حقوق الانسان من وجهة نظر ماركس مقتطف من كتاب ماركس -المسألة اليهودية-


خالد المهدي
2007 / 4 / 19 - 12:05     

تقديــــــــــــــــــــــــــــم:
بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني الثامن للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ارتأينا أن ننشر هذا المقتطف من كتاب كارل ماركس، الذي يتناول فيه ما يسمى بــــ"حقوق الإنسان"، تاريخها، ومضمونها الطبقي حتى نذكر بعض من يعتبرون أنفسهم ماركسيين بما قاله ماركس نفسه حول حقوق الإنسان.

مقتطف من كتاب ماركس "المسألة اليهودية"

» لم تكتشف فكرة حقوق الإنسان في العالم المسيحي إلا في القرن الماضي. لا يملكها الإنسان بالولادة، بل إنها تنتزع في الكفاح ضد التقاليد التاريخية التي نشأ عليها الإنسان حتى الآن. وهكذا فحقوق الإنسان ليسا منحة من الطبيعة، وليست صداق التاريخ المنصرم وإنما هي ثمن كفاح ضد صدفة الميلاد وضد الامتيازات التي أورثها التاريخ من جيل إلى جيل حتى الآن. وهي نتيجة للتعليم ولا يستطيع أن يملكها إلا من اكتسبها و استحقها. »
« هل يستطيع اليهودي إذن أن يمتلكها فعلا ؟ إنه ما دام يهوديا فإن الجوهر المحدود الذي يجعل منه يهوديا ينتصر حتما على الجوهر الإنساني الذي يفترض فيه أن يربطه كإِنسان بالبشر الآخرين، ويفصله عن غير اليهود. إنه يعلن من خلال هذا التمايز أن الطبيعة المتميزة التي تجعل منه يهوديا هي جوهره الحقيقي الأعلى الذي ينبغي أن يتراجع أمامه جوهر الإنسان«
»و بنفس الطريقة لا يستطيع المسيحي أن يكفل حقوق الإنسان كمسيحي). «ص 19-20 (
على الإنسان، كما يرى باور، أن يضحي بـ "امتياز العقيدة" ليستطيع تلقي حقوق الإنسان العامة. فلنتأمل لحظة ما يسمى بحقوق الإنسان في شكلها لدى مكتشفيه الأميركيين الشماليين والفرنسيين. هذه الحقوق هي حقوق سياسية في جزء منه، حقوق لا يمكن ممارستها إلا ضمن الجماعة. فالمشاركة في الجماعة تشكل محتواها، وبالذات في الجماعة السياسية، في الدولة. فهي تندرج تحت مصطلح الحرية السياسية، تحت مصطلح الحقوق المدنية التي لا تشترط بأي حال من الأحوال إلغاء الدين الايجابي والخالي من التناقضات كما رأينا، كذلك أيضا الدين اليهودي. يبقى علينا تأمل القسم الآخر من حقوق الإنسان بالقدر الذي تختلف فيه عن حقوق المواطنة.
تدخل في إطارها حرية الضمير، حق ممارسة العبادة التي يريدها المرء. و يعترف بامتياز العقيدة بصورة مؤكدة إما كحق من حقوق الإنسان أو كتبعة لحق من حقوق الإنسان هو الحرية.
« لا ينبغي أن يضايق أي إنسان بسبب قناعاته، بما فيها الدينية. » (إعلان حقوق الإنسان 1791، المادة العاشرة)
و قد كفل دستور عام 1791 في الباب الأول:
» حرية كل فرد في ممارسة العبادة التي ينتسب إليها، كحق من حقوق الإنسان«.
و يورد إعلان حقوق الإنسان لعام 1793، المادة السابعة، "حرية ممارسة العبادات." وجاء في سياق حق الإنسان في نشر أفكاره وآرائه وعقد الاجتماعات وممارسة العبادة « إن ضرورة إعلان هذه الحقوق تفترض وجود الاستبداد أو ذكراه القريبة. » قارن دستور عام 1795، الباب الثاني عشر، المادة 354. دستور بنسلفانيا، المادة التاسعة، الفقرة الثالثة:
« لقد تلقى جميع الناس الحق الحتمي من الطبيعة في الصلاة لله القدير متبعين وحي ضميرهم، و لا يمكن أن يرغم أحد بحكم القانون أن يقر بأي عبادة أو إله، أو يمارسها أو يساندها خلافا لرغبته. ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن تتدخل أي سلطة بشرية في قضايا الضمير وتسيطر على قوى الروح. »
دستور نيوهامبشاير، المادة التاسعة، الفقرة الثالثة:
يوجد في الحقوق الطبيعية بعضٌ لا يمكن التخلي عنه بحكم طبيعته، لأنه لا يمكن تعويضه بما يعادل قيمته. وضمن هذا البعض تندرج حقوق الضمير. (بومون، ص 213-214).
لا تكاد استحالة التوفيق بين الدين وحقوق الإنسان تكمن في مصطلح حقوق الإنسان، بل أن حق المرء في أن يكون متدين، متدينا بالطريقة التي يريدها، وأن يمارس عبادات ديانته الخاصة، عد بوضوح ضمن حقوق الإنسان. إن امتياز العقيدة هو حق عام من حقوق الإنسان.
لقد جرى التمييز بين حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، فمن هو الإنسان المتميز عن المواطن ؟ لا أحد سوى عضو المجتمع البورجوازي. ولماذا يصبح عضو المجتمع البورجوازي هذا إنسانا، مجرد إنسان، ولماذا تسمى حقوقه حقوق الإنسان ؟ بم نفسرهذا الواقع ؟ من خلال علاقة الدولة السياسية بالمجتمع البورجوازي، من خلال جوهر التحرر السياسي.
نثبت قبل كل شيء أن ما يسمى بحقوق الإنسان، وهي خلاف حقوق المواطن، ليست سوى حقوق أعضاء المجتمع البورجوازي، هذا يعني الإنسان الأناني، الإنسان المنفصل عن الناس وعن المجموع. ينبغي على الدستور الأكثر جذرية، دستور 1793 أن يقول: « إعلان حقوق الإنسان وحقوق المواطن. » المادة الثانية: « هذه الحقوق (الحقوق الطبيعية والحتمية) هي: المساواة، الحرية، الأمن، الملكية. » فيم تتمثل الحرية ؟
المادة 6 « الحرية هي حق الإنسان في أن يفعل كل شيء لا يضر بحقوق الآخرين » أو حسب "إعلان حقوق الإنسان لعام 1791":« تتمثل الحرية في الحق في فعل كل ما لا يضر الآخرين. »
الحرية هي إذن الحق في فعل كل شيء لا يضر بالآخرين. أما الحدود التي يستطيع كل فرد أن يتحرك فيها دون أن يضر بالآخرين فيحددها القانون كما يرسم وتد السور الحدود بين حقلين يتعلق الأمر بحرية الإنسان كوحدة معزولة منطوية على ذاتها. لماذا لا يستطيع اليهودي، حسب رأى باور، تلقي حقوق الإنسان ؟
« ما دام يهوديا يكون على الجوهر المحدود الذي يجعل منه يهوديا أن ينتصر على الكيان البشري، وهو ما يفترض أنه يربطه كإِنسان بالبشر، و يفصله عن غير اليهود. »
و لكن حق الإنسان في الحرية لا يستند إلى ارتباط الإنسان بالإنسان بل بالأحرى إلى انفصال الإنسان عن الإنسان. إنه حق هذا الانفصال، حق المحدودية، محدودية الفرد بذاته.
إن الاستخدام العملي لحق الإنسان في الحرية هو حق الإنسان في الملكية الخاصة.
أين يقوم حق الإنسان في الملكية الخاصة ؟
المادة 16 (دستور 1793): « حق الملكية هو حق كل مواطن أن يتمتع كما يريد بممتلكاته، ومدخولاته وبثمار عمله واجتهاده و يتصرف بها. »
و إذن فحق الإنسان في الملكية الخاصة هو حقه في أن يستمتع ويتصرف بثروته كما يريد، دون مراعاة الناس الآخرين، وبصورة مستقلة عن المجتمع، حق المنفعة الذاتية. تلك الحرية الفردية، و هذا الاستخدام لها، يشكلان أساس المجتمع البورجوازي. إنها تترك لكل إنسان أن يجد في الإنسان الآخر حدود حريته وليس تحقيقها. إنها تعلن قبل كل شيء حق الإنسان في « أن يتمتع كما يريد بممتلكاته، ومدخولاته و بثمار عمله واجتهاده ويتصرف بها. »
تبقى حقوق الإنسان الأخرى، المساواة والأمن.
المساواة هنا هي بمعناها غير السياسي ليست سوى المساواة في الحرية التي سبق وصفها، ألا وهي: أن ينظر إلى كل إنسان بصورة متساوية كوحدة قائمة بذاتها. يحدد دستور 1795 مصطلح هذه المساواة بما يناسب معناها في:
المادة 3 (دستور 1795) تتمثل المساواة في أن ينطبق نفس القانون على الجميع، سواء حين يحمي أو يعاقب.
و الأمن ؟
المادة 8 (دستور 1793): « يتمثل الأمن في الحماية التي يكفلها المجتمع لكل عضو من أعضائه لحفظ شخصه وحقوقه وملكيته. »
الأمن هو أعلى مفهوم للمجتمع البورجوازي، مفهوم الشرطة، أن المجتمع بأكله موجود فقط ليكفل لكل من أعضائه المحافظة على شخصه وحقوقه و ملكيته. يسمي هيغل المجتمع البورجوازي بهذا المعنى: "دولة الحاجة والعقل."
لا يرتقي المجتمع البورجوازي من خلال مفهوم الأمن فوق أنانيته. فالأمن هو بالأحرى ضمان أنانيته.
و إذن فلا يتجاوز أيٌ مما يسمى حقوق الإنسان الإنسان الأناني، فالإنسان كعضو في المجتمع البورجوازي، منطو على نفسه وعلى مصالحه الخاصة و رغباته الخاصة، وفرد منفصل عن المجموع. ما أبعد أن يكون الإنسان قد اعتبر فيها كائنا نوعيا بل تبدو حياة النوع نفسها، المجتمع، كإطار خارجي للأفراد وتقييد لاستقلالهم الأصلي. والرابطة الوحيدة التي تمسك بها هي الضرورة الطبيعية، الحاجة والمصلحة الخاصة، أي حفظ ملكيتهم و شخصهم الأناني.
إنه لمن الملغز أن شعبا قد بدأ توا بتحرير نفسه وهدم جميع الحواجز بين أعضاء الشعب المختلفين وتأسيس جماعة سياسية، أن مثل هذا الشعب يعلن محتفلا، مشروعيةَ الإنسان الأناني المفصول عن الناس وعن المجموعة. (إعلان 1791) بل ويعيد هذا الإعلان في لحظة لا يستطيع أن ينقذ الأمة فيها إلا العطاء البطولي، ومن هنا يكون مطلوبا بالضرورة في لحظة يتوجب فيها أن تصبح التضحية بجميع مصالح المجتمع البورجوازي أمرا معمولا به و يعاقب فيها على الأنانية كجريمة (إعلان حقوق الإنسان 1793) وتصبح هذه الواقعة أكثر إبهاما حين نرى أن المواطنة، أن المجموعة السياسية تنحدر من التحرر السياسي وتصبح مجرد وسيلة للمحافظة على ما يسمى بحقوق الإنسان هذه، أي أن المواطن يصبح خادما للإنسان الأناني، وأن المجال الذي يسلك فيه الإنسان ككائن اجتماعي يتدنى تحت المجال الذي يسلك فيه كجزء، وأخيرا يصبح الإنسان الحقيقي في الواقع ليس الإنسان كمواطن ولكن الإنسان كبرجوازي.
هدف جميع الاتحادات السياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية و الحتمية. (إعلان الحقوق، 1791، المادة الثانية)
« تعين الحكومة لتكفل للإنسان التمتع بحقوقه الطبيعية والحتمية. » (إعلان 1973، المادة الأولى)
و هكذا تعلن الحياة السياسية، حتى في لحظات حماسها الفتي الذيِ دفعه ضغط الأوضاع إلى الذروة، أنها مجرد وسيلة هدفها حياة المجتمع البورجوازي. حقا يتناقض عملها الثوري تناقضا واضحا مع نظريتها. فبينما يعلن الأمن كحق من حقوق الإنسان على سبيل المثال، فإن سرية المراسلة تخرق علنا كل يوم، وبينما تكون « الحرية غير المحدودة للصحافة » مضمونة (دستور 1793،المادة 122) كنتيجة لحق الإنسان في الحرية الفردية، يُقضى على حرية الصحافة قضاء تاما، إذ أنه لا يجوز استخدام حرية الصحافة إذا كانت تمس الحرية العامة (روبيسبير الشاب "تاريخ برلمان الثورة الفرنسية" بقلم روشيز ورو، الجزء 28، ص 109) وهكذا فهذا يعني أن حق الإنسان في الحرية ينتفي حالما يدخل في نزاع مع الحياة السياسية، بينما الحياة السياسية طبقا للنظرية هي الضمان لحقوق الإنسان وحسب، أي حقوق الإنسان الفرد، يجب أن يُتخلى عنها حالما تتناقض مع غايته التي هي حقوق الإنسان. غير أن التطبيق هو الاستثناء وحسب، والنظرية هي القاعدة. ولكن إذا أراد المرء أن يعتبر التطبيق الثوري هو الوضع الصحيح فإِنه يبقى علينا حل اللغز: لماذا تقلب الأوضاع رأسا على عقب في وعي المحرريِن السياسيين فتبدو الغاية وسيلة والوسيلة غاية. لا يزال خداع وعيهم البصري هذا نفس اللغز مع أنه لغز نفسي ونظري.
إن حل هذا اللغز بسيط.
التحرر السياسي هو في نفس الوقت انحلال المجتمع القديم الذي يستند إليه كيان الدولة الغريب عن الشعب، سلطة الحكام. الثورة السياسية هي ثورة المجتمع البورجوازي. ماذا كان طابع المجتمع القديم ؟ كلمة واحدة ترسم ملامحه: الإقطاع. كان للمجتمع البورجوازي القديم طابع سياسي مباشر، هذا يعني أن عناصر الحياة البورجوازية كالملكية والعائلة أو أسلوب العمل ارتقت في شكل الإمارة، المكانة الاجتماعية والنقابة وأصبحت عناصر حياة الدولة. وتقررت علاقة الفرد بالدولة ككل على هذه الصورة، هذا يعني علاقته السياسية، بمعنى علاقته وانفصاله عن مكونات المجتمع الأخرى. فذلك التنظيم لحياة الشعب لم يرفع الملكية أو العمل إلى مستوى العناصر الاجتماعية، بل أنه أتم انفصالها عن الدولة ككل وأنشأ منها مجتمعات خاصة داخل المجتمع. وهكذا بقيت وظائف حياة وظروف المجتمع البورجوازي سياسية، و إن كانت سياسية بما يلائم الإقطاع، هذا يعني أنها فصلت الفرد عن الدولة ككل وحولت العلاقة الخاصة لنقابته بالدولة ككل إلى علاقته الشخصية العامة بحياة الشعب، كما حولت عمله ووضعه البورجوازي المحددين إلى عمل ووضع عام. وكنتيجة لهذا التنظيم تبدو وحدة الدولة كذلك بالضرورة، كما يبدو الوعي والإرادة وعمل وحدة الدولة وسلطة الدولة العامة، كشأن خاص لحاكم معزول عن الشعب ولخدمه.
إن الثورة السياسية التي أسقطت هذه السلطة وجعلت شؤون الدولة شؤون الشعب، والتي أقامت الدولة السياسية كشأن عام، أي كدولة حقيقية، حطت بالضرورة جميع الطبقات والطوائف المهنية والنقابات و الامتيازات وكذلك التعبيرات الكثيرة عن الفصل بين الشعب وكيانه العام. ألغت الثورة السياسية بذلك الطابع السياسي للمجتمع البورجوازي. لقد فتت المجتمع البورجوازي إلى مكوناته البسيطة،إلى الأفراد من ناحية، والعناصر المادية والروحية التي تشكل معنى الحياة والوضع البورجوازي لهؤلاء الأفراد من ناحية أخرى. إنها تعتق العقل السياسي الذي تجزأ وتفكك واندلق في الطرق المغلقة المختلفة للمجتمع الإقطاعي بصورة واحدة، لقد جمعته من هذا الشتات وحررته من اختلاطه بالحياة البورجوازية وشكلته كبيئة للكيان العام، للشعبي العام في استقلال مثالي عن تلك العناصر الخاصة للحياة البورجوازية. انخفضت مكانة المهنة المحددة والوضع الحياتي المحدد ولم يعد لهما سوى معنى فردي. لم يعودا يشكلان العلاقة العامة للفرد بالدولة ككل. بل أصبح الشأن العام بحد ذاته شأنا عاما لكل فرد و أصبحت الوظيفة السياسية وظيفته العامهَ.
كان اكتمال مثالية الدولة وحده اكتمال مادية المجتمع البورجوازي في نفس الوقت. وكان التخلص من النير السياسي تخلصا من الأغلال التي قيدت العقل الأناني للمجتمع البورجوازي في نفس الوقت. كان التحرر السياسي هو تحرر البورجوازي من السياسة في الوقت ذاته، وحتى من مظهر كونه محتوى عاما.
كان المجتمع الإقطاعي قد انحل في أساسه في الإنسان، ولكن في الإنسان الذي هو أساسه حقا، في الإنسان الأناني.
هذا الإنسان، عضو المجتمع البورجوازي هو الآن أساس وشرط الدولة السياسية. وقد اعترف به بهذه الصفة في حقوق الإنسان.
لكن حرية الإنسان الأناني والاعتراف بهذه الحرية هي بالأحرى الاعتراف بالحركة غير المقيدة للعناصر العقلية والمادية التي تشكل محتواها.
و من هنا فإِن الإنسان لم يحرر من الدين وإنما حصل على الحرية الدينية. لم يحرر من الملكية وإنما حصل على حرية الملكية، لم يحرر من أنانية المهنة وإنا حصل على حرية المهنة.
بعمل واحد تمت إقامة الدولة السياسية وحل المجتمع البورجوازي في أفراد مستقلين عن بعضهم – يحدد القانون علاقتهم، كما كانت الامتيازات تحدد علاقات الطوائف المهنية و النقابات –. فالإنسان كعضو في المجتمع البرجوازي، الإنسان غير السياسي، يظهر بالضرورة بمثابة الإنسان الطبيعي. وتبدو حقوق الإنسان حقوقا طبيعية، حيث أن النشاط الواعي يتركز في الفعل السياسي. الإنسان الأناني هو النتيجة السلبية القائمة للمجتمع المنحل، موضوع اليقين المباشر، أي أنه شيء طبيعي. تفتت الثورة السياسية الحياة البورجوازية إلى مكوناتها دون أن تدخل الثورة إلى هذه المكونات أو تتناولها بالنقد. إنها ترى المجتمع البورجوازي وعالم الحاجات والعمل والمصالح الخاصة والحقوق الخاصة كأساسها لوجودها، كشرط لا يحتاج إلى البرهان، أي كأساسها الطبيعي. أخيرا يعتبر الإنسان، كعضو في المجتمع البورجوازي، الإنسانَ الحقيقي الذي يختلف عن المواطن لأنه الإنسان في وجوده الفردي المحسوس المباشر، بينما الإنسان السياسي هو الإنسان المجرد المصطنع فقط، الإنسان كشخص معنوي أخلاقي. ولا يتعرف على الإنسان الحقيقي إلا في هيئة الفرد الأناني، في هيئة المواطن المجرد.
يصور روسو تجريد الإنسان السياسي تصويرا صحيحا إذ يقول:
من كان يملك الشجاعة لإعطاء شعب النظام القانوني، يجب أن يشعر أنه قادر على أن يغير الطبيعة البشرية، أن يحول كل فرد يشكل بحد ذاته كلا كاملا، إلى جزء من كل أكبر يستمد منه هذا الفرد بطريقة معينة حياته ووجوده، و إحلال وجود جزئي معنوي محل الوجود الفيزيائي المستقل. عليه أن يسلب الإنسان قوته الشخصية ليعطيه بدلا منها قوة غريبة لا يستطيع أن يستخدمها إلا بمساعدة الآخرين (العقد الاجتماعي، الكتاب الثاني، 1782، ص 67)
إن كل تحرر هو إعادة العالم البشري والعلاقات إلى الإنسان ذاته.
التحرر السياسي هو تقليص الإنسان إلى عضو في المجتمع البورجوازي، أي إلى الفرد الأناني المستقل من جهة، وإلى المواطن المعنوي من جهة أخرى.
حين يستعيد الإنسانُ، الفردُ الحقيقي المواطنَ المجردَ إلى ذاته ويكون قد أصبح كإِنسان فرد في حياته التجريبية، في عمله الفردي وعلاقاته الفردية كائنا نوعيا وحسب، حين يكون الإنسان قد تعرف على قواه الخاصة كقوى اجتماعية ونظمها، فلا تنفصل القوة الاجتماعية في هيئة قوة سياسية، عندها فقط يكون التحرر الإنساني قد تحقق.