الديمقراطية شرط ازدهار الثقافة الابداعية


رسميه محمد
2007 / 6 / 17 - 12:59     

في الحياة يتم التخلي عن الاشياء عندما يكتشف عدم جدواها في الاستعمال , أما لان الايام تجاوزتها وأحلت الجديد محلها , أو استبدلتها بمثيلتها , وقد لايحيل ا لتغيير الى ماهو جديد , بل المراوحة في المكان , ربما لان ظروف التغيير لم تنضج . ولاشك أن التغيير الحقيقي والاصيل يرتبط بجملة ظروف وعوامل من هذه العوامل , الحاجة الماسة لهذا التغيير في الساحة الاجتماعية , ومنها صدقية انتمائه الى الناس وقضاياهم الحياتية ومعاناتهم , ومنها نضوج الظروف المحلية والعالمية اذا كان لهذا ا لتغيير امتداداته وتأثيره في مساحات أوسع. هذه العوامل وغيرها تصنع المناخ الذي يبشر بصدقية العملية ا لتغييرية . وبا لتأسيس على هذه العوامل يتم الحديث عن الواقع ومايعانيه من أزمات ومساسها بكيانية المجتمع المتوجه نحو ا لتغيير. وبمقدار مايكون التوجه نحو أحد الخيارات دون غيره ويكون هذا التوجه قويا وحاسما لايترك لغيره كبير مجا ل , بمقدار مايكون معبرا عن صدقية هذا التغيير وتفاعله مع حركة ومتطلبات المجتمع, حقل التغيير(1). من هنا وعلى ضوء ماتقدم يمكن أن نقرأ التوجه نحو الديمقراطية والتجديد باعتباره الخيار التاريخي للحزب والشعب والبلاد.
شكلت موضوعة اشاعة الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية والتجديد على الصعيد الفكري والسياسي والتنظيمي هاجسا أساسيا في عمل الحزب الشيوعي منذ التحضير للمؤتمر الخامس. حيث نظر لها باعتبارها عملية ضرورية وحاجة موضوعية أصيلة, ولايمكن بالتالي حصر دوافعها ومبرراتها فقط بما أصاب التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية من انهيار, رغم مالهذا الانهيار من دور في تحفيز وتفعيل هذه العملية ومن تنشيط للتناول النقدي – العلمي لنشاطنا الفكري وممارساتنا العملية السابقة وتشخيص لنواقصنا واخطائنا ولسبل معالجتها. وعلى طريق تفعيل عملية الديمقراطية والتجديد أنجز الحزب الكثيرفي مؤتمراته وكونفرنساته منذ المؤتمر الخامس . فعلى الصعيد الفكري يعتقد الحزب أن الفكر هو انعكاس للواقع , ولكي يبقى الفكر معبرا حقيقيا عن الواقع لابد أن يعكس حركته وتطوره وهذا أساس تجديده(2). كما ينبذ الحزب الانغلاق الفكري ويرى عدم الاقتصار على ماكتبه ماركس وانجلس فقط . ويستلهم ويتبنى ويحفز كل ماهو تقدمي واصيل في مجال العلم والفن والادب والثقافة الوطنية بصورة عامة. واكدت الوثيقة البرنامجية للحزب على العناية بالثقافة وحفز نموها وتفتحها وانتشارها باعتبارها وسيلة للتنوير والارتقاء الروحي وشرطا لتطوير المجتمع وانسنته من جانب وكغاية في حد ذاتها من جانب ثان , ورعاية حملة الثقافة – مفكرين وفنانين وعلماء وكتابا ومبدعين أخرين ودعم نشاطهم الخلاق وتامين منطلبات نمائه وتعميق طابعه الديمقراطي واغناء جوهره الانساني. كما فضح الحزب التخريب المنظم الذي الحقه النظام الدكتاتوري بالثقافة والحياة الثقافية لشعبنا الهادف لتشويه وعي الانسان العراقي ومسخ شخصيته بموروثها الحضاري وتقاليدها السامية وتسامحها الفكري والمذهبي وتحويل العراقيين الى قطيع من الارقاء مغسولي الادمغة والمتعصبين الذين يسهل تسخيرهم لخدمة نظام الاستبداد وحمايته وادامته. وأعتبر ان قضية الثقافة وواجب حمايتها ودعمها في مواجهة العسف والتخريب المتواصلين من جانب النظام واجهزته , ليست مهمة المثقفين وحدهم. بل هي مهمة سائر قوى شعبنا الحية المكافحة للخلاص من الدكتاتورية , وبضمنها حزبنا , التي تعتبر الدفاع عن الثقافة دفاعا عن الشعب, وجزء لايتجزء من العملية النضالية لبناء العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد . العراق الجديد الذي لابد منه لاستعادة الثقافة عافيتها ودورها والمثقفين وشغيلة الابداع كرامتهم وحريتهم(3). فقد نظر الحزب الى قضية الديمقراطية وحرية الكتابة والابداع باعتبارها قضية واحدة لاتتجزء. أن العملية الابداعية لايمكن أن تتحقق بدون توفر مقوماتها الاساسية ولعل أبرزها المناخ الديمقراطي وحرية ممارسة النشاط النقدي والحوار والتواصل بين مختلف الفعاليات السياسية والثقافية . فالحرية الحقيقية لاتكمن فقط في القيام بالفعل السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي وانما تكمن أساسا في توفر فرصة الفعل , شروطه الذاتية والموضوعية وصولا الى امتلاك حق الفعل الانساني , لان غياب العقبات هو في أحسن الاحوال الوسيلة للحرية أو شرطا من شروطها ولكنه ليس الحرية في حد ذاتها ,باعتبارها القدرة على الاختيار بين الفرص المتكافئة في شروطها الموضوعية والذاتية للافعال الانسانية(4). أن الحريات لاتتجزء وكذا النضال للحصول على الحريات لايتجزء , فكما ليس من الممكن اطلاقا الحصول على حرية الكتابة والابداع دون الحصول على شروط هذه الحرية – كحرية العمل وحرية اختيار العمل وحرية الثقافة مع توفر القدرة على كسب الثقافة والحريات السياسية والنقابية وسائر الحريات الديمقراطية. كذلك ليس من الممكن بالمطلق أن يصل النضال من أجل حرية الكاتب الى تحقيق هذه الحرية مادام منفصلا عن نضا ل القوى الاخرى على طريق الحريات الديمقراطية متكاملة أي على طريق التطور الديمقراطي بمضمونه الشمولي – الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي.. كيف يمكن الفصل بين هذا وذاك, في حين لافصل في الواقع , لدى الانظمة التي تضطهد حرية الكاتب , بين هذا الشكل من الاضطهاد والاشكال الاخرى التي تشمل جماهير المواطنين في أفواههم وأجسادهم , وفي حقوقهم الاساسية التي أعلنها ميثاق الامم المتحدة وأكدها الاعلان العالمي لحقوق الانسان كتعبير عن تأييده لمطامح شعوب العالم وتتويج كفاحها التاريخي من أجل نيل هذه الحقوق.... القضية واحدة ,فالمعركة اذا واحدة..(5). وبقدر مايخص الحزب نفسه لم يعد العمل الفكري والبحث الابداعي حكرا على شخصيات معينة في الحزب بل أصبح مهمة مطروحة أمام جميع رفاق الحزب وأصدقائه ومنظماته, لقناعته بتوفر امكانيات وكفاءات فكرية غير مستثمرة وهي بحاجة الى التحفيز والتنظيم والى المبادرة لتوجيهها بما يرتقي بانتاجنا الفكري وبما يساعد على اضاءة الكثير من صفحات تاريخنا, وفحص وتدقيق حاضرنا , واستشراق المستقبل.
لقد قيم المؤتمر السادس للحزب حصيلة عملية الديمقراطية والتجديد حيث أشار التقرير السياسي الى ( ان حصيلة تجربتنا منذ المؤتمر الخامس حتى الان , تؤكد أن عملية التجديد وترسيخ الديمقراطية هي عملية عسيرة ومعقدة , بسبب بعض المفاهيم المشوهة , وقوة العادة وماتركته التقاليد والممارسات السابقة من أثار يصعب تجاوزها بسهولة وبفترة زمنية قصيرة هذا الى جانب التأثير السلبي للظروف الموضوعية في بلادنا , وعموم الاجواء المحيطة بعمل الحزب والمتمثلة بنظام الارهاب ومستوى التطور الحضاري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وجرى التأكيد في المؤتمر السابع أن أحد شروط نجاح عملية الديمقراطية والتجديد وضمان تواصلها هو التخلي عن الانانية , والمزاجية وضيق الصدر والعمل من أجل تطابق الاقوا ل مع الافعال واحترام حقوق الاخرين واعتباراتهم). وفي كل الاحوال فأن تشخيص الصعوبات والعمل على تجاوزها هو عملية طبيعية في اطار الصراع الحزبي السليم- حيث تترافق ولادة الجديد حتميا مع المقاومة العنيدة للقديم الذي لايدافع عن مواقعه فحسب , وانما يستمر أيضا في الهجوم في المجالات التي يجري الاحساس فيها بعجز التفكير الجديد. فقد برهنت التجربة العملية للحزب منذ المؤتمر الخامس لحد الان أن التيار الاخطر هو التيار الذي يتوقف النضال ضده.... ان قاعدة الجديد غير الواسعة على نحو كاف في الحياة الاجتماعية ومستوى الوعي , ونقص التجربة في الكفاح من أجل المبادئ الجديدة , وتعدد المشكلات المتراكمة غير المحلولة , بما في ذلك مشكلات ميدان الثقافة , وقدرة القديم العالية على استخدام أساليب التكيف والتنكر البيئي الاجتماعي والثقافي ,( في أحيان غير قليلة يتظاهر بالجديد , أو بشيئ ما أكثر جذرية حتى من الجديد), بحيث يتطلب أمر تحديدها الاستحواذ على وسائل تحليلية يعتبر الكثير منها ليس في متناول العلوم الاجتماعية, أن هذا كله يجعل حتميا , الصراع بين العناصر القديمة والجديدة في الثقافة أكثر حدة في المراحل الحاسمة من التطور التاريخي –الثقافي. وفي هذه المرحلة يعتبر ذا أهمية أساسية التمييز الواضح المعالم في العملية الثقافية الراهنة, وفي كل تجسيد ملموس للثقافة بين ذلك الذي أصبح شيئا من الماضي وذلك الذي ينتمي الى المستقبل(6). وتبين الخبرة التاريخية أن المخرج من الصراع يكمن في تطوير وتعميق مجال الابداع الثقافي . ان بديلا حقيقيا للتفكير القديم ,ورمزا حيا للجديد في ثقافتنا الروحية هو عنصر البحث الابداعي الذي يفترض الانفتاح وتطوير النشاط والحافز التلقائي و تعددية الحلول, واخيرا الحوار بين المذاهب الذاتية الانسانية النامية بشكل حر(7). وخلال عملية الصراع من اجل ترسيخ عملية الديمقراطية والتجديد, بدأنا نتلمس مفهومين مختلفين ينفي أحدهما الاخر في الموقف من الابداع الثقافي . ويعتمد أحد هذين المفهومين على هيمنة المعرفة المنمطة, حيث يعتبر أن التنظيمات السياسية أي الاحزاب هي المعنية بخلق وعي المثقفين وليس العكس, وهذا المفهوم يقصي جوهريا العنصر الابداعي لاي نشاط. أما المفهوم الاخر فينطلق على نقيض ذلك من الحاجة الى التطوير الاكمل للمخيلة الابداعية باعتباره الدافع والمحفز الرئيسي للتقدم الاجتماعي. حيث يعتبر ان وعي المثقفين كوعي ذاتي نقدي هو المفترض أن يخلق وعي هذه التنظيما ت السياسية وليس العكس. وهذا أمر مشروط ومرتبط بقيام علاقة سليمة بين المدني والسياسي, في المجتمع. وبهذا المعنى يقول غرامشي( أن الطبقات وقائع تاريخية والاحزاب السياسية رموزها . والوعي الذاتي الناقد يعني تاريخيا وسياسيا ,خلق نخبة من المثقفين, فالكتلة البشرية لن تتميز , ولن تصبح مستقلة بفعل ذاتها من دون تنظيم (بالمعنى الشامل), وليس هناك تنظيم بلا مثقفين(8). المفهوم الاول موجه الى الماضي ,أما الثاني فمنفتح على المستقبل , ويهدف الى البحث عن اشكال واحكام وادوات جديدة لسحق قوالب الحياة القديمة وبناء اشكا ل جديدة للعلاقات بين الناس اكثر انسانية وجمالا. لقد رسم الفيلسوف السوفيتي البارز الينكوف وبسخرية مدمرة صورة لحامل التفكير القديم—شكلي, بيرقراطي, ووصي مغفل لارادة المراتب العليا من السلطة, وهو ممتثل للاعراف, وانتهازي, وفي التحليل الاخير السلبية وانعدام المبادئ)- كل هذه السمات التي تميز الناقل الارادوي للركود, اما حامل التفكير الجديد , فهو فرد متطور جماليا. ان استهلاكه لثمار الفن يطور قوة الخيال الابداعي الفعلية التي تمكن الانسان ليس فقط من النظر الى العالم المحيط , وانما رؤيته بعيون الكائن الانساني المتطور على نحو رفيع.(9)¨¨ أن حسم الصراع لصالح التفكير الجديد وانتصاره على أرض الواقع يصبح ممكنا فقط في الفترة التاريخية التي يصبح فيها ا لفرد , المتمتع بروح المبادرة الرفيعة والابداع ,فاعلا حقيقيا في التاريخ الاجتماعي والثقافي.

الهوامش
حسن ابراهيم احمد-النهج/عدد62ص96
ث ج عدد 292 ملف خاص ص13
وثائق المؤتمر السادس والسابع
الطريق اللبنانية/عدد3 ص69
حسين مروه-دراسات في الادب-ص259
مجموعة من المؤلفين السوفيت- الثقافة الروحية ص68
مصدر سابق ص77
8- الطريق اللبنانية عدد 3 ص79
9- اي ف. الينكوف- الفن والمثال الشيوعي-ص223

17/6/2007