ما بعد الحداثة؛ انحطاط الروح البورجوازية


نايف سلوم
2007 / 4 / 10 - 11:44     

ما بعد الحداثة - انحطاط الروح البورجوازية

"سقراط هذا الذي لا يكتب"
[ نيتشه]
نايف سلوم

عند سقراط تتلاقى الخيوط ؛ سقراط من حلّ اللغز الذائع الصيت، و كان أشدّ الرجال اقتداراً. لقد ألقى بتعاليمه الشِفاهية anecdotal لكنه لم يكتب ؛ بقول آخر، لقد ألقى بتعاليمه الشفاهية لكنه لم يقرأ! حيث قيل له اقرأ، قال: ما أنا بقارئ! قيل له مرة ثالثة اقرأ ، قال: ماذا أقرأ! "وقرأت الرياح : هبّت لوقتها" . سقراط لم يكتب حتى لا يتحمل وزر إفشاء السر؛ لعنة إفشاء السر. واللعنة: الإعدام؛ "فجاء الملك فقال: اقرأ، قال [محمد] : فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني (من الغطّ وهو العصر الشديد) حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : (اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق، حتى بلغ (علّم الإنسان ما لم يعلم) فرجع بها ترتجف بوادره حتى دخل على خديجة"
عندما جاءه أمر التاريخ بالإعلان عن الدين الجديد ؛ أمر جبريل النبي محمد أن يقرأ ، فتذكر محمد مصير الرسول عيسى المسيح، فقال: ما أنا بقارئ ، قال جبريل: لقد جاء وقت إعلان الكلمة؛ " يا أيها المدّثر ، قم فأنذر.."
قال اقرأ، قال ماذا أقرأ، قال: اقرأ باسم ربّك ..
الاسم يفشي سرّ الكلمة الجديدة، وسر الطبيعة ؛ سرّ الألوهة، سر الموجود وسر الوجود . قال هو سرّ ربك؛ أي هو طريق المعرفة التي هي الربوبية لمعرفة الغايات الكلية؛ غاية البشر ومعنى وجودهم. إنه حركة العلم المغتني بالمحتوى التاريخي ؛ تاريخ البشر وتاريخ الطبيعة التي هي علومها. "و رَبّ : جمع، وزاد، ولزم، وأقام ، كأَرَبّ .. وربَّ الشيء: مَلَِكه.. والربيب: المربوب والمعاهِد ، والملِك ..وابن امرأة الرجل من غيره.. الربّ باللام لا يطلق لغير الله.."
وجبريل من الجَبْر: خلاف الكسر ، والمَلِك والعبد ضِدّ .. وحبرائيل: أي عبد الله فيه لغات: كجبْراعيل، وحِزْقيل، و وجبْرَعِل، وسَمْويل، وجَبْراعِل وجبراعيل، وجَبْراعِلّ، وخَزْعال، وطِرْبال، وجَبْرينُ بالنون ويكسر .. واجتبره؛ فانجبر: أحسن إليه وأغناه بعد فقر" ومنه جابر بن حيان؛ أي جابر العلم . جاء في القران: "قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله" ... "ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلا فأغنى " . " وأنه هو أغنى وأقنى"
ما أنا بقارئ: أي أنك لا تقرأه بحولك ، ولا بصفة نفسك .. ولكن اقرأ مفتتحاً باسم ربك" . هذا الحول والقوة ليست للنفس بذاتها ، بل هي للروح الراكب على النفس المنزّل فيها والخارج من فم النبي على صورتها؛ صورة النفس الفردية لمحمد. أي أن الروح والذي هو نفس الأمر [بلغة حديثة: روح العصر] تُزيل النفس الفردية وتظهر على شاكلتها، وهذه الإزالة هي ما يُظهر سِرُّ كل أيديولوجيا ينطق بها فرد ؛ ويظهر سر الكلمة التي أدت إلى إعدام عيسى المسيح، وإلى سرّ الكلمة التي ساقت سقراط إلى إعدامه من قبل . ننقل عن زكي نجيب محمود قول جابر بن حيان في هذا المقام:" "النفس لا تكون عالمة أولاً بالضرورة" أي أنها محال عليها أن تولد مزودة بالعلم كاملاً ، لكنها مستعدة للتقبل بطبيعتها ، فهي"قادرة فاعلة جاهلة" أول الأمر، ثم تُراض بعد ذلك بفضل قدرتها وفاعليتها ، فيتحول الجهل علماً" والكلمة صوت ومعنى. والكلمة كلمتان: واحدة طيبة تنطق بلسان الحق ، وأخرى خبيثة تسكت عنه. والساكت عن الحق شيطان أخرس. ولأن الكلمة أو الكتابة حسيّة من جانب وادي الصوت، وعقلية مفهوميّة من جانب وادي المعنى، فهي تشفُّ عن المعنى تارة وتحجبه أخرى. يقول ديريدا : "الكتابة تقوم بتغطية المعنى بالشيء نفسه الذي تؤسسه كشفافية"
إنه ذو معنى أن تنقل الفلسفة الأوربية صراعاتها إلى عالم أصلها اليوناني ؛ فقد جرت معركة بين الفلاسفة العقليين من جهة والفلاسفة اللاعقليين من الجهة الأخرى ؛ حيث فضّل العقليون، أصحاب التنوير الميكانيكي والديالكتيكي، البدء بأفلاطون، بينما فضّل الفلاسفة اللاعقليون ، فضلوا "مجْمع الفلاسفة قبل سقراط" وعرّفوا الفترة التي عاش خلالها هذا المجْمَع بأنها "اللحظة الأصلية الأولى في المرحلة اليونانية السابقة على سقراط" . هذا ما عبّر عنه هايدغر مضيفاً : "لكن احتجاب وجود الموجودات أوصل ما أوصل إلى عصر أفلاطون وأرسطو ، حيث حلّت الأجوبة الفلسفية الكبرى محل الأسئلة الوجودية ، وحلّت الحلول الواضحة محل الحلول الملتبسة ونزلت التفسيرات المنطقية والتعليلات السببية للوجود منزل التعجب الأصلي من الوجود وفي الوجود" . وفي القاموس المحيط : " وَجَدَ المطلوب ؛ أدركه .. وأوجده: أغناه "
وعندما التبس "سؤال التقنية الحديثة" على هايدغر ؛ أي احتجب وجود التقنية الحديثة عليه، نكص إلى عالم الفلاسفة قبل سقراط لغاية عجيبة: حتى يوصل هذا النكوص إلى عصر الإجابة عن سؤال التقنية أو "التقنية كسؤال" (DIFFRAGE NACH DER TECHNICK ) ؛ عصر يشبه إجابة أفلاطون وأرسطو على ماهية الموجود ، لكن هذه المرة "الموجود هو التقنية الحديثة"!
إذاً ليس من الصدفة أن نجد كتاباً هاماً في الفلسفة للعقلاني البريطاني "جون لويس" تحت عنوان "مدخل إلى الفلسفة" يبدأ بـ أفلاطون . في حين يصرح نيتشه- مؤسس لاعقلانية الطور الإمبريالي - "لا عجب أن أتناول الفلاسفة السابقين لأفلاطون وكأنهم مجتمع منسجم وأن أسعى لأن أكرس لهم مجمل هذا الكتاب.. إن أفلاطون يمثل بداية جديدة كلياً ، أو كما هو الحق أن أقول ، أن شيئاً جوهرياً ينقص لدى الفلاسفة منذ أفلاطون حين تقابلهم بجمهورية العباقرة تلك التي تمتد من طاليس إلى سقراط" هذا الحنين إلى "المجتمع المنسجم" نراه يعود للظهور عند هايدغر حين يقول: "إن هرقليطس وبارمنيدس كانا أعظم المفكرين بمعنى أنهما كانا على الدوام في انسجام مع "اللوغوس" أي مع الواحد(هو)الكل" وتفسير ذلك حجم الرعب الذي ولّده انقسام المجتمعات الرأسمالية عشية الحرب الإمبريالية الثانية .
عند سقراط تتلاقى الخيوط! ها هو كيركغارد الفليلسوف الوجودي- المسيحي يصرخ: ".. (سقراط)، (سقراط)، (سقراط) ! علينا أن ندعوك ثلاثاً ، وأنا أمضي في دعائك عشراً إذا اقتضى الأمر حقاً . فقد يحتاج الأمر كما يقال لنا إلى جمهورية، إلى نظام اجتماع جديد ، إن لم نقل إلى ديانة جديدة . ولكن أحداً لا يفطن إلى ما يحتاجه العالم بنتيجة الاختلاط الذي أوقعه فيه هذا القدر الكبير من العلم . إنه إنما يحتاج بوجه الدقة إلى سقراط ... إن عصرنا يحتاج لمثل هذا التقويم الأخلاقي والتهكّمي " هذا الفزع من فرط الإجابة نجده لاحقاً عند نيتشه ومن ثم يتوارثه هايدغر عبر عودتهما إلى المرحلة قبل السقراطية في محاولة من هايدغر لتجديد السؤال الأنطولوجي.
"إن التهكم السقراطي بفضحه مذهب هيغل [كمذهب يقود إلى فرط في الإجابات عن ماهية الموجود] يمهد الطريق أمام فلسفة وجود مسيحية"
ما بعد الحداثة هي رقيمة LABLE ؛ المرأة العاقلة!. إن فكر وأدب وفن ما بعد الحداثة هو بالإجمال وفي ظهوره الاستراتيجي، ضرب من التهكّم السقراطي في مواجهة فكر الحداثة الأوربية بدءاً من القرن السادس عشر. وما الحداثة الشعرية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر سوى ضرب من ضروب أدب وفكر ما بعد الحداثة نتيجة نكوصه الصوفي بداية مع إدغار بو الشاعر الأميركي الشمالي ، مع العلم أن بودلير لديه شيء أصيل. "إن الحقبة الممتدة من 1848-1870 غنية بالوجوه الانتقالية ، الذين باتت إبداعاتهم من الآن تقدم ملامح من انحطاط، دون أن يسمح لنا مع ذلك الشيء الجوهري في عملهم بإلحاقهم بالانحطاط ، وهكذا فلوبير أو بودلير" ما بعد الحداثة فكرة كبيرة ؛ إنها تنبثق من ثورة 1848 ، كما خرجت حواء من ضلع آدم! تعرّج على شوبنهور مروراً بكريغارد ونيتشه وهايدغر لتعْبر البنيوية وما بعدها حتى تفكيكية جاك ديريدا. يكتب جورج لوكاش في بحثه المعبّر "تحطيم العقل" وبمناسبة بداية حديثه عن نيتشه: "يمكن القول بوجه عام أن انحدار الأيديولوجية البورجوازية [الروح البورجوازية] ينبثق من ثورة 1848 . بالتأكيد يبقى بعد ،لا سيما في الأدب والفن ، أكثر من متابع لحقبة صعود البورجوازية وليس في أعماله شيء من انحطاط ، يكفي التفكير بـ دكنز، وكِلر، وكوربه ودوميه."
وهذه مناسبة لذكر الفرق بين "حداثة مجتمعية " modernity "وحداثة شعرية" modernism هذه الأخيرة ما أشرنا إليها من قبل بأنها حركة شعرية فنية بدأت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وقد صنفتها ضمن فكر وفن وأدب ما بعد الحداثة !يكتب صادق جلال العظم: "لا بد من التمييز الدقيق بين الحداثة المجتمعية والحداثة الشعرية ، المفهوم الأول هو الحداثة بمعنى الموديرنتي modernity ، وهو يشير باختصار شديد إلى حركة التاريخ الأوربي ونتاجاتها منذ عصر النهضة ، والإصلاح الديني اللوثريّ حتى اليوم ومحرّكه الأول صعود نمط الإنتاج الرأسمالي وتوسّعه. والمفهوم الثاني هو الحداثة بمعنى الموديرنزم modernism وهو حركة فنية أوربية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر ، وازدهرت وسيطرت في القرن العشرين ومن أبرز أعلامها الأوائل ومؤسسيها الشعراء (رامبو، بودلير وماليرميه و [إدغار بو]..)"
ما بعد الحداثة هي رقيمة؛ المرأة العاقلة ! ؛ إنها فكرة كبيرة ، تلك التي عبر عنها نيتشه بالقول: "إن عصرنا غارق بالوعي التاريخي ، نحن نعرف الكثير عن ماضينا وليس باستطاعتنا أن نكون أصليين" ؛ إنه وعي شقي ومفرط دون شروط تاريخية مواتية لتجاوزه. لقد استشعر نيتشه هذا الشقاء في الروح البورجوازية ، ذلك أن "طبيعة آلام نيتشه قد سبقت آلام اليوم بأكثر من جيل إذ كان ما يتمتع به نيتشه عند وحدته وعدم فهم الناس له ، تتألم منه الآلاف في يومنا هذا " لقد عبّر نيتشه عن هذا الشقاء حتى الجنون وغياب أي أثر. لقد دفع نيتشه التفسير الأوربي الحديث - الذي بدأ مع ديكارت- دفعه بخط مستقيم وآليّ، ممارساً عليه تهكماً سقراطياً ، محاكياً إياه محاكاة مأساوية . وقد قاده هذا التفسير المستقيم والمتواصل نحو الماضي ؛ نحو الأصول (أصل كل فكر وكل لغة ) إلى جنونه سنة 1888 . لقد دفع نيتشه التفسير حتى المستنقع ؛ حتى تخومه البيولوجيه؛ حتى الظلام!
لقد دشّن نيتشه دَفن الإله البورجوازي الميكانيكي النيوتنيّ[نسبة إلى نيوتن] فحصل عنده خواء روحيّ بورجوازيّ حاول إنقاذه بوعظ أخلاقي زارادشتي بديل! وهو في طريقه إلى الشرق قفز نيتشه من فوق الإسلام كدين كوني واتجه صوب ديانات فارس والهند! وقد تكون هذه مجرد لوثة مسيحية غربية أو بداية تصفيح الرأسمالية الداخلة في طورها الإمبريالي بـ مسيحية مهوّدة وعنصرية. إنها الروح القديمة البالية لليهودية العائدة من جدثها لتركَّب على الغزو الإمبريالي الأميركي الجديد ، كالروح القديمة البالية التي ركّبت على الغزو الإمبريالي الألماني الفاشي لاحقاً . ونيتشه بحدسه الكبير كانت تحدث له هذه الرؤيا لمستقبل ومصير التحرك الرأسمالي في طوره الجديد.
إن مصير نيتشه الشخصي والفكري ما هو إلا انحلال الذات في التاريخ ، حيث أصابها الصمت من شدة الرُّعب والذهول ؛ إنه جنون نيتشه وصمته النهائيّ! ألم يكن "التراكتاتوس " هو الكتاب الفلسفي الجدّي الوحيد الذي نشره فتجنشتاين في حياته ، وتدعو جملته الختامية إلى الاعتصام بالصمت"!
"ما بعد الحداثة أننا لا نستطيع أن نكتب بطريقة بريئة ، متجاهلين الأدب السابق" . لقد أضحى الكذب مؤلماً ، والحقيقة أوسع من أن يغطيها ظل النفاق البورجوازي الإمبريالي،. من هنا جاءت التورية IRONY عند إمبرتو إيكو لتخرج وعياً شقياً من ماساته .
التورية هذا الساحر السقراطي! دعونا نبحث عنها في القواميس: جاء في المورد في معنى كلمة irony : تجاهل؛ تظاهر بالجهل أثناء المناقشة، "سخرية" تهكُّم سقراطيّ ، تعبير ساخر ، سخرية الأقدار" . حقاً إنه لمن سخرية الأقدار أن "نعرف أننا نقول شيئاً سبق وأن قيل" وأنها لـ "مصادفة"؟ أن تحيلنا كلمة irony إلى سقراط .
إمبرتو إيكو ليس نادراً ؛ إنه المكافح الأحدث لإخراج الروح البورجوازية من تكرارها وانحطاطها ، ليس مصادفة أن يوصف هذا الساحر بـ "كاهن السيمياء، وغامض" . ليس مصادفة أن يقول: "استخدمت جميع آليات السرد المألوفة .. لكنني استخدمتها بطريقة التورية irony "؛ أي بأسلوب تهكميّ. لقد بات من الطبيعي أن يكون هذا العرّاب لانحطاط الروح البورجوازية مزيجاً من الأناقة والابتذال مضافاً إليه الأستاذية النخبوية ؛ من الطبيعي جداً أن يكون رمزاً لأدب وفكر ما بعد الحداثة" . إذا كان هذا الذي قلته هو فكر ما بعد الحداثة فأنا موافق.
ولقد جاء في القاموس المحيط: "أن التوراة تفعلة من ورّى، وورّاه تورية : أخفاه ، كواراه والخبر جعله وراءه. وعن كذا أراده وأظهر غيره ، وعنه دفعه، وتوارى : استتر" . أما قاموس الرائد فيقول: "التّورية: ورّى : في البديع، هو أن يؤتى بلفظ له معنيان ، أحدهما قريب والآخر بعيد ، ويراد به البعيد منهما – ومنها التوراة " إذا كان هذا ما بعد الحداثة فأنا موافق.
ما بعد الحداثة ليس موضوعاً أدبياً فنياً فحسب، بل هي تعبير أيديولوجي عن وضع بورجوازي إمبريالي في حالة انحطاط . إنها التعبير الروحي عن انحطاط التشكيلة الرأسمالية في عصرها الإمبريالي، وهي إشارة إلى حدود التوسع العقلي التي يمكن لتشكيلة كهذه أن تستوعبه.
لقد تمت صياغة النكوص ذي الطابع الصوفي واللاهوتي الذي واكب هذا الانحطاط . ولسوف تظهر الغِبْطة كآخر طراز للتعزية ؛ الغبطة التي يشعر بها العَبْد؛ عبد نمط العيش البورجوازي ، شاكراً "خالقه" على نعمه ، وراجياً أن تدوم عنده هذه النعمة إلى الأبد.
لاحظوا معي كيف يشرح لنا "القاموس المحيط" – المتواضع كلمة "الغِبْطة": الغِبطة بالكسر: حسن الحال والمسرّة، وتمني نعمة على ألا تتحول عن صاحبها فهو غابط. الاغتباط: التبجُّح بالحال الحسنة "
لاحظوا معي جيداً: لا بد أن تكون النتيجة تبجُّحاً بورجوازياً محزناً ؛ تبجحاً يكافح بكل ما تبقى لديه من طاقة ليوهم صاحبه أن مجده ما زال عالياً ، وأن ناره ما زالت موقدة!
ليس صدفة أن تكون إستراتيجية إمبرتو إيكو اللغوية هي التورية irony أو التهكُّم السقراطيّ ، وأن شعوره شعور المغتبط. وليس مصادفة أن يصرّح الرائد : أن "الغبطة هي حسن الحال ، ولقب البطريرك ، والمسرّة " ، وأيضاً الرضى عمّا هو قائم بالفعل.
ليس مصادفة ألا يوجد في حالة إمبرتو إيكو "وعي حاد ، وإنما نوع من الغبطة" . تلك هي روح ما بعد الحداثة ؛ فأنت لا يمكنك أن تتورط بشكل فعلي ... إن ما ينقص هذه الروح هي الحيوية وهي تعجّ بالملل" والتكرار والضجر.
فنحن أمام "تهذيب مشاكس غالباً ما يصعب فهمه... أمام نجم ما بعد حداثويّ ... كاهن روح العصر ، والأكثر رواجاً ؛ سرّ زهرة ذهبية Acrostic ، ذو قدمين صغيرتين بشكل غير معتاد"
إذا كان هذا هو روح ما بعد الحداثة فأنا موافق . إنه ليس نادراً ، إمبرتو إيكو، يأكل كثيراً ؛ حالة شائعة
هوامش:
-( anecdotal; Gr.anectodos; not published: ) [ص 10 من قاموس Dorland,s illustrated dictionary, 26th Edi . 1981 ] وكلمة publish تعني: يذيع ، ينشر، يعلن".
منير البعلبكي : المورد، قاموس انكليزي – عربي طبعة 1991 دار العلم للملايين بيروت ، ص 737 .
- الفيروز آبادي : القاموس المحيط ، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف محمد نعيم العرقسُوسي، الطبعة السادسة 1998 ، مؤسسة الرسالة. ص 49
- نقلا عن خليل عبد الكريم : " دولة يثرب؛ بصائر في عام الوفود " دار سينا للنشر، دار الانتشار العربي ، الطبعة الأولى 1999 ص 22، والآيات من سورة العلق الآيات:[1 و 5]
- سورة المدّثر الآية [ 1]
- القاموس المحيط ، مرجع مذكور ص 87
- القاموس المحيط – مرجع مذكور ،ص 360
- راجع جابر بن حيان بقلم د. زكي نجيب محمود ، الناشر مكتبة مصر ، من دون تاريخ ص 12 : "وسمي "جابراً" لأنه هو الذي "جبر" العلم- أي أعاد تنظيمه "
- سورة البقرة الآية [97]
- سورة الضحى الآية[ 8 ]
- سورة النجم الآية [48 ]
- نقلاً عن خليل عبد الكريم " دولة يثرب.." مرجع مذكور ص 23 . والكلام منقول عن أبو القاسم السهيلي : "الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام " تحقيق طه عبد الرؤوف سعد نشر مكتبة شقرون، مصر
- جابر بن حيان ، بقلم الدكتور زكي نجيب محمود مرجع مذكور ص 46 "على هذا الضوء نفهم اسم "الكيميا" لماذا أطلق على مثل هذه الأبحاث التي قام بها جابر ؛ فهي لفظة معرّبة من اللفظ العبراني ، وأصله كيم يه، ومعناه أنه من الله" هامش ص 47 المرجع ذاته.
- جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف ، ترجمة كاظم جهاد ، تقديم علال محمد سيناصر . دار توبقال –الدار البيضاء الطبعة الأولى 1988 ص 85
- د. صادق جلال العظم : دفاعاً عن المادية والتاريخ، الطبعة الأولى 1990 دار الفكر الجديد ، ص 211
- نقلاً عن صادق جلال العظم : "دفاعاً عن المادية والتاريخ" مرجع مذكور ص 257
- القاموس المحيط ، مرجع مذكور، ص 324
- مارتن هايدغر: أسئلة وأجوبة حول السياسة والفلسفة والتاريخ ، ترجمة : حسونة المصباحي (كاتب ومترجم من تونس) ، نشر هذا الحوار في المجلة الألمانية الأسبوعية "دير شبيغل" بتاريخ 31 أيار/ مايو 1967 بعد أيام قليلة من وفاة مارتن هايدغر. ونشرت المجلة التوضيح التالي: أرسل هايدغر في آذار/مارس 1966 رسالة إلى المجلة يردّ فيها على الذين يتهمونه بأنه كان على صلة بالنازيّة أثناء فترة صعودها .
- جون لويس " مدخل إلى الفلسفة" ، ترجمة أنور عبد الملك ، دار الحقيقة الطبعة الرابعة 1983 وهذه بعض فصول الكتاب: "أفلاطون، أرسطو، الأفلاطونية المحدثة ، من العصور الوسطى إلى توما الأكويني ، الثورة الكوبرنيكية ، ظهور النزعة العقلية(ديكارت ، ليبنتز) ، المذهب العقلي (سبينوزا) ، الفلاسفة التجريبيون، كانط، هيغل ، التركة الهيغلية ، الفلسفة اللاعقلية المعاصرة .."
- جورج لوكاش : تحطيم العقل- الجزء الثاني؛ شوبنهور، كيركغارد، نيتشه ، ترجمة الياس مرقص ، دار الحقيقة بيروت، الطبعة الأولى كانون الثاني 1981 ، ص 93 ، الفصل الثالث ؛ نيتشه .. "يمكن القول بوجه عام أن انحدار الأيديولوجيا البورجوازية ينبثق من نهاية ثورة 1848 ."... إن كل عمل نيتشه يمثل ،على امتداد حياته، مجادلة لا تنقطع ضد الماركسية والاشتراكية، مع أنه وضوحاً لم يقرأ في يوم من الأيام سطراً واحداً من ماركس أو انجلز؟!"ص 96 .. مع نيتشه نحن فقط مع المرحلة الأولية في هذا التطور . ولكن منذ هذه المرحلة نستطيع ملاحظة وجود بعض التغيرات الهامة . قوامها في هذا ، وهو أن لا عقلانيي الحقبة السابقة ، مثل شيلنغ أو كيركغارد ، كان لا يزال بوسعهم ، في مساجلتهم ضد جدل هيغل المثالي ، أن يضعوا أحياناً أصبعهم على عيوبه الفعلية .. ص 95 ..مع نيتشه وشوبنهور بدأت المعرفة الجيدة بموضوعهم بالاختفاء.ص 96
- فريدريك نيتشه: الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي ، تعريب الدكتور سهيل القش، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولة 1981 ، ص 43
- مارتن هايدغر : ما الفلسفة؟، ما الميتافيزيقا؟، - هيلدرلن وماهية الشعر ، ترجمة فؤاد كامل ، محمود رجب وراجعها على الأصل الألماني وقدّم لها عبد الرحمن بدوي دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة 1974 ، ص 61
- بيار مسنار: كيركغارد، ترجمة الدكتور عادل العوّا، منشورات عويدات، بيروت- باريس ، الطبعة الأولى، 1983 ، ص 43 . "في 3 تموز 1840 حاز [كيركغارد] على شهادته في اللاهوت ، وأخذ يعمل في إعداد رسالة بعنوان: "مفهوم التهكّم المعزو دوماً إلى سقراط" وقد ناقشها في 29 أيلول 1841 " بيار مسنار، المرجع نفسه ، ص 11
- بيار مسنار، مرجع مذكور ،ص 43
- جاء في المورد طبعة 1991 في معنى كلمة lable : رقعة من ورق أو قماش ، تثبت على شيء ما لتدل على محتوياته ، مادة مكتوبة أو مطبوعة ترفق بشيء للتعريف أو التوضيح.. كلمة أو عبارة تضاف إلى تعريف قاموسي لزيادة الإيضاح.." ص508 . حين ترفق رقعة ما بعد الحداثة على صندوق الحداثة بغرض الإيضاح تحجب محتوياته تهكّمياً مدعية أنها لا تعرف ما بداخل هذا الصندوق!؟ جاء في القاموس المحيط: "رقَمَ: كتب، ورقم الكتاب: أعجمه، وبيّنه ، ورقم الثوب خططه .. وحمار وحش مرقوم القوائم: مخططها بسواد.. والأرقم: أخبث الحيات .. أو ما فيه سواد وبياض . . والأرقم : قرية أصحاب الكهف أو جبلهم، أو كلبهم أو الوادي أو الصخرة أو لوح رصاص نقش فيه نسبهم وأسماؤهم ودينهم ومما هربوا ، أو الدواة أو اللوح .. والرَّقمة: الروضة وجانب الوادي.. والرقيمة : المرأة العاقلة البرْزة (بارزة المحاسن ، وأبرز الكتاب : نشره).. والترقيم والترقين: علامة لأهل ديوان الخَراج"ص 1114 -1115 ، وعذراً للإطالة في الاقتباس.
الرقيمة تشف وتحجب.!؟ تُعجم وتُفصح !؟ كالكتاب المرقوم أو المرقون.
- تحطيم العقل ج 2، مرجع مذكور ص 93
- تحطيم العقل ، ج 2 مرجع مذكور ، ص 93
- صادق جلال العظم: دفاعاً عن المادية والتاريخ ، مرجع مذكور، ص 227
- ملحق جريدة الثورة الثقافي ، العدد 23 الأحد 11/8/1996 ص15
- هرمان هيسه: ذئب البوادي ، تعريب النابغة الهاشمي ، دار ابن رشد مكتبة النهضة العربية ، 1983 ص20
- صادق جلال العظم : دفاعاً عن المادية والتاريخ، مرجع مذكور ، ص 247
- ملحق الثورة الثقافي- مرجع مذكور ، ص15
- المورد 1991 مرجع مذكور ، ص 481
- الثورة الثقافي- مرجع مذكور ، ص 15
- الثورة الثقافي- مرجع مذكور
- القاموس المحيط- طبعة المؤسسة العربية للطباعة والنشر – الجزء الرابع ، من دون تاريخ ص 402
- جبران مسعود : معجم الرائد ، دار العلم للملايين الطبعة الأولى 1964 ص 473
- القاموس المحيط، الجزء الثاني ، طبعة المؤسسة العربية- مرجع مذكور ص 389
معجم الرائد- مرجع مذكور ص 1068
- الثورة الثقافي- مرجع مذكور
Acrostic: قصيدة إذا جمعت حروف أوائل أبياتها أو أواخرها شكّلت كلمة أو عبارة ، أو هي سلسلة كلمات متساوية الطول مرتبة بحيث تكون قراءتها عمودياً مطابقة لقراءتها أفقياً." المورد-مرجع مذكور ص 26
إن تعبير "الزهرة الذهبية " (تشن هوا) في سياقه الباطني ينطوي على كلمة النور ، فلو كتبنا الحرفين أحدهما فوق الآخر حتى يتلامسا ، لشكل الجزء الأسفل من الحرف الأعلى مع الجزء الأعلى من الحرف الأسفل ، الحرف الدال على النور (كْوانغ). راجع، ريتشارد ولهلم، وكارل غوستاف يونغ: "سر الزهرة الذهبية " ترجمة نهاد خياطة دار الحوار، الطبعة الأولى 1988 ، ص 27 .