جدلية المعركة على السلام والمساواة والدمقراطية العميقة!


عصام مخول
2007 / 1 / 14 - 13:55     

أطروحات الحزب الشيوعي في المسألة القومية – حالة الجماهير العربية في اسرائيل!(الجزء الثالث)
لم يغب عن بال الحزب الشيوعي في الماضي ولا يغيب في الحاضر، الخطر الكامن في تلك العقليات ذات البعد الواحد، التي تحاول ان تصور للجماهير العربية في اسرائيل، ان بمقدورها ان تختار احد خيارين فقط، إما النضال من اجل القضايا السياسية الكبيرة، قضية السلام في المنطقة، وحل القضية الفلسطينية، ودور اسرائيل الاستراتيجي في المنطقة والانشغال عن القضايا الحياتية اليومية، قضايا المساواة المدنية للمواطنين العرب، والقضايا الاجتماعية الطبقية والمعيشية، وإما الانشغال في القضايا اليومية المدنية، والتخلي عن دورها في "القضايا الكبيرة"، قضايا السياسة الخارجية، والاحتلال والشعب الفلسطيني والسلام وما الى ذلك. ان عقلية "الثنائيات"( ?????????) هذه، "اما اليومي وإما القومي"، لا زالت ماثلة وربما بشكل اقوى في الخطاب السياسي الرسمي الحالي، وفي خطاب المؤسسة الحاكمة في اسرائيل، في هجومها على الجماهير العربية وقياداتها، ومحاولة ادانة تعامل هذه الجماهير مع القضايا السياسية العامة وقضية الحرب والسلم، وتحميلها المسؤولية عن الغبن اللاحق بها، لو هي قررت تحدي هذه العقلية "الثنائية" وخرجت لأخذ دورها في المعركة على القضايا المحلية سواء بسواء مع اخذ دورها في المعركة على القضايا السياسية العامة التي تشغل المجتمع الاسرائيلي كله بل العالم اجمع.
لم يكن الحزب الشيوعي بحاجة الى الانتظار ثلاثين عاما، من اجل ان يجدل بوضوح رائع، جوابه المركب، على الحالة المركبة، من خلال بلورة جدلية النضال من اجل الحقوق القومية واليومية، وجدلية النضال من اجل المساواة الكاملة للمواطنين العرب في اسرائيل, في تكامل مع النضال من اجل السلام العادل الاسرائيلي – الفلسطيني ومن اجل بناء دمقراطية حقيقية عميقة، اجتماعية وسياسية.
ان الحزب الشيوعي في مؤتمره الـ - 18، توقف برويّة، ولا يزال، عند حق الجماهير العربية في اسرائيل، وواجبها ان تمارس دورها، وان تلقي بوزنها كاملا في المعركة من أجل السلام العادل، وحل قضية الشعب الفلسطيني، وحقها في طرح بديل للاجماع القومي الصهيوني في القضايا الاستراتيجية المطروحة على جدول الاعمال الاسرائيلي.
واكثر من ذلك، فان الحزب الشيوعي اعتبر هذا الدور، عاملا حاسما في احداث التغيير في القضايا اليومية الحياتية للمجتمع الاسرائيلي وللجماهير العربية في اطاره. لقد اجاب المؤتمر الثامن عشر بوضوح على السؤال – ماذا تحمل بشرى السلام للجماهير العربية?? فأكد اولا – ان السلام العادل القائم على انسحاب اسرائيل من جميع المناطق العربية عام 1967 وقيام دولة فلسطينية مستقلة، في الضفة الغربية، والقسم العربي المحتل عام 1967 من القدس وفي قطاع غزة، وحل عادل لقضية اللاجئين العرب، يشكل انجازا تاريخيا عظيما للشعب العربي الفلسطيني، الذي تشكل الجماهير العربية في اسرائيل، جزءا لا يتجزأ منه. واكد ثانيا، على ان انجاز السلام العادل، يؤدي الى ان تنشأ في داخل اسرائيل، ظروف افضل واسهل، من اجل وقف سياسة التمييز والتحريض والاضطهاد القومي، ومن اجل المساواة الكاملة في الحقوق. واكد ثالثا، على انه في الظروف الجديدة التي تنشأ عن تحقيق السلام العادل، سيكون بمقدور الجماهير العربية ان تتحول الى قوة ذات وزن كبير اكبر مما هي عليه الآن بها في النضال من اجل التغيير التقدمي، لنظام الحكم والسياسة في اسرائيل، ومع نجاح هذا النضال، يتغير وضع الاقلية القومية العربية في اسرائيل، نوعيا وجوهريا الى الاحسن.
ان هذه الرؤية الشاملة للوضع المركب التي يطرحها الحزب الشيوعي ترفض افتعال التناقض بين المعركة على السلام، والمعركة على المساواة والدمقراطية والتقدم الاجتماعي، بل تخلق الوعي لعمق التكامل بين هذه المعارك. ان هذا التحليل الجدلي للحزب الشيوعي، هو الذي يفتح الافق امام الجماهير العربية في اسرائيل من اجل الوصول الى حلفاء لها في المعركة على السلام وعلى المساواة والدمقراطية في داخل شرائح المجتمع اليهودي المعنية باحداث التغيير الشامل في المجتمع الاسرائيلي، من منطلق التزامها الدمقراطي التقدمي. هناك قاعدة مشتركة اذن، لمصالح حقيقية مشتركة – ليس للعرب مقابل اليهود، او اليهود مقابل العرب، كما تطرح مفاهيم "الفكر الثنائي" المهيمن، وانما مصالح العرب واليهود الذين لهم مصلحة في تغيير الوضع القائم، مقابل اولئك الذين لهم مصلحة في الحفاظ على الوضع القائم سياسيا واجتماعيا، مدنيا وقوميا، كما يطرح الفكر الجدلي للحزب الشيوعي.
في اطار هذه الخلفية، وهذا الصراع الفكري، ولد الانجاز المتميز الثاني الذي يضاف الى تحليل المسألة القومية. الذي قدمه المؤتمر الـ - 18 للحزب الشيوعي، حين دعا الى اقامة جبهة سلام ومساواة ودمقراطية. ان الاهمية التاريخية لتحليلات الحزب التي طرحها في المؤتمر الـ - 18، تتلخص في امرين محوريين: ان الحزب لم يكتف ولا يكتفي بأنه حلل تحليلا صحيحا وعميقا قضية الاقلية القومية العربية وموقعها، كتحليل لمرة واحدة، في هذا المؤتمر المتميز، بل حلل بشكل متجدد ومتواصل وعلى مدار الاعوام الثلاثين المنصرمة، وعمل بجد لتطوير تحليله وحتلنته، اعتمادا على الاسس الفكرية المبدئية الراسخة التي حددها في المؤتمر الثامن عشر. فتطوير هذا التحليل لم يتوقف يوما بل كان جزءا بارزا في ادبيات الحزب الشيوعي، وفي كتب مؤتمراته المتتالية، بين المؤتمرين الثامن عشر والرابع والعشرين. وستتواصل في الادبيات التي يعدها الحزب في طريقه الآن الى مؤتمره الخامس والعشرين المقبل ليتعامل مع المستجدات في واقع الجماهير العربية وتطور ملامح معاركها على حقوقها وعلى موقعها.

* الدعوة التي اطلقها الحزب لتأسيس الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، قبل ثلاثين عاما كانت ولا زالت اليوم، قرارا استراتيجيا نابعا عن تحليل استراتيجي!لقد نجح الحزب الشيوعي في تحديد محاور اساسية مترابطة للنضال من اجل احداث التغيير الملح والعميق في المجتمع الاسرائيلي في الفترة المرئية. وفي صلب محاور النضال هذه، النضال من اجل السلام وفي مواجهة خطر الحرب. والنضال من اجل المساواة في الحقوق القومية والمدنية للجماهير العربية وادانة سياسة التمييز والاضطهاد القومي، والنضال دفاعا عن الدمقراطية وضد التدهور الفاشي، لصد الهجوم على حقوق العاملين.
ان المؤتمر الثامن عشر للحزب، لم يكتف بتحديد محاور المواجهة السياسية والشعبية، بل صاغ بالمقابل، الآليات الضرورية لاحداث التغيير والوصول الى الاختراق الذي يتوخاه. كان الحزب ولا يزال على ثقة عميقة الجذور، انه يملك الرؤية الصحيحة، والبرنامج الاكثر ثورية وتكاملا وعمقا، لاحداث التغيير الثوري في اسرائيل. لكنه كان يعي ايضا، انه لا يملك وحده القوة الكافية لاحداث الاختراق الضروري في مجتمع الاكثرية. وجاءت دعوة المؤتمر الـ 18 للحزب الشيوعي، لتأسيس الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة – قرارا استراتيجيا نابعا عن تحليل استراتيجي، لاحداث تغيير استراتيجي عميق على الساحة الاسرائيلية، لا يستطيع الحزب واصدقاؤه و"المتشابهون معه" وحدهم احداثه من دون جذب قوى اضافية ليست في الحزب ولا تلتقي فكريا معه بالضرورة للالتفاف حول برنامجه السياسي والاجتماعي الملح والصحيح. وميز المؤتمر الثامن عشر بوضوح، لا زال صحيحا وملزما، بين الدور الذي يفترض ان يؤديه الحزب الشيوعي، وبين الدور الذي يفترض ان تؤديه الجبهة التي دعا للتو الى اقامتها، لتكون اداة التوسع السياسي نحو الخارج، وآلية الاختراق السياسي المطلوب على الساحة الاسرائيلية كلها.. وجاء في تلخيصات المؤتمر: "من المهم في القضايا المبدئية النظرية، وضع الحدود الفاصلة الواضحة والحادة فالدقة في وضوح الهدف، والرؤية الصحيحة للاسس الفكرية الايديولوجية والبرنامج السياسي، هي شروط نجاح الحزب الشيوعي، كحزب يخدم مصالح العاملين في بلاده. ومصالح شعبه القومية الحقيقية، وقضية السلام واستقلال الشعوب والدمقراطية والاشتراكية".
"ومن هنا ايضا، كان النضال المبدئي لحزبنا الشيوعي الاسرائيلي، ضد الايديولوجية والممارسة الصهيونية المعبرة عن مصالح البرجوازية اليهودية الكبرى، التي تناقض مصالح العاملين وتناقض المصالح الوطنية للشعب في اسرائيل، وقضية التقدم والاشتراكية العامة".. "نحن نرى في النضال ضد الايديولوجية والممارسة الصهيونية ليس فقط مصلحة طبقية للطبقة العاملة وكل الشغيلة في اسرائيل، وليس فقط مصلحة التقدم والاشتراكية العامة، بل نرى في النضال ضد الصهيونية ايضا وليس اقل من ذلك، عملا يدل على الحرص الحقيقي على المصالح الوطنية لاسرائيل". (كتاب المؤتمر الـ 18 ص 114 بالعبرية)
لقد رفض الحزب الشيوعي بوضوح، تلك الاصوات التي تفتعل التناقض بين البناء والتأسيس لوحدة الصف الكفاحية، وعلى اساس تقدمي في اطار جبهوي، وبين ضرورة ممارسة الحزب للصراع الفكري بلا هوادة، على اعتبار ان لا تناقض بين المعركتين بل هناك تكامل جدلي بينهما، واكد المؤتمر الثامن عشر: "ان حزبنا يعمل من اجل رص صفوف اوسع القوى بين العاملين والشعب في اسرائيل، لانجاز اهداف تقدمية عينية محددة، فيناضل ضد كل توجه تكتلي – انعزالي وضد الآراء المسبقة". (ص115)
وعندما دعا الحزب الشيوعي الى اقامة الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، فقد اعتمد على تحديده ان الهدف الاستراتيجي الاهم امام النضال التقدمي في اسرائيل في الظروف الراهنة، هو احراز السلام العادل في الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، ولما كان احراز السلام
"ومن هنا ايضا، كان النضال المبدئي لحزبنا الشيوعي الاسرائيلي، ضد الايديولوجيا والممارسة الصهيونية المعبرة عن مصالح البرجوازية اليهودية الكبرى، التي تناقض مصالح العاملين وتناقض المصالح الوطنية للشعب في اسرائيل، وقضية التقدم والاشتراكية العامة..." نحن نرى في النضال ضد الايديولوجية والممارسة الصهيونية ليس فقد مصلحة طبقية للطبقة العاملة وكل الشغيلة في اسرائيل، وليس فقط مصلحة التقدم والاشتراكية العامة بل نراه ايضا وليس اقل من ذلك، عملا يدل على الحرص الحقيقي على المصالح الوطنية لاسرائيل".
(كتاب المؤتمر الـ 18 ص 114 بالعبرية)
لقد رفض الحزب الشيوعي بوضوح، تلك الاصوات التي تفتعل التناقض بين البناء والتأسيس لوحدة الصف الكفاحية، وعلى اساس تقدمي في اطار جبهوي، وبين ضرورة ممارسة الحزب للصراع الفكري بلا هودة، على اعتبار ان لا تناقض بين المعركتين بل هناك تكامل جدلي بينهما، واكد المؤتمر الثامن عشر: "ان حزبنا يعمل من اجل رص صفوف اوسع القوى بين العاملين والشعب في اسرائيل، لانجاز اهداف تقدمية عينية محددة ويناضل ضد كل توجه تكتلي – انعزالي وضد الآراء المسبقة" (ص 115)
وعندما دعا الحزب الشيوعي الى اقامة الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، فقد اعتمد على تحديده الهدف الاستراتيجي الاهم امام النضال التقدمي في اسرائيل في الظروف الراهنة، هو احراز السلام العادل في الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا في اسرائيل، ولما كان احراز السلام هو الهدف الاستراتيجي الملح – فان اقامة جبهة سلام واسعة وليس حركة متشابهين – هي انجع اداة لنجاح النضال للسلام ولتغيير توازن القوة السياسية في اسرائيل لصالح قوى السلام والواقعية السياسية ولتغيير السياسة الاسرائيلية الرسمية.
وعلى هذا الاساس اعتبر الحزب الشيوعي، ان جبهة السلام في اسرائيل، نستطيع ويجب ان تكون جبهة واسعة – جبهة مختلفين (ع.م) – من شخصيات وتنظيمات يهودية وعربية، تأتي من مشارب وخلفيات ايديولوجية مختلفة، شيوعيين وصهيونيين، متدنيين وآخرين، من المعنيين في النضال من اجل تغيير السياسة السائدة".
لقد حدد المؤتمر الثامن عشر انه: "في ظروف اسرائيل، فان التقسيمة الحاسمة اليوم في النضال السياسي العيني هو ليس بين المنتمين الى الايديولوجية الصهيونية والمنتمين الى الفكر الشيوعي، وانما التقسيمة المقرر هي التقسيمة الطبقية والسياسية بين العاملين وبين ارباب رأس المال، بين قوى السلام، وبين قوى الحرب والتوسع، بين القوى الدمقراطية وبين المعسكر الفاشي. هناك اناس ينتمون ايديولوجيا الى الصهيونية، لكنهم يلتزمون موقفا صحيحا في موضوع سياسي او اجتماعي عيني. ومن هنا الحاجة الى النضال المشترك الموحد مع قوى تختلف معها ايديولوجيا في الطريق الى اقامة جبهة سلام او جبهة دمقراطية، او جبهة عمالية موحدة". (المؤتمر الـ 18 ص 117 – النسخة العبرية).
لقد أطلق الحزب الشيوعي النداء لاقامة الجبهة، في مرحلة انعطاف سياسي واجتماعي في اسرائيل، قادت اليمين الليكودي المتطرف في العام 1977 الى الحكم لاول مرة في تاريخ اسرائيل واستطاع النداء الذي اطلقه الحزب الشيوعي ان يشخص الازمة السياسية وطريق الخروج منها وانقاذ فرصة السلام، واستطاع ان يخلق اصطفافا وواقعا جديدا على الخارطة السياسية الاسرائيلية، فقد اعلن المؤتمر الـ 18: "من خلال المسؤولية العليا تجاه مصير شعبينا، ومن اجل صد هجمة قوى اليمين، ومن اجل تغيير سياسة الحكومة، ومن اجل ان نناضل بصفوف متراجعة لمنع حرب جديدة، ومن اجل انجاز السلام، والدفاع عن الحريات الدمقراطية وحقوق العاملين، ومن اجل المساواة للجماهير العربية، والغاء التمييز الطائفي – يتوجه حزبنا الشيوعي الاسرائيلي، الى كل قوى السلام والدمقراطية اليهودية والعربية، بالنداء لاقامة جبهة سلام ودمقراطية في انتخابات الكنيست التاسعة في العام 1977.
"تعالوا نقيم وبدون تأخير او مماطلة، وحدة كفاحية، لجميع قوى السلام والواقعية السياسية في اسرائيل، بدون فرق في المشارب والانتماءات الحزبية والايديولوجية، هناك خطر لاندلاع حرب. ولكن في الوقت نفسه هناك احتمال حقيقي للسلام. والآن اكثر من اي وقت مضى، تتطلب المسؤولية تجاه مصير شعبينا في هذه البلاد، والمسؤولية تجاه ابناء الشبيبة، ان نوحد قوى السلام والواقعية السياسية في جبهة سلام واسعة وموحدة.. تعالوا نعمل من اجل اقامة جبهة سلام ودمقراطية نذهب بها الى الانتخابات للكنيست".


الدعوة الى"الانصهار" او "الانشطار"دعوة خطيرة ومرفوضة منطقها يعني مرفوضة القضاء على الحزب وعلى الجبهة سواء بسواء!
هذا الاستعراض الذي سقناه حول منطلقات الحزب في المؤتمر الـ 18هو التصور الفكري الذي طرحه الحزب الشيوعي لاقامة الجبهة، ليس كحاجة تكتيكية لعبور أية عاصفة كما يحلو للبعض ان يتصور ويصور من خلال تحليل تشويهي ومقصود ، حتى ولو كانت تلك العاصفة هي انهيار الاتحاد السوفييتي وان اقامة الجبهة جزء من فكر الحزب الشيوعي والحركة الشيوعية في بناء التحالفات والجبهات حول برامج ممكنة لانجاز اختراق ممكن في ظروف معقدة. هذه هي الرؤية القادرة على التمييز بين الهدف المرحلي وخلق آليات النضال من اجل التقدم نحوه في اطار جبهة مع شركاء مختلفين وبين الهدف الاستراتيجي الاشتراكي والحفاظ على الآلية المناسبة لخوص الصراع الطبقي من حوله والتقدم نحو تحقيقه من خلال حزب شيوعي ماركسي لينيني متمسكا بفكره وتنظيمه وقواعد اللعبة الملزمة، المتفق عليها باكثر الاشكال دمقراطية.
وفي اطار هذا البحث وعلى هذه الاسس الفكرية صاغ الحزب الشيوعي الاسرائيلي مؤخرا في اطار لجنته المركزية والمجلس القطري للحزب وثيقته بشأن تصور الحزب للخطوات المطلوبة لتطوير الجبهة وتوسيعها وتقويتها، لتكون قادرة على اعطاء الاجوبة على الاهداف التي اقيمت من اجلها وفي سبيلها. لان الحاجة السياسية والاجتماعية الموضوعية لوجود الجبهة وتقويتها وتعزيز دورها كجبهة لا زالت كما كانت قبل ثلاثين عاما، الشغل الشاغل للحزب والانجاز الاستراتيجي الذي يبغي تحقيقه في المرحلة القادمة بالرغم من كل من يحاول تشويه موقف الحزب وتصويره عبثا وافتراءً كأنه يريد التخلص من الجبهة . ان اقل ما يمكن ان يقال في مثل هذه الافتراءات ان اصحابها يصممون على رفض فهم موقف الحزب الداعي الى تعزيز الجبهة، لانهم لا يريدون الخير لا للحزب ولا للجبهة سواء بسواء.
ونحن نجد ان الحزب في حِل من العودة في هذا السياق الى وثيقته التي عرضت ونوقشت وتم اقرارها، ويكتفي بعدد من الملاحظات لا بد من التوقف عندها ومتابعتها مستقبلا، في ظل هجوم ظاهره الموضوعية الأبوية وباطنه التحريض الارعن على الحزب الشيوعي، وفكره وسياسته ووجوده. ان اولئك الذين يقولون ان موقف الحزب من الجبهة هو "موقف تجاوزه الزمن" والآن لم يعد هناك مكان للحزب ولجبهته لان الحزبين والجبهويين انصهروا في ظل المعارك في حركة واحدة لا تحتمل وجود حزب وجبهة بل تتطلب وجود حركة واحدة. يسيئون الى الحزب والجبهة على حد سواء.
ان هذا الطرح يأتي ممن يدعي دليله على هذا "الانصهار" ان المغادرين لهذه الحركة او لهذا التيار الزاخر، هم في غالبيتهم من الشيوعيين. ومنطق هذا الكلام الواقف على رأسه انه ما دام غير الحزبيين قد اصبحوا يشبهون الحزب الشيوعي الى حد "التماهي والانصهار" ولم يعد من الممكن التفريق بين المنظَّم حزبيا وغير المنظَّم حزبيا، فان هذا لا يتطلب وفق هذا المنطق خيار الانضمام الى صفوف الحزب، بل يتطلب خيار خروج الحزب من نفسه والانضمام الى المتماهين مع مواقفه في حركة جديدة.. أي كلام هذا!!؟؟
ان هذا الكلام يعني على نهج الام غير الحقيقية في محاكمة سليمان الملك، وعلى نهج عمرو بن العاص في مراوغته لابو موسى الاشعري، القضاء على الحزب الشيوعي والغائه اولا ! لكنه يعني في حالة الحزب الشيوعي والجبهة الغاء الجبهة والقضاء عليها ايضا. خاصة اذا كان اصحاب هذه الدعوة، من اولئك المغادرين الذين غادروا الحزب او هذا "التيار الزاخر" في سياق لا يثير الاعتزاز حتما، وفي ظروف ليست مشرفة بالضرورة، وبعد ان تلكؤوا على شواطئ سياسية، غير شواطئ الحزب والجبهة، عادوا في اقرب قارب الى صفوف الجبهة، وفي تصرف مفرط في الحساسية والانفتاح لم يمانع هذا الحزب الشيوعي، ان يتبوّأوا مراكز قيادية عليا في الجبهة. وعلى الرغم من ذلك، اصبح شغلهم الشاغل هو المطالبة بالغاء الحزب الشيوعي، والغاء دوره، مرة بالدعوة العلانية والبنط العريض، ومرة بضرورة "الواقعية السياسية" والترويج لقبول سياسة الخصخصة، والدفاع عن الليبرالية الاجتماعية والعولمة الرأسمالية ومظاهرها، ومرة بالدعوة الى الخروج من اقفاص الحزب الشيوعي، الى حرية اقتصاد السوق والليبرالية الجديدة، ومرة بالدعوة من وراء اسماء مستعارة الى انصهار الحزب في الجبهة او الانشطار والانشطار قد يكون اشعاعيا خطيرا.
ان الحزب الشيوعي الاسرائيلي، اقام الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة قبل ثلاثين عاما من منطلقات فكرية وسياسية راسخة، وعلى اسس واضحة. جبهة مع الحزب الشيوعي وليس حركة فيها شيوعيون وغير شيوعيين، ان لهذه الجبهة دور كبير وأفق واسع للتطور. هذه هي المصلحة الاستراتيجية للحزب الشيوعي وللشيوعيين. ان هذا لا ينتقص من حق أي كان، ان يقيم حركة بالشكل الذي يرتأيه اما جبهتنا التي بناها حزب واصدقائه وشركائه عبر ثلاثين عاما فستنطلق الى الامام تؤدي دورها، وتعمل على توسيع صفوفها، وضم قوى جديدة كلما توفرت مثل هذه القوى، جبهة منفتحة، واثقة من نفسها، متجانسة مع الحزب الشيوعي، يحبها وتحبه، من دون ان يكون عناقهما عناق الدببة... لتصبح الجبهة جبهة اكثر، ويصبح الحزب حزبا اكثر...

* من محاضرة الأمين العام للحزب الشيوعي الاسرائيلي عصام مخول في الاجتماع الموسع للجنة المركزية في 22/12/2006