نحو المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي : هل يجوز أنتقاد الحزب الشيوعي العراقي !


يوسف ابو الفوز
2007 / 1 / 10 - 11:55     

ثمة نوع خاص من الكتابات الصحفية لم يتوقف يوما ، وفي الاونة الاخيرة ، وعلى صفحات المواقع الصحفية الاليكترونية ، التي صارت تنافس الفطر في تكاثرها ، ظهرت موجة جديدة من هذه الكتابات ، وهنا وهناك نشرت مقالات موقعة باسماء بعضها معروف للقراء الى حد ما ، وبعضها موقع بأسماء مستعارة ومجهولة تماما ، هذه المقالات التي اقصدها تتفق مع بعضها في الاساءة ، بهذا الشكل او ذاك ، الى واحد من اعرق الفصائل الوطنية العراقية ، ومن له مساهمات بارزة لا يمكن انكارها في النضال الوطني المجيد ورسم صورة العراق المعاصر ، وقدم خلال ذلك قوافل من الشهداء ، الا وهو الحزب الشيوعي العراقي .
ان بعض هذه الاسماء من كاتبي هذه المقالات ، والمعروف للقراء ، يمكن ومن خلال مراجعة بسيطة وعودة سريعة الى تأريخه الشخصي وسيرته الحياتية التوصل والعثور على الدوافع والاسباب الحقيقية الكامنة وراء تسويده هذه المقالات ، وخصوصا حين تكون هذه المقالات مكتوبة باسلوب مبتذل ورخيص ولا يوجد فيها اكثر من كيل الشتائم للحزب الشيوعي العراقي ومحاولة النيل من تأريخه المجيد ودوره النضالي تعبيرا عن حقد مكبوت ومفاهيم قاصرة ، وروح مريضة لا تستوعب الرأي الاخر، ولا تحتمل وجود حزب يساري ، تقدمي ، علماني يواصل نضاله ونشاطه وعمله. وثمة مقالات اخرى ، تتستر بقمصان الديمقراطية ، وحرية الرأي والرأي الاخر وتنفث سمومها وأراجيفها بلؤم وخبث شديدين ـ وبعض من كاتبيها يتسترون تحت اقنعة وأسماء مزيفة ـ وتتعكز على حجج اهمية الحوار والاختلاف في الرأي ، فتقوم بلي عنق الحقائق وتجاهل الوقائع وتزييف الاحداث وتتناول الافكار والمواقف بشكل انتقائي وعلى طريقة " ولا تقربوا الصلاة...". وهذه المقالات الاخيرة تحديدا باعتقادي يتطلب من عموم الديمقراطين واليساريين وانصارهم ، التصدي لها باٍستمراربشجاعة وتناول افكارها بالنقاش الهادئ والحازم لدحضها بالحجة المقنعة لانها في المحصلة تعتبر اساءة موجهة ليس الى طرف سياسي وطني عراقي فقط ، بل ولشعبنا العراقي ولنضاله ولكل القوى السياسية الحقيقية التي قدمت قوافل الشهداء تلو الشهداء من اجل قضية الشعب والوطن .
اميل شخصيا عند الرد على مثل هذه المقالات المغرضة الى عدم ايراد أسم كاتبها مباشرة ، ليس لخشية من احد ، بل لاني اؤمن بأن ايراد اي أسم يساهم بشكل ما في محاولة تسويق هذه الاسماء لنفسها والظهور بمظهر المفكرين والمحللين السياسيين ، ومحاولة اضافة هالة معينة على انفسهم ، وايضا لان الرد عليها بالاسم هو شكل من الاعتراف بوجودهم وبأهميتهم ، ولان احد دوافع هذه الاسماء للتحرش بالحزب الشيوعي العراقي ـ تحديدا ـ والافتراء عليه ، هو البحث عن شهرة ما على اساس مبدأ " خالف تعرف " ، ولذلك أميل شخصيا دائما ـ وادعو ـ الى مناقشة الافكار والرد عليها واهمال الاسماء تماما وحتى عدم الاشارة اليها .
ولكن يبرز هنا سؤال ، وهو سؤال مشروع جدا : هل الحزب الشيوعي العراقي وسياسته وبرامجه ونشاط قياداته ، معصوم عن الخطأ ؟ وبصيغة اخرى يمكن القول والتساؤل : هل يجوز انتقاد الحزب الشيوعي العراقي ؟
هذا السؤال ، بأعتقادي يقدم الاجابة عليه ، تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ذاته ، فالحزب الشيوعي العراقي دأب وعلى طول تأريخه في مؤتمراته الوطنية الدورية ، على اعداد وثائق خاصة لمراجعة ومناقشة تجاربه وسياساته السابقة وتقويمها وتدقيقها من اجل السير على المنهاج الصحيح والافضل ، وكانت بعض الكتابات باقلام مناضلين في صفوف الحزب ، تتناول تاريخ وسياسة الحزب مكتوبة بدرجة من الحدة لدرجة تصاعدت بعض الاصوات داخل الحزب تطالب بعدم تحويل عملية المراجعة والتقييم الى عملية جلد للذات دائمة . صحيح جدا ، انه ومن بعد المؤتمر الوطني الخامس للحزب ، الذي عقد عام 1993 وحمل اسم " مؤتمر الديمقراطية والتجديد " ، اختلفت الامور كثيرا داخل الحزب الشيوعي العراقي كمؤسسة سياسية ، حيث ساهم المؤتمر الوطني الخامس بشكل فاعل في فحص ومراجعة المبادئ التنظيمية داخل الحزب والعمل لاشاعة الممارسة الديمقراطية لتفعيل دور ومساهمة القاعدة الحزبية في رسم سياسة الحزب ، وكانت المؤتمرات السابقة ورغم ان وثائقها المقرة من قبل المؤتمرات ذات روح مراجعة انتقادية وبناءة ، فان القيادات الحزبية في حينها تعاملت مع بعض من اجزاءها بشكل بيروقراطي واهملت القسم الاخر وظلت بالتالي مجرد حبر على ورق ، وذلك لاسباب عديدة توقف عندها "مؤتمر الديمقراطية والتجديد " وحاول معالجتها ، واول ذلك كان تجديد الدماء في قيادة الحزب وتوسيع الممارسة الديمقراطية داخل التنظيم الحزبي . ومع استعدادات الحزب الشيوعي العراقي الحالية والمستمرة لعقد مؤتمره الوطني الثامن ، طرحت للنقاش المفتوح مسودتي برنامج الحزب ونظامه الداخلي ، لان مناقشة الوثائق من اجل التدقيق والتصويب والتعديل والاغناء يعتبر بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي امرا لايخص اعضاءه ومؤازريه وحدهم ، بل ويهم جماهير الشعب عامة ، وهكذا شهدت صحافة الحزب ومنظماته نقاشات ونشاطات وحوارات مسؤولة وبناءة حول الوثائق المقترحة ، لم تقتصر المشاركة فيها على الشيوعيين العراقيين وحدهم بل وساهم فيها الكثير من المستقلين والشخصيات الديمقراطية ، وجرى ويجري النقاش بأسلوب حضاري وديمقراطي ومسؤول ، وهناك لجان خاصة داخل الحزب معنية بمتابعة وجمع ما يقدم من اقتراحات وانتقادات لطرحها امام المؤتمر الوطني القادم للحزب بأعتباره ـ حسب النظام الداخلي ـ أعلى هيئة وسلطة في الحزب للتوقف عندها ومناقشتها واقرارها . وانطلاقا من ذلك لا يتخوف الحزب الشيوعي العراقي من اي نقد بناء ، ورأي مخالف مسؤول يتم عرضه وتقديمه بأسلوب حضاري وعلمي لمناقشة سياسته وبرامجه وافكاره ، ما دام هذا النقد والرأي يهدف اساسا الى تقويم سياسة الحزب وتدقيق مساره ليسير على الطريق الصحيح . فليس سرا ان مؤسسة الحزب الشيوعي العراقي تحتاج الى مواصلة عملية التجديد فالحياة والافكار لا تتوقف عن تجديد نفسها ، وان ثمة اساليب عمل تنظيمية في عمل الحزب يتطلب تجاوزها وايجاد بدائل لها ، وان الممارسة الديمقراطية داخل الحزب ، ورغم كل ما تحقق منها ، بحاجة الى تعزيز اكثر ، وان الخطاب السياسي للحزب بحاجة الى مراجعة واعادة النظر وتفعيله اكثر، وان السياسة الاعلامية للحزب تعاني من ثغرات واضحة ، وغير ذلك من ملاحظات توقفت عندها منظمات الحزب بجدية ومسؤولية ، ولكن كل ذلك لا يمنع الشيوعيين العراقيين من الشعور بالفخر والاعتزاز كون حزبهم ، لا يزال ، ورغم كل المصاعب والعراقيل ، قوة فاعلة على الساحة السيسية العراقية ، فصوت الحزب يصل لكل مكان ، ولا يقاس ذلك بعدد المقاعد داخل مجلس النواب ولا بعدد الوزراء في الحكومة ، بل بقوة الصلة مع الجماهير والاقتراب من همومها والتعبير عن مطاليبها وطموحاتها .
ان سياسة الحزب الحزب الشيوعي العراقي الحالية ومواقفه لا تنبع من قراءات نظرية مجردة ، ولا تأتي قراءة قيادته وكوادره الحزبية للاحداث وفقا لرغباتهم الذاتية الخاصة ، بل يخضع ذلك الى محك الواقع العراقي ، بكل تعقيداته ، بما في ذلك امكانية تقويم وتشذيب الموقف وتصحيحه ارتباطا بدراسة الواقع والتطورات الجارية فيه . ان حزبا سياسيا ، كالحزب الشيوعي العراقي ، ظل محاربا وبقسوة لفترة عقود طويلة من قبل الاجهزة القمعية الاخطبوطية للنظام الديكتاتوري المقبور، وظلت تنظيماته عمليا بعيدة عن الساحة العراقية بشكل مباشر، في وقت وفر فيه النظام الديكتاتوري بسياساته الديماغوجية والقمعية ، وحروبه العدوانية الداخلية والخارجية ، وحملته الايمانية ، الفرصة لنمو تيارات الاسلام السياسي لتهيمن بالنتيجة على الساحة السياسية ، أن حزبا يعمل في هكذا اجواء وظروف لا يمكن ان يستعيد عافيته التنظيمية ونشاطه السياسي السابق بشكل سريع وذلك بمجرد زوال النظام الديكتاتوري الذي خلف للعراقيين تركة ثقيلة بحاجة الى عقود من الزمن والعمل المضني لتصفية اثارها . ان النظام الديكتاتوري لم يخرب البنى التحتية للدولة العراقية فقط ، بل وهدم وخرب الانسان العراقي ، وتغيرت في مجتمعنا العراقي العديد من المفاهيم الاخلاقية والعادات ، وبرزت ظواهر اجتماعية خطيرة راحت تضعف من دور المؤسسة الحزبية وتأثيرها ويبرز اكثر دور الطائفة والقومية والعشيرة . وفي ظل هكذا ظروف عصيبة يتوجب على الشيوعيين العراقيين ان يرسموا سياسة توافق عملية واقعية تنطلق من مصلحة الشعب العراقي ومستقبله ، وان تحافظ اجتهادات قيادة الحزب على هوية الحزب الفكرية والسياسية . واذا توقفنا بموضوعية شديدة عند العوائق امام عمل ونشاط الحزب الشيوعي العراقي ، وهي كثيرة ومتشعبة ، يبرز لنا اولا موضوع ضعف الامكانيات المادية للحزب الشيوعي العراقي لاسباب لا تغيب عن بال القارئ والمتابع الحصيف ، الامر الذي ينعكس بشكل مباشر على نشاط الحزب الاعلامي والفكري والجماهيري ، فحزب عريق مثل الحزب الشيوعي العراقي ، وهو الان يعتبر من اقدم الاحزاب السياسية العاملة (تأسس في 13 اذار1934 ) لا يملك لحد الان فضائية تلفزيونية خاصة به ، في الوقت الذي تمتلك فيه مجموعات سياسية مجهرية فضائيات تصرف عليها الالاف من الدولارات !
يدرك الحزب الشيوعي العراقي جيدا ، وهو مقبل على عقد مؤتمره الوطني الثامن بأن المقولة المنسوبة الى القائد الثوري البارز لينين (1870 ـ 1924 ) ، والتي تقول " ان صبغك للدار لا يعني امتلاكك دارا جديدة " ، تنطبق على عمله ونشاطه قبل كل شئ ، فالحزب الشيوعي العراقي ، وبكل منظماته داخل وخارج الوطن ، يدرك بانه مطالب بأن يكون مؤتمره القادم حيويا لدرجة ضرورة اقترابه من تسمية "مؤتمر اعادة التاسيس " ، وذلك لرسم برامج وسياسة واقعية وصائبة تساعد على تجديد الحزب وتفعيل منظماته وتقويم مسيرته ورفد قيادته بدماء جديدة ليأخذ الحزب دوره التأريخي الحقيقي في بناء هذا الوطن ، ومواصلة مسيرته الكفاحية ، رغم كل ما يواجه من صعوبات وعراقيل، من اجل المساهمة بفعالية في اقامة دولة المؤسسات والقانون، واستعادة السيادة الوطنية الكاملة وبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.
اما كل محاولة للنيل من الحزب الشيوعي العراقي والاساءة اليه ، تحت اي ستار ومسمى ، ومحاولة تجاوز دوره المجيد في تاريخ العراق ونسيان والتغافل عمدا عن تضحيات شهداءه ومناضليه ، ومحاولة تهميشه وعزله ، والتقليل من دوره الفاعل في الاوقات العصيبة التي يمر بها وطننا وشعبنا ، ما هي الا تزكية لمواقف وسياسة ونضال الشيوعيين العراقيين ، ودافع قوي لهم للسير الى الامام والعمل بكل جدية ونشاط لتجديد حزبهم وبرامجه وسياساته من اجل الوطن الحر والشعب السعيد . ان هذه الاساءات المقصودة الموجهة الى الحزب الشيوعي العراقي تقودنا الى القول الحكيم للفيلسوف كارل ماركس (1818 ـ 1883) الذي كتب يوما لصديقه ورفيقه في النضال اوغست بيبل (1840 ـ 1913) ، احد ابرز رجالات الحركة الاشتراكية الالمانية : " لو امتدحتك البرجوازية يا بيبل ، فأعلم انك على خطأ " .

سماوة القطب
3 ـ 5 كانون الثاني 2007