حول الديموقراطية


الطاهر المعز
2007 / 4 / 8 - 11:14     

مقدمة:

ظهر مصطلح الديموقراطية عند اليونانيين القدامى (حسب ما بلغنا) ثم عند الرومان بمعنى مشاركة قاطني الحي أو المدينة في الشأن العام وعدم تفرد الملك أو الامبراطور أو الحاكم باتخاذ القرارات المصيرية دون استشارة مجلس أو هيئة أومجموعة تبدي رأيها وتتحاور قبل تنفيذ القرار أو القانون. أما تركيبة هذه الهيئات الاستشارية فكانت تقتصر على "المواطنين الأحرار" أي الأرستقراطيين أو النبلاء أو قادة الجيش... وبالتالي فهي نخبوية خلافا لما نفهمه اليوم من مصطلح "الشعب", فحكم الشعب لنفسه بنفسه لم يكن يعني مشاركة كافة فئات الحرفيين والفلاحين والعبيد والجنود في تقرير مصير المملكة أو الامبراطورية أو الامارة, بل ان نخبة من الأحرار هي التي تتمتع بحق المواطنه وبالتالي المشاركة في صنع القرار. أما ما اصطلح على تسميته بالشورى عند المسلمين قبل الدولة الأموية فانه أقل تحررا وانفتاحا اذ يظم عددا قليلا جدا من "أصحاب الحل والعقد" من النافذين المقربين من الحاكم كالصحابة مثلا.
في مثل هذه الحالات, لا يمكن للفئات الشعبية أن تعبر عن رأيها ومشاغلها ومصالحها الا بواسطة الهزات العنيفة والانتفاضات والثورات وأشهرها ثورة العبيد المعروفة بثورة "سبارتاكيس", أو ثورة الزنج بجنوب العراق أو ثورة "صاحب الحمار"... ولم يخل عصر من احتجاجات الفقراء والكادحين أو الفئات المقصية من السلطة. أما في العصر الحديث فان الثورة الفرنسية هي المعبر عن الرغبة في توسيع مفهوم الديموقراطية الى فئات كانت مقصية من التعبير عن مشاغلها ومصالحها ومن التمثيل في أجهزة اتخاذ القرار. ونجحت الثورة الفرنسية لأن البرجوازية الصاعدة لم تعد مصالحها تستحمل التضييقات والعراقيل ,التي يفرضها حكم الاقطاع, على حرية التجارة والتبادل السلعي والقيود المفروضة على الانتاج وتنقل اليد العاملة. التقت مصالح البرجوازية مع مطالب الفلاحين الصغار والحرفيين والجنود والقساوسة, ونجحت في استقطاب الغضب مستعينة في ذلك بأفكر فلاسفة الأنوار ونظرياتهم الاصلاحية والثورية في ذلك العصر ضد الحكم الاستبدادي الاقطاعي والكنيسة المتحالفة معه. وبذلك دشنت الثورة الفرنسية عهد قيادة البرجوازية للمجتمع حسب برنامجها الذي يدعو للتحرر من القيود المفروضة على التبادل السلعي والمعرفي داخل المجتمع وخارجه, مما مكنها من احداث ثورة صناعية وتقنية ومعرفية وانفتاح على العالم لم يسبق له مثيل, وان كانت بوادر هذه الثورة قد بدأت قبل قرنين لكنها لم تتمكن من قيادة المجتمع الا في أواخر القرن الثامن عشر. أصبح مفهوم المواطنة محكوما بقانون وضعي يحدد الحقوق والواجبات, عوضا عن القانون الديني اللاهوتي, وبذلك وقع تحجيم دور الكنيسة ورجال الدين, وفصل الدين عن الدولة, واعتبار الدين شأنا خاصا بكل فرد وليس شأنا عاما يهم مجموع المواطنين (حرية المعتقد). أما العمال والمنتجون فانهم أحرارويمكنهم بيع منتوجهم أو قوة عملهم حسب قانون العرض والطلب, وليسوا ملكا لاقطاعي أو صاحب مصنع. مع ذلك بقي حق الاقتراع مقتصرا على المالكين للأراضي أو لأدوات انتاج وأقصيت منه النساء الخ. لم تدع البرجوازية أن المساواة هي حق فعلي يمارسه الشعب وانما اكتفت بالتصريح بأن المواطنين سواسية "قانونا" أي نظريا


الديموقراطية بين النظرية والممارسة:

ان انتصار البرجوازية التاريخي في أوروبا وأمريكا أحدث ثورة كبرى في كافة المجالات, لكن هذا لا يعني أنها قامت بثوراتها لتحرير العمال والفلاحين والفقراء, بل قامت بتقنين هيمنتها واستغلالها للعمال والكادحين في الداخل واستعمارها لمناطق شاسعة من العالم خارج حدودها واصبح خيار الفقراء ضيقا: فاما الاستغلال في المصانع والحقول أو التجنيد في المستعمرات. بل ان الثورة الفرنسية لم تعترف بحق العبيد في الانعتاق رغم الجدل الذي دار حوله(1793) ولم يتم التصويت على قانون نهائي لتحرير العبيد الا سنة 1848. أما في أمريكا فان القوانين التي تبرر التفرقة العنصرية بقيت سارية حتى نهاية الستينات من القرن الماضي. وتشترك البرجوازيات الأوروبية في تبريرها لاستعمار الشعوب بدعوى نشر الحظارة والثقافة والدين(المسيحي) والتمدن الخ. وسرعان ما ظهرت حدود الديموقراطية البرجوازية, التي استغلت لصالحها وحدها, نتائج الثورات التي كان وقودها العمال والفلاحون والفقراء, الذين حولتهم الى عبيد جدد. فتعددت الثورات والانتفاضات ضد هذه الطبقة الجديدة التي كانت في زمن قريب حاملة لمشروع ثوري تحرري مقارنة بما كان سائدا قبل انتصارها. هذا لا ينفي التقدم الذي حصل على مستوى الحريات الفردية والجماعية, نتيجة نضالات ومصادمات ونقاشات داخل شرائح المجتمع, في القرن التاسع عشر الذي احتدت فيه التناقضات بين مالكي وسائل الانتاج ومن لا يملكون الا قوة العمل والسواعد, ونجح العمال في استصدار قوانين تضمن حرية النتظم في النقابات والجمعيات العمالية والتعاونيات.
أما ممارسة الديموقراطية فهي وان كانت نظريا من حق جميع المواطنين الا أنها عمليا بقيت حكرا على الأغنياء. ان ممارسة الديموقراطية تتطلب أدوات ووسائل مكلفة, فحرية التعبير تتطلب امتلاك صحف ومجلات ( ولاحقا محطات اذاعة وتلفزيون) لابلاغ رأي أو وجهة نظر والدفاع عن موقف, خاصة اذا كان مخالفا للرأي السائد, والمنافسة الانتخابية تتطلب أموالا طائلة للدعاية والتنقل وكراء القاعات, بالاضافة الى ضمانات من طرف أعيان القوم في شكل عدد من الامضاءات, وخلو الملف الشخصي من "السوابق العدلية" الخ. هذا بالاضافة الى أجهزة الدولة من ادارة وشرطة منصبة من قبل البرجوازية وتعمل لفائدتها, وان بأشكال غير ظاهرة للعيان أحيانا, فالهدف من سيطرة البرجوازية على أجهزة الدولة هو خدمة مصالحها أولا اما بشكل مطلق وبارز, أو بشكل ملتو و متستر وراء "المصلحة العامة وخدمة الشعب". فأجهزة الدولة والقوانين والتشريعات لم تكن قط محايدة أو فوق الطبقات وانما هي نتاج موازين قوى, وفي خدمة الطرف الأقوى .

الديموقراطية في الوطن العربي وفي بلدان المحيط:

عرفت البلدان العربية كغيرها من بلدان العالم هزات وانتفاضات وثورات ضد الظلم و الاستغلال والقهر الطبقي أو القومي في كافة مراحل تطورها, سواء في عهد الحكم الاسلامي أو العثماني أو الاستعماري أو تحت حكم الأنظمة الكمبرادورية الحالية. لكنها لم تمر بنفس المراحل التي مرت بها أوروبا من تراكم رأسمالي وثورة برجوازية صناعية وتقنية وفكرية في القرن الثامن عشر, وظهورطبقات ثورية- بالمعنى التاريخي- تتجاوز علاقات الانتاج السائدة وتخلق ركائز مجتمع جديد. كانت الامبراطورية العثمانية تحتل معظم الأقطار العربية, وكانت محل أطماع البرجوازيات الصاعدة في أوروبا. في القرن الثامن عشر. في مرحلة اكتمال الشروط لتولي البرجوازية الأوروبية السلطة على أنقاض الاقطاع الآيل الى السقوط, انتشر الفكر المتحجر في الأقطار العربية فأعلن ابن تيمية غلق باب الاجتهاد, وتولى محمد بن عبد الوهاب الدعوة الى التمسك بالنص القرآني دون حياد عنه. أما الحديث عن الاصلاح السياسي وتطوير أساليب الحكم فانها جاءت متأخرة, بعد غزوة نابليون لمصر وبعد الاحتكاك القسري بالبلدان الأوروبية. والمحاولات القليلة التي حصلت من قبل محمد علي في مصر وخير الدين التونسي لتأسيس مجتمع عصري جاءت متأخرة أيضا تاريخيا, حيث التراكم الرأسمالي الداخلي لا يسمح بالقيام بكل تلك الاصلاحات, كما أن المنطقة صارت محل أطماع الرأسمالية الأوروبية , التي كادت هيمنتها على السوق المحلية تنتهي لتغزو الأسواق الخارجية ومن ضمنها كافة المنطقة العربية. كان للدين الاسلامي دور كبير في كبح جماح المفكرين المتنورين, لكن الشروط المادية لم تكن سانحة لتجاوزه, فلم تبرز في المجتمعات العربية طبقة اجتماعية قادرة على خلق المناخ الذي يجعل من الدين شأنا خاصا بالانسان الفرد. وبما أن العديد من المجتمعات في قارات مختلفة, عاشت نفس ظروف الهيمنة والاستعمار فان الاستنتاج المنطقي هو أن الرأسمالية في مرحلة الامبريالية اختجزت بالقوة تطور هذه المجتمعات وأبقت على تخلفها لتستغل خيراتها وتلغي امكانية تطورها ومنافستها لها. في ظل الاستعمار المباشر, حدثت ثورات وانتفاضات ومحاولات لمزج النضال السلمي بالعنف المسلح واستغلال الفضاءات الممكنة فتكونت أحزاب ونقابات ومنظمات أهلية, لكن لم يسمح الاستعمار بخلق مناخ حر يتمتع فيه أهالي المستعمرات بنفس القدر من الحرية التي يتمتع بها الأوروبيون, لأن مهمته أصلا ليست التطوير وانما تأبيد التخلف بالقوة وبالحيلة وبالارشاء وغيرها من الوسائل. أما في مرحلة الاستعمار الجديد, أو الاستقلال الشكلي فان الانظمة العربية وغيرها بقيت مرتبطة بالقوى التي استعمرت البلاد, اقتصاديا وسياسيا وعسكريا فلم يؤد هذا الاستقلال الشكلي الى تغيير في حياة الناس , مع استثناء بعض الدول, وفي مراحل قصيرة من الزمن. وهذا ليس بالغريب لأن هذه الأنظمة تم تنصيبها غالبا من قبل المستعمر وبقاؤها في الحكم رهين بدرجة رضا الاستعمار عنهم.
هناك انتخابات صورية في معظم الدول العربية لكن الحياة السياسية والاجتماعية للبشر تبقى تحت المراقبة الدائمة, فلا حرية تعبير ولا حرية نتظم ولا حريات شخصية(فردية) أو جماعية. هناك قمع وحكم عسكري أو بوليسي في كافة البلدان العربية وأغلبية بلدان المحيط.
لماذا نصر على ربط المسألة الديموقراطية بالعوامل التاريخية والاستعمار والهيمنة؟ لأن الديموقراطية بشكلها المتداول(الديموقراطية البرجوازية) هي نتيجة لتطور علاقات الانتاج ووجود طبقة اعتبرت أن من مصلحتها اطلاق الحريات العامة لمضاعفة الانتاج وتشريك المواطنين في مشروع المجتمع المزمع تركيزه. وهي بلغت الآن حيزا من السيطرة على المجتمع, لا يضيرها بعض النقد, بل تستفيد منه لتقويم نظامها واصلاحه لسد الباب أمام كل ثورة أو تغيير جذري يمكن أن يعصف بالنظام برمته ويرسي علاقات انتاج أخرى (اشتراكية). ونظامها بلغ حدا من القوة والسيطرة على وسائل الاعلام تمكنه من بث ايديولوجيته, والهيمنة على الأدمغة دون اللجوء الى قوة العسكر والشرطة, وتجعل من الاستهلاك لسلعها غاية يسعى لتحقيقها كل مواطن ويعمل ليلا ونهارا لاشباع هذه الرغبة. أما في بلدان المحيط فان هذه الظروف غير متوفرة, ولا يمكن القيام بثورة بورجوازية كما حدثت ببلدان المركز. والبرجوازية انتهى دورها التاريخي الثوري وأصبحت طبقة رجعية منذ اكتملت ثورتها وأصبحت تعيق تطور القوى المنتجة باستغلالها الفاحش للطبقة العاملة والشعوب والأمم المضطهدة.

المهمات الديموقراطية في الوطن العربي:

اذا كانت فلسطين والعراق محتلة احتلالا مباشرا, فان باقي البلدان اما مهددة بالاحتلال أو واقعة تحت السيطرة والهيمنة وتبقى مهمام التحرر الوطني قائمة. هذه المهمة لا يمكن انجازها دون السعي لجعل أغلبية شعبية من الطبقات المتضررة من هذه الوضعية, تتحرك وتفعل في الساحة لكي تزيح الأنظمة القائمة التي تعرقل عملية التحرر, مسنودة في ذلك من قبل الامبريالية. هذه المهمة تتطلب حدا أدنى من حرية التعبير والتنظم والتنقل والاجتماع الخ. وهذه الحريات لا يمكن المظالبة بها دون محاولة فرضها على الساحة بممارستها عمليا دون انتظار أن يمن بها أي نظام أو حكومة. فهي تدريب للمواطنين على النضال الجماعي والمنظم وبالتالي تكوين أحزاب ونقابات وجمعيات وغيرها من الأطر التي تجمع ذوي المصالح المشتركة في هياكل منظمة وموحدة. لكن في مجتمعات عانت طوال عقود من القمع والأمية والبطالة, تبدو هذه المهمة صعبة اذا أرادت تجاوز محيط النخبة المثقفة وتشريك الفلاحين الصغار والنساء والشباب والعاطلين عن العمل والمهمشين وغيرهم من الفئات التي لها مصلحة في التغيير لكنها غير ممثلة في مؤسسات"المجتمع المدني". هذا يفترض خلق أساليب نضال وهياكل جديدة لتكون الديموقراطية مطلبا شعبيا وليس مقصورا على بعض الأوساط البرجوازية الصغيرة في المدن الكبرى. من خلال التجارب التي حصلت في المنطقة العربية فان الأطر الموجودة فشلت في جعل الديموقراطية مطلبا شعبيا وجماهيريا. أما الأسباب فهي متعددة, منها القمع الشديد, والشيئ من مأتاه لا يستغرب, ومحاولات تجميع أطياف النخبة من يمينها الاسلامي الى يسارها الماركسي, والاعتماد على سفارات أمريكا وأوروبا للضغط على الأنظمة "كمن يستجير من الرمضاء بالنار". وهذا التصرف بقي محل خلاف كبير وعميق اذ أن الامبريالية, المتسببة في تأبيد الاستغلال والاضطهاد, وحامية الأنظمة العربية وغيرها, تصبح ملجأ للتخلص من الدكتاتورية. ان الهدف ليس التخلص من الدكتاتور الحالي فقط, مهما كانت الشروط , ولو بالتعاون مع الشيطان المحلي والخارجي, ثم ننظر في الأمر فيما بعد. بل المطلوب هو نظام حكم مغاير, ونابع من مطالب الأغلبية, يحقق مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ. أن ربط قضية الديموقراطية بالتخلص من الهيمنة والاستغلال وعدم التعويل على الامبرياليين الدين يحتلون العراق وفلسطين ويضطهدون شعوب العالم, يمثل برنامجا واقعيا, يتماشى مع طموحات أغلبية فئات الشعب الكادح ولا يعيد تجربة الاستعمار الجديد..
هناك العديد من النقاط الأخرى التي لا بد من الاشارة اليها والعمل على تظمينها في برامجنا, ومنها مسألة الأقليات القومية أو الثقافية أو الدينية أو غيرها, اذ يجب الدفاع عن حقها المتساوي مع غيرها حتى لا يحس أفراد هذه الأقليات بأن الوطن ليس وطنهم وتتمكن القوى المعادية من اختراقها واستعمالها لتقسيم ابناء الوطن الواحد, فالوطن ملك للجميع بغض النظر عن الجنس والعقيدة والملة والأصل الخ. أما بدعة" الديموقراطية والانتخابات النزيهة في ظل الاحتلال" لمؤسسات هي دون الحكم الذاتي الاداري والتي جرت في فلسطين والعراق فانها ظاهرة خطيرة قسمت الصفوف وأثارت البلبلة, بسبب ضعف القوى التقدمية سياسيا وتنظيميا وفكريا وجماهيريا, وأصبحت لا تفرق عن المنظمات غير الحكومية الممولة خارجيا والتي تحاول فرض التطبيع بأشكال متنوعة وتقسم قضايا الشعوب وتجزؤها الى فروع دون ربطها بالسبب الأصلي.
من الضروري كذلك عند الحديث عن الديموقراطية, بالنسبة لنا كماركسيين, أن نقيم تجربة البلدان الاشتراكية وممارسة الديموقراطية داخل الأحزاب التي حكمت باسم الاشتراكية أو أسلوب الحكم الذي اتبعته في ادارة شؤون المجتمع, حتى يتسنى لنا معرفة مواطن الخلل, واسباب انتصار النهج الرأسمالي داخلها دون مقاومة تذكر. فاذا اعتبرنا اليوم انه مطروح على الطبقة العاملة قيادة المجتمع لبناء دولة ديموقراطية علمانية عصرية, تهيئ الشروط المادية لبناء الاشتراكية, فانه من الضروري عدم تكرار الأخطاء والسلبيات التي أدت الى انهيار التجارب السابقة وانتصار الرأسمالية بها, انتصار البرجوازية التي انتهى دورها التقدمي التاريخي...
إن مطلب الديموقراطية يبقى مطلبا ملحا في كافة أرجاء الوطن العربي, بيد أن القوى التي حشرت بنفسها في الجبهات والائتلافات التي تشكلت, لا يمكن الإطمئنان اليها بسبب معاداة بعضها للفكر العقلاني العلماني, والبعض الآخر الذي يتفاخر بالمساندة التي يلقاها من بعض السفارات والهيئات الدولية المشبوهة, والتمويلات المباشرة أو غير المباشرة التي تأتي في شكل مساعدات مادية أو تمويل ورشات ورحلات ودورات تأهيل وتدريب يشرف عليها "أخصائيون" في الإختراقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني والتجسس وتنظيم "الثورات" البرتقالية ومتعددة الألوان. وقد سقط في الفخ بعض الماركسيين الذين تحولوا الى دعاة تطبيع داخلي مع الإخوان المسلمين, وأهملوا الجانب المناهض للإمبريالية أو تخلوا عنه بدعوى الأولوية المطلقة لإسقاط الدكتاتورية الحاكمة, مهما كان الحليف ومهما كان الخلف. ان التحالفات بين القوى الماركسية لها الأولوية على تحالفات قوى اليسار, وتحالف قوى اليسار له الأولوية على التحالفات الواسعة مع القوى اللبرالية الديموقراطية, وتحالف القوى المناهظة للإمبريالية لا يمكن أن ينجح بدون برنامج مستقبلي يربط باستمرار بين التحرر الوطني بجوانبه الاقتصادية والسياسية والإستجابة لمتطلبات الحياة الديموقراطية: حريات فردية وجماعية, حرية الخلق والابداع, المساواة الكاملة بين الأجناس والملل, بين المؤمن والملحد... وتبقى هذه الحريات منقوصة, بالنسبة للماركسيين, ما لم يتمكن المنتجون من السيطرة على وسائل الانتاج والتحكم في جهاز الدولة.

الطاهر المعز- ديسمبر(كانون الأول) 2006