ماذا بعد وصول المرأة الى مجالس الحكم المحلي!

ريما كتانة نزال
nazzalrima@gmail.com

2008 / 4 / 7

بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة على انتخاب اول مجلس محلي في المرحلة الاولى للانتخابات المحلية في نهاية عام 2004؛ نستطيع اجراء قراءة وتقييم لتجربة المرأة في المجالس على الصعيد العملي؛ وذلك بعد وصول أكثر من خمسمائة عضوة منتخبة من خلال حوالي ثلاثمائة مجلس منتخب؛ وفق قانون انتخابي خصص مقاعد مضمونة للمرأة.

شروط خاصة وعامة للتقييم:
قراءة تجربة المرأة لا يمكن قراءتها ضمن الشرط الاجتماعي فقط؛ بل لا بد من قراءتها وتقييمها ضمن توفر الشرط الوطني والسياسي، وفي ضوء المستجدات السياسية على الصعيد الداخلي الحاسمة والمؤثرة في مجرى التجربة، ولا تعزل القراءة عن مشاهد أزمة الحصار الدولي والاقتصادي والمالي الذي فرض على الشعب بأسره بعد الانتخابات التشريعية، ولا تقرأ دون حضور مشاهد من انعكاس وأثر الانقسام الفلسطيني الداخلي على التجربة.
التقييم كذلك يجب ان يأخذ باعتباره طبيعة ومواصفات العضوات أنفسهن؛ وهي محددات ذات بعد حاسم في النجاح العملي للعضوات في أداء مهامهن؛ كالتجربة الواقعية للعضوات السابقة لانتخابهن؛ وخلفياتهن السياسية والنسوية؛ وتؤثر المؤهلات الأكاديمية الى حد ما في التجربة؛ كما يؤثر بها المواصفات الفردية المتعلقة بنظرة العضوات لذواتهن ولأدوارهن؛ وإلى قوة إرادتهن في الثبات والصمود بوجه المعوقات والتحديات؛ التي تحيط بهن في عملهن الجديد وهن يوضعن تحت المجهر والفحص؛ وجميعها مواصفات تتباين من عضوة لأخرى؛ وتقاس بمدى الاستعداد الجاد والمثابرة في الانخراط والتعلم والتأقلم مع المهمة النوعية الجديدة، وفي فرض الحضور النوعي والمشاركة في تنفيذ وترجمة التوجهات والخطط؛ وفي قدرتها على اثبات حضورها العضوي والدفاع عنه حين الاقتضاء.
بالتدقيق في تجربة العضوات المنتخبات للمجالس المحلية ضمن الشروط الفلسطينية الموضوعية والذاتية؛ نجد أنها تتحرك ضمن مساحة واسعة من النجاحات المسجَلة في مجالس وتحديدا في البلديات الكبيرة؛ ومن الإخفاقات في مجالس عديدة يحال بعضها الى الخلاف الداخلي؛ ويحال العديد منها الى تجارب رافقها الخلل من جوانب عديدة منها الذاتي المتعلق بالعضوات؛ ومنها ذو صلة بحداثة تجربة أعضاء المجلس؛ والى عديد الاشكالات والمعوقات المتنوعة الأخرى ومن ضمنها المفاهيم الذكورية اتجاه العضوات ؛ وكذلك الشلل الذي رافق تجارب عمل عديد المجالس بسبب أزمة المال والتمويل؛ واستقالات جماعية لمجالس أثَرت على عضوية المرأة، وجميعها اشكالات كانت وما زالت بحاجة الى متابعة وتدخل من مستويات مرجعية أعلى ذات علاقة.

*كيفية فرز العضوات:
للوقوف على أسباب اختلاف وتباين تجربة النساء المنتخبات؛ لا بد من التعرض الى الكيفية التي أفرزت والآلية التي أتت بالعضوات بواسطة صيغتين انتخابيتين تضمنتا الكوتا؛ فقد تراوحت عمليا ما بين الفرز الصائب المدروس؛ وما بين الفرز بهدف استكمال عدد القائمة للالتزام بالقانون؛ الذي اشترط ادراج المرأة في القوائم تحت طائلة رفضها؛ الأمر كذلك ينطبق على العضوات المستقلات اللواتي جئن من خلفيات مهنية هامة وتناسب طبيعة المهمة؛ وما بين مستقلات بسيطات في تعليمهن وتجاربهن على صعيد العمل العام -القانون لا يشترط حد أدنى للدرجة العلمية-؛ وصلن الى عضوية المجالس من خلال العشيرة بهدف استكمال العدد؛ او بسبب حماسهن للحصول على عضوية المجلس؛ بتوقعات مسبقة عن طبيعة اعمال الهيئات المحلية؛ وعن استحقاقاتها على الصعيد العملي.

*الكوتا ليست حلا سحريا يعالج المفاهيم:
بالتدقيق في واقع المرأة في المجالس المحلية ضمن الظروف العامة والخاصة؛ دون إغفال بأن الكوتا كآلية قد أدَت وظيفتها بإيصال المرأة الى عضوية المجالس؛ وسلطت الضوء على التمييز الواقع على المرأة؛ إلا اننا لا نستطيع تحميل الكوتا ما لا تتمكن من تحقيقه؛ فالكوتا لا تعالج الضعف البنيوي لدى المرأة؛ دون أن يكون لدى المرأة رسالة اجتماعية تحملها؛ وإيمان بذاتها وبدورها، هذا على الرغم من ان عديد المؤسسات المتخصصة؛ قد توجهت للمرأة لتدريبها وزيادة معرفتها بقضايا العمل؛ وسجلت هذه البرامج فوائد ملموسة لدى العضوات؛ ومكنتهن من المشاركة المتميزة على الأعضاء في النهوض بعمل المجلس وتحمل الأعباء؛ لكن لا تُحل جميع المعوقات والإشكالات التي تواجه المرأة بالدورات والتدريب، كما أن الكوتا لا تستطيع أن تحلَ المسألة الفكرية التي تقف خلف النظرة النمطية للمرأة؛ كما انها لا تستطيع تغيير الثقافة والمفاهيم التقليدية السائدة بخصوص مشاركة المرأة، بمعزل عن استراتيجيات متكاملة تتبناها الدولة؛ وسياسات متنوعة تعليمية واعلامية واجتماعية اقتصادية وتنموية؛ فالكوتا في ظل واقع اجتماعي تقليدي ستفرز حتما عضوات من ذات النسيج.
من هنا فقد أفرزت الكوتا كوكتيل متنوع من العضوات؛ وبدورهن انتجن تجارب متنوعة تتراوح ما بين النجاح المميز والمراوحة للعضوات؛ وتحديدا في البلديات الكبيرة في المدن والقرى، وما بين الاخفاق في سطر تجربة نسوية ايجابية في مجالس عديدة.

*واقع المرأة في المجالس المحلية:
بشكل عام أفرزت الانتخابات عضوات متنوعات في خبراتهن وتجاربهن؛ وتحكم في تسجيل النجاح جملة العوامل الموضوعية والذاتية التي رافقت التجربة، لذلك نجد تجارب وقصص نجاح في مواقع وتحديدا في البلديات الكبيرة؛ واخفاقات أخرى لعضوات أكثرها في البلديات الصغيرة؛ وفي المجالس التي انعكس الخلاف السياسي عليها مباشرة أكثرها في غزة مؤدية الى الشلل، أو بسبب استقالات جماعية بسبب خلافات متنوعة.
وعليه؛ وضمن الواقع الفلسطيني السياسي والاجتماعي؛ قامت عضوات المجالس بدورهن غير النمطي الجديد؛ وتراوحت الأدوار ما بين العزل والحصر بمهام نمطية ذات علاقة بخصوصية المرأة؛ وما بين الأدوار التي تنطلق من طبيعة عمل المجالس ووظائفها؛ وسنكون كذلك امام عدد من الاستقالات النسوية سواء كانت الاستقالة فردية مباشرة؛ او ضمن استقالات جماعية مسَت عدد من الهيئات المحلية، والاستقالات الفردية للنساء فغالبيتها تعود كنتيجة للتسلط من طبيعة ذكورية كالحصر بمهام نسوية محددة نمطية؛ أو نتيجة لقمع العضوات بعدم الاستماع لرأيهن؛ وقد رصد في حالات قليلة بأن تجلس العضوات خلف ستارة أو في الغرفة المجاورة للاجتماع؛ وقد رصد حالات عديدة اعتبرت أهدافها بقصد تطفيش العضوات واستبعادهن؛ كأن يتم عقد اجتماعات في اوقات غير مناسبة؛ كأن يعمد المجلس الى انتقاء ساعات الليل او ما بعد صلاة يوم الجمعة لعقد اجتماع المجلس؛ في الوقت الذي تكون فيه المرأة في انشغالات بيتية؛ بنيَة إثبات عدم قدرة المرأة على مواجهة المعوقات الذاتية؛ وبأنها ليست كالرجل انطلاقا من ادوارها وواجباتها المنزلية، وفي استقالات اخرى تتم بسبب عمليات الاقصاء للنساء وعدم الاستماع لرأيهن؛ ورصدت في بعض المجالس التي بالغت في التسييس إلى الحد الذي يجعل الحزبيين في عضويتها يعدون ويجهزون قراراتهم وأوراقهم مسبقا؛ محولين باقي العضوات والأعضاء إلى ديكور يقوم بالتوقيع على محاضر الاجتماع.

ماذا بعد:
تعمل وزارة الحكم المحلي على تعيين مجالس بديلة لتلك المستقيلة؛ وفي الاقتراحات المقدمة من المواقع لوحظ عدم ادراج عضوات من المرأة؛ الأمر الذي بحاجة الى التدخل والتصويب؛ فما أخذ بالقانون وبالانتخابات؛ لا يجوز تمرير الالتفاف عليه في التعيين؛ وخيرا فعلت مؤخرا الوزارة المختصة برد الاقتراحات لتعديلها بإدراج العضوات.
ان دورا نشطا وفاعلا للحركة النسائية في متابعة ورقابة دور النساء في المجالس لا زال مطلوبا؛ وعدم التوقف عند حفلات التكريم؛ والوقوف على الإشكاليات التي تواجههن والمساهمة في حلها؛ ورفع الصوت عاليا في حال الاقصاء والعزل المتعمد للعضوات، كما أن على الحركة النسوية ان لا تضع رأسها بالرمل؛ بل عليها مواجهة الإشكالات التي رافقت فرز وترشيح العضوات؛ لجهة تصويب الطريقة في الجولة الانتخابية الخامسة؛ بالخروج من الفئوية السياسية لصالح فرز العضوة المناسبة انطلاقا من مناسبتها المهنية لعضوية المجلس.
وبقي ان نقول بأن الدورات التدريبية يجب أن يخضع لها الأعضاء كما العضوات؛ لأنه في المواقع التي سجلت نجاحا لتجربة المرأة؛ كانت تسجل في الوقت ذاته نجاح المجلس برمته؛ والنجاح من الزاوية النسبية رهن بقدرات الأعضاء الذكور كأكثرية في المجالس والتي بحاجة ايضا الى التقييم؛ ولئن كنا نركز هنا على تجربة المرأة في المجالس؛ فهذا بسبب التجربة النوعية الجديدة للمرأة والتي تسلط عليها الأنظار، وانطلاقا من اعتبار أن التجربة الناجحة للعضوات؛ ستفتح الباب مستقبلا أمام مشاركة أوسع للمرأة بدون تدخل الكوتا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن