دور أفكار ماو تسي تونغ في تطوير الماركسية - اللينينية - مقدمة


جريس الهامس
2007 / 1 / 21 - 12:54     

بعد سقوط التحريفية السوفياتية والإحباط العام الذي انتاب الحركة الشيوعية العالمية , ساد الفكر الليبرالي المعولم الذي أنتجه التمركز الرأسمالي في القطب الواحد الأمبريالي ليفرّخ نظرية ياكوهاما وغيرها التي اعتبرت النظام العالمي الأمريكي الجديد نهاية العالم , وبعد فتح معظم دول العالم ومواردها الطبيعية وأسواقها أمام هذا الرأسمال المتوحش القادم من وراء البحار من أمريكا وأوربا , أضحي بإمكان هذا الرأسمال الزاحف دون توقف إلغاء الإقتصاد الوطني والهوية الوطنية والقومية لأية دولة في الكثير من البلدان التي سيطر عليها في العالم الثالث , باسم التجارة العالمية والعولمة , وأضحى بمقدور هذا الرأسمال المالى أو الصناعي أن يعيد إنتاج نفسه في الكثير من بلدان العالم الثالث ويحصل على فائض قيمة أكبر , بكثير من البلدان الأصلية لهذا الرأسمال لهذا نرى مئات المصانع والإستثمارات الضخمة والبنوك تنقل أو تشاد مجدداّ في بلدان كدول الخليج وسنغافورة وجنوب شرق اّسيا وغيرها تؤمن لها اليد العاملة الرخيصة والتهرب , من دفع الضرائب الضخمة في أمريكا وأوربا كما تؤمن لها المواد الخام بأسعار البلاش ....البلدان الفقيرة ذات الإقتصاديات المتخلفة والمدمرة والمنهوبة أيضاّ في أنظمة ديكتاتورية قمعية تنتهك أبسط حقوق الإنسان لآتستطيع أن تكون فاعلة في نظام العولمة فلا إنتاج وطني لديها تدخل به إلى السوق ولانظام سياسي واجتماعي وثقافي ديمقراطي نابع من إرادة الشعب يستطيع حماية هويتها الوطنية والتربوية والثقافية أما م القصف اليومي للإعلام الرأسمالي الذي يقتحم المنازل والعقول دون استئذان فالشبكة العنكبوتية لاتستطيع أية قوة في العالم حجبها عن الشعوب , وكم هم بلهاء الذين حاولوا حجب موقع الحوار المتمدن مثلاّ في سورية وتونس والبحرين وغيرها.... ورغم كل ما تقدم هنا ليست نهاية العالم كما يزعمون ...؟
فإذا فشلت تجربة اشتراكية واحدة لأسباب شرحنا خطوطها العامة في الحلقة السابقة ( سقوط التحريفية السوفياتية ...) فهذا لايعني سقوط الماركسية اللينينية أفكار ماوتسي تونغ وعدم توفر إمكانية تطورها , باستمرار لتلائم مواصلة الصراع والنضال الطبقي والنضال القومي الديمقراطي للشعوب ضد المستثمرين والمحتلين ألذي هو في التحليل النهائي مسألة صراع طبقي بين الرأسمال والعمل _ بين المضطهدين , والمضطِهدين - ولتتناسب مجابهتها لهيمنة الرأسمالية مع التكيف الرأسمالي البلهواني وتطور أساليبه الخبيثة وابتكاراته لنهب الشعوب وسرقة أدمغتها مع ثرواتها وإلغاء تاريخها وثقافتها من الوجود في نهاية المطاف , أو تركها تلعق تاريخ الماضي الظلامي وأوابده الدينية , تركها تعيش على النقل بعيداّ عن العقل , في عالم الإستهلاك دون الإنتاج ,,,

يعتبر ماركس ورفيقه أنكلز ومعهم فرويد من أعظم علماء القرن التاسع عشر , لالأنهم قدموا نظريات علمية صحيحة لاتقبل الدحض والنقض وحسب ... لكنها تقبل التطوير والتصحيح أمام كل واقع جديد أو مختلف عن المجتمع الصناعي الذي عاشوا فيه.. وتكمن أهميتها في أن ماركس وأنجلز هبطا بالفلسفة من السماء إلى الأرض وأعادا إنسان المثالية عند هيغل وفيورباخ وغبرهما الواقف على رأسه ليقف على قدميه بعد أن أضاءا عتمة العالم والتاريخ خارج الإنسان و سلطا الضوء على صناعة التاريخ والمواد التي صنع منها علمياّ في المادية التاريخية , وفانون تطور المادة والمجتمع في المادية الديالكتيكية في نظرية علمية متكاملة... , أما فرويد العظيم واضع علم النفس الحديث أضاء عتمة النفس داخل الإنسان , وسلط الضوء على اللاشعور وفعله في السلوك البشري ....إلخ
كما هبط إبن خلدون بعلم الإجتماع البشري من عالم الأسطورة الدينية إلى واقع المجتمع المعاش .. رغم حفاظه على الغلاف الديني الذي لم يتح له الفكاك منه في القرن الرابع عشر , وكذلك جاء علي الوردي المفكر العراقي
في عصرنا بشكل أكثر انعتاقاّ من المقدس الديني حيث أخرج وحرّر علم الإجتماع من قاعات الأكاديميات إلى شوارع وأزقة الناس...دون التحرر التام من المقدس _ ومع ذلك فهو تطورعقلي وعلمي رائع ومحترم ....
وجاء لينين بعد ماركس انكلز ليطور الماركسية على واقع روسيا القيصرية النصف إقطاعية ويقود ثورة أوكتوبر 1917 للظفر .. ثم جاء ماوتسي تونغ ليطورها على واقع نظام إقطاعي أكثر عبودية لملايين الفلاحين الفقراء وقاد مع حزبه العظيم أعظم ثورة في التاريخ بين 1923 – و 1949 هذه الثورة التي حررت ربع البشرية من عبودية الإقطاع والرأسمال والإحتلال الأجنبي ... وهذا ما حدث في فييتنام ولاوس وكمبوديا وكوبا والجزائر وغيرها بالأمس القريب ..وماتزال الماركسية اللينينية منارة تهدي الشعوب للتحرر دون تقديس وصنمية إنها مرشد أمين وصادق لجميع الثوريين المخلصين الذين يكرسون حياتهم لتحرير أوطانهم وشعوبهم من أنظمة العيودية الرأسمالية والإستبداد والقمع والديكتاتورية ... وهاهي راياتها تنتصر بالسلاح في ثورة نيبال العظيمة وبالنضال الجماهيري السلمي في سبع بلدان في أمريكا اللاتينية وبأشكال مختلفة ...؟
ونعود لموضوعنا الرئيسي لنقول :

لايمكن لأي كاتب أو مؤرخ منصف يبغي تقديم الحقيقة للشعوب الثورية , كما لايمكن لأي مناضل ثوري في العالم ضد الإستبداد والإستغلال والإحتلال ولجميع القوى الخيّرة في العالم قاطبة المرور العابر على الثورة الصينية العملاقة , وتجاهل أهمية أفكار ماوتسي تونغ وقيادته الحكيمة والثورية , ماو الذي صان وطوّر الماركسية اللينينية في عصرنا وطبقها بنجاح على واقع الصين الموضوعي وثورتها العملاقة عبر الممارسة الثورية العملية النابعة من إرادة الجماهير دوماّ ,جماهير المضطهدين والعبيد صنّاع التاريخ عبر الصراع الطبقي والوطني تبعاّ لمقولة ماو الشهيرة : ( إن التاريخ لايصنعه العباقرة , بل يصنعه العبيد , وهذا هو الفارق بين المثالية والمادية الديالكتيكية )
وهذا هو الفارق الجوهري بين التنظير من الأبراج العاجية وصياغة الفكر الثوري من الممارسة الثورية بين الجماهير .....لتبديل واقعها المرير جذرياّ . إن الحقيقة الثورية عنيدة دوماّ لاتنحني أمام العواصف العاتية والحملات الأمبريالية والبورجوازية الطفيلية التابعة والتحريفية المعاصرة ... ورغم كل التشويهات والإفتراءات الرخيصة وقرارات الحجب والنبذ التحريفية والأمبريالية معاّ . بقيت أفكار ماو حقيقة ثورية وجزء لايتجزأ من الماركسية اللينينية وتطوير لها على واقع مجتمعات العالم الثالث المضطهدة التي يغلي بركان الثورة فيها تحت قشرة هشّة من أنظمة القمع والنهب والإستبداد والتبعية ...وسينفجر هنا وهناك , كلما توفرت الشروط العلمية للإنفجار والثورة وأداة قيادتها الحقيقية نحو النصر والإشتراكية الديمقراطية . وقد أطلق ماو على هذه البلدان : ( منطقة العواصف الثورية )
هذا وتكتسي اليوم أفكار ماوتسي تونغ حلّة جديدة وأهمية خاصة بعد سقوط التحريفية السوفياتية التي شوهت الماركسية اللينينية , و ألغت قيادة الطبقة العاملة للحزب والدولة الإشتراكية الديمقراطية, لتحل محلها ديكتاتورية البيروقراطية البورجوازية , أو رأسمالية الدولة البيروقراطية – بعد القضاء على علاقات الإنتاج الإشتراكية – الديمقراطية , ودعمت الأنظمة الديكتاتورية المعادية لشعوبها التي رفعت شعار الإشتراكية كذباّ وتشويهاّ للإشتراكية وهذه الأنظمة صناعة أمريكية بامتياز . ومنحتها التحريفية السوفياتية شهادات حسن السلوك والألقاب الوطنية والتقدمية وابتكرت لها بدعة الأنظمة اللارأسمالية التي تبني الإشتراكية نزويراّ للعلم والواقع والتاريخ وزودتها بالمنح المختلفة والسلاح والدعم المعنوي كديكتاتوريات : سورية والعراق ومصر وليبيا والجزائر واليمن والحبشة وغيرها الكثير ... واقتسمت النفوذ ونهب الشعوب مع الأمبريالية الأمريكية تحت شعارات ( المباراة الإقتصادية – التعايش السلمي – نزح السلاح – الطريق السلمي للإشتراكية - الوفاق الدولي – الأمن الأوربي ..الخ )
لقد أشار ماو إلى مصير التحريفية السوفياتية التي أعطت المثل السيْ للتجربة الإشتراكية بعد المؤتمر العشرين عام 1956 بقوله : ( إن الإتحاد السوفياتي الدولة الإشتراكية الأولى ستنحط بعد سيطرة التحريفيين الخروشوفيين عليها إلى دولة أمبريالية معادية للشعوب وحركات تحررها وثوراتها المشروعة- - من مقررات المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني – نيسان 1969 )
وإذا كان التحريفيون الصينيون الجدد الذين سلموا من مجابهة الثورة الثقافية الصينية _ رغم الأخطاء التي ارتكبت فيها - التي فجّرها الرئيس ماو وقيادته الثورية عام 1965 , قد عادوا للنماء في التربة الصينية بعد وفاته , وبعد تشويه الثورة الثقافية وحرفها عن خط الجماهير , فإن ذلك لم يكن غائباّ عن فكر ماو , كما لم يكن غائباّ عن فكر لينين قبله كقوله : ( ستحاول البورجوازية دوماّ استعادة الجنّة التي فقدتها وفي أية فرصة تضعف فيها ديكتاتورية البروليتاريا _ أي سلطة العمال والفلاحين ) وذلك عندما ينفصل الحزب عن الجماهير وتتحول الدولة الإشتراكية إلى رأسمالية الدولة البيروقراطية على أشلاء الديمقراطية الإشتراكية , ويستمر الصراع بين الخطين الإشتراكي الثوري والإصلاحي البورجوازي , طويلاّ داخل الدولة الإشتراكية نفسها لذلك أكد ماو مايلي : الشعب هو سورنا البرونزي .. لكن الشعب يجب أن يعرف كل المسائل مع إيقاظ حذر كوادر القاعدة والكوادر المتوسطة في الحزب ضد هؤلاء الرؤساء الكبار , وعلى هذه الكوادر أن تتحرر تماماّ من الطاعة العمياء وتعرف – المع , والضد – وتكتشف وتدرس الأقوال والأفعال وتميز بينها عبر الممارسة العملية في الإنتاج والبناء ( 1 )
قد يتساءل القرّاء الكرام أما كان على الرئيس ماو أن يغيّر من القمة وهو الذي يملك سلطة القرار ؟ وأن يفصل هؤلاء الذين يسلكون الطريق التحريفي البورجوازي في اللجنة المركزية والمكتب السياسي ويعارضون خط الحزب الجماهيري ..؟
كان ماو لينينياّ صادقاّ يرفض الأسلوب الإداري الفوقي والفردي في معالجة التناقضات داخل صفوف الحزب والشعب .. كان يرفض الإنقلاب في البلاط - كما فعل خروشوف وخلفاؤه –
نراه على العكس يحدد سلطته الشخصية منذ عام 1948 طارحاّ : إرادة الإتفاق في الإقناع في التربية , في قوة الكلمة , في التحليل العلمي , في الحوار الديمقراطي عبر الموضوعة الديالكتيكية التي كانت دوماّ نبراس نهجه الفكري : ( وحدة – نقد - وحدة ) ( نقد – نقد ذاتي – ثم وحدة ) هذا الأساس التربوي لترسيخ جذور الديمقراطية الإشتراكية بين صفوف الشعب والحزب ..
برز هذا الأساس التربوي والنهج الديمقراطي أكثر وضوحاّ في مؤتمر الاّلاف السبعة الذي انعقد في كانون الثاني 1962 الذي قال فيه ما يلي : ( بدون تحقيق الديمقراطية في أوساط الشعب لايمكن أن تتعزز سلطة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء . وستكون السلطة السياسية غير مستقرة . وإن إمكانية عودة الرأسمالية إلى السلطة إمكانية موجودة دائماّ , وستحاول الطبقات المستغِلة العودة اليوم أو غداّ وفي كل حين .. لذلك فإذا استعملنا المناهج التقليدية المألوفة للسيطرة على الثورة المضادة مثل : التوقيف والتصفية الجسدية ..الخ فإننا نكون قد سعينا إلى حتفنا بظلفنا .. إن خط الجماهير وحده هو الذي يحل هذه المسألة , وليس أبداّ الإلغاء أو القمع .... وإذا غيّر رفيق من رفاقنا التحريفيين نفسه تغييراّ جذرياّ وعاد إلى الوضع الماركسي فأهلاّ وسهلاّ به , لنكون كلنا في خط واحد وأنا هنا أرحب بكل هؤلاء الرفاق الذين خدعوا وتخلصوا من أخطائهم ,,)
كما قال : أحذر الذين ارتكبوا جرائم التواطؤ مع البلدان الأجنبية أو انخرطوا في عصابات معادية للحزب والشعب أن يعترفوا بجرائمهم ويشرحوا ماقاموابه شرحاّ كاملاّ وصادقاّ . عندئذ نرحب بهم ونقول لهم بأننا لن نلجأ أبدأ إلى أسلوب الإعدام ) ( 2 )
هكذا عالج ماو التناقضات بين صفوف الشعب دوماّ انطلاقاّ من مبدأ : ( وحدة الأضداد , وصراع الأضداد - ومعالجة المريض للقضاء على المرض , وتحول المادة إلى عقل وتحول العقل إلى مادة وأخيرا إنقسام الواحد إلى أثنين ....)
وبهذه الروح الماركسية العلمية عالج ماو خصوم الثورة المتجمعين حول تيارين : سنشرحهما في الحلقة القادمة - يتبع

( 1 ) هان سوين - اليوم الأول في العالم – تعريب المرحوم هلال رسلان سفير سورية في الصين الشعبية عام 1964 – ص 210 وما بعدها
( 2 ) حاشية المؤلف : هذه مرّة من عشرات المرّات التي عارض فيها ماو الأجهزة السرية المقتبسة من الأسلوب الروسي ال kgb , وماو مثل لينين يرفض الإرهاب الداخلي _ ص 205