المادة العايمة

مايكل نبيل سند

2007 / 12 / 17

المفروض فى النصوص القانونية ( الدساتير و القوانين ) أن تكون محددة و دقيقة و لا تحمل أكثر من معنى و لا يمكن تحميلها أو تأويلها لمفهوم غير الموضوعة لأجلة , غير أن الدستور المصرى يحوى موادا كثيرة عائمة لا تفهم ما المقصود منها , و لا تعرف كيف يتم تطبيقها و يمكن بسهولة أستخدامها للحصول على حق غير قانونى و غير شرعى , و من أهم تلك المواد المادة الثانية التى تنص على أن " الشريعة الأسلامية المصدر الرئيسى للتشريع " , فعلى الرغم من كثرة الجدل الدائر حول هذة المادة و على الرغم من كثرة الأسلاميين المدافعين عن تلك المادة العائمة و أهمهم الأخوان المسلمون الذين قالوا أن هذة المادة خط أحمر و أن الأقتراب منها سيجر مصر ألى بحور دماء , على الرغم من كل ذلك لم أستطع تحديد معنى قانونى دقيق لهذا النص الدستورى التخريبى
أول شئ يجب الأشارة ألية هو أن الدستور لا يطبق و أنما القانون هو الذى يطبق , فالدستور عبارة عن الخطوط العريضة للدولة , و تحوى القوانين شرح هذة الخطوط و كيفية تطبيقها و عقوبة من يتجاوزها , و بالتالى لا يحق لقاضى أو ضابط شرطة أتخاذ أى إجراء أستنادا على الدستور , فالدستور مصدر للتشريع الوطنى و ليس تشريعا , أما القوانين فهى التشريع , الدستور يخاطب المشرع " مجلس الشعب " و مجلس الشعب يصدر القوانين التى تخاطب القضاة و الشرطة لتنفيذها , و هكذا تتضح ثغرة كبيرة فى الدستور المصرى و هى أن الدستور هو المصدر الأساسى للتشريع فلا يجوز أن ينص على الرجوع لمصدر سابق لة و ألا أنتفت صفتة كدستور , و لكن هذة المادة أضافها السادات لمغازلة التيارات الأسلامية ليتسول مساعدهم فى القضاء على اليسار المصرى و ليمرر تعديل المادة 77 الخاصة بمدة رئاسة رئيس الجمهورية , كما أن هذة المادة تلزم المشرع بالرجوع لمصدر آخر غير الدستور و هو القرآن و القرآن يحيلك ألى السنة و السنة تحيلك ألى كتابات فقهاء الأسلام الذين بدورهم يحيلوك ألى المؤسسات الدينية و عشرات من الشيوخ و علماء الدين و أصحاب الفتاوى و دوخينى يا لمونة , و طبعا بين كل هذة اللفة الطويلة يستطيع الحاكم أن يتلاعب بالكثير ليصل ألى أهدافة و ليذهب الشعب ألى الجحيم , طبعا لو كان الدستور يحوى مواد واضحة لأغلقنا الباب أمام كل هذا اللف و الدوران و لما أستطاع الحاكم أن يتلاعب أمام نصوص دستورية غير قابلة للتحوير أو التأويل
ثانى شئ أحب أن أشير ألية هو أن كل من يدافعون عن هذة المادة لم يحددوا لنا ماهى مبادئ الشريعة الأسلامية , و أنا أتحدى أن أستطاع جميع مسلمو العالم و معهم كل القانونيين أن يحددوا فى نقاط واضحة ما هى مبادئ الشريعة الأسلامية !!! , أريد أن أعرف كم عدد هذة المبادئ ؟ ثلاثة ... أربعة ... ألف ... كم بالضبط ؟ ثم ما هى هذة المبادئ ؟ هل الجزية من مبادئ الشريعة الأسلامية ؟ البعض يراها كذلك و البعض يرفض ربطها بالأسلام و بين هؤلاء و أولئك تتعدد الآراء , فالموضوع نسبى .... و هل عدم جواز تولى المرأة للقضاء من مبادئ الشريعة الأسلامية أم لا ؟ البعض يراها كذلك و البعض ينفى ذلك و يتوة القانونيين و الشعب الحائر بين هؤلاء و أولئك و تتحول ساحات القضاء ألى ندوات دينية لدراسة الفتاوى , أيضا هل عدم ولاية غير المسلم على المسلم من مبادئ الشريعة ؟ من يدرى و الآراء أختلفت حول هذة النقطة أختلافا غير قليل , و هكذا فى الكثير من النقاط ستجد أنة من المستحيل تحديد نقاط واضحة يتفق المسلمون عليها على أنها مبادئ الشريعة الأسلامية فالأمر يختلف بين المذاهب و التيارات الفكرية و المدارس داخل الدين نفسة
ثمة شئ آخر يجب الأشارة ألية ... هل الشهادة بأن " محمد رسول اللة " من مبادئ الشريعة الأسلامية ؟ و هل دعوة غير المسلمين للأسلام بالوسائل المختلفة ( بالترغيب و الترهيب ) من مبادئ الشريعة الأسلامية ؟ فأن كانت الأجابة بالإيجاب فما معنى وجود نص دستورى بهذا المعنى ؟ و أين أذن حيادة الدولة و المواطنة التى يتكلمون عنها ؟ فأنا أريد أن أتسائل : هل النص الحالى للمادة الثانية هو ستار لوضع نص دستورى أسلامى عنصرى فى الدستور , فبدلا عن أن ينص الدستور على أن " محمد رسول اللة " ينص على أن " مبادئ الشريعة الأسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع " ثم يقوم المشرعون بتطبيق موضوع رسالة محمد بأعتبارة من مبادئ الشريعة الأسلامية ؟
أخيرا فأنا أطالب فقهاء الدين الأسلامى و القانون معا إن كانوا يريدون فعلا تطبيق الديموقراطية و أنا أعلم أنهم لا يريدون ذلك , و لكن على كل حال إن كانوا يريدون الديموقراطية فليحددوا لنا مبادئ الشريعة الأسلامية فى نقاط واضحة و صريحة غير قابلة للتأويل و يضعونها مكان المادة الثانية - العائمة - و بالتالى سيكون تطبيق هذة المبادئ أيسر من تطبيق مادة غير واضحة المعالم , و حينها سيكون أى جدل دستورى جدلا حول مادة دستورية بسيطة و ليس جدلا حول تطبيق الشريعة الأمر الذى قد يؤدى ألى بحور دماء فعلا
و للتوضيح أشير ألى أن تقرير مفوضى الدولة الذى حكم لحزب مصر الأم بالتأسيس رغما عن أنف لجنة شئون الأحزاب ( الحكم تم نقضة من قبل لجنة شئون الأحزاب و ربحت النقض و لم يتأسس الحزب ) , هذا التقرير عرف تعبير " مبادئ الشريعة الأسلامية " أستنادا على حكم سابق للمحكمة الدستورية العليا بأنها " الأصول الكلية للشريعة الأسلامية و مبادئها المقطوع بثبوتها و دلالاتها " و أعتقد أن هذة الكلمة لن تنطبق ألا على نقاط بسيطة مثل العدالة و الحرية و المساواة و حقوق الأنسان و محاربة الظلم و التمييز و العنصرية , و هذة النقاط كلها موجودة فعلا فى الدستور , أى أن الأسلاميين لو فكرا بعقولهم مرة واحدة فقط لأدركوا أن مبادئ الشريعة الأسلامية المتفق عليها موجودة فى الدستور فعلا و لا تحتاج لنص غير واضح يؤكد وجودها , و أعتقد أن هذة النقطة توضح جيدا أن هذة الجملة لم يكن لها أى دور أكثر من مغازلة الرأى العام المتدين ليؤيد السادات فى سياساتة و لتبقى ثغرة للحاكم ليزل بها رقاب الشعب و ليشعل العنصرية بين المسيحيين و المسلمين محفزا تقاتلهما و بالتالى أنشغالهما عنة و عن ما يفعلة بأموال الدولة و مستقبلها

للتعليق على المقال
http://ra-shere.blogspot.com/2007/04/blog-post_19.html



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن