الماركسية الكلاسيكية ونفيها التاريخي


ثائر الناشف
2007 / 4 / 1 - 10:41     

رغم الحروب التي تعرض لها النصف الثاني من الكرة الأرضية , ونقصد المجتمعات الشرقية تحديداً , يبقى تساؤل يدور في الذهن , هل ما زالت الماركسية محتفظة بوجهة نظرها التي أضحت جزءاً من آلية تفكيرها؟ ولا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال.
الإصرار الماركسي على ضرورة تجاهل تاريخ الشعوب المستعمَرة أي المتعرضة للغزو , طرأ عليه تبدلات كثيرة , لاختلاف الظروف التي دفعت ماركس نفسه للدوران حول مركزية القوة الغربية , خلال العصر الكولونيالي الذي ساد أوروبا في القرنين الثامن والتاسع عشر واستمر حتى بدايات القرن العشرين .
لا شك أن الحديث عن نفي التاريخ يعد من الموبقات , ينبغي تفنيدها عقلياً والتخلص منها مهما ارتفعت تكاليف المواجهة, فتغيّر الظروف وتقلبها المستمر يجعل من الصعب لا بل من المستحيل البقاء على حالة تفكير واحدة , فعلى سبيل المثال لا أستطيع أن أتظاهر باللجوء إلى أسلوب الهجوم دوماً دون أن ألجأ إلى آخر دفاعي , وهذا ما فعلته الماركسية في بداياتها بدعمها لجميع التطلعات الاستعمارية الغربية لحظة انتصار البرجوازية الصناعية , لكن الآن بدأت تبتعد كلياً عن أسلوبها السالف بعدما أدركت حجم العنف والقهرية بحق الآخرين .
الاعتقاد الذي حكم العقلية الماركسية في بدايات المرحلة البرجوزاية , قام على استخدام القوة بحق الآخر المتخلف , وبرر شتى صنوف العنف بهدف تحضر الشعوب الشرقية وإجبارها على تبني النمط البرجوازي , أي تحويلها إلى شعوب منتجة .
انطلاقاً من هذا الاعتقاد كشف ماركس عن رأيه بجلاء عام 1853م عندما قال " أمام بريطانيا مهمة مزدوجة تنجزها في الهند, الأولى تدميرية والثانية توليدية , لإزالة المجتمع الآسيوي القديم ووضع الأسس المادية للمجتمع الغربي في آسيا" , لقد عنى ماركس بخطابه التقليدي تبرير العنف الموصل إلى الرقي , بما في ذلك استخدام القوات العسكرية الضاربة , وهذا ما يذكرنا بخطاب قاله أحد القادة العسكريين بالجيش الأميركي إبان الحرب في فيتنام " عندما نبيد هذه المدينة نستطيع وقتها التفكير بإعادة إعمارها " تماماً كما يجري الآن في العراق المحتل من قبلهم .
ومثلما يقال دائماً لا يكتب التاريخ إلا الأقوياء , فإن تاريخ الشعوب الشرقية في هذا الإطار عرضة للنسف والإنكار , من قبل القوى العظمى , حسبما ذكره ماركس " لا تاريخ معروف للمجتمع الهندي , وتاريخه ما هو إلا تاريخ الغزاة المتعاقبين الذين أقاموا إمبراطورياتهم على القاعدة السلبية لهذا المجتمع الجامد واللامقاوم".
نافل القول إن اصطفاف الماركسية خلف عناوين القوة وتصدير العنف ونفي التاريخ , مجرد محاولة التفاف على المجتمعات الشرقية ( المتخلفة) لإقناعها أن البرجوازية هي البديل الأمثل عن الإقطاعية , بعد أن اقتنعت الماركسية ذاتها بنجاعة البرجوازية الغربية الكفيلة باستحداث طبقات بروليتارية صناعية , تؤدي دورها في توسيع الأممية العمالية لتشمل كل بقاع العالم .