من أسرار المسيح

جهاد علاونه

2008 / 3 / 18

يظهر المسيح ويختفي بنفس السرعة التي يظهر بها ويشاهده شهود العيان مجازا وهو يساعدهم , ومن ثم يختفي من حياتهم إلى الأبد... كل على حسب قدراته الإيمانية وإنه من الطبيعي أن يغرق بطرس في الماء ولا يستطيع أن يلحق بالمسيح ,لأن إيمانه وهو يحاول أن يمشي على الماء كان ضعيفا جدا ,لذلك دخلت الشكوك إلى قلبه وغرقت قدماه في الماء ونزلت عن مستوى سطح الماء .

والذي يحاول أن يمارس السباحة والغطس وهو خائف من الماء يغرق ولا يستطيع أن يطفوا على سطح الماء بنفس الوقت الذي تسبح به بارجة وزنها مآت الأطنان من الحديد والفولاذ .
هل وزن البارجة أو السيفينة أقل من وزن الإنسان حجما وكثافة ؟
إن وزن الإنسان أخف بكثير وكذلك وزن بطرس أخف بكثير ولكن الخوف والشك يؤديان إلى الهزيمة أمام الماء فيصبح وزن الإنسان أثقل من البارجة ويغرق في الماء , ولو أحضرنا طفلا ولم يتعلم السباحة في حياته وألقيانه في الماء فإنه سيطفو على سطح الماء نظرا لأن عقله لم يتعلم بعد الخوف أو الشك وكذلك قلبه لم يتعلم الخوف .

ومن الطبيعي أن الخوف يؤدي إلى هبوط مستوى ضغط الدم في الأوردة والشرايين وهذا التوسع يؤدي بعد فترة إلى السمنة والتخمة , والمدمن على الخوف أخطر من المدمن على الحشيشة والمخدرات فالإنسان الخائف ليس جبانا وحسب وإنما ضعيف الإرادة والشخصية .
والمسيح لم يتعلم الخوف في حياته وكان إيمانه بأبيه إيمان قوي جدا لذلك ظل صامدا في وجه قوى الشر والظلام والعبودية .
والذين لا يحسون بلسعات اليسوع إيمانهم به ضعيف وعلى حد قوله : من آمن بي وإن مات فسيحيا .

والإسطورة هي رمز كثيف لشعب فقد العدالة والمساواة والمؤمنون باليسوع هم على الغالب شعوب فقدت حقها في المساواة وغرقت في الماء فلم تنل كلمة مرضية من أحد في ظل ظروف إقتصادية سيئة وإجتماعية أسوء .
والمؤمنون بشخصية المسيح هم غير المؤمنون باليسوع الإبن أو الإقنوم الثالث , وكذلك للمسيح عدة شخصيات فهو أحيانا إبن المرأة... وهو أحيانا إبن الرب... وهو أحيانا إبن المرأة والرب معا , وهو أحيانا منبثق من كلمة الرب التي ألقاها إلى مريم البتول .
والفقه الإسلامي يناقض نفسه أحيانا في تفسير كلمة الرب فالإسلام جملة وتفصيلا يعتبر أن كلمة الرب خالقة مثلها مثل رحم المرأة فالله خلق آدم بكلمة منه حين قال له كن فيكون , وهو الذي خلق الأرض والسماء بكلمة منه .

إذن لنتفق سوية على معنى كلمة الله :
كلمة الله خالقة تخلق من غير أنثى , وفي اللغة العربية كلمة (خلق) من الأفعال المتعدية لأكثر من مفعول واحد , أي كلمة في اللغة العربية تؤدي معنى الخلق نقول عنها أنها فعل متعدي لأكثر من مفعول به واحد إلى إثنين وإلى ثلاثة: ويسميها النحاة العرب بأفعال القلوب إذا كانت تؤدي معان مجازية صادرة من القلب , فكلمة رأى تتعدى لمفعول واحد إذا كانت الرؤية من رؤية العين العادية أما إذا كانت من رؤية القلب فإنها تتعدى لأكثر من مفعولين فكلمة رأى هي من رؤية العين وكلمة أرى هي من رؤية القلب وتتعدى لأكثر من مفعولين وهذا يعني أنك حين تقول : أرى أنه من اللازم أن نفعل كذا وكذا , فإنك طبعا تقصد رؤية القلب والعقل .
وافعال الخلق تتعدى لأكثر من مفعول به واحد .

وكلنا نعرف محنة الإمام أحمد بن حنبل حول مسألة خلق القرآن ؟فهو لا يرى القرآن مخلوقا بينما رآه المعتزلة مخلوقا لأنه كلام الله , فالله كل كلامه في القرآن فعل خلق وإبداع وإبتداع وأي كلمة تؤدي معنى الخلق فإنها تتعدى لأكثر من مفعول واحد لأنها علة فاعلة .
إذن إتفقنا :على أن كلام الله هو العلة الفاعلة وهذا يعني أن الكلمة روح حية والله هو العلة الفاعلة ونحن العلة الثانية المفعول بها .
لهذا المسيح كلمة الرب أو كلمة من الرب ألقاها إلى مريم البتول العذراء أكمل الإناث خلقا وخلقا .

والكلمة هنا هي الروح القدس أو الإقنوم الثاني في جسد عبد من عباد الله أصبحت به روح الله فأصبح مخلوقا مزدوجا .
وكان هذا النوع من الإيمان ليس غريبا فالوثنيون كانوا يؤمنون بأشخاص وأبطال نصفهم بشر ونصفهم إله , ومن هذه الفكرة إنتقلت الناس الوثنيون للمسيحية بسرعة لأنهم يحملون مثل تلك الأفكار وهي ليست غريبة عنهم .
إنها رومنسية رائعة أن يولد لله إبن مقدس يعيش حياته مكفرا عن آلام البشر يصارع قوى الشر لصالح قوى الخير ويصارع قوى الظلام لصالح قوى النور وأن تنتصر في النهاية قوى الخير على قوى الشر والنور على الظلام والعبودية والنهار على الليل والأبيض على الأسود.
إذن المسيح ولد من ثنائية الكون المتصارع فهو إبن النور والنهار والخير .........إلخ .

وكل مذهب فكري يرى المسيح بمنظاره الخاص فهذا اللغز المحير تفكه أحيانا طبيعة المؤمنين بشخصية المسيح فالذين يرونه ذا طبيعة واحدة تكون أصلا شخصيتهم الخيالية غير قادرة على لمس ومس مكونات المسيح الرومنسية والذين رسموا لليسوع صورا مختلفة لم يكونوا وثنيين يعبدون الأصنام ولكنهم كانوا وما زالوا يرونه شخصية خيالية مثالية صوفية رومنسيتهم حالمة بعودته ولمس جراحهم أينما كانوا هم فنانون مرهفون في الحس والسمع والبصر فسمعهم وبصرهم هي حواس غير عادية ولا تلتقط الأشياء العادية فقط لا غير وإنما تلتقط أشياء من رؤية القلب كما هي أفعال القوب في اللغة العربية .

وكنت في صبايا مغرم بشخصية المسيح وكنت أراه أحيانا كمال تملي على مخيلتي هواجسي وأفكاري فأحيانا كنت أراه نبيا بشرا ألهه البشر بسبب سكرهم العقلي من شدة الظلم والإضطهاد الذي يقع بهم وهذه حالة نفسية فكثير هي الشعوب التي تر ى المسيح بينها يظهر ويختفي بسبب عوامل القهر الإجتماعية والذين يصرون على إيمانهم بحضوره بينهم يبقى بينهم والذين يضعف إيمانهم به يرحل عنهم مثل قصة مسلسل إدارامي يظهر به البطل ثم يختفي .

ومسرحية (صموئيل بيكت) وعنوانها (بإنتظار غودو) تعتبر تعبيرا مجازيا عن عدم ظهور المسيح المخلص لهم من الشرور والآلام والإكتئاب الداخلي المنشأ , وفي كل مشهد يبدأ وينتهي بإنتظار غودو ويسدل الستار على المسرح دون أن يظهر لهم البطل المخلص , وهذا بسبب ضعف إيمان أبطال المسرحية بشخصية المسيح , تماما كضعف إيمان بطرس حين غرق في الماء .
حتى هذه اللحظة لا أتحدث عن مستوى إيماني الشخصي ولكنني أتحدث عن معجزات المسيح في قلب المؤمن به , وكنت وأنا صغير في السن أذهب إلى كنيسة كانت مجاورة لمنزل أهلي للإطلاع على كيفية عبادة المسيحي للمسيح ولكنني لم أكن أفهم شيئا ولكنني كنت أفرح للترانيم المعبرة وأحاول أن أفهم ما معنى أن يحضر المسيح في الخمر والماء والعسل , حتى أنني شاهدته في الطريق يقف أمامي مبسوط الذراعين ينظر لي بحزن عميق وأنا كنت أبتهج لهذا المنظر الدرامي , وكنت أحاول أن أستمر بفهم شخصية المسيح وحضورها في آلامنا وأحزاننا تعبيرا عن فقداننا لمعنى الرومنسية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن