الديموقراطية ..التي تضيق ذرعا ..بذاتها وحتى بهوامشها

ثائر سالم

2007 / 11 / 30

بين الادعاء والحقيقة، خط حاسم.. يرسمه المنجز، المتحقق..الذي يغدو واقعا، يمكن اختبار الادعاء فيه...من صميم التناقض في خطاب القيم ، في عقيدة الليبرالية، انبثق خطاب" الليبراليون " ـ المحافظون الجدد، رؤية احتجاجية ونزعة انقلابية، على منظومة القيم ، الاساسية لليبرالية ، التي قامت على الادعاء، بتبني الاطلاق في الحرية، في كل عوالم السياسة والثقافة والفكر ، ..ادعاء احتكارتمثيلها لمباديء الحرية الشخصية، والملكية الفردية وحقوق الانسان وفرديته. .خطابا نجح في استثماراوضاع وفرص او اختلاق الذرائع ، لبدء الانقلاب.....قام على فكرة "ميوعة" وفشل التيار الليبرالي التقليدي ، في وقف تفاقم التدهورفي مشاكل المجتمع الداخلية ...والتذبذب والميوعة في السياسة الدولية.
فحسب رايهم ، اضاعت تلك السياسة ، فرصة الاستفادة من الاضطراب الذي شهده العالم ، ومزايا نشوء نظام القطبية الواحدة، اثر انسحاب دول "المعسكر الاشتراكي" من الساحة الدولية...تلك التغيرات حسب رأي المحافظون الجدد، اظهرت الفجوة بين نفوذ السياسة الامريكية ومستوى قوتها العسكرية ، كقوة عظمى اولى في العالم.
التبرير الذي قيل، وجرى الانطلاق منه ، هو انه لو اتيحت لاي دولة كبرى اخرى ، كانت ستستثمرها سياسيا ولو باستخدام القوة العسكرية، لفرض هيمنتها على العالم ، الاعداء منهم او الشركاء. في حين ان الواقع هو ان اشتداد المنافسة الاقتصادية بين الكبار، دولا وشركات، والقلق على اسواقها منها ، ومن ما يمكن ان يشكله ، تطور او تمرد ، بعض دول الاطراف، من تهديد على اسواقها وموقعها(التنافسي)، في الاقتصاد العالمي ، وعواقب ذلك ،على المدى البعيد ( ستراتيجيا) ...
ويتضح اليوم ان الهدف الحقيقي لهذه الرؤية مواصلة نهب ثروات الغير وضمان وضع افضل في الاسواق، عبر اعادة الاستعمار، وتكريس انفراد القطب الواحد (الدولة الواحدة غالبا) بالقرار الدولي .وضمن هذا التاويل يمكن فهم ،اختراع ما يسمى "الحرب على الارهاب "..باستثمار احداث الحادي عشر من سبتمبر.

..انها المكارثية الجديدة....فاذا قامت المكارثية على اكذوبة الخطر الشيوعي وتهديده للامن الامريكي ـ الاوربي ، فان حروبها على الغير، واعتداءاتها على حقوق شعبهم الديموقراطية وابتزازها لشعبها وللعالم كله، يتم اليوم تحت " اختراع " الارهاب الذي كان معظمه من صناعتهم ، بهدف السيطرة والاستحواذ على ثروات الغير.
امام الخطر الذي يهدد الاسواق ومصالح راسمالها،..واشتداد المنافسة..تتراجع.. اهمية الحرية وحقوق الانسان وحرمة فرديته...ويكون المطلوب.. الاولوية هي حماية مصالح راس المال..وقطع الطريق على تلك المخاطر..الحقيقية او المفترضة، تبريرا لتوسيع السوق والنفوذ وتحقيق تقدم ستراتيجي.. على المنافس الاقتصادي ،والخصم السياسي، والانقضاض على اسس الحرية والنظام الديموقراطي ومنجزاته، في بلدها او بلدان اخرى، ان اقتضى الامر..وهذا بالضبط ما فعله المحافظون الجدد في امريكا..في بلدهم وفي العالم..مع اصدقائهم وحلفائهم ، قبل اعدائهم...فالليبرالية اليوم ، تنتهك ارقى دولها، معايير " ديموقراطيتها، وتمدنها وقيمها " الانسانية. ..ولا نعرف في اي اطار ديموقراطي ، يمكن فهم رفض نتائج انتخابات، سبق ان دعت لها ، ومارست الضغط من اجل قيامها، قوى المحافظون الجدد ذاتها ، رغم الاعتراف بنزاهة الانتخابات، كما حصل في تجربة حماس. ولا نفهم ما العلاقة بين الديموقراطية الجديدة ، وتاييد ودعم مشاريع المحتل العنصرية، وجرائم القتل، الجماعي والعشوائي، بحق مواطنين آمنين في بيوتهم؟. ..مع علاقة تلك الديموقراطية بالدفاع عن أسماء ا بو غريب او غوانتنامو او السجون السرية في دول الغير، لا يمكنها اخفاء حقيقة المعنى الذي يمكن ان تاخذه قيم حقوق الانسان، (الحق في: التنظيم، والتعبيرعن الرأي ، وقبله الحق في الحياة، والكرامه ، والمساواة)، والديموقراطية ، اذا ما تطلبت مصالحها ذلك.

ثقافة وسياسة ، لم ترى حرجا في ممارسة فعل الاحتلال، بشن الحرب على بلد وشعب آخر، تفصله عنها بحار ومحيطات والالاف من الاميال، ولو كان الثمن ازهاق ارواح الالاف من ابنائها ، ومئات الالاف من الابرياء في البلد المحتل، معتبرة اياه فعلا يدخل في اطار، الدفاع عن المصلحة الوطنية، حتى لو ادى ذلك الى حرمان البلد الذي وعدته بالديموقراطية.من كل مقومات الحياة والدولة العصرية ،وتدمير بنية البلد التحتية التي وعدت بتجديدها وتطويرها

او ان " الديموقراطية" لا تقوم فيها الا بقبول تلك الشعوب، بالاحتلال! كمشروع انقاذ ديموقراطي وحيد. بفقدان حريتها وسيادتها ، والتنازل عن استقلالها ثقافة التمييزبين البشر والدول، قيمة وحقوقا. دول متمدنة ترى من المنطقي ان تمتلك مالم تمتلكه دول ممنوعة من التقدم ، يحكمها ساسة تابعون ، يقبلون استلام الاوامر بما يجب ان يفعلوا وما لا يفعلوا. وان يحولوا بلدانهم ،الى ساحة لحروب لاناقة لهم فيها ولاجمل ، حرب الغير على ارض بلدانهم، بمواردها واجساد ابنائها. وان يبرروا الحرب الاستباقية، التي شنت او يراد شنها على شعوب بائسة اخرى.
اكثر المفارقات وقاحة وتزييفا هو ان تخوض دولة عظمى، اقتصاديا وعسكريا، حربا دفاعية لها، على ارض بلد اخر، ودون موافقة شعبه، وعلى حساب حياة ابنائه، بدل ان تهديه نظام تحظرها وديموقراطيتها.
ان دولة القانون والمؤسسات، والتي تتزعم العالم الديموقراطي ، ترفض ان يمُثل جنودها ومواطنيها، مهما ارتكبوا من جرائم، امام المحاكم الدولية او محاكم دول اخرى. في الوقت ذاته الذي تجبر كل دول العالم الاخرى، على ان تخضع مواطنيها الى احكام قانونها الوطني ، فضلا عن احكام المحكمة الدولية.

هذه الدولة فرضت نفسها، دولة فوق القانون الدولي، في قرارات الحرب والسلم ، في التجارة والمال، بل حتى في ابقاء مواطنيها خارج دائرة المسائلة القانونية، بفعل قوتها العسكرية وتقدمها الاقتصادي والتكنولوجي، وسيطرتها على الاسواق الدولية. وهي ذاتها التي تغض النظر حتى اليوم، عن دول لاتعرف ولا تسمح انظمتها السياسية، باي مظهر حقيقي للديموقراطية، لا لشيء الا لأن مصالحها مع تلك الدول. في ذات الوقت تواصل، دون حرج، هجومها على دول وشعوب ذات تجارب ديموقراطية، لم تستطع هي ذاتها التشكيك فيها.
فادعاء الحرية الاقتصادية ، او الدعوة لها.. يتحقق على الارض..استغلالا وافقارا..حروبا ونهبا واستعبادا.. لشعوب الاطراف، الذي لازال الجزء الاعظم منه ، خارج التاريخ.. العصر ، في ظل التقسيم الدولي الحالي للعمل، وسياسات منظمة التجارة الدولية، او صندوق النقد الدولي ..اذرع الهيمنة الراسمالية واستغلالها اللاانساني..
تلك البلدان، لم يشفع لها على ما يبدو، جريمة استعبادها، ونهب ثرواتها ، التي تمت على ايدي اجداد الليبراليون الجدد هؤلاء ، المخّلصون ـ المحررون ـ الحريصين على اقامة الديموقراطية ـ وفعل الخير ، ..لم تدفعهم هذه القيم يوما.. للاعتذار من تلك البلدان التي ، منعوها من التنمية ، وقتلوا واستعبدوا ابنائها سنين طويلة...والدليل ان كل جرائم الاجداد ، بل كانت مضطرة لتخليها عن حق التعويض القانوني ،... لعدم وجود طرف قانوني دولي ، يرينا عدالته وانسانيته ، وديموقراطيته التي منحته تلك الحقوق، وذلك الشعور بالفوقية ، او التميز العرقي او الثقافي ..
لا فرق في الاسباب او الدوافع ، ما دام الامران يقودان في النهاية الى ذات النتيجة..الحق في استعباد او حكم الاخر..الفرق الوحيد في درجة وشكل هذا التحكم والاستغلال والسرقة، ليس الا.

اما ذاكرتنا.. فلكي تكون،محترمة، متحظرة ، واقعية ، فيجب على اليسار فيها قبل اليمين ..التقدمي منها قبل الرجعي ، ان يعفو دون اعتذار او ذكر لتعويض ، بل ان يقدم المبررات دفاعا عن مستعبديه، وناهبي ثروة بلده ، وقتلة اجداده ، وغاصبي حقوقه،.. ما داموا قد علمونا.. كيف ننطق ..بايقاع بطيء ..
كلمة ال.." دي..مو..قر..اط..ية" شريطة ان لا نحاول، استلهام روحها ، او تمثل اسس نسختها الاصلية، التي باعوها لنا كلاما ووعدا .. ولا يريدونها ان تكون حقا وواقعا ..ففي ذاك وهم على حق ، يتناقض ومصالحهم ، التي لا يمكنها الا ان تقوم على حساب مصالحنا ، واستغلالنا .نسعى الى تعلم غيرها.
فذلك امر ، كما يقولون، خارج نطاق قدرتنا، وليس في مصلحتنا ، وان شئنا الصراحة، فسيقولون..ودون اي تردد (اللي مش عاجبو يشرب من البحر)..
... كما كان يكرر الراحل عرفات...الذي لم يتركوه يشرب حتى من البحر ، بل اشربوه شيئا آخر، لم يرى البحر بعده الى الابد ،.. ولا زالو يحاولوا ان يجعلوا شعبه ( يشرب من البحر)، طيلة حياته... فتصور..اذا كان احتلال محاصر ، مهزوم تاريخيا ، لم ينجح حتى الان في اقامة دولة ، ليست مقاول احتلال بالباطن، او وكيل المهمات الخاصة، ..دولة مشوهه استثنائية بكل مقايس علم الاجتماع والسياسة.. لعنصريتها مع جزءا من ابنائها ..ومع جيرانها ..مهمتها الخاصة في المنطقة حولتها الى معيق للامن والاستقرار والتنمية في المنطقة.
المفارقة ان مثيلا لهذه الدولة..سبق ان رفضها وحاصرها المجتمع الدولي.. حتى اسقط العنصرية عنها. الان ليس امام هذه الدولة ( الاستعمارية الصغيرة ) الاستثناية ، الا ان تتعلم من تاريخ الذين سبقوها ، وان تقرأ بشكل صحيح تطورات المنطقة المحتملة ، اذا ما استمر عدم التوازن في الحقوق والمصالح ..ان تقرأ خارطة القوى والمصالح والقدرات ، للمنطقة وفي المدى المنظور على الاغلب. وان تختار بين التعايش مع شعوب المنطقة ، كواحدة منها ، لايميزها الا مقدار ، انسجام مشاريعها مع ، مشاريع الامن والسلام والتنمية ، في المنطقة، ..او طريق العزلة والحرب ، والخوف من المستقبل، الذي جربته طيلة هذا السنين ، ولم ينفعها رغم ، فشل او تواطؤ اغلب النظم العربية وعجزها، عن تحقيق شروط تنمية حقيقية ، تحميها ارادة شعبية اوالتفاف حول نظام سياسي ديموقراطيا حقا.
هذه الدولة الديموقراطية الاولى في المنطقة، حسب هؤلاء الليبراليون ، والمحافظون ـ الليبراليون الجدد، ورغم كل ما فعلت واتفعل. لم تشفع الصداقة ، او طلب الرضا والصداقة ، ولا حتى الطاعة ، او حتى القبول بعلاقة التابع ـ ولكن المحترم ـ ،.... ولا صمت اغلبها ، عن سلب حقوق دول المنطقة او الاعتداء على اغلب دولها ، لم ولن ينجح كل ذلك ، في تغيير الاسس الستراتيجية التي يقوم عليها ، تحالف المستعمرين ، والراسماليين ، الهادف الى سرقة المنطقة والتحكم بمستقبلها .
لن يحمي شعوب المنطقة او ينقذها من الابتلاء مجددا بالحرب والاستعمار،وفرض سياسات الحصارعليها ، ولا حتى امتثالها للشروط او المطالب المطلوبة.. ولم يحميها حتى من جرائم مشابهة استعمارية ، وتجاوزات لاانسانية ، لا زالت مستمرة ومعاشة، الا تهج يقوم على اسس وطنية وتحررية، تقوم على التعاون والترابط مع مصالح كل الدول ، المعرضة لاعادة الاحتلال المباشر او الاقتصادي، ومصارحة الناس ، لا الكذب عليهم .






https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن