عن الشيوعية وبوش وبن لادن


شاكر الناصري
2006 / 9 / 7 - 10:22     

يبدو ان حمى خلق الاعداء الذين يهددون الولايات المتحدة قد اصبحت علامة مميزة في خطابات واحاديث الرئيس الامريكي بوش،فهو كثيرا ما يردد أسماء أشخاص ويسعى لابرازهم كاعداء سيجعلون من ارض الولايات المتحدة الامريكية جحيم لايطاق و يهددونها بالفناء والزوال في لحظة ما من الزمن.أصرار بوش على ان يكون بن لادن مرادفا للينين او هتلر كما كان يجعله مرادفا لصدام حسين او غيره ،انما هو مسعى لتصدير الازمات وخلط اوراقها ولجعل المواطن الامريكي او الضحية المباشرة لسياسات الادارة الامريكية واعلامها التهويلي يصدق كل ما يقال وانه مستعد لدفع المزيد من الضرائب لتمويل حروب الادارة الامريكية الخارجية او ان يعطي صوته وبسهولة ويسر للحزب الجمهوري،غير ان واقع الحال الامريكي بقول عكس هذا فالازمة التي تواجه السياسة الخارجية لبوش وستراتيجيته الحربية في العراق قد انعكست وبشكل كبير داخل المجتمع الامريكي فيما ازدادت حدة الصراعات ما بين الحزبين،الجمهوري والديمقراطي مثلما تكررت اعترافات قادة امريكا باخطائهم العسكرية والستراتيجية التي خلقت واقعا مريرا ومرعبا في العراق كذلك لم تتمكن الجيوش الامريكية وكل الجيوش المتحالفة معها من حسم المعركة العسكرية مع مسلحي طالبان في افغانستان او وضع حد لتهديدات القاعدة وبن لادن.
بدون شك ان بن لادن والظواهري وكل قادة الحركات الاسلامية الاصولية والمتطرفة هم قادة الارهاب ورموزه ليس لانهم يجدون في السلاح والارهاب والتدمير والقتل وسيلة لايصال رسائلهم الى العالم،بل ان فكرهم وعقيدتهم ومنهجهم يقوم اساسا على اخضاع كل من يقع تحت سيطرتهم واستلاب ارادته ودفعه للعيش حياة متخلفة ولاانسانية.
العالم المتحضر والذي لايمثله بوش والليبراليون الجدد في امريكا والعالم،بالضرورة، يعي تماما جدية المخاطر التي تهدد وجوده وامنه واستقراره جراء تنامي وانتشار التيارات الاصولية والمتطرفة ليس الاسلامية فحسب،بل المسيحية واليهودية او كل الحركات الاصولية والقومية (النازية الجديدة واليمين المتطرف)التي تتخذ من الدين والتعالي القومي منطلق ومرجعية لها.
لو كان العالم قد تجاهل كتابات لينين فعلا لما سعى بوش لذكره في كل مناسبة وفي كل خطاب مليْ بالتهديد والوعيد للعالم قاطبة.القضية الاساسية ليست في كتابات لينين حتى تتحول الى هاجس يؤرق الرئيس بوش واتباعه،بل في ان لينين يمثل رمزا اجتماعيا وتحريرا وقائدا لحركة اجتماعية عظيمة تسعى لتحرير البشرية من قيود عبودية الراسمال وتحمل بديلا مغايرا للعالم والبشرية قاطبة ،بديل انساني وتحرري يتناقض مع الجحيم الذي فرضته الراسمالية وقادتها واحزابها على العالم طوال قرون.
تكرار بوش لاسم لينين والشيوعية والسعي لتشويه المكانة الحقيقة لهما وحديثه المتواصل عن انتصار العالم الراسمالي على الشيوعية ونهاية تاريخ الصراع الطبقي والايدلوجي بين الراسمالية والشيوعية الذي اعلن عنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية،ان كان يعني شيء ما فهو اقرار بوجود الشيوعية وافقها التحرري كحركة واقعية في عالم اليوم قادرة على تحديد ملامح المأساة التي تخلقها الراسمالية وقوانينها وحروبها. انهيار منظومة كاملة من الدول والحكومات والاحزاب التي اتخذت من الشيوعية والاشتراكية ستار لها ولممارساتها الاشد محاربة للشيوعية ولافقها التحرري وتخضع ملايين البشر لسلطتها الدكتاتورية والمقيتة والمحطمة لارادة الانسان ورغباته وسخرت قدرات وطاقات الطبقة العاملة لخدمة صراعاتها و مصالحها واهدافها العسكرية التي لاتخدم المجتمع والانسان بشء قدر ما تجعله اسير الخوف والقلق واستلاب الحقوق لايعني بالضرورة نهاية الشيوعية او نهاية الامال بتحقيق مجتمع اشتراكي يقوم على المساواة التامة والعدالة الاجتماعية.نظرة الى عالم اليوم والى الحركات التي تقف بوجه الراسمالية وتوجهاتها حتى نكتشف ان عالم اليوم مازال ارضية خصبة وصالحة لنشاط ووجود الحركات اليسارية والاشتراكية وان اختلفت في ممارساتها ومنهجها.
الانتصار المزعوم لامريكا والعالم الراسمالي على الشيوعية والاشتراكية قد خلف مجتمعات منهارة أقتصاديا واجتماعيا وحولها الى ساحات لنشاط عصابات المافيا وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر. زيارة واحدة لدول اوربا الشرقية او روسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا، تكفي لمعرفة الاثار الكارثية للانتصار الذي حققه العالم الراسمالي،الفقر والتشرد والدعارة والجريمة المنظمة والفساد السياسي والاداري كلها مظاهر أنهيار مجتمع تحقق بفعل نصر الراسمالية على الاشتراكية.
أن خوف بوش من لينين والشيوعية هو خوف من حركة أجتماعية عالمية هي النقيض المباشر للراسمالية وللسياسات اليمينية المتطرفة لبوش والادارة الامريكية في عالم اليوم وان سعيه لان يكون لينين مرادفا لهتلر وبن لادن وصدام حسين واحمدي نجاد ..وغيره من دكتاتوريي وجلادي العالم،انما هو مسعى من يريد ان يخلق لنفسه نصر في(الصراع الايدلوجي العظيم للقرن الحادي والعشرين كما يقول في خطابه الاخير)لكنه كان نصر كارثي وجعل العالم يعيش على وقع التهديد والحروب ومخاطر الاسلحة هائلة التدمير.النصر الايدلوجي العظيم الذي يدعي بوش انه قد تحقق انما هو نصر بتدمير العالم واخضاعه وجعله يعيش في دوامة السياسات الامريكية ومطامحها .نصر تسييد النموذج الامريكي في السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر.
بن لادن وهتلر ليسوا اعداء لامريكا وبوش فقط بل هم اعداء العالم اجمع وهم نماذج تسعى لتحقيق نصر الراسمالية مرة باسم القومية والنازية ومرة اخرى باسم الدين والاصولية الاسلامية وان كان ذلك عبر مجازر وجرائم كارثية او الحروب وقتل الابرياء وتهديد العالم بشكل متواصل.ليس ثمة خلاف كبير بين بن لادن وهتلر من جهة وبين بوش من جهة أخرى فكل منهم اراد ان يخضع العالم لمنهجه وفكره وأيدلوجيته باسم الدين او القومية اوبأسم الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ومحاربة الدكتاتوريات والاستبداد واشاعة الفوضى الخلاقة،لكنهم في النهاية ولاجل هذا يرتكبون الكثير من المجازر بحق البشرية.