حوار قوى اليسار الديمقراطي وسمات العولمة الرأسمالية


لطفي حاتم
2006 / 9 / 28 - 10:20     

أرسل لي مشكوراً الباحث والصديق الأستاذ سلامه كيله النداء الصادر إلى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي الأمر الذي حثني على المساهمة في دراسة التوجهات والرؤى الفكرية الأساسية للنداء المذكور.
بداية أود الإشارة إلى أن اللقاء والنداء الصادر عنه يشكل مساهمة جدية في تحريك المياه الراكدة وعلامة ايجابية على حيوية الفكر الماركسي الذي لازال وبرغم كل الأصوات الصاخبة والخافتة حيوياً قابلاً لتفسير التطورات الجديدة وذلك بسبب التصاقه ـ الفكر الماركسي ـ ببنية أسلوب الإنتاج الرأسمالي ومراحل تطوره وأحد منتجاته الفكرية الكبرى.
على أساس تلك الملاحظة دعونا نطرح السؤال التالي: ـ ما هي البنية الفكرية / السياسية للنداء ؟ وهل يشكل النداء خطوة جادة نحو تجديد الرؤية الماركسية لمشاكل بلداننا العربية ؟ وأخيراً هل هناك إمكانية لنشوء حركة عربية ماركسية تشكل عتبة ضرورية نحو التغيير اللاحق ؟
محاولة التقرب من تلك الأسئلة تنطلق من محورين الأول رؤية النداء للإشكالات السياسية الفكرية المبنية على وصف الطور الجديد من التوسع الرأسمالي. والثاني استراتيجية النداء لآفاق المستقبل انطلاقاً من بناء الحركة العربية الماركسية.
على أساس تلك المحددات دعونا نبدأ بالمحور الأول الذي يتضمن التحليل التالي: ــ
أولاً: ــ طبيعة الصراع والقوى الساندة له
يتمثل الصراع الدائر في المنطقة العربية بين مشروعين أساسيين [مشروع التحرر العربي ومشروع الهيمنة الاستعمارية.] ويتمحور هذا الصراع حول القضية الفلسطينية باعتبارها [ بؤرة الصراع الرئيسية ]
ـــ الطبقات الاجتماعية المباركة لهذا المشروع يمكن تحديدها ب [الطبقات الرجعية السائدة الحاكمة في مختلف البلدان العربية ذات المصالح المتشابكة مع الإمبريالية ].
ـــ القوى الاجتماعية الساندة لمشروع الشرق الأوسط الكبير و[ الجديد ] تتمثل ب [ النظم الرجعية التابعة والاستبدادية والحركة الأصولية وبعض الأطراف والأحزاب الليبرالية ]
ــ يشير النداء إلى إن القوى المشار إليها [ مندمجة أو قابلة للاندماج في النمط الرأسمالي العالمي، ومتحالفة أو ساعية للتحالف الاستراتيجي مع القوى الإمبريالية ]
ــ إن ظروف التردي التي تعيشها قوى التغيير العربية تستند إضافة إلى ما ذكر إلى [تراجع دور العديد من القوى الماركسية والشيوعية حتى أصبح العديد منها هامشيا ] بسبب إن بعضها [اختار التكيف نتيجة أخطاء في التصور والممارسة, وقد ارتد بعضها أو أعضاء منها إلى مواقع ليبرالية وقبل التكيف مع العولمة الرأسمالية] وبالتالي جرى فصل [المسالة الديموقراطية عن المسالة الوطنية ]

ثانياً:ــ رؤية النداء للبديل القادم
ــ من أجل بناء البديل القادم لابد أولاً من [هزيمة المشروع الإمبريالي الأمريكي بالخصوص والمشروع الرأسمالي عموما, والتصدي لكل بدائله. ]
ــ إن تحقيق هذا الهدف يشترط [ بلورة برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي يمثل التقاطعات التي تجمعها ( القوى والأحزاب الماركسية ) ( 2 ) من أجل خوض النضال بجميع أشكاله حسب وضعية كل قطر] إن هذا البرنامج يفضي إلى [ بلورة رؤية فكرية مشتركة].
ــ من المفيد التذكير إن البديل القادم الذي يتصوره النداء هو [بديل يعبر عن مصالح الطبقة العاملة والشعوب ويقوم على التحرر الوطني والتكافؤ وحرية تقرير المصير وضمان حق الاختلاف والتعدد والعدالة والمساواة الاجتماعية, والديموقراطية ]
هذه باختصار قراءة مكثفة لأهم آراء النداء ومضامينه الفكرية ولغرض مناقشة هذه الأفكار والتوجهات بصورة تنسجم وروح النداء الهادفة إلى تقريب وجهات النظر بين القوى والشخصيات الماركسية دعونا نبدأ برؤية عامة قد تمهد الطريق لمعالجة الإشكالات والقضايا الفكرية المثارة ووضعها في الإطار الملموس لتاريخنا المعاصر تاركين التفاصيل لفترة لاحقة (1 ).
الموضوعة الأولى: ـ أفضت العولمة إلى توحيد العالم وتكمن وحدانيته في سيادة أسلوب الإنتاج الرأسمالي على الرغم من أن هذا النمط يتطور تطوراً متفاوتاً تتعايش فيه دول مختلفة متباينة التطور.
إن وحدة العالم المتمثلة برأسماليته تطرح مسألتين أساسيتين على الواقع العملي أولاهما إن نمو وتطور بلداننا العربية يسير في إطار التطور الرأسمالي التابع منذ نشوء دوله الوطنية ، وبذلك تبقى عملية فك الارتباط عملية تاريخية خاضعة لحزمة من المتغيرات الاقتصادية/ السياسية الدولية. وثانيتهما أن العولمة الرأسمالية ورغم تناقضاتها ( 3 ) تشترط إعادة الاعتبار إلى موضوعة الاتحاد العربي الفدرالي المستند إلى بناء سوق اقتصادية عربية ضامنة للتطور المستقل عن التكتلات الاقتصادية الكبرى. في هذا الإطار تأتي أهمية وحدة الحركة العربية الاشتراكية واليسارية التي أشار إليها النداء إلى القوى والأحزاب الماركسية.
الموضوعة الثانية: ـ بسبب عمليات الترابط والتدويل وما أفرزته تناقضات العولمة الرأسمالية المتجسدة بقانوني الاستقطاب والتهميش حصلت كثرة من التغيرات على صعيد السياسة الدولية تتطلب الفحص والتدقيق عند رسم السياسة العامة للأحزاب الماركسية منها: ــ
أ: ــ لم تعد التناقضات الاجتماعية الوطنية قادرة لوحدها على حسم النزاعات الطبقية لصالح الأطراف اليسارية بسبب إن تلك النزاعات أصبحت جزءً من المصالح الدولية وبهذا المعنى فان الصراعات الوطنية تشكل في المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي جوهر السياسة الخارجية للدول الإمبريالية.
ب: ــ إن أساليب العنف الثوري التي أفرزتها تجارب الأحزاب الاشتراكية في القرن المنصرم لم تعد قادرة على حسم المعارك الطبقية ذات المنحى الاشتراكي نتيجة لعمليات التدويل المتسارعة للقضايا الوطنية من جهة. ونمو وتطور ازدواجية الهيمنة الداخلية / الخارجية على مسار تطور السلطة السياسية في الدول الوطنية من جهة أخرى.
إن التطور المشار إليه والذي أفرزته العولمة الرأسمالية يطرح على الأحزاب الاشتراكية مهمة اكتشاف الطرق الكفاحية القادرة على إجبار القوى المتحالفة مع الوافد ألاجني على مراعاة المصالح الوطنية.
ج: ــ إن عمليات تهميش القوى والشرائح العاملة في حقل الإنتاج الوطني التي فرضتها البنية الاقتصادية المرتكزة على هيمنة قطاع الخدمات والوكالة التجارية تشترط تغيير البنية الطبقية للحزب الاشتراكي وما يتطلبه ذلك من توسيع قاعدته الاجتماعية وعدم حصرها بالعمال والفلاحين. بكلام آخر إن التهميش والاستقطاب الناتج عن التوسع الرأسمالي أصبح واسعاً بسبب الانهيارات المتواصلة للطبقتين الوسطى والبرجوازية الوطنية وما يعنيه ذلك من حصر الكفاح الوطني ضد البرجوازية البيروقراطية المتحالفة مع الشركات الاحتكارية الناهبة لثروات الدولة الوطنية.
الموضوعة الثالثة: ــ إن قانون الاستقطاب الرأسمالي ونتائجه المتمثلة بعمليات التفكك والاندماج والتهميش المتسارع تطرح قضايا مهمة منها آفاق الكفاح الاجتماعي وكيفية بناء السلطة الديمقراطية، ومنها كيفية الوصول إلى السلطة السياسية، ومنها دور الدولة في التحولات الاجتماعية. والسؤال الذي يواجهنا هل تسعى الأحزاب الاشتراكية إلى استلام السلطة بهدف البناء الاشتراكي أو بناء نظام ديمقراطي رأسمالي متوازن مناهض لوحشية الرأسمالية المرتكزة على الليبرالية الجديدة.
إن الأسئلة المثارة تستمد شرعيتها من الإشكالات الفكرية التالية: ـ
أولاً: ــــ لم يعد بناء الاشتراكية في بلد واحد قضية عملية مطروحة على جدول الأعمال بسبب انتفاء مساندها التاريخية والعودة إليها في المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي يشكل ضرباً من المثالية الفكرية.
ثانياً: ـــ أصبح بناء الاشتراكية قضية أممية ترتبط بطبيعة التكتلات الاقتصادية ومسارات المعارك الوطنية / الاجتماعية في بلدان هذا التكتل الاقتصادي أو ذاك.
ثالثاً: ـــ وضعت العولمة الرأسمالية قضية الدولة الوطنية على طاولة التكييف الهيكلي من خلال مساعي تحويلها إلى شركة كبيرة تدار من قبل جهاز بيروقراطي مرتبط بمصالح الشركات الاحتكارية من جهة وتوطيد وظيفتها القمعية لضبط النزاعات الوطنية من جهة أخرى. وبهذا المعنى تتحقق المقولة الماركسية القائلة إن ( الدولة جهاز قمعي .... ).
رابعاً: ـــ ربط الوطنية بالديمقراطية تتمتع بأهمية استثنائية في الظروف التاريخية الملموسة بمعنى إن الوطنية تجد تجسيدها في صيانة المصالح الوطنية المرتكزة على الموازنة الاجتماعية أولاً وإدارة السلطة السياسية على أساس الديمقراطية والتداول السلمي ثانياً.
خامساً:ـــ تكيف الحركات الماركسية وفق المستجدات التاريخية هي عملية تاريخية مرتبطة بمراحل التوسع الرأسمالي الأمر الذي يضفي على مساهمتها الكفاحية طابعاً جدلياً مساهماً في إنضاج المهام الوطنية القابلة للحل والتنفيذ.

خلاصة للأفكار ولآراء التي جرى استعراضها يمكن القول إن النداء الصادر إلى الأحزاب القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي سيساهم في دفع السجال الفكري الدائر بين قوى اليسار الديمقراطي إلى عتبة جديدة تفضي إلى بناء توجهات فكرية وأعمال تضامنية ملموسة في مواجهة التحديات الكبرى التي تفرزها أيديولوجية الرأسمال المعولم.

الهوامش : ــ
1 : ــ لن أتناول قضايا الاحتلال ومقاومته والتي بحثتها في دراسات سابقة
2: ــ الإشارة الواردة بين القوسين من وضع الكاتب
3: ــ إن عمليات التهميش والاستقطاب الجارية لا تقتصر على التشكيلات الاجتماعية في هذا البلد أو ذاك بل تتعداها إلى الدول الوطنية كوحدات سياسية.