لا سياسة منذ الأمس ..(تابع)


فؤاد النمري
2020 / 7 / 10 - 20:41     

نحن نطعن في شرعية دعاوى سياسيي العصر من مختلف الملل والنحل بناء على حقائق لم يعد بالإمكان إنكارها . التقرير الأخير لمعهد التمويل الدولي يقول .. أن مجموع ديون العالم يلغ في نهاية العام المنصرم 255 ترليون دولارا وهو ما يعادل 300% من إنتاج العالم السنوي حتى يصل دين الفرد الواحد من سكان العالم إلى 32000 دولاراً ويبلغ معدل الزبادة السنوية للدين 15 ترليون دولارا . ويختتم التقرير بالتحذير من أن الديون باتت تفاقم الأخطار على مصائر العالم .

وعليه، هل يجوز الإفتراض أن مختلف الذين يقارفون السياسة لا يعون تلك الأخطار على مصائر العالم التي حذر منها معهد التمويل الدولي !؟ هل يجوز الإفتراض أن أولئك الذين في حومة الوغى لا يعون أخطار مقتلهم !؟ من هنا نحن نؤكد أن سياسيي العصر من مختلف الملل والنحل أنما هم أفاقون أوغاد، فسياسة الإستدانة الني لا تعني غير سياسة الإفقار التي ترفضها الطبيعة البشرية المجبولة على التحصيل والإغتناء بالإنتاج .

لكن لماذا يقارف سيياسيو العصر مثل هذه "اللاسياسة" المعاكسة للطبيعة البشرية، السياسة التي لا علاقة لها بأي نظام دولي !؟ السبب المباشر هو أنه ليس هناك نظام دولي يمكن لهؤلاء الساسة أن يشيروا إليه ومن يدعي منهم خلاف ذلك فإنما هو من طليعة الأفاقين الأوغاد .
يقول علم التاريخ الماركسي أن العالم ينتقل من النظام الرأسمالي إلى الحياة الشيوعية (اللانظام) عبر الثورة الإشتراكية الدائمة . لكن عالم اليوم ومنذ نصف قرن تغيب عنه كل الأنظمة الغنية بالإنتاج : الرـسمالية والإشتراكية والشيوعية .
قراءتي الماركسية للتاريخ تتفق هذه المرة مع العقائديين العرب الذين يعتقدون أن جميع المساوئ في العالم سببها اليهود . المساعدات المالية من اليهود في أميركا لبريطانيا عندما أوشكت بريطانيا على الانهيار في الحرب في العام 1917 هي ما مكن بريطانيا من الانتصار على ألمانيا وفرض شروط استسلام بالغة القسوة عليها بموجب معاهدة فرساي 1919 وهو ما أدى إلى تنامي النازية الهتلرية ساعدها في ذلك مؤئل الخيانة الحزب الاشتراكي منذ تأسيسة بقيادة الخائن كاوتسكي . النازية برعاية جانبية من الامبريالية الأنجلوفرنسية كما بدا واضحاً في مؤتمر ميونخ 1938 كرست كل قوى الإنتاج الكبيرة والمتقدمة إلى الإنتاج الحربي متجاوزة النظام الرأسمالي . تراجع تشيمبرلن ودالاديية في مؤنمر ميونخ أمام هتلر وموسوليني بما وصف بالتهدئة (Appeasement) . كان قد بدا جلياً أن الإمبريالية الأنجلوفرنسية لم تعد تشكل سداً يحول دون تمدد الفاشية في أوروبا وفي العالم . العقبة الوحيدة المتبقية هي الاتحاد السوفياتي وهو المجسد لمشروع لينين في الثورة الإشتراكية الدائمة في العالم . فاجأ هتلر ستالين بخرقه اتفاقية عدم الاعتداء وهاجم الاتحاد السوفياتي بأضخم قوى حربية نظمت في التاريخ تعدادها 4.5 مليون جندبا شاركت فيها بالإضافة إلى ألمانيا ثلاث عشرة دولة أوروبية امتد العدوان على طول حدود الاتحاد السوفياتي الشرقية بطول 3000 كيلومتراً . الخسائر التي تكبدها الاتحاد السوفياتي لرد العدوان واحتلال برلين تفوق الأوصاف . لم يتوقف الأمر على تهديم مختلف مظاهر الحضارة في الاتحاد السوفياتي الأوروبي وفقدان 27 مليون مواطناً منهم 9 ملايين جندياً حيث كل هذه الخسائر يمكن تعويضها لكن ما هو أهم من مختلف الخسائر كان التغير النوعي للنظام السوفياتي الإشتراكي فبعد إعادة الإعمار 1946 – 1951 لم يعد المجتمع السوفياتي هو المجتمع الإشتراكي في العام 41 . لئن كانت قوى الحرب النازية تساوي ثلاثة أضعاف قوى الحرب الإشتراكية في يونيو 41 فقد غدت فوى الحرب الإشتراكية ثلاثة أضعاف قوى الحرب النازية في يونيو 43 . كان من السهل نسبياً تحويل المجتمع الإشتراكي إلى محتمع حربي، لكن بات من الصعوبة بمكان إعادة المجتمع الحربي إلى مجتمع اشتراكي ولم يستشعر مثل هذه الصعوبة في القيادة السوفياتية غير ستالين الأمر الذي دفعه إلى الخروج عن قواعد الحزب وعقد ندوة متخصصة في العام 51 تبحث في "المسائل الإقتصادية للأشتراكية في الاتحاد السوفياتي" شارك فيها أخخصائيون في الإقتصاد من خارج الحزب . لم يفاجأ ستالين بأن أحداً في الندوة يدرك المأزق الخطير الذي يواجهه المجتمع السوفياني . إعادة البنية الحربية إلى البنية الإشتراكية كما كان المجتمع السوفياتي قبل الحرب كان سيتم فقط بنظر ستالين من خلال ثورة تقودها البروليتاريا ربما تكون أعمق من ثورة أكتوبر . كان الخروج من ذلك المأزق الخطير أمراً لازباً بالطبع رغم الإفتقار للقوى الاشتراكية الثورية الكفوءة . كان الحزب الشيوعي قد تعطلت نشاطانة لالأربعة عشر عاماً وافتددى خيرة قياداته الوطن بأرواحهم، وتكبدت طبقة البروليتاريا خسائر فادحة لا تُعوّض فكان أن تقدمت طبقة البورجوازية الوضيعة على البروليتاريا طالما كان الجيش طليعتها وقد تجند في الحرب 15.5 مليون جندياً منهم عشرات المارشالات وآلاف الجنرالات ومن المعلوم أن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكية . لم يبقَ من القوى الرئيسة للإشاركية سوى النفوذ الهائل لستالين وهو من كان لينين الذي لم يمت .
رغم تلك الندوة التي زادت من إحباط ستالين بالإضافة إلى مجمل الظروف المعاكسة قدر ستالين أن بإمكانه بالإعتماد على نفوذه الشخصي الواسع في الحزب كما في محتلف أوساط الشعب القيام بالثورة المطلوبة والتي لا بد منها لاستئناف العبور الإشتراكي لأن كل تأخير سيزيد من صعوبة استعادة الإشتراكية . إذاك دعت القيادة لعتقد المؤتمر التاسع عشر للحزب في أكتوبر 52 ، فمنذ انعقاد المؤتمر العام الثامن عشر في مطلع العام 39 لم تكن شروط الحرب ثم شروط إعادة الإعمار تسمح للحزب بتقرير سياسات مختلفة عما تمليه الظروف الحاكمة .

إعتمدت خطط ستالين لاستعادة البنية الاشتراكية للمجتمع السوفياتي وإحياء دولة دكتاتورية البروليتاريا وقد اعتراها وهن ملموس، إعتمدت على مسألتين في غاية الأهمية في تلك الحالة : أولاهما هي تحويل الإقتصاد السوفياتي من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الخفيفة التي تلبي الحاجات المباشرة للمواطنين ويصبح الإتحاد السوفياتي دولة الرفاه في العالم كما تستعيد البروليتاريا كامل سلطتها الدكتاتورية . والمسألة الثانية وهي تغيير قيادة الحزب التي شاخت ولم تعد قادرة على إنجاز مهامها الحزبية .
لسوء حظ البشرية جمعاء لم يوافق مؤتمر الحزب على تغيير القيادة وهو بذلك وضع حداً لحياة ستالين دون أن يعي . فثلاثة أعضاء من المكتب السياسب الذين طالب ستالين بإحالتهم إلى التقاعد برئاسة وزير الأمن لافرنتي بيريا قاموا باغتيال ستالين بالسم على العشاء في 28 شباط فبراير 1953 وفي سبتمير قرر الحزب خيانة الثورة وذلك بإلغاء الخطة الخمسية وبذلك تم القضاء على مشاريع ستالين في استعادة البنية الإشتراكية للمجتمع السوفياتي .

الحدود القصوى الني تحاوزها متثاقفو البورجوازية الوضيعة هي أن البورجوازية الوضيعة غير مؤهلة بتاتا للقيام بثورة مضادة . الثورة المضادة تعني أن هناك طبقة اجتماعية بعينها كانت قد فقدت السلطة لصالح طبقة أخرى معادية لكنها لا تلبث أن تستجمع قواها وتعود تسترجع سلطتها بالقوة وتبعث من جديد نظامها الإجتماعي الذي كانت قد فقدته .
فيما بعد الحرب الأهلية لم يبقَ في المجتمع السوفياتي سوى طبقتين، البروليتاريا والبورجوزية الوضيعة (Petty Bourgeoisie) وهي تضم الجيش والفلاحين والإنتلجنسييا وتخوض صراعاً ضارياً ضد البروليتاريا والنظام الإشتراكي .
البورجوازية الوضيعة تيسر لها أن تقوم بانقلاب ضد الإشتراكية في خمسينيات القرن الماضي حيث تزامنت ثلاث شروط هامة أمنت نجاح الإنقلاب ..
- اغتيال ستالين من قبل رفاقه في المكتب السياسي
- الآثار العميقة التي خلفها العدوان الهتلري في بنية المجتمع السوفياتي وأهمها العسكرة
- البلاشفة المتخاذلين في القيادة الذين لم يوافق مؤتمر الحزب التاسع عشر على إعفائهم
لكن البورجوازية السوفياتية التي نجحت في الانقلاب على الإشتراكية لم تكن يوماً طبقة ذات سلطة أو ذات نظام اجتماعي قائم على الذات يل كانت عبر التايخ طبقة مأجورة تابعة فكيف يمكن الإفتراض أن البورجوازية الوضيعة السوفياتية ستبني دولة مستقلة ذات سيادة !!؟
لا يمكن أن يكون ذلك وها نحن نرى اليوم أن كافة الدول التي كانت اشتراكية وذات اقتصادات مستقلة على النمط الإشتراكي تعبش اليوم على تصدير قوى العمل والمواد الخام .
الإقتصاد في كل العالم بقيادة البورجوازية الوضيعة هو الفوضى، فوضى الهروب من استحقاق الإشتراكية .
وعليه ندهش من جديد بمبدأ لينين الذي قال .. مصائر شعوب العالم تتقرر في موسكو .

يتبع