التعددية النقابية والاحتكار النقابى

صلاح الانصارى محمد

2008 / 1 / 6

أثارت قضية التعددية النقابية فى الاونة الاخيرة جدلاواسعا فى صفوف المهتمين بالشأن النقابى والحركة العمالية , ولم يكن موضوع التعددية , موضوع جديد على بساط البحث , بل الموضوع مطروح للنقاش منذ ثلاثين عاما , حينما أطلق شيخ النقابيين " عطية الصيرفى" دعوته وفكرته حول تعددية المراكز النقابية , والنقاش يتصاعد ويهبط , تشتعل جذوته وتخمد , ولم يكن "عطية الصيرفى " الوحيد الذى نادى بالتعددية النقابية . بل هناك الكثيرين بعده من الداعمين للفكرة .
وعلى الجانب الاخر , طرح المفكر الاسلامى والنقابى " جمال البنا " سلسلة من المقالات , نشرتها جريدة الشعب وتضمنها كتاب يحمل عنوان "نحو تعددية نقابية دون تفتت أو احتكار" وصدر الكتاب عام 1994 .
والذى حرك الجدل من جديد موجة الاضرابات المتواصلة من ديسمبر 2006.
وأختلفت الاراء , واختلطت المفاهيم وتم التراشق بالكلمات وتبادل الاتهامات بين كل من " انصار الاحادية النقابية وهم المدافعين عن التنظيم النقابى القائم وبين الفريق الداعم والمؤمن بفكرة التعددية النقابية .
• وفى تقديرى أن أخطر ما فى هذا المشهد , هو اننا نلوك الكلمات والمفاهيم الكبيرة .. ذات الدلالات المحددة .. نمضغها كاللبان .." التعددية النقابية , الحق فى التنظيم , الاحادية النقابية , وحدة الطبقة العاملة , كلمات تلوكها الافواه لا تبلعها ولا تبثقها "
• النقطة الثانية فى هذا المشهد هو العنف اللغوى – اذا جاز التعبير- والذى يبدو واضحا فى نسق مفردات لغة التخاطب , والتى جاءت تعبيراتها من أنصار التنظيم النقابى القائم كالتالى :

* التعددية النقابية جريمة فى حق الطبقة العاملة والوطن ؟!
* التعددية النقابية دعوة مشبوهة تهدد مستقبل العمال ؟!
* التعددية النقابية خطيئة؟!
والبعض الاخر يرى أن التعددية النقابية ستؤدى الى الانقسام فى صلب الطبقة العاملة ؟!
ويجب طرح صيغة اخرى من خلال الواقع العمالى وعمل برنامج توعوى ؟!
أما اصحاب فكرة التعددية فأنهم لم يقدموا مشروعا متكاملا للتعددية النقابية , الا انهم يؤكدون على ان التعددية هى الاصل وهى الاساس من مرجعية تاريخية , حول طبيعة التعددية النقابية وتنوعها وانتشارها فى بدايات القرن العشرين , فضلا عن ان الحركة العمالية فى ظل التعددية قد ساهمت عبر تاريخها النضالى فى كل الانتصارات الوطنية قبل ثورة 23 يوليو 1952 .
واذا نظرنا الى موضوع الجدل من زوايا اخرى نجد من يتحدث من خلال استفسارات وتكهنات واحتمالات لنجاح التعددية .
• الا يمكن ان تؤدى التعددية النقابية الى المنافسة بين النقابات المختلفة على خدمة العمال , ورفع مستواهم الاقتصادى والاجتماعى والمهنى , من خلال تقديم الخدمات والتعليم والتدريب ؟
• الا يمكن ان تكفل التعددية ممارسة ديمقراطية افضل داخل النقابة وتسمح للتقييم المستمر للاداء النقابى ؟

" جمال البنا " يقدم فى رؤيته حول التعددية , الحاجة الى وجود نقابتين عموميتين لكل صناعة أو مهنة واحدة , على اساس الاندماج الاختيارى ما بين مختلف النقابات فى الصناعة أو المهنة الواحدة , ايمانا بأن فائدة النقابة العامة ستعم على النقابات المنضمة .
مؤكدا بعدم التعددية داخل المصنع الواحد , اذ انه لا يستقيم أن تتعدد النقابات داخل المصنع الواحد , خاصة أن المصلحة واحدة للعمال حول مطالبهم الاقتصادية .
وانما فى المستويات الاعلى , كالنقابات العامة . فمن حق اللجان النقابية الانضمام الى هذه النقابة او تلك.
وفكرة " جمال البنا " تتلخص فى القضاء على الاحتكار النقابى , فالنقابة العامة بالصورة التى وجدت من 1959 حتى الان .. دخيلة على التنظيم النقابى وما كان يمكن للعمال ان يقبلوها لولا الضغط السياسى والدجل الدعائى والشعارات التى لا حقيقة لها , فهى مخلوق حزبى لا نقابى , ووجود نقابتين سيوجد مجالا للعمال للاختيار وسيحطم الاحتكار وسيحمل النقابة على ان تعمل فى مناخ المنافسة .
أن فكرة " جمال البنا " لها واجهتها من حيث البناء النقابى ولكنه لم يتعرض لصلب الموضوع عن النقابة المناضلة والنقابة الانتهازية ,
ونعنى بالنقابة المناضلة : النقابة التى تعتنق النضال الطبقى بشكل مبدئى ... والنقابة الانتهازية : القائمة على التعاون والوفاق الطبقى .

" وهذا هو رأينا فى صلب القضية المطروحة "
• النقابة الواحدة والاحتكار النقابى :
عرضت منظمة العمل الدولية وجهة نظرها عن الاحتكار النقابى , فى واحدة من وثائقها عن الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية التى وضعتها لجنة الخبراء فى تطبيق الاتفاقيات والتوصيات وألحقت بوثائق الدورة ( 81 ) لمؤتمر العمل الدولى – جينف – يونيو 1994
عرضت المنظمة تحت عنوان الاحتكار النقابى والتعدد النقابى " ان حق العمال واصحاب الاعمال فى تكوين المنظمات من واقع اختيارهم الخاص يبرز مشكلة الاحتكار النقابى , وتظهر الصعوبة حيث ينص التشريع بشكل مباشر او غير مباشر – على ان لا تؤسس سوى نقابة واحدة لفريق من العمال , ومع ان الواضح ان الاتفاقية (87)لسنة 1948 الخاصة بالحرية النقابية التى تعد معيارا للحريات النقابية , لا تجعل من التعددية التزاما او واجبا .. فانها تفترض – على الاقل – امكانية تحقيق التعددية فى كل الحالات , وهناك فرق رئيسى بين الاحتكار النقابى بمقتضى القانون , وبين ان يقوم بمقتضى التجمع الاختيارى لمجموعات من العمال دون ضغط من السلطات العامة , او القانون عليهم لأنهم يريدون على سبيل المثال تدعيم وضعهم التفاوضى وتوحيد جهودهم فى مواجهة مشكلات تظهر لهم , ولكن الوحدة النقابية التى تفرض عن طريق القانون بصفة مباشرة او غير مباشرة تعارض صراحة نصوص الاتفاقية .
وبالرغم من كل ذلك , لم تلق هذه الافكار مجتمعة اى صدى على المستوى القاعدى للعمال , لا بالسلب ولا بالايجاب , لأن الحوارات لم تتجاوز حدود النخب النقابية والسياسية , ونشطاء الحركة العمالية فى المراكز الحقوقية , وهذا يعنى ان هناك فجوة فى الاتصال مع العمال فى مصانعهم حول قضية على درجة كبيرة من الاهمية . وبالتالى يشكل هذا الامر ارتياحا لدى رافضى فكرة التعددية , ولا يخلو التنوع فى الافكار و الحجج , عن تناول الموضوع من زاويه حقوقية وديمقراطية , ولا يجادل احد فان الحديث عن الديمقراطية يلتسق بمبدأ التعددية وهو الامر الذى افرز تعددية نقابية فى المغرب وتونس فضلا عن اوروبا وخاصة تجارب المانيا وفرنسا .

• التعدد ليس " التعددية " :
وتجدر فى هذا السياق التفرقة بين التعدد والاختلاف كمفاهيم وبين " التعددية " كمصطلح فى علم السياسة الليبرالى السائد فى الغرب تحديدا , فالتعدد – كمفهوم – يرادف التنوع والتفاوت والاختلاف , فى حين ان "لتعددية " كمصطلح له خلفية تاريخية وفلسفية ترتبط بادراك دور الدولة وطبيعة المواطنة , بل وطبيعة الانسان , وصيغ العقد الاجتماعى وقضاياه ونظامه الاقتصادى .
كما ان اهذه التعددية ملامح مؤسسية ثابتة , وتقترن بتطور اقتصادى واجتماعى ومناخ ثقافى يهدف الى ادارة الصراع الاجتماعى , دون مرجعية فكرية واحدة تجمع الافراد والجماعات رغم ان التعددية تعبر عن شكل الممارسة اللبرالية الديمقراطية الحزبية , والتعددية الحزبية تحديدا هى احد انماط التعددية السياسية عامة , وليست النمط الاوحد .
والتعددية النقابية من هذا المنطلق هى وسيلة لادارة الاختلافات وصيانة الحقوق والحريات النقابية واحدى الادوات التى تساهم فى ضمان المساواة والحرية والتعبير والرقابى على اصحاب الاعمال , ومن هنا فليست التعددية مدخلا للفرقة والانقسام بل على العكس , فقد حققت التعددية كما اشارنا الى المانيا وفرنسا عن تحقيق نجاحات على مستوى المطالب الجوهرية للطبقة العاملة , من خلال الحوار الوطنى , واتخاذ المواقف الموحدة تجاه بعض الاحداث , قد يبدو ان التعدديى توحى بالنقسام الا ان وحدة المواقف لصالح الطبقة العاملة .. هو الامر الحاسم .

• وليست مهمة هذه الورقة الخوض فى الجدل حول اطروحات كل فريق , لكننا نلاحظ مجملا على منحى الجدل ما يلى : ان كلا الفريقين – رغم الخلاف – يرتضى الحزبية وتعددها لكن المشكلة ان الفريق المؤيد للأحادية النقابية فى شكلها وجوهرها الحالى ,ربط موقفه بالدولة وليس بالمجتمع .
• والحقيقة ان النقابة فى مضمونها تقوم على العمل كقيمة . وليس على التقارب والتعاون الطبقى او الوصول لمكانة اجتماعية وسياسية , الجدل السالف كله لا يشتبك مع االمضامين لمفهوم التعددية حيث ان جدل الحرية والتعددية غير منعزل عن جدل الطبيعة الانسانية , وغير منفصل عن الحقوق التاريخية للعمال .
• فاذا ارادنا جدلا فاعلا , فلابد ان يكون حاضرا فيه اصحاب المصلحة فى التعددية وهم العمال .
• فماذا يريد العمال ؟
العمال اجابوا من خلال مواقفهم النضالية فى حركات الاضرابات الاخيرة , انهم اتخذوا مواقف نضالية تتناسب مع الشروط والظروف الموضوعية , الاقتصادية والاجتماعية , التى يعيشونها , وبتلك المواقف النضالية المناسبة فى الوقت المناسب , تعتبر ذات اهمية كبيرة بالنسبة للحركة العمالية .
اذن فالعلاقات النضالية هى التى تشكل بيتا الاقصيد , لان العنال الذين يرتبطون بنقابات على اسس غير نضالية , فأنهم سرعان ما يصلوا الى اليأس من النقابة والعمل النقابى , وهو ما وصل اليه العمال فى احتجاجاتهم الاخيرة , ولان النقابة التى ترتبط بالعمال على اسس انتهازية وبيروقراطية وتعتبر العمال مجرد وسيلة للاستخدام فى خدمة اغراض تبغية النقابة , سرعان ما تتكشف للعمال انتهازيتها وتزداد الفجوة بينهم وبالتالى فقدان الثقة فيها .
فنحن امام مدرستين فى العمل النقابى
1. عمل نقابى انتهازى
2. عمل نقابى مبدئى
فالمدرسة الاولى هى : مدرسة الوفاق والتعاون الطبقى .
والمدرسة الثانية هى : مدرسة النضال الطبقى .
فيما يخص المدرسة التى تقوم فى اطار العمل على تحقيق الوفاق والتعاون الطبقى مع الطبقة المسيطرة , فهذه المدرسة تشكل الاطار الفكرى لترويض نضال العمال حتى يظل مجرد عملية تجميلية للنظام واصحاب الاعمال , لا يتجاوز سقف ما تسمح به القواعد المحددة والمتفق عليها سلفا أو السقف المحدد تشريعيا , ولتمرير هذا المفهوم درجة السلطة على ترويج الافكار الداعية الى عدم تسييس النقابات , اى فصل النضال الاقتصادى عن النضال السياسى , وفى الانتخابات الاخيرة عام 2006 كان التحذير من رفع شعارات دينية او سياسية فى الانتخابات العمالية بقرار وزارى .
كل هذه المفاهيم المشوهه والمغالطات العمدية ساهمت فى صياغة مفاهيم نقابية غريبة تجد من يدافع عنها , لانه مقابل الدفاع عن هذه الافكار وبثها وترويجها , فان مردود مواقع فى المجالس النيابية والحزب الحاكم , وخلق ارستقراطية نقابية تحتل التنظيم النقابى بالرغم من الانفصال العضوى بينها وبين العمال .

• اما عن مدرسة النضال الطبقى أو النقابة المبدئية :
فان من مهامها تجاوز الفصل بين ما هو اقتصادى وما هو سياسى .
ولكن ماذا يعنى تجاوز الفصل بين ماهو سياسى وما هو اقتصادى فى الواقع ؟
ان الاشطالية هنا ليست فى الفصل بينهما فى مواقع العمل ( لان نضالات العمال ضد الاستغلاال فى مواقع العمل هى ذات طابع سياسى متأصل , ولكنها فى الانفصام بين الحياة فى مواقع العمل وبين بقية مناحى الحياة , التى تتطلب مواقف نضالية وانخراط مع القوى الديمقراطية والسياسية والتى تتلائم مع الشروط الموضوعية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى يعيشها العمال .
ومن المهام الاساسية ايضا , المشاركة فى الحملات القومية لمقاومة الاستغلال وبناء جبهة تحالف مع الحركات الاجتماعية الاخرى , وهى بذلك تربط نضالها النقابى اليومى من اجل تحسين شروط الاستغلال , باستراتيجية تحررها من الاستغلال بكافة صوره دون المساس باستقلاليتها , وهى مدرسو لاتلتزم الحياد ازاء القضايا الجوهرية للصراع الطبقى , بل تسهم فى التصدى لها ومحاولة حلها باعتبارها فى ذلك الصراع .
تربط نضالها الاقتصادى اليومى بالنضال السياسى العام ضد الطبقة المسيطرة .
• اما فيما يتعلق بان التعددية النقابية تحدث انقسام فى صلب الطبقة العاملة , فان الانقسام الذى سيؤدى لا محال الى تقسيم صفوف الجماهير فى القواعد العمالية انما تمليه المصلحة الطبقية التى تصبح امامها قضية الوحدة الشكلية والعضوية الدفترية مسالة ثانوية , فلا يمكن ان نتصور مثلا اذا توافرت كل عوامل التعددية ومكوناتها واهدافها . فهل من الصحيح ان نتمسك بالوحدة على قاعدة الاحتكار للعمل النقابى بالقانون وبغير القانون .. وهل نتمسك بالوحدة من على ارضية البيروقراطية النقابية وقانونها ومواقفها المعادية للعمال بموافقتهم على الخصخصة والمعاش المبكر وتصفية المصانع .. الخ
• ان وحدانية التنظيم النقابى او التعدديةالنقابية ليست مسألة اختيار مطلق , بقدر ما هو اختيار محكوم بجملةمن الشروط يجب تقديرها بدقة , فالمهم ان تستمر حركة التطور نحو الوحدة النضالية للعمال فى اطار مصالحهم الطبقية من خلال اطر مختلفة تنظم العمال فى اشكال يخلقوها ويفرضوها وتكون مشروعيتها ومرجعيتها من الحركة العمالية والنقابية على اتساعها



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن