الامبريالية لا تزال اعلى مراحل الرأسمالية – الحلقة الثانية


ابراهيم حجازين
2007 / 3 / 21 - 12:41     

تحدث كلاسيكيو الماركسية عن الطابع الطفيلي للرأسمالية وحلل لينين هذا الطابع في مرحلة الإمبريالية ، لكن ما يحدث اليوم يفوق بدرجات لا تتصور الطابع الطفيلي الذي تكلم عنه لينين . إن أكثر من 25% من أرباح الشركات المتعددة الجنسية تحصل عليها من خارج عملية الإنتاج وهذا يعكس تماما طابعها الطفيلي .رغم أن هذه الشركات تستطيع أن تضاعف من إنتاجها السلعي وبالتالي من أرباحها كذلك لكن سعيها من اجل الربح يغلق هذا الاحتمال ، فالمضاربات في الأسواق والبورصات العلمية وصناعة البزنس المشبوه تدر أرباحا كبيرة كما رأينا ، لذا من المتوقع أن تزداد تعمق هذه الظاهرة في الفترات اللاحقة ويترافق معها الميل نحو عدم القدرة على إدارة الموارد الاقتصادية وبالتالي نحو الدكتاتورية والفاشية .
أشار العديد من المفكرين الليبراليين واليساريين منذ منتصف التسعينييان في الولايات المتحدة في دراسات اجروها إلى خطر تراجع الحريات الليبرالية في الولايات المتحدة وقد لاحظ المجتمع الدولي كيف استفادت الأوساط المحافظة الجديدة في الإدارة الأمريكي من الظروف التي تشكلت بعد 11 سبتمبر في سن العديد من القوانين التي تضيق على الحريات مثل قانون (بتريوت أكت) أو التصنت على مراسلات الأمريكيين ومراقبة نشاطاتهم المدنية وفرض الرقابة في الجامعات على نحو شديد يذكر بأيام المكارثية .
هذه المظاهر الجديدة تترافق مع تزايد الطابع العسكري العدواني للإمبريالية سواء في حجم الإنفاق العسكري مما يدر أرباحا هائلة على المجمع العسكري الصناعي أو قيام الشركات متعددة الجنسية بتصدير وتجارة الأسلحة حيث يتم بيعها لدول دون الحاجة إليها إما تحت التهديد أو بالرشاوى حيث افتضحت العديد من الصفقات التي جرت مع دول مقتدرة وغير مقتدرة من دول العالم الثالث المنكوب بالاستغلال النهب والابتزاز والتبعية .كما ان الإمبريالية تقوم بشن أعمال وحروب عدوانية جرت في يوغسلافيا السابقة وأفغانستان حتى قبل تفجيرات نيويورك والسودان والعراق ودول أفريقية عديدة أو توكل أدواتها المحلية للقيام بذلك كالحرب التموزية في لبنان أو دور أثيوبيا في الصومال واستخدمت في كل هذه الاعتداءات أسلحة محرمة دوليا طالت المدنيين بشكل أكبر نسبيا مقارنة مع حروب عالمية سابقة من حيث عدد السكان أو المساحات التي جرى فيها العدوان .
يلاحظ أيضا ان الشركات متعددة الجنسية آخذة في السيطرة على المزيد من المجمعات الإعلامية حتى ان هذه المجمعات عدا دورها الإعلامي المعروف في خدمة الرأسمال قد اندمجت مع الاحتكارات عضويا ، ففقد الإعلام إمكانيات أن يلعب دورا محايدا او موضوعيا في توجيه الرأي العام فهو جزء ومعبر عن مصالح الاحتكارات والدول الإمبريالية ويصح ان نسميها الإمبريالية الإعلامية
هذا يطرح مقاربة جديدة في المواجهة مع الإمبريالية فإلى جانب العمل داخل الحركات المناهضة (للعولمة) والتي هي بحاجة للمزيد من البلورة والصقل وتوضيح توجهاتها وبرامجها حتى تعمل على فضح ومواجهة المولد والمنتج (لظاهرة العولمة) ألا وهي الرأسمالية بحد ذاتها، وهذا لا يعني التقوقع وفرط التحالفات الواسعة مع كافة الاتجاهات المناهضة (للعولمة) بل توضيح وبلورة الاتجاهات الاجتماعية على المستوى العالمي حتى تتبواء مواقع افضل داخل تلك الحركات الواسعة وفي نفس الوقت مجابهة تلك النشاطات التضليلية التي تقوم بها المنظمات الممولة من قبل مراكز الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية لحرف هذه الحركات عن أهدافها الفعلية .
لابد أن يكون الهدف من النشاط العالمي والدولي المناهض (للعولمة) جزءا من تكتيك الجبهات العالمية المعادية للإمبريالية التي تضم دول اليسار الاجتماعي والدول الديمقراطية والأحزاب والنقابات الدولية والحركات الجماهيرية السلمية وحركات الدفاع عن البيئة والمناخ وغيرها . أما في داخل البلدان المختلفة وكل دولة حسب دورها ومستوى تطورها والمهام المطروحة أمام شعوبها يصبح السعي إلى تشكيل جبهات واسعة ديمقراطية مناهضة للتبعية والسياسات الليبرالية الجديدة ورافضة لوجود قواعد عسكرية على أراضيها وأعمال العدوان ومدافعة عن المصالح الاجتماعية والمعيشية لأوسع الجماهير الشعبية الفقيرة والمتوسطة مهمة مطروحة .أي جبهات تشكل خيار وكتلة تاريخية للتنوير وحداثة عقلانية تحترم الإنسان وكرامته وعقله ... وفي بلداننا العربية أن تعمل هذه الجبهات على التصدي الحاسم لسياسات الإمبريالية على صعيد القضية الفلسطينية ودعم مقاومة ونضال الشعب الفلسطيني كذلك الأمر بالنسبة للعراق العمل على إخراج المحتل ودعم مقاومة الشعب العراقي والتصدي لمحاولات تقسيم العراق وتفتيته وإفشال التدخلات الإقليمية والعمل عل توحيده على أساس ديمقراطي ودعم المقاومة اللبنانية والمحافظة على وحدة لبنان أمام محاولات تمزيقه إلى دول الطوائف ، ودعم السودان في رفضه لمحاولات تمزيقه ..أي أن يرتبط عمل هذه الجبهات على المستوى الوطني ببرنامج عمل قومي تحرري وديمقراطي .
إن كانت الإمبريالية هي مرحلة الرأسمالية الأعلى . فماذا عن الحديث عن أنها عشية مرحلة جديدة ؟ إن الرأسمالية لم تصل إلى تلك المرحلة التي تفقد فيها القدرة على إدارة الموارد وقوى الإنتاج ولم تدخل بعد في تناقض لا حل له بين الإنتاج والاستهلاك ، ولم تولد أيضا أشكال أرقى من الرأسمالية في أحشائها . وشعوب الدول الرأسمالية المتقدمة لم تصل إلى تلك اللحظة التي ستنخرط فيها في العمل ضد الرأسمالية ، كما أن حركة الشعوب المناهضة للإمبريالية لا تزال ضعيفة وغير ناضجة بعد لطرح بدليل ملائم لتنمية وتطوير بلدانها . فهل لا يزال من المبكر الحديث عن أن الرأسمالية الاحتكارية هي عشية نظام اجتماعي جديد ؟