الجزء الثاني من كتاب - من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟- نقد مقال للكاتب الوطني للنهج الديمقراطي عبد الله الحريف 3


خالد الصقر
2007 / 3 / 20 - 12:08     

القســــم الأول من الجزء الثاني
************************
بالرغم من مضي أزيد من 3 سنوات على كتابته يضل كتاب الرفيق خالد الصقر، الذي أقدم جزئه الثاني للقراء، ذا قيمة كبرى بالنظر إلى المسألة التي يتناولها، أي مسألة تقييم المرحلة الحالية للرأسمالية و المهام السياسية المرتبطة بها. فالزمن الذي مر على كتابة هذا الكتاب قد أكد العديد من الأطروحات النظرية و السياسية التي تناولها خ. الصقر. فالصراع بين الامبريالية الأمريكية و الامبريالية الروسية-الصينية حول الملف النووي الإيراني يقدم دليلا ماديا واضحا حول ضيق أفق القائلين بـ"انتفاء الصراع بين الامبرياليات" أو محدوديته. كما أن حجم نمو الاقتصاد الصيني في السنتين الأخيرتين و التصريحات الأخيرة لديك تشيني حول تزايد القدرات العسكرية للصين توضح هي الأخرى بعض اتجاهات الصراع بين الامبرياليات العالمية.

يعتبر الجزء الثاني من كتاب الرفيق خالد الصقر ذا أهمية خاصة خصوصا في المرحلة الراهنة التي تتعالى فيها الصيحات حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية و ما يرتبط بها من مواقف سياسية. فالحديث اليوم حول المرحلة الجديدة من الرأسمالية يخفي في طياته التراجع على مجمل المهام السياسية التي حددتها اللينينية، خصوصا تلك التي ترتبط بموقفها من الانتهازية و من رؤيتها لاتجاهات الصراع الطبقي بما هي اتجاه الثورة. و هكذا أصبحت المهمة المركزية لدى الداعين بالمرحلة الجديدة ليس تنظيم المقاومة الطبقية للبروليتاريا و الجماهير الشعبية من أجل حسم السلطة السياسية و تحطيم الرأسمالية و إنما تنظيم "الحركات الاجتماعية" المقاومة لما يسمونه بـ"العولمة المتوحشة" و توسيع أدوات "المجتمع المدني". بل لقد وصل الأمر ببعض ماركسيي العهد الجديد إلى التنظير لانخراط الماركسيين في "النضال" من أجل فرض ضريبة على المضاربات المالية، أي تعويض السياسة الثورية بالإصلاحية. و هذا هو المضمون السياسي لأصحاب المرحلة الجديدة.

إن قيمة هذا الجزء من كتاب الرفيق خ.ص هو أنه يوضح أن الحجج التي تقدم بها بعض ماركسيي العهد الجديد بالمغرب حول "المرحلة الجديدة" هي ذاتها –أو في أغلب الحالات- الحجج التي قدمها لينين في دراسته للامبريالية. و كل ما هناك أن الظواهر التي رصدها لينين قد عرفت نموا كميا كبيرا بدون أن تحقق قفزة نوعية لمرحلة أعلى من الامبريالية. و هو ما يعني على المستوى السياسي راهنية المهام السياسية التي حددتها اللينينية و على رأسها النضال الحازم ضد الانتهازية الذي بدونه لا يمكن إطلاقا الحديث عن النضال ضد الامبريالية من وجهة نظر الطبقة العاملة.

ملاحظة: النص يحمل بين طياته جداول ونظرا لكون التقنية المستعملة ببوابة الحوار المتمدن لا تسمح بنشر الجداول ، فلكل من يرغب في قراءة المقال بطبعته الكاملة المرجو الاتصال بالبريد الالكتروني رفقته.
مناضل شيوعي بالمغرب

هل الرأسمالية بالفعل دخلت مرحلة جديدة؟
**************************


في نقد حجج الحريف حول المرحلة الجديدة للرأسمالية.
*************************************
أما فيما يخص المرحلة الجديدة للرأسمالية فسوف نتوقف عندها بشكل آخر، فقد أصبحت هذه المقولة تطبع كل الكتابات إلى حد أنها أصبحت من البديهيات عند البعض ومدخلا أساسيا للانقضاض على لينين و ماو تسي تونغ وسوف نحصر ملامستنا لهذه المسألة من زاوية نقد حجج الأستاذ الحريف وإذا استحضرنا مقولات لكتاب آخرين فذلك لن يكون إلا هامشيا. فما هي إذن، محددات هذه المرحلة بالنسبة للأستاذ الحريف ؟

أ- التحول الكيفي شرط ضروري للانتقال من مرحلة لأخرى.
****************************************
قبل أن يطرح صاحبنا محددات هذه المرحلة يثير انتباهنا بما مفاده أنه: «إذا كان من الغرور طرح تصور متكامل للمرحلة الجديدة من الرأسمالية خاصة وأن ملامح هذه المرحلة لازالت غير واضحة بعد، فإنه من الممكن إبراز بعض الإرهاصات و الميولات العامة التي يناط بالحركات التقدمية المناهضة للرأسمالية دراستها وتوضيحها وتصحيحها»[1] فعوضا أن يقول لنا الكاتب بأنه لا يملك تصورا واضحا عن المرحلة الجديدة وأنه عاجز عن بلورته، عوضا عن ذلك يتحفنا بمقولة أنه «من الغرور طرح تصور متكامل» لهذه المرحلة. وكأنه أراد أن يتواضع لكن أناه المتضخم منعه من ذلك. وبالرغم من ذلك فالسيد الحريف كان واضحا من الجهة المقابلة، وهي ما تهمنا هنا – أي أنه أقر منذ البداية بعدم امتلاكه لتصور متكامل لهذه المرحلة الجديدة وفي ذات الوقت يقر بشكل قطعي أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة من تطورها. إذن، فالكاتب هنا مطالب بأن يوضح أمرين أساسيين:

الأول: أن يثبت أن سمات الرأسمالية قبل هذه «المرحلة الجديدة» قد تجووزت.

والثاني: أن يبرهن أن هناك سمات جديدة للرأسمالية تختلف جوهريا عن سماتها السابقة.

إذ لا يكفي أن نقتصر في معالجة هذه المسألة من الناحية النظرية بالتركيز على السمات الجديدة، بل يلزم أيضا، البرهنة على تجاوز الرأسمالية للسمات «القديمة» أو لبعضها. لكن الكاتب لا يفعل هذا ولا ذاك، بل يقتصر على «إبراز بعض الإرهاصات والميولات العامة». ومهما يكن، سوف نقبل بهذا المنطق ونتعامل معه، فما هي إذن هذه «الإرهاصات والميولات العامة» ؟

إن أول هذه الإرهاصات بالنسبة للكاتب هو اتجاه الرأسمالية نحو «التدويل» حيث كتب يقول: «إننا نعتبر أن أحد أهم تطورات الرأسمالية هو الاتجاه نحو التدويل «mondialisation»« وأن هذا الأخير «لا يتم بشكل متجانس وإنما في إطار بنية تراتبية ترتكز على صيرورة متناقضة من الإدماج والتهميش» بمعنى أنه إذا كان الإدماج الرأسمالي قد تم في البداية وإلى حدود هذه المرحلة، في إطار فضاء الدولة / الأمة وكذلك التهميش ..فإن التدويل الرأسمالي ينحو إلى إدماج مناطق معينة من مختلف الدول في الاقتصاد الرأسمالي وتهميش أخرى. وكذا إدماج قطاعات اقتصادية وتهميش أخرى وبالتالي إدماج فئات من البرجوازية وتهميش أخرى».

وأن الشركات والبنوك المتعددة الجنسيات ...هي المحرك للتدويل والمستفيدة منه وأن الليبرالية الجديدة هي إيديولوجيتها التي تستطيع، بفضلها، إعطاء مصالحها صفة الصالح العام بل صفة الضرورة الاقتصادية الموضوعية»

هذا هو كل ما لدى الكاتب من حجج أو من «إرهاصات وميولات عامة» لإثبات أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة. هذا وفقط ولا شيء آخر إطلاقا، إنه الهزء بالماركسية. و كل محاكمة الكاتب لا تعدو أن تكون تكررا مبتذلا بشكل آخر لما قاله كاوتسكي منذ تسعين سنة. وقبل أن نوضح ذلك نود أن نتساءل هل بالفعل أن ما ذكره الكاتب يعتبر ظواهر اقتصادية جديدة ؟ لنرى إذن كيف ذلك، أي ما قالته الماركسية في التدويل والإدماج / التهميش.

لقد علق أحد عمالقة الماركسية على الرأسمالية قائلا: «إن مسألة الإمبريالية ليست فقط واحدة من أهم المسائل، بل يمكن القول أنها أهم مسألة في ذلك المجال من علم الاقتصاد الذي يدرس تغير أشكال الرأسمالية في العصر الحديث»[2] و هذه الأهمية التي أعطاها لينين لدراسة الإمبريالية كانت تجد أساسها في اعتقادنا في اتجاهين أساسيين غير منفصلين ، الأول يكمن في ضرورة تحديد وبناء نظري صلب وواضح للتغيرات التي شهدتها الرأسمالية واكتشاف مختلف القوانين الموضوعية التي انبثقت على قاعدة هذه المتغيرات وتحديد المكانة التاريخية للإمبريالية وهو ما يمكن أن نصطلح عليه إن صح التعبير بناء معرفة بالواقع أما الاتجاه الثاني فهو تحديد الاتجاهات الأساسية التي يجب توجيه الصراع الذي تخوضه الطبقة العاملة في اتجاهها من أجل تغيير هذا الواقع أي من أجل حسم السلطة السياسية ، "فنحن لا نقول للعالم كف عن نضالك فكل نضالك باطل، وإننا نعطيه فقط الشعار الذي يجب أن يناضل من أجله"(ماركس) وقد حدد لينين في هذا الصدد ثلاث اتجاهات رئيسية : النضال ضد بقايا العصور الوسطى، أي ضد الحكم المطلق، النضال ضد الإمبريالية والنضال ضد الانتهازية، وسوف نعود فيما بعد إلى هذا الأمر. أما الآن فسوف نوضح ما قالته الماركسية اللينينية حول هذه المرحلة من تطور الرأسمالية والتي أسماها لينين بالطور الأعلى[3].

«إن تزايد التبادل وتزايد الإنتاج الكبير هما بالذات الاتجاهات الأساسيان اللذان لوحظا طوال القرون في العالم كله على الإطلاق.

وفي درجة معينة من تطور التداول وفي درجة معينة من نمو الإنتاج الكبير في تلك الدرجة بالذات التي تم الوصول إليها في تخوم القرنين» التاسع عشر والعشرين على وجه التقريب هيأ التبادل تدويلا للعلاقات الاقتصادية وتدويلا للرأسمال، وأصبح الإنتاج الكبير كبيرا لدرجة أن الاحتكار أخذ يحل محل المنافسة الحرة. وأصبحت أكثر نموذجية ليست المؤسسات المتنافسة «بحرية» ، داخل البلد وفي العلاقات بين البلدان (التشديد أصلي)- بل الاتحادات الاحتكارية لأرباب العمل ، أي التروستات، وأصبح «ملك» العالم النموذجي الرأسمال المالي المتحرك والمرن خصوصا والمتشابك خصوصا، داخل البلد وعلى النطاق الدولي، والفاقد للشخصية والمنقطع على الإنتاج المباشر، والذي يسهل تركزه بشكل خاص ، والذي تركز بشكل خاص لدرجة بعيدة حيث تمسك بضع مئات من أصحاب المليارات وأصحاب الملايين بمصائر العالم بأسره لكل معنى الكلمة".

ومنه فإن نزوع الرأسمال إلى التدويل ليس بالأمر الجديد، بل هو أحد سمات الإمبريالية وقد لاحظ ذلك لينين في أواسط العقد الثاني من القرن الماضي أما عن مسألة الإدماج / التهميش، فهي ليست سمة من سمات الإمبريالية وفقط بل إنها سمة من سمات الرأسمالية بشكل عام. فقد أوضح ماركس ذلك بشكل جلي عند دراسته لقانون معدل الربح.

نفس الشيء قد قاله لينين: «فالرأسمالية في الزراعة – كما في الصناعة – بحكم طبيعتها لا تتصور بطريقة متكافئة فهي تنمي أحد جوانب الزراعة في مكان معين – في بلد أو منطقة أو مزرعة – فيما تنمي جانبا آخر في مكان آخر»[4].

وتبقى نقطة أخيرة في أطروحة السيد الحريف أو في «إرهاصاته» يجب علينا تناولها لننتهي من ما أسماه «بالمرحلة الجديدة للرأسمالية»، فالجديد بالنسبة له هو أن عملية الإدماج / التهميش لم تصبح تتم في إطار فضاء الدولة / الأمة بل في إطار آخر لم يقل لنا ما هو بل لمح إليه أي الإطار العالمي، وحتى لا نوصف بأننا نطلق الكلام على عواهنه لنستمع إلى الكاتب:

«وحتى نكون واضحين أكثر (وكم هي جميلة هذه الصيغة) سنعطي بعض الأمثلة: فدول المركز نفسها لم تبق تلك الفضاءات الاقتصادية المتمركزة على الذات حيث يتم توزيع العمل بينها على أساس موازين القوى، فهذا القطاع تهمين عليه الإمبريالية الفلانية وتنظم تدويل والتطور يتم بشكل غير متكافئ على المستوى الوطني، بل هناك مناطق في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا الغربية، تعاني من تهميش حقيقي، وكذلك الأمر بالنسبة للبرجوازيات....غير أن هذا الإدماج لمناطق أو قطاعات أو برجوازيات من مختلف الدول لا يتم على قاعدة المساواة بل يخضع لموازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين البرجوازيات المختلفة»[5].

فبالإضافة إلى التناقضات التي تحملها هذه الفقرة، حيث يؤكد الكاتب من جهة على أن توزيع العمل بين دول المركز لا يتم على أساس موازين القوى، ومن جهة أخرى يقول بأن: «الإدماج...لا يتم على قاعدة المساواة بل يخضع لموازين القوى»، بالإضافة إلى كل دلك، ما هي نتيجة هذا التحليل ؟

ألا يؤدي بنا هذا التحليل في آخر المطاف إلى الإعلان عن انتفاء الدولة القومية ؟ وما معنى «أن هذا التطور يؤدي إلى إعادة هيكلة الأجهزة الإنتاجية وبشكل عام اقتصاديات كل الدول الرأسمالية، بما في ذلك المتطورة تحت غطاء الليبرالية الجديدة، في اتجاه ضرب تماسكها وطابعها الممركز على الذات» التي تشكل رأسمال عالمي موحد ؟ ألا يعني ذلك أن هاته المرحلة الجديدة هي مرحلة «استثمار مشترك للعالم من قبل الرأسمال المالي المتحد على النطاق الدولي» كما قال كاوتسكي ذات مرة ؟ أليست هذه بالضبط هي نظرية «الإمبريالية العليا» أو «ما فوق الإمبريالية» التي قال عنها لينين أنها "ما فوق الهذر" ؟ لكن ألا «يسير التطور في اتجاه الاحتكارات، وعلى ذلك في اتجاه احتكار عالمي واحد، تروست عالمي واحد، هذا لا جدال فيه، ولكنه كذلك خال من كل معنى كما لو قال المرء أن «التطور يسير في اتجاه إنتاج المواد الغذائية في المختبرات. ونظرية ما فوق الإمبريالية هي بهذا المعنى لغو لا طائلة تحته، كما لو قال المرء ب «نظرية ما فوق الزراعة»[6]. فإذا كان كاوتسكي قبل تسعين سنة يحلم بهذه المرحلة ليستنتج منها تطور الإمبريالية نحو السلم فإن أصحابنا قد أعلنوا أن هاته المرحلة قد حلت مع اختلاف وحيد هو أنها تتسم الآن بما يسمى «الليبرالية الجديدة»، لكن قبل أن نتوقف عند هذه النقطة نود أن نؤكد على أمرين اثنين أساسيين:

أولا: إن عملية توحد الرأسمال الإمبريالي لمختلف الدول، أو لبعضها على النطاق الدولي ليس بالأمر الجديد على الإطلاق «فالرأسمال المالي الأمريكي وغيره» قد اقتسم العالم كله «سابقا» باشتراك ألمانيا ...في السنديكا العالمي لقضبان السكك الجديدة أو في التعريف العالمي للملاحق التجارية....»[7].

ثانيا: إذا كانت الرأسمالية قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة فإن ذلك يستدعي بالضرورة إيجاد مفهوم نظري جديد للتعبير عنها. وهو ما لم يفعله الكاتب، لكنه يمكن أن يسميه كالكل «بالعولمة» أو من الأفضل أن يسميها «بالميغا إمبريالية» كما أسماها المهدي المنجرة، فهذا المصطلح هو على كل حال مشتق من الإعلاميات المجال المفضل لصاحبنا سواءا في مجال إبداع النظريات والإرهاصات أو في مجال المال والأعمال.

ومهما يكن، فهل بالفعل أن تحديدات السيد الحريف سليمة ؟ و ما هي نتائجها السياسية ؟ وعلى ماذا تعبر إذن كل الأحداث الجارية حاليا على النطاق الدولي ؟ ماذا يعني الصراع الحالي بين الحلف الإمبريالي الأمريكي – البريطاني، الإيطالي، الاسترالي وبين الحلف الفرنسي – الألماني-الروسي ؟ وهل يعني خروج إسبانيا من تحت أجنحة الولايات المتحدة أن الحزب الاشتراكي العمالي يعبر عن "الفئة غير المدولة من البرجوازية" في حين يعبر حزب أثنار عن الفئة المدولة من البرجوازية الإسبانية ؟ أليس كل هذا الواقع أكبر دليل على أن ما تقوله هو أكبر كذبة ؟*

والحال أن كل ذلك لا يعفينا من المزيد من بسط المسألة قيد الدراسة، لذلك سوف نبدأ بالتأكيد على أن المعالجة النظرية تقتضي نبد المفاهيم الضيقة الأفق كتلك التي استعملها صاحبنا الحريف المدافع عن الجوهر الحي للماركسية وأنه «لا يمكن الكلام عن التقسيم التاريخي الملموس للمرحلة الحالية إذا لم يستند هذا التقسيم على التبيان التام لجوهر الإمبريالية من ناحيتها الاقتصادية والسياسية على حد سواء»* فما جوهر الإمبريالية من الناحية الاقتصادية ومن الناحية السياسية ؟

إن جوهر الإمبريالية الاقتصادية هو الاحتكار، فمع نمو الإنتاج الرأسمالي الكبير والتطور الهائل للتبادل التي أصبحت معه دوائر الإنتاج والتبادل تتسع وتنمو إلى درجة «تدويل العلاقات الاقتصادية وتدويل الرأسمال» لينين فمن جهة أدى التمركز الشديد والعالي للإنتاج و الرأسمال إلى درجة «نشأت معها الاحتكارات التي تلعب الدور الفاصل في مجمل الحياة الاقتصادية" (لينين) ومن جهة أخرى انبثق الرأسمال بوصفه اندماج للرأسمال الصناعي والمعرفي موفرا شروط بروز الطغمة المالية بالإضافة إلى ثلاثة خصائص رئيسية أخرى كانت محددا للإمبريالية التي «اكتسب فيها تصدير الرأسمال أهمية قصوى وابتدأ تقسيم العالم بين التروستات العالمية وانتهى تقسيم جميع أقطار الأرض بين كبريات البلدان الرأسمالية»[8].

فتلك هي أهم الخصائص التي «تجلى فيها بالضبط تحول الكمية إلى كيفية»* ونحن هنا نؤكد على كلمة «أهم» لأن الماركسية وكل المنتسبين إليها فعلا وليس قولا لا ينسون أبدا «أن التعاريف بوجه عام هي ذات طابع شرطي نسبي وأنها لا تستطيع أبدا أن تشمل جميع وجوه علاقات ظاهرة في حالة تطورها الكامل»(لينين) لذلك سوف نسأل صاحبنا الحريف – الذي لم يقل شيء في هذا الصدد بل اقتصر على إتحافنا ببعض المفاهيم البرجوازية وبعض الإرهاصات الذاتية – هل هناك من وقائع تثبت تجاوز الرأسمالية لهاته الخصائص ؟ ونحن هنا نؤكد على ضرورة إبراز الخصائص المناقضة لما هو «قديم»، خصائص مختلفة نوعا أي كيفيا لخصائص الإمبريالية ، على اعتبار أن الرقي والانتقال من مرحلة إلى أخرى هو بالضرورة انتقال يحمل تحول الكمي إلى كيفي وهذه هي الألف باء الجدل.

فعندما برهن لينين على تحول الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة إلى مرحلة الاحتكار اعتبرها تحولا كيفيا وليس « تحولا من حيث الشكل حتى تستطيع الاستمرار من حيث الجوهر» كما نسبت إليه، وهذا التحول قد برهن عليه لينين بإثبات أن الاحتكار يزيح النافسة الحرة وأن «الرأسمالية لم تصبح إمبريالية رأسمالية إلا عندما بلغت في تطورها درجة معينة، عالية جدا، عندما أخذ يتحول إلى نقيضه بعض من أخص خصائص الرأسمالية (يقصد لينين المنافسة الحرة)...» كما أن ماركس قد أثبت أن الانتقال من مرحلة المانيفاكتوره إلى المرحلة الصناعية هو أيضا انتقال نوعي أي انتقال من الكم إلى الكيف.

لذلك، لا يكفي للبرهنة على أن الرأسمالية دخلت مرحلة جديدة أعلى، سرد الظواهر الجديدة وفقط. بل يلزم أيضا البرهنة على أن هاته الظواهر أو بعضها هي انتقال كيفي، وكما هو واضح فالسيد الحريف لا يفعل هذا ولا ذاك، وهو بذلك يتهرب من كل محاولة جدية لمقاربة المسألة من الزاوية النظرية.

ب- مضمون الامبريالية الاقتصادي.
***********************
قبل أن نثبت بأن المرحلة الحالية للرأسمالية هي ذاتها المرحلة الإمبريالية نود أن نؤكد على أننا لا ننفي، ولا يمكننا ذلك، بروز العديد من الظواهر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة، ولا ننفي حتى إمكانية انبثاق ظواهر أخرى أشد تعقيدا، فبالنسبة لنا تشكل الظواهر الخارجية نقطة الانطلاق وليس النتيجة النهائية، لأننا نقف وننطلق من أرض ماركسية واضحة.

وبالتالي، لن نحصر مسألة التأكيد على أن المرحلة الحالية لتطور الرأسمالية هي الإمبريالية بمجرد ترديد وتكرار عنوان كتاب لينين كما يفعل البعض، بل سوف نحاول تقديم البرهان على ذلك من خلال محورين أساسيين، الأول يتعلق بتقديم الدلائل على أن الخصائص التي حددها لينين للمرحلة الإمبريالية لازالت هي ذاتها نفس الخصائص التي تتسم بها المرحلة الحالية. ثانيا دراسة الاتجاه العام للتطور الرأسمالي الحالي وما يفرضه على الحركة العمالية من مهام وما يفرضه علينا نحن كماركسيين لينينيين بالمغرب.

أولا: في تمركز الإنتاج والرأسمال و تطور الاحتكارات
**************************************
إن عملية تشكل وظهور الاحتكارات والتي ابتدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر كانت بمثابة النتيجة الموضوعية والطبيعية للتمركز الشديد والعالي للإنتاج الكبير وللرأسمال وقد لاحظ ذلك كل من ماركس و إنجلز. و بعدما أصبحت هذه الاحتكارات هي الظاهرة الاقتصادية الأكثر بروزا سواء على الواقع أو من خلال كتابات الاقتصاديين آنذاك، تمكن لينين من دراستها وتحديد المهام التي تفرضها على الطبقة العاملة وحزبها داخل الصراع الطبقي. و الرأسمالية بحكم طبيعتها تنحو دائما نحو المزيد من التمركز سواء في الإنتاج أو تمركز الرأسمال، فهل المرحلة الحالية للرأسمالية افتقدت هذه السمة أو الخاصية ؟ طبعا لا، بل بالعكس فإن تمركز الإنتاج الكبير والرأسمال وصل إلى درجة عالية وعالية جدا وهو ما لم ينفيه لينين بل أكده باستمرار لكن هل هاته الدرجة العالية من التمركز أفضت إلى بروز أشكال أخرى غير الاحتكار؟ لا أعتقد أن هناك من يقول بهذا، ورغم ذلك فلا يمكن لأحد أن ينكر أن مستويات تطوره ارتفعت إلى درجة بعيدة وبعيدة جدا عما كانت عليه في بداية القرن العشرين، بل إن الماركسيين لم ينفوا أبدا إمكانية التطور في اتجاه بروز تروست عالمي موحد داخل المرحلة الإمبريالية نفسها. ونحن طبعا لن ندخل في جدال حول صحة أو عدم صحة تلك الإمكانية بل سوف نتساءل هل وصلت الرأسمالية حاليا في هذه المرحلة بالذات إلى هذا المستوى من التطور ؟ لا بكل تأكيد، وسوف نثبت ذلك في تناولنا لتقسيم العالم. أما الآن فسوف نورد المعطيات الإحصائية حول درجة التمركز هذه.

358 مليارديرا في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة، أي ما يزيد قليلا على نصف سكان العالم. و أن هناك 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، و على 84% من التجارة العالمية و يمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية[9].


ثانيا: في تطور الرأسمال المالي:
********************
لعل الخاصية الثانية والأساسية التي تميز العصر الإمبريالي هي تشكل وانبثاق الرأسمال المالي وسيطرته على العالم كله. وقد وضح لينين والكثير من الاقتصاديين كيفية نشوئه باعتباره نتيجة لاندماج الرأسمال الصناعي والرأسمال البنكي فدرجة تمركز الرأسمال المصرفي العالمي وتمركز الإنتاج الصناعي الكبير وفرا شروط اندماجهما لينبثق عن هذا الاندماج الرأسمالي المالي وتنشأ عن هذا الأخير الطغمة المالية. فهل لازال الرأسمال المالي هو سيد العالم ؟ أم ظهر شكل جديد آخر ؟

فأصحاب المصارف الكبرى لازالوا هو أنفسهم أصحاب المصانع العملاقة، مصانع الأسلحة والمعدات الفخمة وهم أصحاب شركات النقل الجوية والبحرية والجوية وهم أصحاب شركات البترول و المعلوميات وهم أصحاب شركات التأمين..إنهم هم أنفسهم ملوك البورصات والأسواق النقدية.

أما عن اتجاه أسياد المجتمع العبودي الحديث نحو الاستثمار في القطاعات الغير منتجة أي في المضاربات المالية وما على شاكلتها فتلك بالضبط هي ما أشار إليه لينين بتكون الطغمة المالية، وعن ارتفاع درجة التطور وسيطرة هذه الطغمة فهو أمر لم ينفيه أحد من قبل وإذا استشهد به أحد للحديث عن المرحلة الجديدة للرأسمالية فإنه يستشهد بحجج ليس أبدا في صالحه وإنما ضده بالضبط.

«إن الإمبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان يبلغ 100 إلى 110 مليار فرنك من الأوراق المالية، ومن هنا تنمو بصورة خارقة طبقة أو بالأصح فئة أصحاب الريع، أي الأشخاص اللذين يعيشون من قص «الكبونات» الأشخاص المنعزلين تماما عن اشتراك في أي مشروع، أشخاص مهنتهم الفراغ» ص56 وقد تكونت هذه الطغمة المالية وكل الظواهر التي ذكرناها في مسارات شديدة التنوع وحسب شروط في غاية الاختلاف من دولة إلى أخرى ، إلا أن ذلك لم يمنع من استنباط الخيوط المشتركة بين كل تلك الأحداث والظروف، وهو ما قام به لينين وبطريقة خلاقة في كتاباته عن الإمبريالية. فكيفية تكون ونشوء هذه الظواهر كان مختلفا في حدود كبيرة جدا ما بين هذه الدولة أو تلك ففي فرنسا – التي أسماها لينين بالإمبريالية الربوية - بشكل مختلف عنها في ألمانيا وفي هذه الأخيرة بشكل مختلف عن الولايات المتحدة الأمريكية واليابان...




نفس المصدر.

أما فيما يتعلق بتصدير الرأسمال الذي يشكل «أساس الإمبريالية الاقتصادي الجوهري» والذي «يشدد لدرجة أكبر عزلة فئة أصحاب الريع التامة عن الإنتاج، ويتسم بطابع الطفيلية كامل البلاد التي تعيش من استثمار عمل عدد من بلدان ما وراء البحار والمستعمرات»[10] فهو لازال بكل تأكيد السمة الأكثر بروزا في المرحلة الحالية ولازالت معه عزلة البورصات وأصحاب مهنة الفراغ في ازدياد مطرد.

في مسألة تقسيم العالم بين الاحتكارات العالمية...
**********************************
لم يكن بكل تأكيد حدث "انهيار" الامبريالية الروسية حدثا تاريخيا عابرا أو عاديا (بالرغم من موضوعيته)، بل، لقد كان حدثا تاريخيا قلما شهده الصراع الطبقي على المستوى العالمي وانعطافا تاريخيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

فعلى طول مرحلة ما سمي «بالحرب الباردة» ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دور القائد الاقتصادي والسياسي والإيديولوجي والعسكري أيضا للمعسكر الإمبريالي الغربي في صراعه ضد التحريفية السوفيتية وحلفائها من الدول الشرقية وغيرها، وقد ظل هذا الصراع يحكم مجمل العلاقات بين الدول بما فيها العلاقات بين الدول الإمبريالية والدول التبعية أو حتى الدولة الإمبريالية فيما بينها. لكن ذلك لم يكن بمعنى أن التناقضات فيما بينها قد اندثرت أو خملت، بل فقط بمعنى أن تلك التناقضات نفسها كانت محكومة إلى هذا الحد أو ذاك بهذا الصراع ذاته. فإذا كانت إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية توسع المعسكر الاشتراكي آنذاك وتحرر العديد من البلدان من قبضة الرأسمال المالي على رأسها الصين، فإن ذلك لم يكن إطلاقا لينفي الصراع بين الإمبرياليات بحكم طبيعة الرأسمالية الاحتكارية التي تنزع ذاتها نحو السيطرة من خلال لا الاستحواذ على الأراضي والبلدان بالقدر الذي تحتاجها لنفسها بل بالقدر الذي يضعف خصومها ومنافسيها في السوق الداخلية والخارجية على حد سواء. وبالرغم من التخفيف من حدة الصراع العسكري المباشر بين البلدان الإمبريالية فإن ذلك لا يعني بتاتا غياب تلك التناقضات فالإمكانية الاقتصادية لإزاحة المنافسين في عصر الاحتكارات كانت ولازالت قائمة ف «الإمبريالية هي، اقتصاديا، رأسمالية احتكارية، ولكي يكون الاحتكار تاما يجب إزاحة المنافسين ليس من السوق الداخلية (من سوق الدولة المعنية)، بل ومن السوق الخارجية ومن العالم بأسره، فهل هناك إمكانية اقتصادية (التشديد أصلي) «في عصر الرأسمال المالي» لإزاحة المنافسة حتى في دولة أجنبية ؟ أجل، طبعا، وهذه الوسيلة هي التبعية المالية وشراء مصادر الخامات ومن ثم كافة مؤسسات المنافس»[11]. كما أن الصراع بين الدول الإمبريالية قد أخذ أشكالا عديدة، فقد كانت مختلف الصراعات «المحلية التي شهدتها العديد من البلدان التبعية، في حقيقة الأمر عبارة عن صراع بين الإمبريالية لكن «بأدوات محلية».

وهكذا فقد كان من الطبيعي، بعد كل تلك السنوات من بناء التوازنات ومن كل تكل التراكمات، أن ينتج عن ذلك الانهيار المذوي والمخزي، أكبر هزة وزلزال يشهده العالم المعاصر بعد ثورة أكتوبر العظمى و الثورة الثقافية الصينية ولن نبالغ إذا ما قلنا بأن حجم وضخامة تلك الهزة جعلت تأثيراتها تمتد لتحدث العديد من التصدعات في أبعد قرية نائية على سطح الأرض. لقد "كانت قوتها بحجم قوة ما يفعله الزلزال بقش الدجاج إذا ما استعرنا صيغة ماركس القوية".

وبذلك أسدل الستار على أكبر مأساة في تاريخ الإنسانية وأطلق العنان مرة أخرى وبشكل مطلق للرأسمال المالي لأن يرفس ويدمر كل ما تبقى من الحواجز التي كانت ولازالت تقف أمام نزعته الجامحة والجنونية نحو السيطرة على العالم، وهي نفسها الأحداث التي رفعت ستارا آخر معلنة بداية ضرورة إعادة تقسيم جديد للعالم وفق التوازنات الجديدة الناتجة عن تراكمات المرحلة السابقة.

إن العبرة الأولى، الأساسية والجوهرية التي يجب على الماركسيين اللينينيين استخلاصها من تلك الأحداث هي ضرورة التشبت بالمبدأ الأممي الأول" يا عمال العالم اتحدوا"، وهي أيضا الإيمان الراسخ بأن الرأسمال لا يمكن أن يوقف زحفه إلا الطبقة العاملة، التي أزيحت من دائرة الصراع على يد التحريفية وهي الأخرى لا يمكنها أن تحقق ذلك إلا بالقضاء عليه كليا أي مناضلة تحت الشعار الثوري، النضال من أجل تحطيم الرأسمال. ومهما يكن، فهل الخاصيات والسمات الأخرى للإمبريالية: أي اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين الاحتكارية وانتهاء تقسيم العالم بين كبريات الدول قد اندثرت أو تجوزت ؟ إن كل المعطيات الحالية تؤكد عكس ذلك، بل إن أصوات المدافع وقصف الصواريخ لازال يذوي بهذه الحقيقة حتى في أذن الصم، لكن لا يجب أن ننسى أن هناك العقول الصماء وليس فقط الأذان الصماء.

لقد أشرنا سابقا إلى الدور القيادي الذي لعبته الإمبريالية الأمريكية على طول مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فكان لزاما أنه بعد انتهاء هذا الصراع أن يتسم تقسيم «التركة» التي خلفتها انهيارات الروس وكذا إعادة تقسيم العالم كله وفق هذه الموازين الجديدة.

فما هو إذن، معيار إعادة تقسيم العالم ؟ لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير القوة. «لأن من غير المعقول في ظل الرأسمالية أن يكون هناك أساس لتقسيم مناطق النفوذ والمصالح والمستعمرات إلخ غير حساب قوة المشتركين في التقسيم، قوتهم الاقتصادية العامة والمالية والعسكرية وهلم جرا»[12]. كما أن التقسيم الجديد لا يشمل طبعا مناطق نفوذ التحريفية المنهارة بل سوف يشمل كل بقاع العالم و «من المضحك الظن بأن الرأسمالية الأقوى لن تغتصب من الرأسمالية الأضعف كل ما نهبته هذه الأخيرة فهل يمكن ترك الرأسماليين الأقوياء إلى جانب الرأسماليين الضعفاء والظن بأنهم لن يعمدوا إلى الاغتصاب ؟ و إلا فلأي شيء يصلحون إذن ؟"[13]. وإذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، هل يمكن ترك الإمبريالية الأمريكية إلى جنب الإمبريالية الفرنسية، التي قال عنها وزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد، فرنسا العجوز.

لقد كان العدوان على العراق في بداية التسعينات، والتدخل العسكري الإمبريالي في يوغسلافيا والصومال وغيرهما بمثابة إبراز الموازين العالمية الجديدة وتقسيم تركة الاتحاد السوفياتي المنهار في حين شكلت أحداث الحادي عشر من شتنبر الإعلان الفعلي عن بداية إعادة تقسيم العالم ككل على ضوء موازين القوى تلك. فقد كانت كل الوقائع تثبت أن ضرورة إعادة تقسيم العالم قد نضجت ووضعت في جدول أعمال أصحاب الاحتكارات الأمريكية وملوك البورصة ولا تنتظر إلا من يبدأ تفعيلها ، وإذا كان التاريخ الرسمي المزور يقول لنا أن «ضربة المروحة» هي السبب في احتلال فرنسا للجزائر فلا غرابة أن نسمع منه أو من تلامذته أن صدام حسين الديكتاتور البعثي أو حتى الظلامي أسامة بن لادن هو السبب في احتلال العراق وأفغانستان وهو الذي أعطى الفرصة «لصقور البيت الأبيض» لتنفيذ ذلك.

والحال، لقد أثبتت كل تلك الأحداث ولازالت تثبت الأحداث الجارية أيضا أن أصحاب المصارف ومؤسسات التأمين ومصانع الأسلحة والبناء...يمسكون ويتحكمون بمصائر العالم بأسره وأن هؤلاء ، أسياد المجتمع العبودي الحالي، هم الآن في صراع ضار من أجل إعادة تقسيم العالم وأن مرحلة «التروست العالمي الموحد» لازالت بعيدة. فـ"مما لا ريب فيه أن التطور يسير باتجاه تروست واحد ووحيد تروست عالمي يبتلع كافة المؤسسات بلا استثناء وكافة الدول بلا استثناء. ولكن التطور يسير نحو ذلك في ملابسات و وثائر و تناقضات و اصطدامات و هزات ليست أبدا اقتصادية فقط، بل وسياسية وقومية إلخ، بحيث لا بد وأن تنجز الإمبريالية حتما وتتحول الرأسمالية إلى نقيضها قبل أن يصل الأمر إلى التروست العالمي الواحد. وقبل التوحيد العالمي «الإمبريالي الأعلى» للراسميل المالية القومية (التسطير لي)[14].

لقد حاولنا أن نبسط بإيجاز شديد وبالشكل الذي يسمح به هذا العمل، على القارئ خطأ وعدم التقدير السليم للكاتب لمسألة المرحلة الجديدة للرأسمالية مقتصرين بشكل كبير على الناحية الاقتصادية، لكن استحضار البعد السياسي والاجتماعي أيضا هو الأمر لا مفر منه بل ضروري لمقاربة الإمبريالية.

فماذا تعني الإمبريالية سياسيا ؟ وما هي إفرازاتها وانعكاساتها على الحركة العمالية وعلى الشعوب والدول التبعية ؟ وهل ما قدمه السيد الحريف من «مستجدات» في هذا الاتجاه يمكن أن نأخذ به كحجج لإقرار انتقال الرأسمالية إلى مرحلة جديدة أخرى ؟ و قبل ذلك، هل بالفعل ما قدمه الكاتب بالفعل جديد وصحيح ؟ لكن، قبل أن نجيب على هذه الأسئلة نود أن نؤكد على أن تناولنا لمسألة «المرحلة الجديدة للرأسمالية» بهذا الإسهاب هو :

أولا: اقتناعنا بأن المرحلة الحالية هي نفسها المرحلة الإمبريالية بالرغم من التطورات الحالية، وهو اقتناع مبني على المعطيات والوقائع الخارجة عن فكرنا أي من خلال الوقائع والمعطيات الموضوعية.

ثانيا: إن تأكيدنا على ذلك هو تأكيد على راهنية المهام السياسية التي تفرضها المرحلة الإمبريالية والتي أفرزتها الماركسية اللينينية و أثبتتها كل الأحداث والآلام والجراح الماضية وكل تاريخ الحركة العمالية العالمية.

وبالرغم من ذلك فإننا مقتنعون أن التطور التاريخي للإمبريالية أحدث العديد من التغيرات والتحولات الكبيرة التي تشكل دراستها وتحديد اتجاهاتها العامة إحدى المهام الجوهرية الملقاة على عاتق الماركسيين اللينينيين، في الوقت الراهن خصوصا إذا استحضرنا واقع الضبابية الإيديولوجية والبلبلة الفكرية المنتشرة حاليا كالهواء في كل مكان.

هوامـــــــش
**************


--------------------------------------------------------------------------------

[1] . ع الحريف نفس المرجع.

[2] لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.

[3] لقد نسي صاحبنا الحريف أن يقول بأن لينين هو الآخر قد أضفى صفة المطلق على مرحلة معينة من تطور الرأسمالية أي مرحلة الاحتكار، بل

إنه يقولها ضمنيا.

[4] . لينين: الرأسمالية في الزراعة، عرض لكتاب كاوتسكي، ص 166.

[5] . ع الحريف نفس المرجع.

[6] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.

[7] . لينين: نفس المرجع السابق.

* . رغم أن مقال الحريف قد كتب قبل هذه الأحداث: أي عندما كان الكل بإمكانية أنسنة العولمة و انجرف هذا الكل إلى براثين الإيديولوجية البرجوازية. إلا أن ذلك لا يمنع من قول ما قلناه، فالنظرية أو الإرهاصات التي تفقد كل قيمتها في ظرف وجيز مثل هذا، لا يمكن أن تكون إلا مجرد أحلام مفكري الصوامع.

[8] لينين: نفس المرجع السابق.

* . لينين: نفس المرجع السابق.

[9] .هانس بيتر مارتين، هارالد شومان: فخ العولمة.

[10] . لينين: نفس المرجع السابق

[11] . لينين: بصدد الكاريكاتور عن الماركسية، ص 92.

[12] . لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، ص 82.

[13] . لينين: "تقرير عن الامتيازات".في كتاب "عن الإمبريالية و الإمبرياليين" ص 181.

[14] . لينين: مقدمة لكتاب بوخارين "الاقتصاد الرأسمالي العالمي" ص 38.