عصبة التحرر الوطني الفلسطينية في قطاع غزة دروس من غزة -الحلقة الأولى


ابراهيم حجازين
2007 / 1 / 19 - 11:28     

مقدمة
في اعمال سابقة تعرفنا على مصير عصبة التحرر الوطني في فلسطين في كل من الأراضي التي أقيمت عليها عليها اسرائيل أو احتلتها أثناء حرب 1948. هناك كانت الغلبة لقوانين الهزيمة ،
وفي هذا`السياق تكيفت العصبة وأكدت على الطابع الطبقي والأممي للصراع على أساس استخلاصاتها أن تشكيلها منذ البداية على أسس قومية أضر بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني واستنتجت بالتالي ضرورة الاندماج في الحزب الشيوعي الإسرائيلي لتكريس الوحدة الطبقية والأممية للطبقة العاملة العربية واليهودية . وعقد لهذا الهدف مؤتمر الوحدة فاندمجت منظمات العصبة في الحزب الشيوعي الإسرائيلي ، مقابل أن تندمج منظمات الحزب الشيوعي "الفلسطيني" الاسم السابق للحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي ضم أعضاء يهود بدورها في عصبة التحرر الوطني الفلسطينية في المناطق المحددة للدولة العربية التي نص عليها قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 لذا بقيت منظمات العصبة في مناطق الجليل تعمل تحت مسمى العصبة حتى ولو كانت تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي حتى توقيع الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل في رودس عام 1949 ، حينها ودون ضجة اندمجت منظمات العصبة هي الأخرى في الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي اصبح يضم كافة الشيوعيين العرب إلى جانب الأعضاء اليهود وهكذا انتهى كفاح أحد أجزاء العصبة .
أما الجزء الذي تواجد في ما عرف بالضفة الغربية التي سيطرت عليها القوات المسلحة الأردنية، فاستمر في العمل تحت مسمى العصبة حتى عام 1951 أي بعد عام من ضم الضفة للمملكة الأردنية الهاشمية . هناك أيضا كما أشرنا في أعمال سابقة رضخت العصبة لنفس القوانيين وتحولت للحزب الشيوعي الأردني بعد ضم الخلايا الماركسية التي كانت متواجدة في الأردن قبل ذلك التاريخ ، وانتهى عمل العصبة أيضا هناك واخذت طريقا جديدا للكفاح .
في كلتا الحالنين السابقتين خسرت العصبة طابعها الفلسطيني وفشل الشيوعيون بإبقاء هويتهم وقضيتهم على جدول أعمال النضال الوطني المباشر وذلك لصالح النضال الطبقي والاجتماعي والتحرري السياسي من الاستعمار البريطاني .
في قطاع غزة الذي صار تحت الإدارة المصرية نتيجة لهزيمة الدول العربية وطبقا لاتفاقيات الهدنة بعد حرب 1948 ،كان مصير فرع عصبة التحرر الوطني في فلسطين هناك يختلف تماما عن الأجزاء الأخرى .ففي غزة ، فإن الظروف التي تشكلت بعد المأساة الوطنية الفلسطينية حددت مسار أخر للعصبة .فهذا الجزء من فلسطين لم يلحق بمصر بمعنى الضم بل بقي يحافظ على طابعه الفلسطيني رغم المحاولات التي قامت لاحقا لإلغاء هذا الطابع أيضا .

ظروف قطاع غزة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعد الكارثة الوطنية
بعد حرب 1948 اصبح هذا الجزء الصغير من الأرض الفلسطينية منفصلا بشكل كلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا عن باقي أجزاء فلسطين . قبل الحرب كانت عدد سكان القطاع لا يتجاوز 90 ألف شخص وبعد الحرب ازداد عدد سكان القطاع ثلاث مرات واصبح تقريبا 270 ألف نسمة . هذه الزيادة جاءت من الهجرة الفلسطينية من الأراضي التي استولت عليها إسرائيل وقيامها بطرد السكان العرب من أراضيهم ومدنهم وقراهم بالقوة.
هذا الجزء من فلسطين كان محروما بشكل أساسي من الصناعة وأراضيه فقيرة لغاية الأغراض الزراعية ، كان النشاط الاقتصادي الأهم في القطاع هو التجارة ولنا أن نتخيل ظروف النشاط التجاري بعد تلك الكارثة التي أصابت كل مجالات الحياة اليومية ولم تبق أمل أمام الناس . لذا كانت الظروف المعيشية صعبة لدرجة أن ما كان يحصل عليه السكان يكاد لا يسد حاجاتهم البسيطة . ومن هنا نقدر أن نفسر مواقف سكان القطاع من كافة القضايا التي واجهتهم وقوة مقاومتهم للمخططات التي هدفت لتوطينهم خارج أراضي وطنهم لاحقا .
في شهر كانون ثاني من عام 1949 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأسيس وكالة غوث اللاجئين "الأونروا " لمعالجة الظروف التي نشات بعد الحرب وانعكاساتها على سكان القطاع . كان الهدف المعلن من تشكيل الاونروا ان تقدم المساعدات المادية للاجئين الفلسطينيين وان تؤسس لإقامتهم الدئمة في القطاع ، وفي الجوهر هذا يعني التخلي عن حقوقهم كشعب فلسطيني وخاصة الحق في العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها كما نص عليها قرار الأمم المتحدة 194، والتعامل معهم تحت مسمى لاجئين .وبهذا تتم تصفية الطابع الفلسطيني والهوية القومية للقطاع لكن بطريقة مختلفة عن باقي الأراضي الفلسطينية . فهنا في قطاع غزة يتم التعامل مع مجموعات من اللاجئين الذين يحتاجون لمساعدات مادية .ولهذا أخذ النضال الفلسطيني في غزة أبعاد أخرى مختلفة عن باقي أراضي فلسطين ، حيث أصبح التعلق بالهوية الوطنية فرضا من فروض المقاومة.
بعد الحرب جرت تغيرات في الحالة السياسية للقطاع ، الحكومة المصرية عينت حاكم عسكري مصري له حائز على سلطات واسعة لتطبيق القوانين المصرية التي يعاني منها الشعب المصري ذاته. كل ذلك في ظل انهيار تاريخي للقيادة التقليدية للشعب الفلسطيني متمثلة بحكومة عموم فلسطين وذلك بعد خسارتها لقاعدتها الاجتماعية وهيبتها السابقة وحصر نفسها في غزة، وهذا ساعد على فسح المجال لهيمنة إدارية وأمنية مصرية دون معيقات على القطاع ،كما هيأ الظروف المناسبة لزيادة نشاط قوى سياسية أخرى في القطاع الذي كان المأوى الأخير لتلك القيادة .