الإجرام ملازم للنظام الرأسمالي


حزب العمال التونسي
2006 / 7 / 20 - 12:02     

تحويل الوجهة أو "البراكاج" أصبحت تفزع المواطن نظرا لاتساع نطاقها ولإمكان تعرضه لها في أي وقت وفي أي مكان في الحي والحافلة والطريق... إن الانتشار المفزع لعمليات السطو والسرقة رغم جهاز بن علي الأمني الكبير يجعلنا نتساءل عن أسباب وجود هذه الظاهرة واتساعها.

إن السطو المسلح الذي ملأ الصحف وتناقلت أطواره الألسن في المقاهي وأماكن العمل وغيرها لا يمكن التطرق له إلا في سياق ظهور ظاهرة السرقة وتطورها تاريخيا. ولئن تعتبر هذه الظاهرة لازمة من لوازم المجتمع البرجوازي بالنظر إلى تناقضاته وخدمته لأقلية ثرية على حساب الأغلبية الساحقة من الإنسانية فإن وجودها لم يرتبط به بل بكل الأنماط الاجتماعية الطبقية التي سبقته منذ انحلال المشاعية البدائية وولادة المجتمع الطبقي. ولكن ما يميز المجتمع البرجوازي في علاقة بظاهرة السرقة عموما هو أنه وفر لها أرضية جديدة لظهورها على مستوى العلاقات بين الدول عموما وكذلك في صلب كل دولة.

الامبريالية لا يمكن أن تتواصل بدون سرقة

تمثل الحروب التي خاضتها وتخوضها البرجوازية العالمية ضد شعوب وأمم العالم الأخرى أسطع مثال على اقتران هذا النظام الاجتماعي بهذه الظاهرة، إذ أن معظم حروبها ما هي إلا وسيلة تعتمدها لمواجهة تأزمها الداخلي. وهذه الحروب كما قال لينين ما هي إلا طريقة لاقتسام مناطق النفوذ على المستوى العالمي. إن البرجوازية وهي تصارع "من أجل البقاء" عبر سرقة ثروات وأموال الشعوب والأمم الأخرى تضع نفسها في عداء مع ذاتها عن طريق سعي كل امبريالية إلى سيادة العالم. كما تضع نفسها في عداء مع شعوب وأمم العالم الأخرى الضعيفة والمفقرة. وأخيرا يضع كل نظام منها نفسه في عداء مع شعبه الذي يتعرض بدوره إلى عملية سرقة منظمة وحقيقية ومقننة وإن كان ذلك بطريقة غير واضحة، مما يؤثر سلبا على وعي الشعوب بضرورة تجاوز هذا النظام.

إن تقنين السرقة يأخذ عموما طابعين، طابع أول يعتمد الرياء والمغالطة من قبيل تقنين الإعانات والقروض الممنوحة للدول الضعيفة المرتبطة إجمالا بالدول النهابة مما يفتح المجال إلى استنزاف طاقاتها وسلب ثرواتها والدوس على كرامتها وفتح المجال أمام التدخل في شؤونها الداخلية. وطابع ثان أكثر وضوحا يقنن أو يجرم السرقة على المستوى العالمي عندما يتعلق الأمر بحماية أملاك البرجوازية من غير المالكين وهو موضوع حديثنا الأساسي الذي سنأخذ له مثال "البراكاج" بوصفه عملية يقوم به غير المالكين والمعدمين أساسا ضد الآخرين، أغنياء كانوا أم فقراء.

نظام بن علي مولد للجريمة

إن نظام بن علي المرتبط بالامبريالية العالمية والذي تميز بميزة مافيوزية اقتصاديا وسياسيا يحاول أن يجعل من المجتمع التونسي صورة لتصوره المافيوزي للعلاقات الإنسانية. إن المافيا التي تحكم تونس والتي تستعمل عمليات "براكاج" رسمية ضد الشعب التونسي عبر ترسانة القوانين التي تسهل نهبه (مرونة التشغيل...) وعبر الإدارة الفاسدة والمرتشية التي تسكت عن عمليات السطو التي تقوم بها العائلات الحاكمة (السطو على أملاك الآخرين من أجل إقامة مشاريع خاصة...) قد أقامت نفسية عامة تجعل المواطن العادي الذي يعيش ظروف معيشية صعبة يشعر أنه في غابة ليس له فيها سوى أن يعتدي على الآخرين من أجل المحافظة على نفسه. إذن فنظام بن وما أنتجه من معضلات اقتصادية واجتماعية هو السبب الرئيسي في انتشار هذه الظاهرة خاصة وأن مرتكبيها هم عموما من المعدمين والعاطلين عن العمل الذين لا يجدون الظروف التي تمكنهم من عيش حياة كريمة. و بالمقابل يجد مرتكبو هذه الأعمال أنفسهم مرة أخرى معرضين للسجن والإيقاف والتعذيب بموجب القوانين التي وضعتها البرجوازية ليس لحماية الشعب كما تدعي بل لحماية نفسها. هذا من جهة ومن جهة أخرى –وهو الأخطر في تصورنا- هو أن هذه العمليات الإجرامية تعبر موضوعيا عن جهل مرتكبيها بأن المستفيد الأساسي منها هو نظـام بن علي. إذ أنه جعل الشعب يصارع بعضه البعض من أجل حلول وقتية و غالطة (نهب بعض المال من أناس هم عادة من الفقراء والمعدمين) تعبر عن انسداد الأفق أمام هؤلاء وتشغلهم عن مواجهة المتسبب الرئيسي في وجود علاقات غير عادلة صلب المجتمع التونسي. نحن لا نقصد بالطبع من قولنا هذا تبرير هذه الظاهرة الإجرامية، لكن المهم بالنسبة لنا هو أن تتاح للشعب التونسي فرص العيش الكريم الذي يكفل له الحد الأدنى من الظروف الإنسانية ومن التوازن النفسي وهو آخر ما قد يضمنه نظام بن علي والنظام البرجوازي عموما.

إن القضاء على هذه الظاهرة إنما يقتضي القضاء على النظام الطبقي برمته ولكن قبل ذلك فإنه رغم حق كل فرد في حصة عادلة من الثروة الوطنية فإننا لا نرى من سبيل لهذا سوى تجند الشعب كله لاسترداد ما سرقته البرجوازية من الشعب لا أن نتعامل وفق مفهوم البرجوازية الفرداني حول التوزيع العادل للثروات الذي يمثل البراكاج في جوهره مثالا له.