل بودلير ، وتابين موته تحت القنطرة في غياهب الظلام .

من خلال كل التجويفات العميقة في جغرافية الشعر العالمي ،يحفر محمد الشنتوفي بأناة وحساسية شديدة تجربته ، ويعمق من خلال قناصاته ورؤاه البصرية في تفاعله اليومي مع هذه الغابات البشرية ذات الطبائع المختلة والمتناقضة والتي تتسم بالروعة، وتنحني بالخيال ، كما يعمد عبر اللاتجانس المنطقي الذي يؤثث به أشعاره إضفاء طابع الإبداع الحقيقي السامي الذي يلهب ذاكرته ويشعلها فتيلا متوهجا ، من هذه النقطة تحديدا يسعى الشنتوفي جاهدا في أفق اهتزازات ضوئية خاطفة أن يطأ الانطولوجي الشعري العربي ، وينحت رؤيته للتاريخ والمجتمع والإنسان ، كما يراها شعرا ، وكما يفتتن به غموضا ، فينسج علاقات مطبوعة بالود لحظة ، حين يسمي الشمس سيفا ، والقمر ذرعا ، بينما يقبع تحت نورهما متحمسا ، والريح هواء لا تستجيب لقارب إلا لحظة الجنون "
والشاعر هنا لا يقتصر على الود، بل ينسج شبكة تمرد أخرى يسمها العصيان ، حيث القدر شعر ، والشعر قدر ."
لا منفى
غير الشعر
حتى وان كان بحره لا يستقيم
ولو بنقرة حاسوب .
وبذلك يستعيد الشاعر الشنتوفي تقلبات الوجود الإنساني الذاتي عبر الزمن المعيش والمقروء ، وما يتصل بذلك من تفاعلات ، ويجبرها على الامتثال شعرا متدفقا ، يسافر فوق قاراته قارة قارة ، من الماء "ديوانه الأول" إلى غاباته وأدغاله" الديوان الثاني .
.
من مقدمة الديوان الجديد للدكتور الموساوي نقرا الفقرة التالية "محمد الشنتوفي "شاعر منذ الغابة الأولى" ولعل ذلك حدث ذات لحظة أبدية "حين اشتبكت يده بالقصيدة ، ولم يفلح الاقتصاد- مساره المهني- بأرقامه الواضحة في أن يثنيه عن السير في طريق الغموض الآسر بين خمائل الصور الفاتنة بحثا عن إقامة عميقة في موطن شعري ضمن حدود الجغرافيا الوجدانية والرمزية المسعفة".
كي أحكي
يلزمني مساء شتوي وصوت الرياح وخمر
اللغو أمام المواقد
لماذا حين أسائلك أيها الزمن تتركني
معتذرا لتعود إلى بدائيتك وترسم تاريخك
سطرا سطرا
هل علاماتك زائفة؟
أم إن أضواءك طفيلية تفسر كل أمر ولا شيء يفسرها ص86

يرى الشاعر عبد السلام الموساوي أن الموهبة الشعرية لمحمد الشنتوفي "تفتقت خلال الثمانينات عندما نشر مجموعة من النصوص في عدد من المنابر المغربية ، ثم توجه فيما بعد ، بتجميع تلك الاشراقات في ديوان شعري أطلق عليه اسم : طرائف الغواية " ولعل السبب في استحسانه وتجاوب القراء معه باكورته الأدبية ، يرجع إلى " التوجه الفني والجمالي الذي اختاره "شاعر من حساسية مفرطة ، أو لنقل ،فصيلة تستعطف البخار لو يتجمد ، حتى ترقى عبره لحما تضيق، ووجها يتسع ، مادام الصراخ مجرد أصوات باهتة ، ومؤشرات"أولى للقرحة الكونية."
قال لي الشعر
انك لي
فاتبعني ولا تلتفت
إن إلي المنتهى ص33
يعتمد شعر الشنتوفي التلقائية ، حتى وهو يوظف الأسطورة ، والجنوح بعيدا عن التقليد في تماه راق مع الرمزية ، لتتشكل البلاغة معنى ، وتنزاح لفظا ، والمحصلة ، محاولة دمغ قصيدة تؤسلب الشاعر وتميزه خارج أي محاكاة أو تفاعل سطحي غير مؤثر ، وهو بذلك" يستجيب لضغط الحاجة والضرورة من اجل إيجاد أفق شعري يستجيب لتطلعاته في الحياة الرمزية" وحينما تمتزج عوالم الاقتصاد بانتكاساتها وأزماتها ، يستثمرها شاعرنا مرجعية " بحثا عن قصيدة خالصة لا اثر فيها للاستنساخ والتقليد "
تترصدني
عيون المقهى
وأنا اشتل رذاذ الحرف
حتى يجلس
إلى كل مقعد
فتنبت
قصيدة ص39
وبإصداره الثاني " تتأكد هبات الشاعر محمد الشنتوفي الشعرية ،وإصراره على الافتتان بالغموض الأسر ، وإذا كان القارئ سيلاحظ طفرة جمالية في نصوص هذه الاضمامة ، مقارنة بسابقتها ، " فإن الثوابت الأساسية والضرورية أي ما يمكن أن نطلق عليه مرتكزات الأسلوب الشعري يقول الناقد الموساوي ظلت مهيمنة على جو النصوص الجديدة ، مما يشي باستحقاق هذه التجربة ، أن تأخذ مكانتها في حقل الشعر المغربي المعاصر"
لماذا اصرخ كلما أفصحت عن خيباتي
وقبل
أن اسمي ذاتي
بكل الأسماء التي تشتهيها
أليس هذا الوجه ألوان العزلة والصمت 19ص

في إصراره لمواصلة استكمال لعبة خرق قواعد الكلام كي يقول شعرا يتشكل الكذب" المجاز " باعتباره عملا مركزيا في البناء الشعري حسب " ياكبسون"
والشاعر الذي لم يقدم على الكذب بدون تردد بدء من الكلمة الأولى ، لا قيمة له.
لكن كيف يمكن لنا أن نقول عبر هذا الخرق المتعمد لأصول الكلام أثرا جماليا يصدر عن شيء وليس عن كلام؟
المقاطع التي أوردها من ديوان الشاعر المغربي محمد الشنتوفي لا تضطلع بمهمة التوضيح فقط ، وإنما تطمح أن تكون بلاغا وشغبا جميلا يزاحم بشكل من الإشكال ذلك الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بواسطة الخرق المتعمد لأصول الكلام.
أترى من كبل صباح الورد
حتى احمر واقر شكل انتمائه؟ ص16

أستاذ مادة الاقتصاد لا تثنيه القواعد اللغوية عن تشكيل عوالمه وسبر أغوار غاباتها ، فهو على ما يبدو لا يعبأ بأغلال سيبويه ، ومن تم تولد القصيدة حرة تتوالد صورها ويتناسل اتسامها بصفة" الانسيابية والطبيعة المائية غير الثابتة" وهذا ما يسم بعض القصائد حيث يسمح للخيال بالتدفق غير عابئ بالقيود ولا القوافي والتحديات حتى وان كانت تبدو في بعض الأحيان ضرورية .
من سواك في قرار قلبي/وأهداك مفاتيح الطقوس/ادفعي هذا الساكن حتى آخر المطاف/أو اتركيه قليلا كي يفشي جماله ويغني/عانديه كي يسافر ذلك السفر الهوائي الضرير/احرقي أعشابه حتى تخصب تربته وها العطاء.ص87

عزيز باكوش





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن