البنية الطبقية للنظام الامبريالي


محمود جلبوط
2006 / 9 / 19 - 11:14     

ألا زال بالإمكان لنا في أيامنا هذه في ظل اجتياح القيم اللبرالية وايديولوجيا المحافظين الجدد في منطقتنا ومناطق ما يعرف بالعالم الثالث في ظل عصر عولمة صراع الحضارات وحروب الأديان والطوائف والمذاهب بعد استنفاذ نظرية السلم الاجتماعي , اعتماد مقولة الصراع الطبقي في تحليل بنية ما بات يعرف بالبنية الطرفية (العالم الثالث) أو بنية الإنتاج الكولونيالي كل حسب المدرسة الفكرية التي يعتمدها لتحليل الصيرورة التاريخية الاجتماعية لهذه البلدان والمنطقة من العالم والمتمايزة عن الإنتاج الفكري والأيديولوجي الغربي من استشراق أو ماركسية غربية أو بنيوية محدثة ؟
إننا نرى , وبالرغم من كل المحاولات اللحوحة من قبل قوى الامبريالية ومنظريها لوقف صيرورة التاريخ والتطور الاجتماعي عند البنية الرأسمالية وادعائهم بنهاية التاريخ على أعتابها , وبالرغم من محاولات التحريفيين القدامى والجدد , وبالرغم من استقالة بعض القوى والأحزاب التي كانت محسوبة على قوى اليسار في حركة التحرر العالمي من برامجها الاشتراكية وبشكل خاص بعد التطور الذي طرأ اعلى التجربة السوفياتية وأوربا الشرقية من خلال حسم التحول في بنيتها لصالح انخراطها في علاقات السوق العالمية , وبالرغم من المحاولات المبذولة لحرف الصراعات الاجتماعية لجهة الاصطراع على أساس الدين والمذهب والطائفة والتقسيمات الأثنية , نرى , و من وجهة نظرنا , أن مقولات الفكر الماركسي لم تستنفذ , وأننا لا نجد أداة فكرية أخرى من الإنتاج الفكري البشري المنتج لغاية الآن وبالرغم من أهمية كل ما أنتجته البشرية من فكر , قادرة على تفسير ما يجري واستنتاج طريقا للخلاص البشري في وضع حد للمظالم السائدة والحروب التي تمارسها قوى الإحتكار والاستبداد الدولاني , و لا مناص لنا لكي نعقل ما يجري في العالم الثالث ( أو المناطق الطرفية أو البنية الكولونيالية) من استخدام هذه المقولات وفي مقدمتها مقولة الصراع الطبقي , لتحليل بنيات البلاد الطرفية وتحليل ما يجري فيها من أحداث ولكن آخذين بعين الاعتبار الفترة التاريخية المعينة , والبنية المعينة , ومدى التبدل الذي طرأ على البنية الامبريالية التي تناولها لينين في عهده , إلى جانب ما كان قد ثار من تعارضات لهذا الفكر من خلال انتقادات روزا لوكسمبورغ أو غرامشي أو الماركسيين الآخرين من الرعيل الأول .
إن ما قام به الماركسيون المحدثون في أمريكا اللاتينية والجنوبية بإعادة إنتاج الفكر الماركسي من جديد وإستنباطهم لمقولة نمط الإنتاج الكولونيالي واستدلالهم بها لما يجري في دول العالم الثالث , وما قام به في هذا السياق المفكر مهدي عامل من محاولات تأهيل هذه النظرية في بنيتنا والمجهود الذي بذله لعقلنة بنيتنا بواسطتها, وما حاوله أيضا المفكر سمير أمين من خلال السياق نفسه في إنتاج نظريته نمط الإنتاج الخراجي يدفعنا في هذا الوقت بالذات للعودة إلى قرائتهما .
يرى دعاة اللبرالية لدينا مع بعض القوى التي تحاول أن تؤسس لتيار اشتراكي ديموقراطي لدينا أسوة بما جرى في أوربا الغربية , أن البنية الاجتماعية في بلدان الجنوب مازال لديها الفرصة نفسها التي توفرت للرأسمالية الغربية , ويمكن لها في عصرنا الحديث أن تمر بنفس التمرحل من التطور وبنفس الصيرورة التي حدثت لها في البنية الاجتماعية الغربية التي اعتملتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عبر انطلاقة ثورة بورجوازية , وأن التوجهات البورجوازية في هذه المناطق لم تستنفذ فرصتها , ولذا مازال هؤلاء اللبرالييون يرون متسعا لنفس المباديء التي سادت في حينه , في الوقت الذي يقر فيه المفكرون الاشتراكيون المحدثين في عصرنا الحالي أن بلاد الجنوب قد دخلت مرحلة العلاقات البورجوازية من زمن بعيد ولكن على شكل مغاير لتطورها في الغرب في اتساق مع تحول الرأسمالية الغربية إلى الامبريالية عبر ما بات يعرف بالنمط الكولونيالي للرأسمالية في الانتاج , ويؤكدون أنه لا يمكن الهذه لرأسمالية في هذه البنية إلا أن تكون على هذه الشاكلة التي تطورت بها ورست عليها من خلال علاقة تبعيتها للامبريالية ضمن سياق علاقات بنيوية داخلية تحكمها , وكان على الماركسيين الجدد أن يعالجوا البنية من وجهة نظر مختلفة تماما عما رآه ماركس , لمعاصرتهم الامبريالية وما اقترفت من جرائم بحق شعوب هذه البلدان , ومن خلال موقعهم الفكري والمناطقي لهذه البنية الكولونيالية ذاتها لا من وجهة نظر البدايات الأولى لمرحلة الرأسمالية التي حواها مؤلف رأس المال .
لقد اعتبر ماركس ولينين أن الكولونيالية بشكلها العام ضرورة تاريخية وضرورة منطقية لتطور الرأسمالية , فهي تميل بالضرورة إلى التوسع اللانهائي , إن عن طريق الاستعمار المباشر للبلدان التي لم تتحقق بها التطورات الرأسمالية والخارجة عن نطاقها (يقول ماركس في إحدى نصوصه:بما أن الصناعة الكبرى تجعل قسما من الطبقة العاملة يفيض عن الحاجة حيث هو يقيم فهي تستلزم الهجرة وبالتالي استعمار بلاد أجنبية), أو عن طريق السوق العالمية والتي هي بالتأكيد تحت سيطرتها , وهذا التوسع هو ضرورة لحركة صيرورتها , وعدم تحقق هذه الضرورة في بعض الظروف لا ينفي وجودها, وانتقال الرأسمالية في حركة تطورها إلى مرحلة الاستعمار لا يمكن اعتباره تحويلا بل هو تحقيق لامكانية تحدد الرأسمالية في جوهرها , فهي لا تعود رأسمالية إن نزعنا عنها هذه الامكانية , ولكن لا يمكن اعتبار التحويل الذي تحدثه الرأسمالية في بنية البلدان التي تستعمرها تحقيقا لإمكانات تطورها كما تنبأ بذلك ماركس عندما دعا الرأسمالية لاستعمار هذه الشعوب المتخلفة لتحضيرها(من حضارة) بل كان إيقافا لحركة تطورها ضمن سياق صيرورتها الداخلي , وتغيير في الخط التاريخي لتطورها , وصار تقسيم العمل عالميا يفترض وحدة عضوية , أجزاؤها مترابطة ومتداخلة , ومصير كل جزء يتحدد بمصير الكل ويحدده في الوقت نفسه , إن الرأسمالية الغربية هي التي وحدت العالم , ولأول مرة في التاريخ , من خلال توحيدها للسوق الخاجية كسوق لبيع منتجاتها ولاستيراد المواد الأولية الضرورية لصناعتها.
إن تقسيم العمل على المستوى العالمي حقا يفترض وجود عالم موحد على الاختلاف والتباين , وأن هذه الوحدة وحدة تفارقية تمثل قاعدة الانطلاق لتطور العلاقة الكولونيالية التي هي نتيجة تاريخية كعلاقات إنتاج في سياق تطور الرأسمالية , والترابط البنيوي بين الصيرورتين , صيرورة التطور الرأسمالي في المركز والتكون الكولونيالي في الأطراف , جعل التاريخ الإنساني حركة كل متماسك يصعب فيه الفصل , وإن حدث فصل فهو عن ضرورة منهجية أكثر منها واقعية .
إن كل علاقة تربط البلاد المتطورة (المركز) بالبلاد الغير متطورة (الأطراف) إن عن طريق التجارة الخارجية أم عن طريق توظيف رؤوس الأموال , لابد أن تتخذ شكلا كولونياليا , وتكون في صالح البلد المركز عبر ما يسمى بالتبادل الغير متكافيء لفضل القيمة , فالمركز يتلقى من البلد الطرفي كمية من العمل على شكل بضائع أكثر من كمية العمل التي يصدرها بلد المركز في منتجاته للأطراف , والمبادلة الغير متكافئة تكون دائما في صالح بلد المركز الأكثر تطورا لأنها مبادلة بين كميتين غير متساوتين من العمل , والفارق بينهما يحدد فائض الاستغلال للبلد المتخلف , وهذا الفائض من الاستغلال , وإن كان يذهب للطبقة البورجوازية في المركز , فهو في صالح البلد بمجمله , لأنه يساهم في التطور الرأسمالي وتوطيده , وبالتالي لا نجافي الحقيقة عندما نقول إن تطور المركز الغربي الرأسمالي داخل العلاقة الطرفية(العلاقة الكولونيالية) كان نتيجة تاريخية لتخلف الأطراف (البلدان المستعمرة , بفتح العين) في آسيا وأفريقا وأمريكا اللاتينية , وأن تخلف هذه البلدان نتيجة تاريخية لتطور الرأسمالية الغربية .
إن سائر الطبقات الاجتماعية , خارج الطبقة الرأسمالية الغربية في هذا النظام الموحد (إن النمطين , الكولونيالي والرأسمالي , يمثلان وحدة بنيوية واحدة , أي تبعية متبادلة , وأن تطور هذه البنية هو تطور لامتكافيء) تقدم بشكل أو بآخر فائض عمل لصالح هذا الرأسمال المهيمن على النظام برمته , وأن هذا الرأسمال يستغل الجميع , ولا تكابد الطبقة العاملة وحدها من هذا الاستغلال وإنما أيضا البورجوازية الصغيرة المبلترة من مستخدمين أجراء والمفتقرين إلى الاختصاص , أو البورجوازية الصغيرة المفقرة من منتجين صغار مقيدين بأواليات السوق , وجماهير الفلاحين .

إن ما يزيد عن ثلث الطبقة العاملة المشتغلة في أطراف النظام يستغل من قبل الرأسمال , وتحاذيه كتلة من العاطلين عن العمل تعادله حجما , وأن هذا الجزء الذي ينتج في شروط تقنية مماثلة في معظم الأحيان لشروط عمل الطبقة العاملة في المركز يتقاضى أجورا أحيانا لا تتجاوز سدس ما تتقاضاه الطبقة العاملة في المركز ويقارب معدل فضل القيمة ما يقارب 500% , ويشتغل أغلب العمال في الطرف في منشآت صغيرة باستثناء بعض الوحدات المنجمية والنقل والصناعات التحويلية والتي هي في معظمها متعددة الجنسيات , ولا تعبر هذه الخاصية بالضرورة عن إنتاجية أضعف , فكثيرا ما تكون المنشآت الصغيرة هذه منشآت حديثة , وإنما تعكس في المقام الأول بنية هذا التقسيم الدولي اللامتكافيء للعمل الصناعي , وللوزن النسبي الأكبر للأطراف للصناعات الخفيفة وللمقاولات الفرعية , ونظرا لتفاوت أنماط الحياة وتكاليفها بين المدينة والريف فإن الأجور الوسطية للطبقة العاملة تكون متدنية تدني المداخيل الفلاحية .
في المركز تنقسم الطبقة العاملة أكثر فأكثر إلى فئتين :

آ_فئة أكثر معاناة من الاستغلال تنمو تعدادا وتجد نفسها وقد جردت بالتدريج من حقوقها المكتسبة , ونشأة هذه الفئة ليس جديدا , فلقد استهل هذا الانقسام للمرة الأولى في الولايات الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية عندما حل السكان الزنوج محل الطبقة العاملة القديمة في متروبولات الشمال , ثم امتدت إلى أوربا بعد الحرب من خلال الهجرة الكثيفة في الستينات والمتواصلة حتى الآن , وقد تمخضت هذه الهجرة عن نتائج سياسية وايديولوجية مميزة : معارضة التنظيمات النقابية والحزبية القديمة , حركات عفوية , عدم ثبات الاستخدامات , تهميش الشباب , المركب العمالي النسائي ....إلخ و يمثل هؤلاء ما نسبته نصف تعداد الطبقة العاملة في المركز .

ب_ وفئة عليا من الطبقة العاملة تتراجع من حيث تعدادها ونسبتها ولكنها غدت تشتمل على نسبة كبيرة من النظار ورؤساء الفرق , وهي قوية التنظيم , ومن صفوف هذه الفئة تنبثق الارستقراطية العمالية المتضامنة مع النظام الاجتماعي والايديولوجي الرأسمالي .

إن الجيش الاحتياطي من الطبقة العاملة منذ أن بات الطرف حلقة هامة من بنية نظام الإنتاج الرأسمالي العالمي لم يقل في يوم من الأيام عن 33% من مجمل الطبقة العاملة ولكن قاعدته العريضة والثابتة بنيويا تتمركز أكثر فأكثر في الأطراف , وأن الحجم العددي للبورجوازية الصغيرة المبلترة والأجيرة في مجملها أصبح أكبر من الحجم العددي للطبقة العاملة على صعيد النظام برمته , ولا يختلف مستوى حياة هذه الطبقة التي لم تعد تملك ما تبيعه سوى قوة عملها , عن مستوى حياة الطبقة العاملة , وينجم تركزها في مركز النظام إلى حد كبير عن التقسيم الدولي اللامتكافيء للعمل بين المراكز والأطراف .
ومن النتائج الايديولوجية المترتبة على تكون هذه الشريحة الجديدة أن إشكاليتها أضحت مغايرة لإشكالية الطبقة العاملة التقليدية , نتائج ذات صلة بطبيعة اندماج هذه الفئة في سيرورة العمل ونزعات فوضوية , والسؤال هو معرفة كيف ستتبلور هذه الفئة : هل على شكل طبقة مستقلة ؟ أم كجزء من البروليتاريا ؟ أم فئة بورجوازية صغيرة متذبذبة ؟
فإن هذه الفئة ,البورجوازية الصغيرة المبلترة ,في البلاد الطرفية أكثر تنافرا وابتعادا عن التجانس مما هي عليه في المركز , وأن طبقة الفلاحين الفقيرة في البنية الطرفية تشكل الكتلة الرئيسية لمنتجي الامبريالية , نسبتها تتجاوز 44% , لكن مداخيلهالا تكاد تذكر , نسبتها تقل عن 4% من مجمل دخل النظام الامبريالي .
والإفراط في هذا الإستغلال يتم عن طريق إعادة إنتاج علاقات الإستغلال الما قبل رأسمالية , فالإلتواء في بنية التطور القائم على أساس التقسيم الدولي اللامتكافيء للعمل الذي تفرضه الامبريالية هو الذي يؤدي إلى إعادة تكوين متواصل لاحتياطي صناعي في البطالة الكثيفة في الأطراف , في حين أن نفس هذا التقسيم في العمل يقلصه في المركز , محولا التناقض الملازم لنمط الإنتاج الرأسمالي إلى أطراف النظام الذي يهيمن عليها مما يشكل هناك للطبقة البروليتارية الفتية , والمحرومة أصلا من كافة حقوقها , شروط نضال غير مواتية , أما الطبقة البورجوازية المحلية (والتي في صالحها بالدرجة الأولى وجود العلاقة الكولونيالية )لا تعدو أن تكون وسيطا في عملية الاستغلال هذه (بورجوازية تجارية), أي حليفا ثانويا(لا يتحدد وجودها كطبقة إلا بارتباطها ضمن العلاقة الكولونيالية , أي أن وجودها الطبقي ليس وجودا مستقلا بالمعنى العلمي للطبقة , بل هو تمثيل لوجود طبقي آخر) , وهنا تكمن مسؤوليتها في تواطئها مع الامبريالية , وأن هذا التحالف بالذات هو الذي سمح بإعادة إنتاج العلاقات الما قبل رأسمالية من جهة , وإعادة إنتاج الإلتواء في تطور الرأسمالية في الأطراف والقائم على أساس التقسيم الدولي للعمل , من جهة أخرى . لهذا فإن التطور التاريخي للرأسمالية , الذي لازمها أثناء تكونها وتطورها في المركز, لم يقض على الأنماط الماقبل رأسمالية في الطرف , بل أعاد إنتاجها وأخضعها له .

أن فائض العمل المحول من الأطراف يعود بالفائدة بالجزء الأكبر منه على رأسمال الاحتكارات , لكن هذا لا ينفي واقع أن هذا التحويل يقولب المجتمع الرأسمالي في المركز برمته , ويحدد شروط إعادة إنتاج غير متساوقة في البنية العولمية ككل , فهو يسرع استطاعة التراكم أو يحجمها في المركز ويشوهها في الطرف , وبهذا يعيد إنتاج التقسيم الدولي اللامتكافيء للعمل , وهذه البنية الغير متساوقة هي التي تسمح لعمال المركز بأن يخوضوا غمار صراعاتهم الطبقية الاقتصادية في شروط ممتازة ومريحة ولها الأفضلية , وبالتالي يتحقق في المركز تنام للأجور وللإنتاجية تترتب عليه خسارة نسبية لدى الرأسمال يعوضها بدوره برفعه معدل استخراج فائض العمل في الطرف , وهذا ما يؤدي أحيانا إلى خلق مناخا ملائما للأوهام السياسية للمذهب الإصلاحي الذي غدا مهيمنا في أوساط عمال المركز , ونما نزعات قومية جديدة وقديمة , ونزعة تدعو إلى وحدة الغرب تفوح منها روائح عنصرية , فتضطلع هذه الايديولوجية , على صعيد إعادة إنتاج الهيمنة الايديولوجية للامبريالية , بدور يفوق بأهميته الدور الذي تضطلع به الارستقراطية العمالية .

حقا إن نمط الإنتاج الرأسمالي الشامل لهذه البنية , بشقيه المركز والأطراف , هو الذي يحدد النظام بأكمله , وأن التناقض الرئيسي هو فعلا التناقض القائم بين العمل على المستوى العالمي والرأسمال , بيد أن اختزال النظام العولمي كله إلى النمط الرأسمالي الممتد على صعيد عالمي غير كاف , ذلك أن التناقض الأساسي يفصح عن نفسه من خلال تناقضات نوعية خاصة ومتباينة , والتناقض الأهم بين هذه التناقضات الخاصة والمحدد لتطور هذا النظام هو أيضا تناقض هذا النظام الرئيسي .
إن التناقض الاقتصادي , الأساسي , هو الإطار البنيوي لتطور التناقضات التاريخي الخاص بالبنية الاجتماعية وهذا التناقض ثابت برغم التطور التاريخي للبنية , وأن التطور التاريخي لهذه البنية لا يتحقق بمعزل عن إطار بنيوي يحدد حركته , أي لا يتحقق بحركة استمرارية تصاعدية مطلقة كما توهمنا الايديولوجيا البورجوازية , وأن الحل التاريخي للتناقض الاقتصادي , والذي هو بالضرورة حلا ثوريا , لا يتم إطلاقا على المستوى الاقتصادي بل على المستوى السياسي في البنية الاجتماعية , فليس للتناقض الاقتصادي حلا اقتصاديا بل حلا سياسيا .
وهكذا يكون التناقض الأساسي الاقتصادي هو التناقض المحدد في البنية الاجتماعية ويكون التناقض السياسي فيها التناقض المسيطر أي المحرك لتطورها , ولا يصح نظريا إرجاع الأولى إلى الثانية ولا الثانية للأولى ولا الخلط بينهما فالحالة الأولى تلغي الصراع الطبقي والحالة الثانية تضخم السياسي ويؤدي إلى تأويل إرادة للتاريخ , أي إما إرادوية أو اقتصادوية .
إن تمييز التناقضات الاجتماعية كتناقضات رئيسية وثانوية غير كاف لفهم التناقضات البنيوية للبنية حتى في تفاوتها التطوري , إذ أن هذا التفاوت في تطور التناقضات يحدده التفاوت البنيوي, فعلاقات السيطرة في تطور هذه التناقضات البنيوية المحددة للوجود التاريخي للبنية الاجتماعية تحددها علاقات التحدد بين التناقضات نفسها , لهذا وجب التمييز بين التناقض المحدد والتناقض المسيطر في تطور البنية الاجتماعية , ويكون التناقض المحدد دوما التناقض الاقتصادي أي التناقض الأساسي , أما التناقض المسيطر فهو التناقض الرئيسي , أي المحرك في البنية الاجتماعية , وهو يختلف في أشكال وجوده باختلاف الأنظمة الانتاجية .
إن الأطروحة التي تنفي التمييز بين التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي , والتي ترى أن التناقض الرئيسي هو التناقض القائم بين البورجوازية والبروليتاريا في المراكز , تعتمد على اقتصادوية ماركسية مبتذلة .
والواقع أن منهجها الذي ينطلق من الأسعار والمداخيل يتجاهل الصراع الطبقي ويسقط في الاقتصادوية .
إن الإدعاء أن الإنتاجية في الطرف تمثل 6%من إنتاجية المركزلأن نتاج الشغيل الواحد يساوي 6%هو تجاهل لعلاقات الإنتاج , وكذلك لسيرورة العمل ولنهب فائض العمل .
إن هذا التيار الموالي للامبريالية داخل ماركسية موقوفة على 4% من شغيلة العالم الرأسمالي لم يعد مؤهلا بل لم يعد قادرا على تمثيل 4% هم الذين يدعي أنه حامل لوائهم .
إن هذا المنهج يقوم على أساس تصور غربي متمحور على ذاته وأحادي الاتجاه للتاريخ , إذ أنه يقود إلى إدراج الصراعات الراهنة من منظور تطور الرأسمالية لا من منظور الإطاحة بها , فيصير التخلف من وجهة نظرهم تأخيرا وليس فرط استغلال , وأن التراكم الرأسمالي سيتغلب على مشاكله في نهاية الأمر, وأن حركة التحرر القومي تشكل جزءا لا يتجزأ من الثورة البورجوازية والصاعدة باطراد , وأن مقاومة الفلاحين لهذا التطور رجعية ولامجدية .
علينا التنويه أن المنطق التاريخي لتكون الرأسمالية هو غير منطق تطورها بعد تكونها , فلتاريخ كل منهما منطقين مختلفين , ونحن نرى كما رأى كل الماركسيين الحديثين أن تخطي كل من الإنتاج الكولونيالي (الطرفي) والإنتاج الرأسمالي الغربي (المركزي) يمر بالضرورة بقطع العلاقة الكولونيالية والإنتقال إلى الاشتراكية لكلا النمطين , أي بالثورة المستمرة .
إن الثورة على الاستعمار هي الطريق الوحيد لتحريرنا من التبعية ولتحرير التاريخ الإنساني .

تعتبر حركة التحرر القومي جزءا من أزمة الرأسمالية , وجزءا من الثورة الاشتراكية , كما أن مقاومة الفلاحين في هذا العصر الامبريالي مقاومة ثورية لأنها ترسي أسس التحالف العمالي الفلاحي .
وأن تناقض النظام الرئيسي هو التناقض القائم بين رأسمال الاحتكارات المهيمن والطبقات الأكثر معاناة من الاستغلال , العمال والفلاحين وصغار الكسبة فقراء البلدان الطرفية .
صحيح أن هذا التناقض الرئيسي لا يشكل التناقض الوحيد في النظام العولمي , ولكن مادامت الطبقة العاملة في المركز متخلية عن مشروع إقامة مجتمع غير طبقي فإن كفاحها لا يمكن أن يصبح هو القوة الرئيسية التي تعين شكل تغيير العالم , مهما اشتدت حدة الصراعات الاقتصادية التي تخوض غمارها , وأن التحولات العظمى تتمثل في القطيعة مع الراسمالية في طرف النظام , والسعي إلى الثورة الاشتراكية .






المراجع :

_الطبقة والأمة في التاريخ وفي المرحلة الامبريالية (سمير أمين)
_التطور اللامتكافيء (سمير أمين)
_في نمط الغنتاج الكولونيالي (مهدي عامل)
_في التناقض (مهدي عامل )