عندما يتحول الحزب الثوري الى اقل من جمعية خيرية !


جمال محمد تقي
2007 / 1 / 16 - 06:45     



الحزب الثوري حاجة موضوعية لقاعدة اجتماعية واسعة متطلعة لواقع جديد ومستقبل مختلف تتحقق فيه قيم الرقي الانساني التي تتعاطى مع الانسان كاثمن راس مال على وجه الارض ، ولانها ليست افلاطونية وليست طوباوية وليست قدرية وليست ميكانيكية فهي ثورية اي تعمل لتنظيم نفسها بنفسها وتفرز اثناء معمعانات ومحاولات تنظيم نفسها صيرورتها الحزبية وحتى يكون البناء متينا وحتى يتم تسخير المنعطفات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية والتكنلوجية لخدمة مصالح الاكثرية وليس للمزيد من الاستغلال والاستلاب والاغتراب الطبقي بمعناه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ولا لمزيد من التناقضات المعطلة لطاقات البشر الفذة على صعيد علاقة الانسان بالانسان او علاقة الانسان بالطبيعة فانها لا تتردد بتحفيز النخب المثقفة من داخلها او خارجها هذه النخب المتطلعة مثلها بحسها المعرفي الذي يؤدي لانسلاخها طبقيا متحدة مع الحس الثوري الطبقي لتكوين كتلة تاريخية عابرة موضوعيا بتطلعاتها المشروعة للانماط وعابرة للحدود الطبقية او الوطنية او الاقليمية لتكون مكون من مكونات خمائر الثورة العالمية المتجهة نحو انسنة العالم واستعادة توازنه المفقود منذ ان فقدت البشرية عذريتها بزوال المجتمع الاطبقي هذا التحول المتغير باستمرار اي الديالكتيكي والمنسجم مع سنن الطبيعة ذاتها مطلوب ايجاده مجددا دون الرجوع الى الوراء اي بناء جوهر لا طبقي في ارقى انواع التخصص والوعي والابداع الانساني وهذا لا يتم الا ببلوغ درجات عالية من التجاوز للفروقات بين العمل العضلي والذهني وبين المراة والرجل وبين الريف والمدينة وبين الشمال والجنوب الخشية كل الخشية من ان تستثمر الامبريالية العالمية كل انجازات البشرية لصالح محاولات ابقاء الوضع كما هو عليه اي لا يمس جوهر هيمنتها ومن اجل ذلك قد ترتكب حماقات تاريخية يمكن ان تؤدي الى الابادة او الى الكوارث الماحقة للارض وما عليها !
من هنا فان الاخطار المحدقة بالبشرية تزداد احتمالياتها كلما ازداد تعنت الامبريالية وعدم انصياعها للقوانين الموضوعية قوانين التحولات من الكم الى الكيف وخضوع مصالح الجزء لمصالح الكل ، لابد من حدود لاي جشع او استغلال او استلاب وليس الامر مفتوح ولا نهائي !
اي يجب ان يكون تدخل الانسان متوازنا عندما يتعلق الامر بالتطور الموضوعي لان هناك تطورات موضوعية عمياء تسحق بطريقها الاخضر واليابس ، التنظيم الثوري ضمير الاكثرية الساحقة من ابناء المجتمع وبوصلة مساعيها الحثيثة لبلوغ اهدافها ، وعليه فان هناك مسؤولية جسيمة يتحملها التنظيم الثوري كجزء من عملية تثوير الواقع المحلي والعالمي لمصلحة الانسان وبقاء نسله وانجازاته وعندما يفشل في التعبير عنها او تحقيقها فما عليه الا اعادة النظر بنفسه اولا وعندما يعيد بناء نفسه فانه قد حقق شرف المحاولة الثانية وعندما لا يجد في نفسه اي ضرورة للتغيير ويصبح هو ذاته حجر عثرة في طريق استشراف الاكثرية الساحقة لمصالحها الحيوية عليها هي ان تعزله وتفرز صيرورتها الحزبية الجديدة !
من اكثر العقد المزمنة هو تحول بعض التنظيمات التي يفترض بانها ثورية الى شبكات شبه سرية تنحصر هياكلها التنظيمية الفاعلة بيد مجموعة محدودة من المسلكيين والمتفرغين لقيادة التنظيم وهؤلاء يقيموا لانفسهم مراكز قوى يستندون عليها لصالح ضمان استمراهم في مراكزهم ، مما يؤدي الى تكلس الكادر غير الفاعل والمضر بعملية تطور التنظيم ويكون التنظيم نفسه منغلقا على نفسه رافضا لاي عملية نقد حقيقي ، واغلب هؤلاء من انصاف المتعلمين ومن اصحاب فقر الدم الماركسي وامراض الافندية الذين يخوضون بالتنظيم وكانه مافيا لاتخلوا باساليبها التصفوية عن اي مؤسسة قمعية ! لذلك كله تنحدر هكذا تنظيمات الى الانعزال والتآكل ، وقد يحصل انها تساوم حتى على اهدافها المعلنة للحصول على مكاسب مؤقتة ليس لها تاثير على القاعدة الاجتماعية املا باطالة عمرها الافتراضي لذلك ستكون بقاء هذه الحالة هو اشبه بعملية تفريغ وطرد لامكانيات التجديد وستكون حاجزا بوجه الكفاءات الحقيقية وحاجزا بوجه التوسع العمودي الذي لا غنى عنه لاي تنظيم يدعي الثورية !
برنامج علمي للتغيير الجذري وليس الاصلاحي بمعنى الترقيعي ، برنامج بجناحين محلي وعالمي قريب وبعيد ، يعتمد على اولويات ومعطيات الميدان .
برنامج واضح ليست له عدة تفاسير برنامج للممارسة وليس للتنظير ، برنامج يوائم بين الممكن والطموح ، برنامج عمل له امتدادات بخطط في كل مجال حيوي ، برنامج يجمع ولا يفرق ، يوحد ولا يشتت ، برنامج يكون زبدة وعصارة لتفسير الواقع بقوانينه وبادوات علم الديالكتيك !
النتيجة العملية لتنظيمات بالمواصفات اعلاه اي المواصفات الانعزالية ستكون برامج على قدر وزن اصحابها وارتباطها المعدوم بقاعدتها مهما حاولت الاستعارة او الاستنارة الخجولة من هنا او هناك ! انها برامج تعيش غربة نوعية عن الواقع او كانها مترجمة عن لغة اخرى غير لغة اهل البلاد !
نهج ندي للتحالفات اي لا مساومة على المصالح العليا ان وجدت ! تحالفات تصب بمصلحة الاكثرية الساحقة من ابناء الشعب .
ممارسة يومية هي حلقة وصل بين النظرية والتطبيق وهي المحك والمختبر لمفردات الخطط والبرامج ان التجربة هي اكبر برهان وعليه ستكون اعادة التقييم الدوري امر لا مفر منه !
هذه ليست وصفة جاهزة بل هي وصف ماخوذ من الخبرة المتواترة للاحزاب الثورية ضمن مقاييس ملموسة تاخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الكلية في العالم وسمات عصرها !
هل الحزب الثوري حزب انقلابي بالضرورة ؟
التعريفات المستخلصة من التجربة اللينينية تقترب بحدود كبيرة من الانقلابية بينما تتجرد الماركسية ومنابعها الاولى وتفصل نفسها مطهرة اياها عن الارادوية او المغامرات الثورية !
الماركسية الاولى تعتمد على تكامل الموضوعي والذاتي في تطور حركة الطبقة العاملة سياسيا ومطلبيا وعلى اهمية انبثاق الحزب الثوري كنتيجة موضوعية لتطورها ونضج حركتها ، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الماركسية الاولى تعتبر الثورة الاشتراكية تحصيل حاصل لثورة عالمية مركز ثقلها سيكون الدول الراسمالية المتطورة فانها تعقد العزم على تنظيم نفسها لتكون قادرة على صياغة نفسها مجددا ولتكون فاعلة في استحضار هذا الشبح القادم من اليات النظام نفسه فالراسمالية تحفر قبرها بنفسها لكنها لا تسير اليه بسهولة او طواعية !
ان النضال السياسي لتحقيق مكاسب ديمقراطية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا امر مفروغ منه ولابد ان يقترن بتعزيز وترسيخ دور النقابات والمنظمات المهنية لتكون قوة هامة لتحسين احوال الطبقات االدنيا في المجتمع !
بعض التنظيمات ذات المنشأ الثوري تحولت الى ما يشبه الجمعيات الخيرية بسبب من انفصامها التام عن جذورها وانحرافها الى دكاكين سياسية وغير سياسية تقوم ببعض الوظائف التي تعودت على القيام بها قبل انفصامها الكامل ، ومن الامثلة الاحتفاظ بالاسم القديم للتنظيم الثوري الذي انطلق وعرف به قبل عقود طويلة ، ان الحاجة تعود تلح مجددا لقيام تنظيمات ثورية جديدة تستوعب تجارب الماضي وتتجاوزها بتجاوز اسبابها الذاتية اولا !