طبيعة الصراع الطبقي في حركة التحرر الوطني متابعة


محمود جلبوط
2006 / 10 / 9 - 11:14     

لو جمعنا دموع الأرض
بيطلع معنا نهر دموع
ناس بتزرع
ناس بتقطع
ناس بتقتلها التخمة
وفي ناس بيقتلها الجوع

عالأرض الزرقا الحلوة في مطرح لكل الناس
وهالأرض الزرقا الحلوة خيراتها بتكفي الناس
بس الناس: ناس بتزرع وناس بتقطع
في ناس بتقتلها التخمة وفي ناس بيقتلها الجوع

كانت هذه كلمات أغنية لفرقة أحمد قعبور وجدت في بلاغتها ردا على أحد التعليقات التي تلقيتها عبر البريد الالكتروني تعقيبا على مقالاتي السابقة التي تناولت فيها تحليل الصراع الطبقي للبنية الامبريالية من خلال قراءتي للمفكرين سمير أمين ومهدي عامل .
أحب أن أعقب وأقر أني أعتز بكل الآراء الناقدة التي تصلني إن كان بالبريد الالكتروني للقراء اللذين لا يعرفوني أو عبر التلفون للقراء المعارف والأصدقاء , وبكل صدق أعترف أن هذه الانتقادات تؤخذ من قبلي دائما بعين الاعتبار , وهي تشكل لي حافزا للتقدم في كتاباتي القادمة ومقدمة لي لإعادة قراءة للمادة التي كتبت , بغض النظر إن كان النقد أحيانا قاسيا أو هازئا أو مؤيدا , باستثناء التعليقات الواردة من أطراف إقصائية أو مخابراتية أو للمسخرة والإستهزاء.

انتقد أحد المنتقدين استخدامي لمقولة الصراع الطبقي في التحليل واستنكرها بل ذهب أكثر من هذا باتهامه ماركس بالشخصية اليهودية المتآمرة على البشر من خلال اكتشافه لمقولة الصراع الطبقي واستخدامها لتدمير الإنسانية عبر الاحتراب فيما بينها لصالح بقاء اليهود وسيطرتهم على العالم انسجاما مع ما ورد في مؤلف حكماء صهيون . لن أعلق على هذا لأن التعليق بالأساس لن يفيد الموضوع الذي نريد أن نبحث .

أحد التعليقات , والذي قدمنا بكلمات الأغنية بسببه , ادعى أن مقولة الصراع الطبقي باطلة(واستشهد على ذلك بما قام به حزب الشعب السوري بعد مؤتمره الأخير الذي غير خلاله أسمه , ولا أدري على أي مادة استند) , وأن التهجم على الرأسمالية والامبريالية باطل , وأن ما حدث مؤخرا من انهيار لل"معسكر الاشتراكي"وما حققته وتحققه الرأسمالية قديما والامبريالية في عصر العولمة حديثا يثبت صدقيتها النظرية وضروريتها وأسبقيتها على كل الايديولوجيات الأخرى , وعلى برهنة أنها مازالت طبقة صاعدة , فهي التي في ظلها تم التقدم التكنولوجي وتحققت وتشرعنت شريعة حقوق الإنسان , وهي التي أسست ورسخت واحترمت حق تقرير المصير للشعوب وأرست دعائم الديموقراطية كطريقة لإدارة السلطات ونوه لي أنه من أصول ماركسية لكنه „خلع“. وأنا بدوري سأبتعد عن الفزلكة النظرية كما اتهمني , وسأكتفي تعليقا بطرح بعض الأسئلة حول بعض الأزمات التي ألمت بالبشرية والتي تلف كرتنا الأرضية داعيا من خلالها ناقدي العزيز للنقاش حولها :
_على أي أساس أنتجت كل الأيديولوجيات والنظريات والشرائع والأديان في العالم منذ الخليقة وإلى الآن ولماذا ؟
_لماذا هناك ظلم واضطهاد في العالم قديما وحديثا وعلى أي أساس تتميز الناس فيما بينها وتتنضد على أي أساس؟
_لماذا تغزو الشعوب بعضها منذ القدم ؟ ومن الذي غزى الآخر من سكان الكرة الأرضية ولماذا ؟ ومن استعمرنا قديما وحديثا وقسمنا إلى الشكل الذي نحن فيه كعالم ثالث ولماذا , أهو تخلفنا نحن وصراعاتنا الدينية والعرقية أم أطماعهم فينا وبخيراتنا ؟
_من الذي أتى بأنظمة الطغيان في البلاد التي تسمى عالم ثالث وأمن لها كل وسائل الحماية ضد أي ثورة عليها أو اعتراض , ووقف في طريق أي محاولة نضال لحكم ديموقراطي , وكم نظاما ديموقراطيا أسقطت المخابرات المركزية الأمريكية ولماذا ؟
_من هو المسؤول عن الحروب في العالم وخصوصا عن الحربين العالميتين الأخيرتين وكل الحروب الصغيرة الممتدة إلى يومنا هذا ؟ ومن استعمل القنبلة النووية وقتل بها الآلاف من البشر ولماذا ؟
_من هو المسؤول عن التلوث وعن ثقب الأوزون الذي يهدد بقاءنا على الكرة الأرضية بناءا على التحليلات العلمية التي هي من اكتشاف هذه الامبريالية وليس الايديولوجيا ت المعادية , ومن يرفض الإتفاق على معالجة هذه القضية ولماذا ؟؟
_كم مليون طفل يموت في العالم الثالث يوميا بسبب الجوع وكم مريض من الفقراء في العالم يموت في اليوم الواحد لأنه لا يملك سعر دوائه ؟ بالمقبل كم مليون دولار تنفق على الحروب من قبل هذه الامبريالية في بلاد العالم الثالث في كل يوم ولماذا ؟, وعلى الأسلحة العادية والنووية في كل يوم ولماذا ؟ , وغزو الفضاء ولماذا ؟؟ وكم يتلف من غذاء ودواء في العالم للحفاظ على استقرار الأسعار ولماذا ؟
_هل قلة جهد وعمل يبيت عمال العالم الثالث جياعا وعرضة للمرض وأحيانا للتشرد , وهل عن كثر العمل وجهد تتأتى تلك الثروات الخيالية المتكدسة في أرصدة القلة القليلة لحفنة من الناس تستهلك النسبة الأعظم من خيرات الكرة الأرضية ببذخ ونهم ؟؟ أسئلة بسيطة حاولت الابتعاد بها عن أي فلسفة أو أدلجة أو أي كلام نظري متبعا اللغة البسيطة التي أؤمن بها في كتابة المقال السياسي للتمكن من فهمه من القاريء العادي , متمنين على المنتقد أن يكون قارئا بسيطا أو متابعا للأخبار البسيطة البعيدة عن فزلكة الشيوعيين كما قال „آدي كلام الشيوعيين“.
ثم سألني أحد المنتقدين إذا ما كانت هناك فرصة كامنة لتحقيق الاشتراكية أو الشيوعية كنظام اجتماعي أم أنها مجرد حلم يدغدغ عقول المظلومين „الكسلة „ وإن حدث التغيير فهل الشيوعية هي النظام الوحيد الذي يمكن أن يعقب الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية أم أنه بالإمكان وجود نمط إنتاج طبقي جديد أو لاطبقي يعقبه ويحل محله .
لقد أعادتني أسئلة المنتقدين الأخيرين إلى الأسئلة التي كان قد طرحها المفكر سمير أمين في سياق بحوثه ونظريته التي اعتمدتها مادة لي للدراسة في المقالات السابقة , و بضرورة المتابعة بها .
إن تساؤلات المفكر سمير أمين ومحاولته للإجابة عليها من خلال جهده للإنتاج النظري بعيدا عن قدسية نصوص التراث الماركسي والماركسيين يحكمها الديالكتيك الذي أوصله لأطروحته" نمط الإنتاج الخراجي ".
يصر اللبراليون في منطقتنا ومن ضمنهم صديقي الناقد على أن الطبقة البورجوازية مازالت طبقة صاعدة , ونحن , „الماركسيون المحدثون“ كما قال نصر على أنها قد تحققت على الشكل الذي ساد في منطقتنا من خلال تبعيتها البنيوية للامبريالية ضمن علاقة بنيوية داخلية , وقد اكتمل بناؤها على هذا الشكل الذي انبنى من خلال صيرورتها كطبقة كمبرادور قمعي استبدادي عميل للخارج , تتعايش في إطارها كل النظم الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية لما قبل مدنية (دينية , طائفية , إثنية , عشائرية , ...إلخ) . وهي بالتالي ليست طبقة صاعدة بل طبقة مأزومة وينبغي تجاوزها للخروج من هذا الوضع المأزوم , لكن من الهام جدا في هذه الحالة تلمس المظاهر المحددة لأزمتها هذه , والسؤال الهام الذي يطرحه سمير أمين , والذي أسوقه بدوري للإجابة على تساؤلات المنتقد , هو إذا كانت الشيوعية كبنية لاطبقية ونهاية الصراع الطبقي , التي يفضي إليها الانتقال الاشتراكي , هي وحدها التي من المفروض أن تعقب الرأسمالية , أم أن من الممكن أن يعقب الرأسمالية نمط إنتاج طبقي جديد يفرض نفسه كضرورة أو احتمال لضمان تطور قوى الإنتاج , يكون هذا النمط سابق على الشيوعية كمطلب لزوال الطبقات ونهاية للمظالم الإجتماعية؟
يجيب سمير أمين بأن عناصر الواقع المباشر متناقضة إلى حد لا تسمح معه بأجوبة قاطعة في اتجاه أو آخر .
صحيح أن النصوص الماركسية الكلاسيكية للرواد الماركسيين الأوائل تجيب على هذه الأسئلة بطريقة عقيدية تسليمية (ماركسولوجية) , لكن أمين يجيب من خلال التركيز على نسقين من الأفكار : تاريخ تطور الرأسمالية على الصعيد العالمي , ومجموعة المفاهيم الماركسية التي تساعد على فهم هذا التاريخ .
وعندما يكون من وراء هذا الفهم هو العمل فلا يعود ثمة مجال للادعاء بإمكانية فصل العلم عن الأيديولوجيا كما يفعل اللبراليون ومنظري البورجوازية .
إن المقدمة الأولى التي اعتمدها سمير أمين للفهم هو التفسير التاريخي والنظري لأسباب ظهور الرأسمالية وتطورها والتي عارض بها المفترضات النظرية التي استلهمها فلاسفة الغرب , والتي هي فلسفة متمحورة على ذاتها وأحادية الإتجاه من جهة , ومن تحليلا معمقا لتناقضات العصر الراهن من جهة أخر , التي تتجلى في التعارض بين المركز والأطراف خلال مختلف أطوار الرأسمالية , لأنه وعلى أساس هذا التحليل يمكن التوصل إلى تقييم صحيح لحركة التحرر الوطني وآفاقها .

إن التحليل الغربي , والمتمحور على ذاته , يهمل الدور الحاسم الذي على الطرف الإضطلاع به منذ البداية , ويزعم هذا الغرب أن التناقضات الداخلية للاقطاعية هي وحدها التي تفسر هذا الانتقال , ويذهب إلى حد الإدعاء بأن هذا الموقف يعبر عن مبدأ ماركسي , ويستخلص تحريفيي العصر الحالي من هذا المبدأ أن أوربا كانت هي وحدها القادرة على ابتكار الرأسمالية وأنه كان محكوما على آسيا أن تظل متجمدة إلى مالا نهاية عند المرحلة السابقة .
ويرى سمير أمين , ومن خلال نظريته نمط الإنتاج الخراجي , أنه بالرغم ما للتناقضات الداخلية من دور حاسم لهذا الانتقال , إلا أنها كانت لها نفس الفرص في الأنظمة الخراجية , وأنها كانت تقتضي وفي جميع الظروف انتقالا ضروريا للرأسمالية في أوربا أو أي مكان آخر من دون أي تأثير خارجي , ولا ينبغي الخلط بين هذه الموضوعة العامة وبين التفسير العيني للانتقال كما حصل بالفعل .
لأن أوربا , خلال التكون العيني والتاريخي للرأسمالية , أوجدت لنفسها منذ بدايات المرحلة المركنتيلية طرفا(كولونيالا)أخضعته لنهبها واستغلالها مما أدى إلى تسريع وتيرة تطورها الخاص وتجميد تطور المناطق التي أخضعتها قبل أن تحوله عن اتجاهه .
وكما كنا قد ذكرنا في المقالات السابقة فإن العلاقات بين المركز والأطراف في النظام الرأسمالي العالمي ليست خارجية وإنما من صلبه من خلال علاقة بنيوية , وعلينا أن ندرك التناقضات الرأسمالية على هذا المستوى من النظرة الشاملة للنمط الرأسمالي العيني , لا أن نختزله إلى نمط إنتاج متفاوت بشكل مجرد بغية التخلص من إرباكات تناقضاته من خلال قراءات خاصة ومجردة لمؤلف الرأسمال(ألتوسير مثالا) فينزل التشنج النظري الدوغمائي , الذي يفصل بين الآثار الخارجية والداخلية ضاربا بعرض الحائط بمبدأ الجدلية , منزلة المبدأ الأساسي في الرؤية والتحليل , وإلا , كما يقول سمير أمين , سنصل إلى الاستنتاج التالي لا محال : لا يجوز أن نبحث عن التناقضات حتى على صعيد التشكيلة القومية وإنما فقط على صعيد الوحدة القاعدية التي يتولد منها الاستغلال الرأسمالي أي المنشأة , ونكون بذلك قد استبعدنا من هذا التحليل الباهت والفقير مبدأ التداول وندخل في جدل لا مخرج منه ولا فائدة حول أصل الاستغلال في العلاقات الانتاجية الرأسمالية , وإذا ما استبعد المرء من حقل الدراسة إعادة توزيع فائض القيمة عن طريق تداول الرأسمال وتحليل العلاقات بين العمل الإنتاجي وغير الإنتاجي , والتعريف الصحيح للشغيل الجماعي , وتحليل التحالفات الطبقية الخاصة بكل تشكيلة من التشكيلات الاجتماعية انتهى إلى موقع سياسي يعرف باسم النقابية الفوضوية ويدعو الشغيلة إلى صرف اهمامهم عن السياسة .
لا يجوز أن تغيب النظرة الكلية والشاملة أبدا , إن اللاتكافؤ مهما كان مصدره يسمح بتراتب منظم لا يعيد إنتاجه على نحو جمودي وحسب وإنما يجدده على نحو دينامي أيضا .
ويقول أمين في تفسير فشل الإنتقال إلى الرأسمالية في المجتمعات الخراجية الأكثر تطورا ونجاحه في أوربا( يعتبر سمير أمين أن أوربا كانت نموذجا متخلفا أو طرفيا في النمط الخراجي الذي كان سائدا قبل النمط الرأسمالي) أنه لابد من بذل مائة محاولة في التاريخ قبل أن تنجح عملية اختراق حاسمة في بلوغ نقطة اللاعودة.
فمركنتيلية محمد علي في مصر كانت قد استهلت حركة تطور رأسمالي أوقفها العدوان الأوربي , وهناك محاولتان في أوربا , الإيطالية والإسبانية , قد أجهضتا قبل نجاح عملية الخرق الانكليزية , فهل نعيد المعجزة الأوربية إلى عبقرية أوربا الشمالية بما يحمل من تفكير عنصري ؟؟ .
لقد غدا تطور الرأسمالية تطورا للامبريالية وللتخلف في آن معا , وإن أطروحة روزا لكسمبورغ (الحدود المطلقة) تغفل أن تطورالرأسمالية في الطرف يبقى تطورا لرأسمالية تابعة غير مكتملة , وأن الخطأ في بعض محاولات تحقيب المرحلة الامبريالية ناجم عن تقدير غير كاف لطبيعة القطيعة الامبريالية , لأن مرحلة الانتقال الاشتراكي تستهل القطيعة على الصعيد العالمي في إطار التطور اللامتكافيء , ذلك أن الامبريالية قد حولت مركز ثقل التناقضات الرأسمالية وجعلت تناقضات الأمس الأساسية تناقضات ثانوية , ولم يعد صراع الطبقة العاملة مع الطبقة الرأسمالية في المراكز هو المحرك الرئيسي للتاريخ , وقد أدرك سيسيل رودس أن تحاشي الحرب الأهلية في أوربا ممكن عن طريق تحويل التناقضات الداخلية الرأسمالية عبر التوسع الخارجي .
ولكن الامبريالية بهذا دفعت إلى مقدمة المسرح بقوة جديدة مناهضة لها , هي قوة الأمم الطرفية التي غدا كفاحها محركا للتاريخ , وثمة صراع هائل الأبعاد قد بدأ , صراع تتواجه فيه بروليتاريا هذه الأمم مع بورجوازيتها , صراع ستكون نهايته حاسمة بالنسبة لمستقبل الاشتراكية , ولكن ليس من خلال الإلتواء الحاصل في مناطق كثيرة من العالم الثالث لموضوعية قانون الصراع عبر خوضه ببرنامج البورجوازية المحلية(الكومبرادور_ الكولونيالية)لأن حركة التحرر الوطني القومي تبقى عاجزة عن تحقيق كامل أهدافها بقيادة هذه البورجوازية المحلية , وعلى البروليتاريا أن تتمكن من انتزاع قيادة حركة التحرر الوطني لتتمكن من مواصلة مرحلة بعد أخرى من تطور النظام الامبريالي ليصل إلى التحرر المكتمل من خلال الانتقال الاشتراكي .

ليست الامبريالية فقط تحولا اقتصاديا داخل المراكز الامبريالية بحيث يشكل انتقالا نوعيا في تركز الرأسمال وتمركزه و التداخل بين الرأسمال المصرفي والصناعي أوخضوع المجتمعات غير الرأسمالية كافة لهذه الامبرياليات ( إن جذور ظاهرة خضوع المجتمعات تعود إلى زمن أسبق , فحتى التراكم ما قبل الثورة الصناعية اتسم ببعد عالمي , بل إن ظاهرة الاستعمار سبقت الامبريالية في بعض المناطق وفي بعض الظواهر السياسية ) , بل إنها تشكل انقطاعا نوعيا أساسيا وجوهريا في تاريخ الرأسمالية .
لماذا تشكل الامبريالية انقطاعا نوعيا أساسيا وجوهريا في تاريخ الرأسمالية ؟
لأن هذا التركز والتمركز لرأسمال الاحتكارات يخلق إمكانية تصدير نمط الإنتاج الرأسمالي عن طريق توظيف هذا الرأسمال خارج مراكز منشئه , وأدى انتشارها عالميا في طورها الامبريالي إلى تحولات جوهرية تتعلق بتنضدد الطبقات الاجتماعية والمكان الذي تحتله شتى هذه الطبقات في الصراع الطبقي في كل من المراكز زالأطراف , والتي لا يمكن إدراكها إذا ما نظرنا إلى كل قطر بمنأى عن الآخر , وهنا على وجه التحديد تكمن النقطة الساخنة في النقاش بين التيارات الماركسية , وبحملة التشكيك المتبادلة فيما بينها .
ما هي التحولات الهامة والجوهرية التي حدثت بعد دخول الرأسمالية الطور الامبريالي من وجهة نظر أمين ؟
_ انتقال مركز ثقل الاستغلال الرأسمالي من مكان إلى آخر نتيجة تنامي الكتلة النسبية لفضل القيمة الممركزة لصالح احتكارات الدول الامبريالية , ففضل القيمة بات يتأتى أكثر قأكثر من استغلال شعوب الأطراف .
ولا ينجم هذا الانتقال عن القياس الكمي لكتلة فضل القيمة المولدة هنا أو هناك في داخل النظام برمته , مراكز_أطراف(مازالت كتلة فضل القيمة على الصعيد الكمي تتولد في المركز أكثر منها في الأطراف) , بل إن النقطة الحساسة في القضية أن مركز الثقل هو الذي ينتقل باتجاه استثمار الأطراف واستغلالها على النحو الذي استطاعت رأسمالية الاحتكارات أن تقدم قاعدة موضوعية لهيمنة أحزاب الاشتراكية الديموقراطية في أوساط الطبقات العاملة في الغرب .
_تحول جوهري آخر هو أن البورجوازية ماعادت تنمو في الأطراف إلا في ركاب الامبريالية , وأمست هذه البورجوازية عاجزة عن قيادة ثورة بورجوازية تتميز بالجذرية(وهذه أيضا نقطة خلاف جوهرية بين التيارات الماركسية والتيارات اللبريالية) , غير أن هذا لا يعني أن النظام الرأسمالي في الأطراف يكف عن التطور أو النمو , بل أن النقطة الجوهرية هو أنه يتطور في الإطار الامبريالي , والحركة الفلاحية التي كانت تاريخيا في المركز جزءا من الثورة البورجوازية تصبح في الأطراف جزءا من الثورة الاشتراكية , وهذا لا يعني أنها تقود إليها بصورة آلية , بل أنها لكي تتحقق ينبغي أن يكون هناك قيادة بروليتارية و منظور مفتوح في هذا الاتجاه , وبعبارة أخرى , إن تطور الرأسمالية في الأطراف في ركاب الامبريالية , وصعود حركة التحرر الوطني القومي , لا يتمان في إطار نمو الرأسمالية والبورجوازية وإنما في إطار أزمتهما , ولا يكفي أن نقول , لتحديد المعسكرين الأساسيين للقوى الاجتماعية ومعرفة ما هو أساسي وما هو ثانوي من زاوية هذه الرؤية , أن البروليتاريا في المركز والأطراف والطبقة الفلاحية في الأطراف تقف إلى جانب القوى الاشتراكية , وفي الطرف الآخر , معسكر القوى الرأسمالية , رأسمال الاحتكارات المركزية وسائر البورجوازيات التابعة وحلفاؤها في الأطراف , بل ينبغي أن نضيف أن رأس حربة قوى الاشتراكية قد انتقل في هذا التحالف الطبقي , على الصعيد العالمي , من البروليتاريا في مراكز الغرب إلى النوى البروليتارية في الأطراف , ولا يفيد هنا الاستشهاد بالتعاريف الكلاسيكية لماركس مادامت ظاهرة الامبريالية قد رأت النور بعده , وبالرغم من أن لينين قد تناول الظاهرة في التحليل إلا أن النظام قد استمر وتطورت الصراعات فيه بشكل نوعي بعد موته منذ ما ينوف عن 80 عام .
_لقد حصلت الثورات الاشتراكية في أطراف النظام العالمي , وعلى الرغم من تطور الرأسمالية في هذه البلدان إلا أن الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين لم تقع إلا نادرا تحت الهيمنة الأيديولوجية الامبريالية , الأمر الذي أدى فيها إلى توفر طاقة ثورية كامنة هائلة .
بالمقابل فإن الطبقات العاملة في الغرب لاتزال تحت تأثير وهيمنة تيار الاشتراكية _الديموقراطية والتحريفية , صحيح أن هذا لا يحول دون الصراعات الطبقية غير أنه يجرد هذه الصراعات من المنظور الاشتراكي .
إن التنبؤ بمجرى التاريخ أمر مستحيل , ولكن يتوجب أن نشدد على العلاقة الجدلية بين الصراعات في المركز وعلى الصراعات في الأطراف , وأي من هذه الصراعات يكون هو الرئيسي في لحظة تاريخية معينة وأيها يكون ثانوي , ومن فيها يؤثر على الآخر نوعيا .
فبقدر ما تستطيع الامبريالية , في مرحلتنا هذه , أن تنقل الاستغلال إلى دول الأطراف في النظام العالمي وتعمقه , بقدر ما تكتسب الوسائل لتعزيز أيديولوجيا الاشتراكية_الديموقراطية في المركز(وعند بعض القوى اليسارية في البلاد الطرفية) وبالتالي تنجح في شق صفوف الطبقة العاملة وفي إضعافها وفي حرمانها من منظورها السياسي المستقل , وفي دمج نضالات هذه الطبقة بمشاريع تقع تحت سيطرتها .
وبقدرما تقاوم الاطراف بدرجات متفاوتة ومختلفة بقدر ما يضطر الرأسمال الامبريالي إلى نقل التناقض إلى داخل الدول الامبريالية المركزية , مما يؤدي إلى تقليص القاعدة الموضوعية للاشتراكية_الديموقراطية وتعزيز ميول النهوض الثوري .
إن لرؤية سمير أمين في تفاوت مقاومة الدول الطرفية أهمية خاصة بسبب تمييزه بين الدرجة القصوى من المقاومة الجذرية المتقدمة التي تؤدي للتحرر من النظام الامبريالي والخروج منه من خلال الإنقطاع النوعي عن بنيتها , وهذا لا يتم إلا باتساع حركة التحرر الوطني القومي ونموها بقيادة البروليتاريا ومن حولها الجماهير الفلاحية المعبأة(إن الانقطاع النوعي ليس هو الاشتراكية وإنما انقطاع فقط باتجاه الاشتراكية , وهو إذ يضع حدا للاستغلال الامبريالي لا يضع بالضرورة حدا لتطور القوى الرأسمالية المحلية في البلدان المعنية) , وبين الدرجة الدنيا التي تتمثل بتصدي البورجوازيات التابعة في ظروف محددة لقيادة حركة التحررالقومي(كما حصل و حاصل لدينا في بلادنا) وتحاول أن تنتزع من خلال صراعاتها مع الامبرياليات اقتساما جديدا أنسب لها يحد من أرباح رأسمال الاحتكارات من خلال إعادة توزيع على المستوى العالمي .
ويطرح سمير أمين السؤال التالي محاولا فيما بعد الإجابة عليه لتأكيد مقولته : هل أن فعلا حركة التحرر القومي قد أصبحت في العصر الحالي هي محرك التاريخ والقوة الرئيسية لبزوغ الاشتراكية ؟
_في الفترة الممتدة من 1880 إلى 1914 لم يكن نضال التحرر القومي بعد قد أصبح محرك التاريخ , لهذا حصلت الامبريالية على عصرها الذهبي في هذا الطور , فقد خضعت الطبقة العاملة لبورجوازياتها الامبريالية وكانت حركات التحرر في طور التكون وقتئذ , ولم تكن أيضا قد خرجت من الطور الماقبل رأسمالي .
_في الفترة مابين 1918 إلى 1945 لم تعد التناقضات أساسية مابين الدول الامبريالية التي كانت ماتزال العلاقة بينهما قائمة على أساس منتصرين ومنهزمين , ففي عام 1918 انشغلت بصعود الثورة الروسية ثم مراوحتها ثم تراجعها , ثم بصعود الثورة الصينية وصعود حركات التحرر في القارات الثلاث , وأبرزت هذه القوى الصاعدة من جديد التناقضات الداخلية ما بين بلاد المركز ثم جاءت أزمات مابعد الحرب ثم أزمات 1930 وانتهت بالحرب العالمية الثانية التي سجلت نهاية الصعود الجديد للحركة العمالية في المراكز الغربية في حين استمر تطور القوى الأخرى , الإتحاد السوفييتي والصين وحركة التحرر القومي .
_بعد 1945 بدأت مرحلة ثالثة تأكد خلالها رجحان كفة حركة التحرر القومي واحتلالها واجهة الأحداث , فالتناقضات بين الدول الامبريالية فقدت الكثير من حدتها نتيجة الهيمنة الأمريكية , والإتحاد السوفييتي المحصور داخل منطقة نفوذه لم يظهر على الحلبة الدولية إلا من خلال الإتصال مع حركة التحرر القومي ولم يكتسب بعدا عالميا إلا عبر التحالفات المعقودة معها .
إن حصول الكثير من البلدان الطرفية على استقلالها السياسي من الاستعمار دفع بعض المفكرين في أوربا للتنظير على أن هذا الاستقلال سيؤدي إلى خبو نجم حركة التحرر وطاقتها على إحداث تحول اشتراكي , وفي الحقيقة ما جرى من أحداث عالمية أدى إلى رواج هذا الرأي , ولكن سمير أمين يخطيء هذه النظرية لأنها تجعل هدف التحرر القومي مقتصرا على التخلص من الاستعمار المباشر(الاستقلال السياسي) , استقلال لا يحل تناقضات الرأسمالية الطرفية(المحلية) .
لا ريب أن هذا يخلق شروطا جديدة للصراع , ويتجاوز طور الرأسمالية الطرفية الجنينية المفروضة من قبل السيطرة الخارجية المباشرة (نمط الإنتاج الكولونيالي حسب نظرية راي الذي أعاد إنتاجها مهدي عامل لتشمل منطقتنا)عن طريق إعادة الإنتاج التلقائي للرأسمالية التابعة ضمن سياق نمط الإنتاج الكولونيالي الجديد(الكولونيالية المتجددة كما كنا قد نوهنا في المقالات السابقة عن مهدي عامل) في ظل هيمنة التحالف البورجوازي المحلي , وعن طريق الأواليات الاقتصادية للنظام الامبريالي بالذات .
إن هذا من شأنه أن يبدل طبيعة أهداف الطرفين في النظام العولمي ويغير من أساليب صراعهما , وبسبب هذا التغيير يفترض جيرار شاليان أن زمن حركة التحرر قد ولى ويقترح إطلاق أسم الصراع الطبقي على المرحلة الجديدة التي بدأت في العالم الثالث الذي كان مستعمرا .
ولكن الخطأ في هذا الرأي من وجهة نظر أمين يكمن في التعامي عن أن هذا الصراع الطبقي يدور في إطار التحرر القومي الذي لم يكتمل بعد , فالكولونياليات مازالت تحتفظ بقيادة الحركة , ولايسع الطبقات الشعبية أن تتجاهل متابعة هذا النضال كما لم يسعها أن تتجاهل السعي للاستقلال , ولكن عليها هي بفضل استقلاليتها أن تفرض قيادتها وأن تفسح في المجال للانتقال للاشتراكية .
مازال التحرر القومي يشغل مقدمة الأحداث والتاريخ وحده سيقول إن كان سيتوافق مع نهوض جديد للحركة العمالية في المراكز الغربية .

إن المناقشات والسجالات التي تجري بين الأطراف حول استراتيجية المرحلة الجديدة لحركة التحرر الوطني القومي لها أهمية عملية عندما يعاد وضعها في إطار الثورة المستمرة والمتدرجة مرحليا , وإن الطابع التناقضي للتحرر القومي يفصح عن نفسه من خلال واقعة مزدوجة : فمن جهة يخلق كل انتصار جزئي للحركة شروط تعمق جديد في تطور الرأسمالية الطرفية التابعة , ومن جهة أخرى لا يخفف من حدة التناقضات بين التحالف الشعبي والتحالف الامبريالي بل يزيده . إن هدف الاستقلال السياسي غير قابل للتحقق من خلال استراتيجيات البورجوازيات الكولونيالية وإنما يشكل استمرارا لخط التطور التابع الغير مكتمل .
ويتابع أمين تسائله : هل من الممكن أن تستمر هذه الحركة إلى مالانهاية فتجتاز مراحل متعاقبة من دون أن تحصل القطيعة النوعية (مع البنية الكولونيالية_الامبريالية)التي تمهد الطريق للانتقال الاشتراكي ؟ ألن نصل في هذه الحال إلى خاتمة سيرورة التطور الرأسمالي وزوال التناقض بين المركز والأطراف ؟
إذا ما افترضنا تقاعس القوى الشعبية عن النضال في الأطراف لتحقيق الانتقال الاشتراكي , وإذا ما استطاعت الرأسمالية الطرفية أن تعمر طويلا كما تطمح القوى اللبرالية , فإنها ستنتهي بالطبع للعثور على حل لتناقضاتها , وتكون الامبريالية قد انقرضت بعد أن أنهت دورها التاريخي بنقل الرأسمالية إلى العالم كله ولن تكون في هذه الحالة الامبريالية مرحلة الرأسمالية العليا وإنما مجرد شكل انتقالي في انتشارها , ولكن حتى في إطار هذه الفرضية , والتي لافائدة سياسية من تمحيصها , فإنها تبقي مسألة الانتقال الاشتراكي قضية مطروحة , لأنه في عالم تحقق فيه التجانس المطلق , وقضت فيه الرأسمالية على الأمم وعلى التفاوتات القومية , يكتسب الصراع الطبقي النقاوة التي طالما حلم به البعض , وإلى أن يحدث هذا فإن الصراع الجاري دليلا على أن التناقض بين المراكز والأطراف لايزال يشكل الوجه الأساسي الذي تتجلى من خلاله مجمل التناقضات الجوهرية والثانوية للنظام الامبريالي .
إن المقاومة التي تخوضها الأطراف أدت إلى تسارع هبوط معدل أرباح الاحتكارات في المركز , وإلى نقل التناقض إلى الطبقات العاملة فيه ولو بشكل نسبي , وعمدت الامبرياليات إلى رص صفوفها : فالامبرياليات الثانوية انضوت تحت لواء الامبريالية الامريكية المسيطرة بغية تشكيل جبهة مشتركة تسمح بالحد من انتصارات حركات التحرر في الأطراف , وبالتالي التخفيف من حدة التناقضات في المركز , والإصرار على عدم تقديم تنازلات لبرجوازيات الأطراف(بل سحق من ترفض الإنضواء تحت لوائها وتنفيذ أجنداتها) .
إن النزعة الغربية العنصرية المتمحورة على ذاتها , ومحاولة ترسيخ رؤيتها للعالم ولتاريخه ولتمرحل تاريخه هي من نتاج الرأسمالية وخصوصا مرحلتها الامبريالية , فبدءا من هذه المرحلة توغلت هذه النزعة داخل صفوف الطبقة العاملة , وكذلك إلى الفكر الذي يدعي الانتماء إلى الفكر الماركسي , تتجلى هذه النزعة في انعدام كل اهتمام بما هو غير غربي الأمر الذي يلحق تشويها خطيرا بتاريخ الغرب نفسه , لأنه يتعذر فهم الغرب من دون العودة إلى الشرق , إن كان في العصر المركنتيلي في الماضي أو في العصر الامبريالي في الحاضر .
فهل ستكون شعوب الدول الغربية مستعدة للتخلي عن الامبريالية لمواجهة المرحلة الانتقالية الطويلة التي ستعيشها قبل أن تعوضها مكاسب التحرر من الرأسمالية عن متاعب إعادة البناء إن لم يرغمها عليه تحرر الأطراف ؟ إن النزعة الغربية العنصرية تخفي هذا الواقع القاسي عن شعوب الغرب , ولهذا نجد البورجوازيات الامبريالية دائمة التربص لليسار ضمن حدودها والوقوف له بالمرصاد .
تتركز في بنية الأمم الغربية في الفترة الأخيرة شرائح متوسطة يتعذر فهم وظائفها بمعزل عن اشتغال النظام الامبريالي كما أوضح بولانتزس , فتضخم القطاع الثالث الذي غدا غير منتج وتركز القطاع الرابع في التقسيم الدولي الجديد أحال بعض الصناعات إلى الأطراف , وتركز تولد فضل القيمة من خلال النهب المباشر الكبير للموارد الطبيعية وارتفاع معدلات فضل القيمة ...إلخ
إن إعادة البناء التي يقتضيها الانتقال الاشتراكي بالنسبة للمجتمعات المركزية ستخلق في مثل هذه الشروط مصاعب جمة , ولهذا فإن الالتباسات التي تحيط بمواقف القوى الشعبية والطبقة العمالية في الغرب تفضح تراجعها الانتهازي أمام هذه المشكلات , واتضح هذا من خلال مواقفها بالنسبة لمحاولات بلدان العالم الثالث من أجل استقلالها الاقتصادي ورفع أسعار موادها الأولية , وتتحمل البلدان الطرفية في النهاية فاتورة فائض أرباح الاحتكارات , أما اليسار الغربي فإنه لا يتوانى عن الوقوف وبلا تردد إلى جانب الامبريالية متذرعا بحجة أن بورجوازيات العالم الثالث هي التي تقود المعركة , وعلى هذا الموقف استندت البورجوازية الغربية دون عناء للترويج لفكرة حق الأمم الغربية في ثروات العالم الثالث الطبيعية وعلى رأسها النفط , إن النزعة الغربية المتمحورة على ذاتها تلحق بالماركسية تشويها شاملا , وتتحول الماركسية نتيجة هذه النزعة من أداة عمل ثورية إلى مجرد مذهب أكاديمي .

إن المساجلة التي دارت حول التبادل اللامتكافيء زادت من الاقتناع لدى أمين بأن التذرع ب“أولوية الإنتاج على التداول“ليست سوى تعلل ايديولوجي واه , ذلك أن المساجلة هذه قادت إلى طرح القضايا والمشكلات من زاوية علاقات الإنتاج وتوليد الفائض على الصعيد العالمي والتداول العالمي للفائض الذي تتحكم به علاقات الإنتاج الرأسمالية الفاعلة على الصعيد العالمي , وبذا أمكن التوصل إلى إثبات أن معدلات فضل القيمة الأكثر ارتفاعا في الأطراف وفضل القيمة المطلقة المستحصل عليها من خلال الهيمنة والريوع المنقوصة والملغاة , تتخفى جميعها خلف ظاهرة „الأسعار النسبية“ , وفي الواقع فإن هناك نمو مفرط وغير منتج في قطب , وإفقار مطلق في القطب الآخر.
إن الآراء المناهضة لنزعة التداول تخفي رغبة في رفض تبيان تولد الفائض على الصعيد العالمي لحصره في المراكز لوحدها , وبالتالي القول أن فضل القيمة لا يتولد إلا في المراكز .
يدعي الماركسي كاي أن بؤس البلدان الطرفية ناشيء عن نقص في استغلاله من قبل الرأسمال وليس من فرط استغلاله من قبل الرأسمال(وهناك مؤيدين لنظريته في مناطقنا) , لأن التراكم الرأسمالي يعني رفع مستوى معيشة الناس , ودليله هو تاريخ الغرب الغني والبؤس المفرط في الطرف , ويرد أمين عليه بأنه لا يتساءل حول احتمال وجود علاقة مابين بؤس الطرف ورخاء الغرب وبذخه , ويدعوه إلى التمحص للاستقرار النسبي لحصة الأجور في الدخل القومي في الغرب وثبات فضل القيمة فيه بالرغم من تضخم الوظائف غير المنتجة التي لا تولد أي فضل قيمة وإنما تعيد توزيعها فحسب .
ويتابع أمين أن في الطرف تنمو كتلة فضل القيمة بشكل مطرد بسبب زيادة الإنتاجية التي هي أسرع بكثير من زيادة جزاء العمل , هذه الحقيقة تغيب تماما عن كاي وأمثاله , ويتجاهلوا أن التخلف والتطور في النظام العولمي الحالي وجهان لعملة واحدة , وربما من أجل هذا حظيت أطروحته بعظيم التقدير من مؤسسة فورد أغلب الظن .
إن الماركسيين الغربيين أمثال كاي وروستو , الذين رفضوا وإلى الأبد الاهتمام بحقل عمل الرأسمالية على المستوى العالمي , يجدون أنفسهم مرتمين في أحضان الماركسولوجيا(العقيدية) , وتنوب عندهم قراءة النظرية ومؤلف رأس المال مناب تحليل الواقع , إنهم „يشتقون النظرية من النظرية“ المتعارض مع روح الماركسية , أما على الصعيد السياسي فهم على الدوام مع التحريفيين , فمسألة الامبريالية لا تثير اهتمامهم , لقد نذروا أنفسهم لكتابة تاريخ الغرب الرائع , وأرادوا أن يبرهنوا على أن أوربا وحدها القادرة على أن تجعل البشرية تتقدم .
ويؤكد أمين أن ما من شيء في فكر ماركس كان يهيؤه في الواقع لمثل هذا التوجه , فماركس لم يرغب أن يصنف في عداد الأنبياء ونسي بعض الماركسيين أن ماركس لم يفعل سوى أنه أرسى أسس المادية التاريخية , واكتشف القوانين الرأسمالية الأساسية .





المراجع السابقة