يوجد بديل !
حسن مدن
2007 / 6 / 3 - 11:58
بعد نحو عقد ونصف العقد من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي، فإن أفكار العدالة الاجتماعية والبحث عن خيار آخر للعالم تعود لتطرح نفسها بقوة، حتى تلك القطاعات من الناس التي صدقت أن الخيار الاشتراكي أصبح من الماضي ولن تقوم له قائمة بعد اليوم، وانطلى عليها وهم أن العولمة ستعمم الديمقراطية والرفاه في العالم بدأت تدرك وبالمعاينة الميدانية زيف ذلك، فأكذوبة مثل إقامة الديمقراطية على أنقاض الدكتاتورية في العراق بالغزو المباشر كشفت بطلان ذلك لا في العراق وحده وإنما في مختلف مناطق العالم، فالديمقراطية كأي شي آخر لا يمكن أن تأتي على دبابات الغزو والاحتلال. وفي أمريكا اللاتينية والوسطى التي طالما نظرت إليها الولايات المتحدة بصفتها حديقة خلفية لها، شهدت العديد من دولها تحولاً واضحاً باتجاه الخيارات اليسارية والمعادية لنهج العولمة المتوحشة وللسياسة الأمريكية بشكل خاص.
إن خطاب النزعة الاقتصادية صار هو السائد في عالمنا المعاصر، بل إن سيادته شبيهة بسيادة خطاب الأصوليات، وإذا كنا نعرف من دروس التاريخ أن الأصوليات تتسبب في كوارث، ألا يحق لنا أن نتساءل عما إذا كانت الأصولية الاقتصادية أسوأها؟
هذا إذا جرى الحديث على مستوى المجتمعات، كل مجتمع على حدة، أما إذا دار الحديث عن المستوى الكوني، فلنا أن نرى في الحروب التي تعمل شركات ومافيا السلاح على إشعال فتيلها مظهرا من مظاهر هذه الأصولية الاقتصادية التي لا تتورع على الدفع بعشرات ومئات آلاف وحتى ملايين البشر إلى الموت، طالما كان استمرار الحروب يؤمن عائدا دائما متناميا من الاتجار بالأسلحة، وعلى المرء ألا يفتش في الدوافع الاقتصادية أو الاجتماعية للحروب، وإنما يفتش أيضا عن شركات ومافيا السلاح الدولية التي لها مصلحة في تسعير هذه الحروب وإدامتها، لتظل سوق السلاح منتعشة. صحيح أن خيار الغزو واحتلال البلدان الأخرى ليس هو الأسلوب الوحيد الذي اتبعته الولايات المتحدة وحلفاؤها في إخضاع العالم، بل الصحيح انه استخدم حتى الآن على سبيل الاستثناء، فآليات العولمة الاقتصادية والثقافية وغيرها تؤمن سبلاً فعالة لتحقيق الأهداف التي يمكن للقوة العسكرية المباشرة أن تؤديها من خلال إضعاف الدول وتفكيكها، لتحقيق انسيابية أكبر في تدفق رؤوس الأموال والسلع التي تبحث لها عن أسواق وفرص جديدة للاستثمار والتصريف لا تحيط بها أسوار الحماية، ولا تتدخل الدولة فترهقها بالضرائب العالية، وعن عمالة رخيصة غير محمية بفرض حد أدنى لأجورها، أو بوضع الشروط القاسية لفصل العمال. ولكن يظل باعثاً على الاهتمام أن الغرب لم يعد يجد غضاضة في اللجوء إلى الأساليب التقليدية بما فيها الغزو والاحتلال.
إن بدا أن ذلك يعني في الظاهر إخضاع العالم، فإنه في الجوهر يستنهض قوى عديدة على مدار الكوكب لن ترضى بأن يقاد العالم نحو هذا الخيار المدمر للبشرية وللبيئة، نتيجة استشراء نفوذ ما بات يدعى »الليبرالية الجديدة« التي تستعير من الرأسمالية، أدواتها القديمة القائمة على تسييد مبدأ الربحية كحاكم أوحد، وتعيد النظر في الضمانات الاجتماعية والمكتسبات التي نالتها الفئات الكادحة في صراعها المديد مع أصحاب رؤوس الأموال، وتطال إعادة النظر هذه حقولاً مهمة كالتعليم والصحة والإعانات المعيشية والاجتماعية والخدمات الثقافية والترفيهية وإلغاء الدعم على الأسعار وتجميد الأجور وتحرير التجارة الخارجية وبيع القطاع العام.