المراكز الإقليمية وبنيتها الأيديولوجية


لطفي حاتم
2020 / 7 / 10 - 15:00     

بات معروفا ان المنافسة تنتج الاحتكار وبدوره يفضي الاحتكار الى المنافسة بين الاحتكارات الدولية. وبهذا المسار تترابط المنافسة الرأسمالية وفاعلية قانون التطور المتفاوت بين الدول الرأسمالية وما ينتج عنه من صعود دول رأسمالية متطورة وتراجع دول رأسمالية متخلفة، وبسبب فعالية قانون التطور المتفاوت برزت في منطقة الشرق الاوسط عدة مراكز رأسمالية إقليمية محاطة بكثرة من الدول الوطنية الباحثة عن استقراها الاجتماعي – السياسي.
-اعتماداً على قانون التطور المتفاوت الرأسمالي نمت وتطورت المنافسة الرأسمالية بين المراكز الإقليمية بهدف توسيع سيطرتها على أسواق الدول الوطنية وثرواتها الطبيعية وجعلها مجالاً تابعا لهيمنتها الإقليمية.
-استنادا الى حركة قانون التطور المتفاوت نحاول تناول سياسة الهيمنة لدى المراكز الإقليمية الناهضة في الشرق الأوسط عبر دالات ثلاث –
أولاً-- الهيمنة الإقليمية وقواها الطبقية.
ثانياً - الهيمنة الإقليمية وأغطيته الأيديولوجية.
ثالثاً- مستلزمات بناء الامن الإقليمي.
على أساس الرؤى المنهجية المشار اليها نحاول التعرض الى الدالة الأولى الموسومة
أولاً-- الهيمنة الإقليمية وقواها الطبقية..
-ترتكز النظم السياسية في المراكز الإقليمية الشرق أوسطية على تشكيلات اجتماعية تتصف بسمات أساسية عامة أهمها-
1--- تعتمد المراكز الرأسمالية الإقليمية الناهضة على مؤسسات عسكرية وطنية مدافعة عن مصالح طبقات تشكيلاتها الاجتماعية السائدة.
2 - تعتمد المراكز الرأسمالية الإقليمية على تشكيلات اجتماعية (متطورة) تحتل البرجوازية الوطنية فيها مواقع قيادية يتحكم في تطور بناها الاجتماعية قانون التطور المتفاوت.
3- تنبثق المراكز الإقليمية وبنيتها الطبقية من أسلوب انتاج رأسمالي متطور نسبيا وتتميز طبقاته البرجوازية القيادية بنزعات الهيمنة والتوسع خارج الحدود الوطنية.
4- تتمتع البرجوازية الوطنية القائدة في المراكز الإقليمية بحماية وطنية وروح أيديولوجية فاعلة في شد البنية الاجتماعية الوطنية الى قيادتها السياسية.
5 - هيمنة الدولة الوطنية (فوق) المصالح الفعلية للطبقات الاجتماعية افضى الى خفوت حدة النزاعات الطبقية في المراكز الإقليمية.
6-- قدرة الدولة الوطنية على تجميع الطبقات الاجتماعية والشرائح الاجتماعية لمواجهة التدخلات الأجنبية تحت شعارات وطنية عائمة.
ثانياً - الهيمنة الإقليمية وأغطيتها الأيديولوجية.
تتلحف الموضوعات الفكرية المشار اليها بأغطية أيدولوجية قادرة على ضبط الوحدة الداخلية بالرغم من نزاعاتها الطبقية كونها تشكل عقائد أيديولوجية تسعى المراكز الرأسمالية الى شد تشكيلتها الاجتماعية حول نهوجها التوسعية.
نتوقف في هذا المفصل على سمات وأدوات الهيمنة الفكرية بتكثيف بالغ عبر الموضوعات التالية -
1- الطائفية السياسية
- تهدف المراكز الرأسمالية الإقليمية الى توظيف الطائفية السياسية في خدمة أهدافها التوسعية حيث تعتمد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الطائفة الشيعية بهدف شد تشكيلة البلاد الاجتماعية والطائفة الشيعية في البلدان الأخرى الى نهوجها السياسية.
-- تسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحقيق التوسع والتمدد المذهبي في الدول الأخرى الى تسويق وصايتها الطائفية استناداً على تتشابك العادات والتقاليد الشيعة في الدول الاخرى.
-- اعتماداً على ذلك التشابك الطائفي تتدخل الدولة الفارسية في شؤون الدول الأخرى عبر نهجين- الأول منهما ترسيخ التشابك المذهبي -الطائفي بين التقاليد والشعائر الطائفية مع شيعة الدول الأخرى. وثانيهما توثيق الترابط التجاري بين الدولة الفارسية وبين الطبقة الكمبورادورية الشيعية في دول الجوار.
2-النزعة الإمبراطورية
- رغم علمانية نظامها السياسي تسعى الجمهورية التركية الى توظيف الطائفة السنية في تمديد هيمنتها الخارجية في النزاعات الإقليمية.
- بهذا الإطار تهدف الدولة التركية الى إحياء روح الامبراطورية الإسلامية عبر التدخل المباشر في النزاعات الداخلية للدول الوطنية في محاولة لإعادة تجديد هيمنتها السياسية --الاقتصادية على الدول العربية.
ان أهداف التدخل التركي في العراق ودول المحيط الإقليمي الاخرى تعكس طبيعة المنافسة بين الدولة الروح الإمبراطورية التركية وبين تشيع الجمهورية الإسلامية وامتداداته الإقليمية وبهذا المعنى يتلحف النزاع بين المركزين الإقليمين بطابع مذهبي رغم توافق المصالح الإيرانية – التركية على محاربة الطموح الكردي الهادف الى تحقيق وحدته القومية وبناء دولته المستقلة.
3- الأيديولوجية القومية
-بسبب روحها العلمانية عملت البرجوازية المصرية على توظيف المشاعر القومية لدى القوى الوطنية العربية بهدف السيطرة الإقليمية، وبهذا السياق اشير الى ان الوحدة العربية شكلت قضية محورية في كفاح الكثير من القوى الوطنية -الديمقراطية العربية الا انها بذات الوقت شكلت غطاء أيديولوجيا للبرجوازية المصرية في المنافسة الإقليمية وعاملا في الهيمنة القومية على أسواق الدول العربية.
-ان السياسة الأيديولوجية المنبثقة من روح الهيمنة والتسلط تقود المراكز الإقليمية الى النزاعات والحروب الإقليمية ناهيك عن تدخلها في النزاعات الداخلية وما تنتجه تلك التدخلات من تعثر بناء الدولة الوطنية وتخريب تشكيلتها الاجتماعية.
ثالثاً- مستلزمات بناء الامن الإقليمي.
- يتمتع الامن الإقليمي وتجنيب شعوب المنطقة ويلات الحروب الإقليمية والتدخلات العسكرية الخارجية بأهمية سياسية كبيرة في الطور المعولم من التوسع الرأسمالي المتسم ب--
أولا- تهدف قوانين التوسع الرأسمالي الى هيمنة المراكز الرأسمالية الكبرى على الدول الوطنية وما يتطلبه ذلك من بناء نظم سياسية ديمقراطية قادرة على صد التدخلات الأجنبية.
ثانياً – لغرض الحاق الدول الوطنية باحتكاراتها الدولية تسعى الدول الرأسمالية المعولمة الى التدخلات العسكرية في النزاعات الداخلية لصالح الطبقات الهامشية المطالبة بهيمنة القوى الخارجية.
ثالثاً– التضيق على نشاط الطبقات الفرعية باعتبارها الحامل الاجتماعي (الوطني) الهادف الى التعاون مع الاحتكارات الدولية.
رابعاً– تشديد الكفاح الوطني الديمقراطي المناهض للسياسة الإرهابية وتحريم النزعة الديكتاتورية الهادفة الى الاحتفاظ بالسلطة السياسية.
خامساً- أهمية العمل على سيادة الشرعية الديمقراطية في النظم السياسية للدول الوطنية وما يتطلبه ذلك من تفعيل المنافسة السلمية لبناء أنظمة اقتصادية - وطنية.
سادساً –بناء رؤى مشتركة بين القوى الوطنية -الديمقراطية في الدول المجاورة لتعزيز بناء التوجه الديمقراطي في الدول الوطنية فضلا عن تنسيق الكفاح المناهضة للتبعية والتهميش.
سابعاً--تطوير التعاون الدولي بين الدول الإقليمية استنادا الى احترام سيادة البلاد الوطنية وعدم التدخل في شؤنها الداخلية.

ان الموضوعات الفكرية – السياسية المشار اليها لابد من تدقيقها وتفعيل موضوعاتها بالترابط مع التغيرات الدولية -الوطنية في كل مرحلة من مراحل التطور الرأسمالي استناداً الى ان عالمنا المعاصر يتمتع بسرعة تطوره وانتقال تناقضاته الوطنية والدولية من شكل الى اخر.