اليسار والحركة الشيوعية الوطنية والعالمية


سعاد خيري
2006 / 12 / 15 - 11:18     

نشأت قوىاليسار وتطورت مع نشوء الراسمالية وتطورها . وفي مراحل نشوئه الاولى واكب تطور وعي البشرية للمظاهر السلبية لعلاقات الانتاج الراسمالية. وفي مقدمتها الاستغلال الطبقي والتمييز بين المواطنين على اساس الملكية. فقد تطورت علاقات الانتاج الراسمالية كوسيلة لتحرير البشرية من الاقطاعية، ولعبت دورا مهما في تطور البشرية من خلال فعل قوانينها الاساسية وهي الركض وراء الارباح ، الذي جمع بين النقيضين تطور قوى الانتاج وتعمق الاستغلال الطبقي. وفرض انتصارها على الاقطاعية وتطورها تطوير المجتمع وتبني الكثير من الحقوق الديموقراطية، وفي مقدمتها الانتخابات البرلمانية والتنظيم النقابي. فكان اول تشكيل بارز لليسار على النطاق العالمي في بريطانيا في اواخر القرن السادس عشرهو تكوين اول حركة نقابية في العالم . ومع تطور الراسمالية وحاجتها الى دعم الجماهير في فرنسا للقضاء على علاقات الانتاج الاقطاعية ، قامت الثورة الفرنسية وانتصرت تحت شعارات الحرية والاخاء والمساواة في اواخر القرن الثامن عشر حيث نشأ مفهوم اليسار لتوصيف القوى التي تناهض نتائج علاقات الانتاج الراسمالية السلبية على حقوق المواطنين عامة والشغيلة خاصة صدفة بتجمع هذه القوى في الجهة اليسرى من البرلمان الفرنسي. ومع سيادة الراسمالية في بلدانها اخذت تتنكر لهذه الشعارات وتعمل على تحجيم الحريات ولاسيما للشيغلة التي تطور وعيها وشعورها بالثقة بقدراتها التي استغلتها الراسمالية لتحقيق اهدافها. الامر الذي طور حركة اليسار ليشمل جميع البلدان التي انتصرت فيها الثورة البرجوازية ولكنها بقيت كتحالف بين قوى سياسية تدافع عن الحريات الديموقراطية وكمنظمات عمالية تناضل من اجل مطالبها المهنية من زيادة الاجور وتخفيض ساعات العمل الى جانب حقوقها الديموقراطية دون ان تعي الاسس التي تقوم عليها علاقات الانتاج الراسمالية التي هي مصدر كل ما تعانيه الجماهير من حرمان من الحريات وكل ما تعانيه الطبقة العاملة من استغلال واضطهاد.
وجاء ظهور الماركسية نتيجة حتمية لتطور علاقات الانتاج الراسمالية وبلوغها مرحلة الاحتكار، في احضان الحركات اليسارية الديموقراطية والعمالية ولاسيما في البلدان الراسمالية المتقدمة . حيث ساهمت هذه القوى في بريطانيا في تطور الاقتصاد السياسي ، وساهمت في فرنسا في تطوير النظريات الاشتراكية وساهمت في المانيا في تطوير الفلسفة. وعلى اساس نهجها المادي الديالكتيكي بنت الماركسية صرحا نظريا في تحليل القوانين الاساسية لعلاقات الانتاج الراسمالية ولاسلوب ووسائل الكفاح للتحرر منها وبناء المجتمع الانساني الحقيقي . واكد مؤسسوها بان هذه النظريات تنطلق من واقع معين ومرحلة معينة من تطور علاقات الانتاج وليست نصوص دينية ، ولكن استنتاجاتها الاساسية في حتمية تحرير البشرية من كل اثام علاقات الانتاج الراسمالية، وكل وسائل وادوات تحقيقها ستبقى بشرط تطويرها حتى القضاء على علاقات الانتاج الراسمالية. اما نهجها المادي الديالكتيكي فستبقى البشرية بحاجة اليه والى تطويره لانه يضمن تحقيق جميع طموحات البشريةالتي ليس لها حدود، في التقدم في جميع المجالات.
وطور لينين الماركسية لتنسجم مع متطلبات تحرير البشرية من علاقات الانتاج الراسمالية في مرحل الامبريالية فطور شعار يا عمال العالم اتحدوا الى ياعمال العالم وشعوب المستعمرات اتحدوا. وتطورت الحركات اليسارية العالمية لتشمل الحركة الشيوعية العالمية وحركة التحرر الوطني وحركة السلام . وجرى التنسيق بينها ودعم اجنحتها لبعضها في مواجهة الدول الامبريالية وحققت نجاحات باهرة حيث لعبت الحركة الشيوعية العالمية دورها الطليعي . وفي مقدمتها القضاء على الفاشية الهتلرية ، وانشاء هيئة الامم المتحدة ووضع مواثيقها وقواعد ادارة الوضع الدولي بما يخدم حقوق الشعوب وتطور البشرية. وتطوير حركة التحرر الوطني وتحرير الكثير من البلدان المستعمرة. ولم تبرز اية حاجة او طلب لتوحيد قوى اليسار في تنظيم واحد. لان ذلك يفرض اما تطور وعي البشرية عموما وتبنيها الماركسية او تخلي الاحزاب الشيوعية عن دورهم الطليعي والتزامهم في الربط بين اهداف جميع قوى اليسار فضلا عن الربط بين الاهداف الانية للحركات اليسارية والاهداف المستقبلية لعموم البشرية وتقديم المثل في تحدي جميع اسلحة اعداء البشرية واستعدادها لتقديم التضحيات فضلا عن التطوير المستمر للنظرية والاساليب والوسائل.
ومع بلوغ الراسمالية مرحلة العولمة وتبلور عجز الحركة الشيوعية عن مواكبة تطور الراسمالية واساليبها المتنوعة في اخضاع البشرية لهيمنتها واستغلالها، نتجة تجميدها للنظرية الماركسية. وانهارت بفعل ترهلها وكبدت شعوبها بل والبشرية خسائر فادحة فقد قضت على انجازات عشرات السنين لشعوب بلدانها وشغيلتها ولكن دون ان تقضي على احلام البشرية بالتحرر من علاقات الانتاج الراسمالية وكل اثامها. فهبت مختلف الحركات اليسارية في عولمة انسانية جبارة لمواجهة العولمة الراسمالية وضمت في صفوفها كل مناهضي العولمة الراسمالية من حركات عمالية و حركات تحرروطني وحماة البيئة وحركات سلام الى جانب حركات حقوق الانسان والمنظمات النسوية والشبابية والطلابية . وعقدت عدة مؤتمرات عالمية وقامت بعدة نشاطات عالمية ضد جرائم العولمة الراسمالية ولاسيما قطبها الاكبر الامبريالية الامريكية . فكانت المظاهرات التي شملت معظم دول العالم وضمت الملايين ضد الحرب على العراق وغيرها. وفي تطورها وتطور وسائل واساليب العولمة الراسمالية لمحاربتها واختراقها شعرت بحاجتها الى القيادة الماركسية التي تصونها من الاختراق والموسمية وردات الفعل واستعاد الشيوعيون ثقتهم بانفسهم والاهمية التاريخية لدورهم كعمود فقري لجميع هذه الحركات يتعلمون منها ويعلمونها دون التخلي عن دورهم الطليعي الذي يعتمد بالدرجة الاولى على تطوير فهمهم للماركسية وتطويرها وفقا لمتطلبات العصر وتطوير وسائل واساليب نضالهم لاسيما وان الثورة العلمية التكنولوجية وثورة المعلومات تمدهم بكل وسائل الاتصال على النطاق الوطني والعالمي في التنظيم والتنسيق والتعبئة فضلا عن التوعية..
فالمهمة الانية هي تطوير جميع الحركات اليسارية بما فيها الاحزاب الشيوعية الوطنية والحركة الشيوعية العالمية والتنسيق بينها وتطوير وسائل واساليب كفاحها ضد العولمة الراسمالية ومخاطرها الجسيمة على البشرية والعمل على ضم اوسع الجماهير اليها وتطوير اساليب دعمها لنضال الشعوب التي تقع ضحية لعدوانها كالشعب العراقي والفلسطيني واللبناني ودارفور وغيرها . وليس تشكيل تنظيم يوحد كل فصائل القوى اليسارية بما فيها الاحزاب الشيوعية . فهذا يفرض من ناحية شروط لا تتحملها القوى اليسارية الاخرى او تخلي الشيوعيين عن دورهم الطليعي.
ولذلك نجد تجديد وسائل اعلام العولمة الراسمالية الجبارة اسلحتها في مكافحة الشيوعية . وبعد ادعائها القضاء على الحركة الشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وشطبها لكلمة الشيوعية من وسائل الاعلام واستبدالها باليسار وخلقها لمختلف المنظمات المضللة تحت اسم منظمات المجتمع المدني لتشويه المنظمات الديموقراطية .
فالاحزاب الشيوعية والحركة الشيوعية العالمية ضرورة تاريخية لقيادة جميع قوى اليسار وتوحيدها وتنسيق جهودها وكفاحها وتطويرها حتى القضاء على علاقات الانتاج الراسمالية وتحرير البشرية من جميع جرائمها . وعندئذ لم تبقى البشرية في حاجة للاحزاب الشيوعية او الحركات اليسارية.
15/12/2006