فلنجنب مدارسنا الخلافات الحزبية

صدقي موسى

2007 / 8 / 26


الطالب الفلسطيني يعيش واقعا دراميا لا تنتهي فصوله، شأنه في ذلك شأن فئات الشعب الفلسطيني الأخرى، ففي كل عام وفصل دراسي له حدث وذكرى.. إما اجتياح لقوات الاحتلال أو فرض لمنع تجول، أو استشهاد زميل، أو هدم مدرسته، أو إضراب للمعلمين.. وهذا العام يأتي وله نكهة خاصة بالشرخ الحاصل في القلوب قبل أن يحصل في الجغرافيا والمكان.
وفي واقع متناقض.. في الأمس القريب نشأ و ربا على أن العدو هو المحتل، وأن الفلسطيني للفلسطيني كالجسد الواحد، إذا اشتكى الضفيّ هب الغزي موجوعا باكيا، وإذا دنّس الأقصى هبت فلسطين ثائرة، تربى الطلبة على أن بأس الفلسطيني على عدوه شديد، وهو مع أبناء وطنه ناصح أمين، يقتسم معهم الرغيف، بل وحتى حبة القمح الواحدة.
أما الآن يكاد الطالب يمزق من قلبه ما تعلمه.. ويحضرني هنا موقف بين طلبة مدارس لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من أعمارهم، رفضوا أن يشاركهم اللعب طفل في جيلهم بحجة أنه من بني تغلب!! فرد عليهم التغلبي بأنه لا يشرّفه اللعب مع بني أوس.
وقفت مشدوها أمام هذا التصرف العشائري العنصري، لكنني رجعت وعذرتهم فكبار القبيلة فعلوا أشنع من ذلك، وكيف لا يتأثر مثلهم بأجواء الحقد التي يعيشون وسطها وتنتقل عداوة الخلافات إليهم؟
في هذه الأجواء، نقف أمام استحقاقين على المدرسين؛ أولهما مسؤولية جسيمة في تجنيب المدارس أي مظهر من مظاهر الخلافات الداخلية، وتربية الطلبة وتوجيههم نحو روح الوحدة والتآخي والمحبة، ومعالجة أي ظاهرة سلبية تظهر عندهم فورا وبطريقة تربوية سليمة، حتى لا ينشأ لدينا جيل مشبع بالحقد منشغل بلعبة الكبار.
ما يدعوني للتركيز على هذا الجانب هو كون الشعب الفلسطيني متعلما واعيا لما يدور حوله، يتنفس السياسة مع الهواء جراء ما يفرضه الواقع الذي يحياه، فنرى غالبية طلبة المدارس متحزبين لفصيل أو لآخر، وتنعكس مجريات الأحداث على المدرسة كما الشارع، فنرى احتفالات ومعارض وإذاعة مدرسية ومجلات حائط تتحدث بالسياسة، وهذا الأمر بطابعه العام ليس سلبيا؛ لما ينميه في الطلاب من صحوة مبكرة، ونمو فكري ووطني.. إلا أن السلبي في الأمر أن تكون سببا في نزاع بينهم ومشاحنات.
فالمطلوب هو تشجيع الأنشطة اللامنهجية بما يشمل ذلك من توعية وطنية لدى الطلبة، مع التنبه لأي سلوكيات غير سليمة، على أن لا يستغل ذلك لقمع الطلبة، ومناصرة طرف على آخر.
ثانيا: المدرس نفسه يكون في الغالب مسيسا أو صاحب توجه، فعليه أن يتجنب أثناء حصصه وداخل المدرسة أي "نعرات" حزبية، أو مساندة طالب ضد آخر، فهو القدوة والموجه لتلاميذه.
ولتكن مدارسنا وجامعاتنا ضوء آخر النفق، فيكفي ما وصلنا إليه من شرخ وضعف في عدة مجالات، ولم يتبق لنا إلا العلم شمعة الأمل التي يجب أن لا تطفئها ريح خلافاتنا الحزبية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن