دفاعا عن الماركسية - الجزء الخامس والاخير - ليون تروتسكي


احمد حسن
2020 / 7 / 1 - 15:37     

23
رسالة إلى مارتين أبيرن
29 يناير 1940
عزيزي الرفيق أبيرن
تلقيت معلومة من الرفيق كانون حول تعبيرك المزعوم "هذا يعني الانشقاق". كتب لي في 28 ديسمبر 1939 ما يلي:
لقد تم توزيع ورقتك على نطاق واسع في الحزب. لم أسمع، حتى الآن، سوى تعليقين محددين من قادة الأقلية. أبيرن، بعد أن قرأ العنوان والفقرات القليلة الأولى، قال معلقاً أمام غولدمان، "هذا يعني الانشقاق".
أعرف أن كانون رفيق جدير بالثقة وليس لدي أدنى سبب للشك في صحة رسالته.
أنت تقول هذه المعلومة "كاذبة". أعرف من التجارب الطويلة أنه خلال الصراع الحاد، فإن سوء الفهم من هذا النوع غالباً ما يكون دون نية سيئة من جانب أو آخر.
تسألني ما إذا كنت قد بذلت أي جهد للتحقق من صحة هذا المعلومة. لا مطلقاً. لو كنت قد نشرتها في مراسلات خاصة كحقيقة معروفة لي، لما كان ذلك دقيقاً ومنصفاً. لكنني نشرته مرفقاً بملاحظة "قد بلغني"، وتركت لك الفرصة كاملة لتأكيد أو نفي المعلومة. أعتقد أن هذا هو أفضل تأكد ممكن في مناقشة حزبية.
تقول في بداية رسالتك: "لقد تجاهلت في الماضي عددًا من التصريحات الكاذبة، لكنني ألاحظ من بين أمور أخرى، في رسالتك المفتوحة ..." إلخ. ما الذي تشير إليه هنا عبارة "، عددًا من التصريحات الكاذبة "؟ صادرة عمن؟ ما الذي تقصده بعبارة “بين أمور أخرى"؟ أي نوع من الأمور؟ ألا تعتقد أن تعبيراتك يمكن فهمها من قِبل رفاق عديمي الخبرة على أنها تلميحات غامضة؟ إذا كان هناك، في مقالي، "عدد من التصريحات الكاذبة" و "أمور أخرى"، سيكون من الأفضل تحديدهم بوضوح. إذا لم تكن التصريحات الكاذبة صادرة مني، فأنا لا أفهم سبب تقديمك لها في رسالتك إليّ. لا أستطيع أيضاً أن أفهم كيف يمكن للمرء أن "يتجاهل" عدداً من التصريحات الكاذبة إذا كانت لها أي أهمية سياسية: يمكن تفسير ذلك على أنه تصرف بلا مبالاة تجاه الحزب.
في أي حال، ألاحظ بارتياح أنك تنكر بشكل قاطع عبارة "هذا يعني الانقسام". أفسر النبرة الحيوية لرسالتك بهذا المعنى، أن استنكارك ليس شكلياً، أي أنك لا تنكر المعلومة المشار اليها فقط، بل أنك تفكر كما أفكر، ان تنظر إلى فكرة الانشقاق نفسها على أنها خيانة حقيرة للأممية الرابعة.
تحية رفاقية
ليون تروتسكى
Coyoacan, D.F.
24 - رسالتين إلى ألبرت جولدمان
١٠ فبراير ١٩٤٠.
عزيزي الرفيق جولدمان،
أتفق تماماً مع رسالتك المؤرخة في 5 فبراير. إذا نشرت ملاحظة أبيرن حول الانشقاق، فقد كان ذلك بهدف الدفع إلى ظهور بيان واضح لا يحتمل لبس من الرفيق أبيرن وزعماء آخرين من المعارضة - وليس حول النوايا الخفية المزعومة لقادة الأغلبية في هذا الصدد ولكن (تصريحات صادرة -م) عنهم مباشرة.
لقد سمعت بالفعل قول شائع حول "مواطني الدرجة الثانية". أطلب من قادة المعارضة: عندما يسمون المجموعة المعارضة، ان يستخدموا تسميات مثل “عصبة كانون" أو "البيروقراطيين المحافظين"، وهكذا، هل يرغبون في جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية؟ يمكنني فقط أن أضيف أن الحساسية المفرطة هي واحدة من أبرز السمات لكل فصيل برجوازي صغير. لا أعرف ما إذا كان شاختمان، على سبيل المثال، يرغب من خلال رسالته المفتوحة أن يجعلني مواطناً من الدرجة الثانية. أنا مهتم فقط بأفكاره، وليس بتقديره النفسي.
أشعر جزئياً بانطباع أن قادة المعارضة، الذين يشعرون بالعصبية بسبب سلسلة من الأخطاء، يدفعون بعضهم بعضا إلى مزاج هستيري، ومن أجل تبرير هيستيرتهم الفصائلية أمام أنفسهم، فإنهم ينسبون إلى خصومهم أحلك وأغرب الروايات التي لا تصدق. عندما يقولون إن تبادل الرسائل مع كانون كان تمويهًا، لا يمكنني سوى هز كتفي.
أفضل علاج لهستيريا برجوازية صغيرة هو الموضوعية الماركسية. سنستمر في مناقشة المنهج الجدلي، علم الاجتماع الماركسي، الطبيعة الطبقية للدولة السوفيتية، طبيعة الحرب، ليس مع الغرض العبثي والإجرامي المتمثل في إثارة الانشقاق، ولكن مع الغرض الأكثر منطقية الخاص بإقناع جزء مهم من الحزب ومساعدتهم على الانتقال من موقف برجوازي صغير إلى موقف بروليتاري.
مع أحر تحياتي الرفاقية
ل. تروتسكى


19 فبراير 1940.
عزيزي الرفيق جولدمان،
مؤتمر الأقلية ليست سوى تجمع على المستوى الوطني. هذا هو السبب في أنه لا يعني، في حد ذاته، تغييرًا مبدئيًا في الموقف. إنها مجرد خطوة جديدة على نفس الطريق، وهي خطوة سيئة على طريق الانقسام، ولكن ليست هي بالضرورة الانقسام نفسه. ربما، حتى أنه من المؤكد أن هناك اتجاهين أو ثلاثة داخل المعارضة فيما يتعلق بمسألة الانقسام وأن الهدف من المؤتمر هو توحيدها. على أي أساس؟ ربما لا يرى بعض القادة في يأسهم أي طريقة أخرى غير الانشقاق.
في ظل هذه الظروف، فإن التدخل القوي لصالح الوحدة من قبل الأغلبية قد يزيد من صعوبة مهمة الانشقاقيين الواعين. لا يمكن أن يكون التجمع الخاص بك أو ربما أفضل من ذلك، فإن الأغلبية الرسمية لـ N. C. أو P. C. عليها ان تخاطب مؤتمر كليفلاند برسالة تتعلق بمسألة واحدة فقط، ألا وهي وحدة الحزب. في مثل هذه الرسالة، لا أود طرح مسألة طابع الاتحاد السوفييتي أو الحرب المختلطة، وإلا يمكن أن يُفهم من هذا أن موقفهم من هذه المسائل يجب التخلي عنه كشرط مسبق للبقاء في الحزب. على الإطلاق. أنت تقبلهم كما هم، إذا كان لديهم إخلاص حقيقي للحزب والأممية الرابعة وعلى استعداد لقبول الانضباط في العمل.
مع أفضل تحياتي
ليون تروتسكى



25 –
الرجوع إلى الحزب
21 فبراير 1940
الرفاق الأعزاء
لم يستجب قادة الأقلية حتى الآن سياسياً أو نظرياً لأي طرح من جانبنا. إن تناقضات أطروحاتهم تم إيضاحها في كتابات الأغلبية. الآن يبدو أن زعماء المعارضة قد انتقلوا إلى حرب العصابات: إنه مصير العديد من الجيوش المهزومة. وصف الرفيق أ. غولدمان الأسلوب الجديد للمعارضة بشكل جيد في رسالته المعممة في 12 فبراير. أحد أكثر الأمثلة المثيرة للفضول في هذه الحرب الجديدة هو الهجوم الجريء وليس العقلاني من الرفيق ماك دونالد Mac Donald بخصوص مقالتي في " LIBERTY - الحرية". أنه لم يجد، في هذا المقال، كما ترى، تحليلاً للطابع المتناقض للدولة السوفياتية وللدور "التقدمي" للجيش الأحمر.
بنفس المنطق الذي يظهره في تحرير مجلة الأنصار PARTISAN REVIEW كما في تحليله لانتفاضة كرونشتاد، يكتشف أنني أمثل "في الواقع" الأقلية، شاختمان، أو ماكدونالد، على الأقل عندما أتحدث إلى الصحافة البرجوازية. وأن تصريحاتي المخالفة، التي تنطوي على استسلام للستالينية، تتم فقط في النشرات الداخلية بهدف دعم كانون. إذا كان ينبغي لنا أن نبين اكتشاف ماكدونالد بطريقة أكثر وضوحًا، فإن ذلك سيعني: عندما يرغب تروتسكى في تكييف نفسه مع الرأي العام البرجوازي، سيضبط نفسه على مقاس قراء الحريةLIBERTY، يكتب مثل شاختمان، ويكاد يكون مثل ماكدونالد. ولكن عندما يتحدث إلى الحزب، يصبح مناهضاً للأقلية بشكل فظيع. إن نشرة الأنصار PARTISAN REVIEW مهتمة للغاية بالتحليل النفسي وأسمح لنفسي أن أقول إن محرر هذه النشرة، إذا كان يحلل نفسه قليلاً، سوف يدرك أنه كشف عن لا وعيه الخاص.
لا أحد يطلب من الأقلية أن يحللوا في كل مقالة وفي كل خطاب الطبيعة المتناقضة للدولة السوفيتية والدور المتناقض للجيش الأحمر. ما نطلبه منهم هو أن يفهموا هذه الطبيعة وهذا الدور وأن يطبقوا فهمهم بشكل كاف في كل مناسبة تتطلب ذلك. كُرّست مقالتي لسياسة ستالين وليس لطبيعة الدولة السوفييتية. في الصحافة البرجوازية المكسيكية، نُشر بيان مجهول يؤكد "نقلاً عن مصادر قريبة من تروتسكى" أنني أوافق على سياسة ستالين الدولية وأنني أبحث عن مصالحة مع ستالين. لا أعرف إذا ما كانت مثل هذه التصريحات ظهرت أيضاً في الصحافة الأمريكية. من الواضح أن الصحافة المكسيكية نقلت فقط على نحو خاص اتهام ماك دونالد وشركاءه بجدية حول استسلامي للستالينية. من أجل منع مثل هذا الإساءة للنقاش الداخلي من قبل الصحافة البرجوازية العالمية، كرست مقالي في جريدة الحرية إلى كشف دور ستالين في السياسة الدولية وليس على الإطلاق لتقديم تحليل اجتماعي لطبيعة الدولة السوفيتية. كتبت ما وجدته أكثر إلحاحًا في تلك اللحظة. السياسة لا تعني أن تتحدث في كل مرة عن كل شيء يعرفه المرء، ولكن أن تقول بصدد حدث معين فقط ما هو ضروري بشأنه. ربما توافق ذلك مع بعض التأكيدات من المعارضة حول سياسة ستالين، ولكن بالتأكيد هذه التأكيدات الموازية من المعارضة هي مجرد تكرار للأفكار التي عبرنا عنها ألف مرة قبل ظهور ماكدونالد في أفقنا.
لننظر في أمور أكثر جدية. إن رسالة الرفيق أبيرن الموجهة ألي رسالة معبرة تماماً عن رغبته في الانشقاق. إن التبرير الذي يعطيه هو في الوقت نفسه محزن وفضائحي، هذين هم الطف كلمتين أستطيع أن أجدهما فيه. إذا كان يجب أن يكون ل “عصبة كانون" الأغلبية في المؤتمر، فسنرى، كما ترون، تحويل أبيرن وشركائه إلى مواطنين "من الدرجة الثانية". هذا هو السبب في أنه، أبيرن، يفضل أن يكون له مكانة خاصة به حيث سيكون مثل ويسبورد، فيلد وOehler، الأول بين مواطنين من الدرجة الأولى. من يستطيع أن يقرر أماكن "المواطنين" المختلفين داخل الحزب؟ الحزب نفسه. كيف يمكن للحزب أن يتخذ قرارًا؟ من خلال مناقشة حرة. من أخذ زمام المبادرة في هذه المناقشة؟ أبيرن وشركائه. أين أو هل وضعوا حدوداً في استخدام قلمهم أو لسانهم؟ لا على الإطلاق. لم ينجحوا، كما يبدو من رسالة أبيرن، في إقناع الحزب. أسوأ من ذلك: أنهم فقدوا سمعتهم قليلاً في نظر الحزب والأممية. تلك هي المحصلة للأسف لأنهم أناس لهم قيمتهم. يمكنهم استعادة نفوذهم الآن فقط من خلال العمل الدؤوب والجاد في الحزب. إنها مسألة تحتاج إلى وقت وصبر وحزم. لكن يبدو أن أبيرن فقد الأمل تماماً في إقناع الحزب على أساس مبادئ الأممية الرابعة. الاتجاه إلى الانقسام هو نوع من الهرب من المعركة. هذا هو السبب في أن ذلك أمر مؤسف للغاية.
ثمة شيء مخجل أيضاً متمثل في نبرة ازدراء العناصر البرجوازية الصغيرة للأغلبية البروليتارية: نحن مؤلفون ممتازون ومتحدثون ومنظمون، وهم، غير مثقفون، وغير قادرين على تقيمينا فعلياً. من الأفضل بناء جماعتنا الخاصة من ذوي النفوس السامية!
في الأممية الثالثة، حاولنا بكل قوتنا البقاء كاتجاه أو فصيل. لكننا اضطهدنا، وحرمنا من كل وسائل التعبير القانوني، اخترعوا علينا أسوء الافتراءات، في الاتحاد السوفيتي اعتقلوا مناضلينا وأطلق النار على رفاقنا، - على الرغم من كل ذلك لم نرغب في فصل أنفسنا عن العمال. اعتبرنا أنفسنا فصيل فقط إلى أخر فرصة متاحة. وكل ذلك - على الرغم من البيروقراطية الشمولية الفاسدة للأممية الثالثة. تظل الأممية الرابعة هي المنظمة الثورية الوحيدة المتسقة في العالم. ليس لدينا بيروقراطية مهنية. لا يمتلك "جهازنا" أي وسيلة للإكراه. يتم البت في كل سؤال ويتم تقدير كل رفيق من خلال أساليب ديمقراطية الحزب الأكثر اكتمالاً. إذا كانت أغلبية أعضاء الحزب مخطئين، يمكن للأقلية تصحيحهم، من خلال، تثقيفهم. إن لم يكن قبل المؤتمر القادم، يمكن بعد ذلك. يمكن للأقلية جذب أعضاء جدد للحزب وتحويل نفسها إلى أغلبية. من الضروري فقط الحصول على القليل من الثقة في العمال وقليلاً من الأمل في أن العمال يمكن أن يكونوا مشبعين بالثقة في قادة المعارضة. لكن هؤلاء القادة خلقوا في محيطهم جوًا من نفاذ الصبر الهستيري. يتكيفون مع الرأي العام البرجوازي، لكنهم لا يرغبون في التكيف مع إيقاع تطور الأممية الرابعة. إن نفاد صبرهم له طابع طبقي، إنه الوجه الأخر لازدراء المثقفين البرجوازيين الصغار تجاه العمال. هذا هو السبب في أن اتجاه الانقسام الذي عبر عنه أبيرن هو شيء مخجل جداً!
الرفيق أبيرن في تقديره كما هو في منظوره مدفوعاً بالكراهية. والكراهية الشخصية شعور بغيض في السياسة. أنا متأكد من أن موقف أبيرن وأهدافه المنشورة لا يمكن إلا أن تخيب أمل كل عضو له صوت من المعارضة. يجب العودة إلى الحزب، أيها الرفاق إن طريق أبيرن هو فعلاً نفق مظلم. وما من طريق أخر غير الأممية الرابعة.
ليون تروتسكى
Coyoacan, D.F.

" - 26 العلم والأسلوب"
23 فبراير 1940
أيها الرفاق،
تلقيت "علم وأسلوب" بورنهام. بؤرة الصديد مفتوحة وهذه ميزة سياسية هامة. يعبر التخلف النظري في رؤية الأمريكي الراديكالي عن حقيقة أن بورنهام يكرر فقط - مع بعض الرسوم التوضيحية "الحديثة" - ما كتبه ستروف في روسيا منذ أكثر من أربعين عامًا، وإلى حد كبير ما حاول دوهرنج تعليمه للديموقراطيين الاشتراكيين الألمان قبل ثلاثة أرباع قرن. الكثير من وجهة نظر "العلم". بقدر ما هو "الأسلوب" مثير للقلق، بصراحة أنا أفضل ايستمان.
أن الجزء الواحد بعد الألف من محاولات الدحض الأستاذية للمنهج الجدلي لا يزيد في القيمة عن جميع من سبقوه. غير انه من الناحية السياسية هذا الجزء له أهمية كبيرة لا جدال فيها، إنه يبين أن الملهم النظري للمعارضة لم يقترب على الإطلاق من الاشتراكية العلمية بدرجة تزيد عن اقتراب موست Muste، مذكوراً في فلسفة بوجدانوف. لكن من المستحيل على الإطلاق تخيل توقيع بوجدانوف أسفل تلك الورقة، حتى بعد قطيعته المعلنة مع البلشفية
أعتقد أنه يجب على الحزب أن يسأل الرفاق "أبيرن" و "شاختمان"، كما أفعل في هذه اللحظة: ما رأيك في "علم" بورنهام وأسلوب بورنهام؟ إن مسألة فنلندا مهمة، ولكنها في النهاية مجرد حدث، ويمكن أن يؤدي تغير الوضع الدولي، الذي يكشف عن العوامل الحقيقية للأحداث، إلى تبديد الاختلافات في هذه القضية المحددة. لكن هل يمكن للرفاق أبيرن وشاختمان الآن، بعد ظهور "العلم والأسلوب"، أن يتحملوا أدنى مسؤولية، ليس عن الورقة الضعيفة إلى تلك الدرجة، ولكن عن مفهوم بورنهام عن العلم عموما، والماركسية، والسياسة، و "الأخلاق". هؤلاء الأقلييون الذين يستعدون للانقسام يجب أن يضعوا في اعتبارهم أنهم سيكونون على اتصال، ليس لمدة أسبوع وليس خلال الحرب السوفيتية الفنلندية، ولكن لسنوات مع "زعيم" ليس لديه في كل مفاهيمه أي شيء مشترك مع الثورة البروليتارية.
الخراج مفتوح. لم يعد بإمكان أبيرن وشاختمان تكرار أنهما يرغبان فقط في مناقشة فنلندا وكانون قليلاً. لم يعد بإمكانهم لعب الغميضة مع الماركسية ومع الأممية الرابعة. هل سيظل حزب العمال الاشتراكي في السير خلف تقاليد ماركس وإنجلز وفرانز مهرنغ ولينين وروزا لوكسمبورغ – وهي تقاليد يعلنها بورنهام بوصفها "رجعية"، أو يجب عليه أن يقبل تصورات بورنهام التي لا تعدو أن تكون استنساخًا متأخرًا لاشتراكية البرجوازية الصغيرة في المرحلة السابقة على ظهور الماركسية؟
نحن نعلم جيداً ما الذي تدل عليه هذه التحريفية سياسيا في الماضي. الآن في عصر الاحتضار العنيف للمجتمع البورجوازي، ستكون العواقب السياسية للبرنهامية أكثر مباشرة وعداءً للثورة. الرفاق أبيرن وشاختمان، الكلمة معكم!
ليون تروتسكى
Coyoacan, D.F.
27 - رسالة إلى جيمس ب. كانون
27 فبراير 1940
صديقي العزيز،
رداً على رسالتكم المؤرخة 20 فبراير. إن مؤتمر الأقلية انتهى الآن كما أتصور، وأنا أعتقد بخصوص مسألة التكتيك الملموس الذي تحلله في رسالتك، فإن تحركاتكم الفورية تعتمد، على الأقل في 51 في المائة منها، على نتائج هذه المؤتمر.
أنت مقتنع بأن الأقلية ككل تستعد للانقسام وأنك لا تستطيع أن تكسب أي شخص آخر. أنا أقبل هذه الفرضية. ولكن الأهم هو أنه كان من الضروري أن تقدم بادرة سلام نشطة قبل مؤتمر كليفلاند، قبل أن تقوم بتغيير خطك بشكل جذري إذا قدموا إجابة سلبية. إنني أقدر تماماً تقديراتك حول تقديم وجهة نظر في "الأممية الجديدة" لنجهز الرأي العام لموضوع الانقسام. لكن مؤتمر الأقلية انعقد في الفترة من 24 إلى 26 فبراير، ومؤتمر الحزب لن ينعقد إلا في بداية أبريل. لديك الوقت الكافي تحت تصرفك لاقتراح السلام، ولإدانة رفض الأقلية، ولنشر الموضوع في NEW INTERNATIONAL. يجب علينا أن نفعل كل شيء من أجل إقناع الفروع الأخرى أيضاً بأن الأغلبية استنفدت كل الإمكانيات لصالح الوحدة. وهذا هو السبب في أننا قدمنا ثلاث اقتراحات إلى اللجنة التنفيذية الدولية: من الضروري أيضاً اختبار كل عضو في هذه الهيئة الهامة.
أتفهم جيداً نفاد صبر كثير من الرفاق في الأغلبية (أفترض أن نفاذ الصبر هذا ليس مرتبطًا إلى حد ما بلامبالاة بمسائل النظرية)، لكن يجب تذكيرهم بأن الأحداث في حزب العمال الاشتراكي لها الآن أهمية وطنية كبيرة وأنك يجب ألا تتصرف فقط على أساس تقديراتك الذاتية، التي يمكن أن تكون صحيحة، ولكن على أساس الحقائق الموضوعية المتاحة للجميع.
W. RORK [Leon Trotsky]
Coyoacan, D.F.
28 - رسالة إلى جوزيف هانسن
29 فبراير 1940
عزيزي جو،
إذا كان شاختمان يؤكد أن الرسالة التي أشرت فيها إلى إسبانيا لم تكن موقّعة من قبله فحسب، بل أيضاً من قبل كانون وكارتر، فإنه مخطئ تماماً. بالطبع لن أخفي التوقيعات الأخرى لكنها لم تكن موجودة. كما سترى من الصور، تم التوقيع على الرسالة فقط من قبل ماكس شاختمان.
اعترفت في مقالي أنه في عدة أمور مختلفة، كان من الممكن أن يشارك رفاق من الأغلبية في أخطاء شاختمان، لكنهم لم يصنعوا ابدآ نظاماً خاص بهم، ولم يتحولوا ابدآ إلى منصة فصيل. ذلك هو جوهر الأمر.
أبيرن وبورنهام ساخطان لأنني أقتبس تصريحاتهما الشفوية دون "تحقق" سابق. إنها تعني بوضوح أنه بدلاً من نشر هذه التصريحات التي يزعمونها ومنح كلاهما الإمكانية الكاملة لتأكيدها أو إنكارها، ينبغي أن أرسل لجنة تحقيق من هنا مع 5 أو 7 أشخاص محايدين واثنين من كتبة المحاضر. ولماذا الضوضاء الأخلاقية الرهيبة؟ طابق بورنهام عدة مرات بين الديالكتيك والدين. نعم، إنها حقيقة. لكن في هذه المناسبة الخاصة، لم ينطق الجملة التي اقتبستها (كما ورد لي). أوه، رعب! أوه، السخرية البلشفية، وما إلى ذلك!
نفس الشيء مع أبيرن (انظر رسالة تروتسكي إلى أبيرن في الصفحة 148) في رسالته لي يظهر بوضوح أنه يستعد للانقسام. لكن كما ترون، لم يصرح أمام جولدمان بعبارة حول الانقسام. إنه افتراء! تلفيق غير شريف! تشويه، وما إلى ذلك!
بقدر ما أتذكر، يبدأ مقالي عن الأخلاق بملاحظة حول التعرق الأخلاقي للبرجوازية الصغيرة المرتبكة. الآن لدينا شكل جديد للظاهرة نفسها في حزبنا.
بالنسبة إلى الأخلاقيون الجدد، كما سمعت، تتمثل جريمتي الرهيبة في شهادة ايستمان ولينين. يا لهم من منافقين منحطين! نشر ايستمان الوثيقة الخاصة بمبادرته في لحظة قرر فيها فصيلنا وقف كل النشاط العام لتجنب انقسام سابق لأوانه. لا تنسوا أن ذلك كان أمام لجنة نقابة العمال الأنجلو-روسية الشهيرة وقبل الثورة الصينية، حتى قبل ظهور زينوفييف كمعارض. لقد اضطررنا إلى المناورة من أجل كسب الوقت. على العكس، كانت الترويكا ترغب في الاستفادة من نشر ورقة إيستمان من أجل حفز نوع من الإجهاض المبكر للمعارضة. لقد قدموا إنذاراً نهائيًا: إما أن أوقع الإعلان الذي كتبته الترويكا باسمي أو سيبدؤون المعركة على الفور. قرر مركز المعارضة بالإجماع أن هذه القضية في هذه اللحظة غير مواتية على الإطلاق، وأنه يجب عليّ قبول الإنذار والتوقيع باسمي بموجب إعلان كتبه المكتب السياسي. أن تحويل هذه الضرورة السياسية إلى مسألة أخلاقية مجردة أمر ممكن فقط للمحتالين البرجوازيين الصغار الذين هم على استعداد للإعلان: Pereat mundus، fiat justicia! (ليهلك العالم، تحيا العدالة!)، ولكن الذين لديهم مسك الدفاتر أكثر تساهلاً بكثير في الإجراءات اليومية الخاصة بهم. وهؤلاء الناس يتصورون أنهم ثوار! كان المناشفة القدماء أبطال حقيقيون مقارنة بهم.
جورج رورك [ليون تروتسكى]
Coyoacan, D.F.

29 - ثلاث رسائل إلى فاريل دوبس
4 مارس 1940
من الصعب بالطبع أن أتابع من هنا التطور السياسي المحموم للمعارضة. لكنني أوافق على أنهم تركوا انطباع كبير يذكرك بهؤلاء الأشخاص الذين يسارعون إلى حرق جميع الجسور ورائهم. مقالة بورنهام "العلم والأسلوب" لم تكن غير متوقعة في حد ذاتها. لكن الاستقبال الهادئ للمقال الذي ظهر في كتابات شاختمان وأبرن وآخرون هو أكثر الأعراض المخيبة للآمال، ليس فقط من الناحية النظرية والسياسية، بل أيضاً لكونها توضح أفكارهم الحقيقية حول وحدة الحزب.
وبقدر ما أستطيع الحكم من هنا، فإنهم يرغبون في انقسام يتم تحت اسم الوحدة.
يجد شاختمان، أو من الأفضل أن نقول "يخترع" سوابق تاريخية ". في الحزب البلشفي، كان للمعارضة أوراقها العامة، وما إلى ذلك. لم ينس سوى أن الحزب كان في ذلك الوقت يضم مئات الآلاف من الأعضاء، وأن النقاش كان مهمته الوصول إلى مئات الآلاف هؤلاء والعمل على إقناعهم. في ظل هذه الظروف، لم يكن من السهل حصر النقاش على الحلقات الداخلية. من ناحية أخرى، لم يكن هناك خطر كبير في التعايش بين أوراق الحزب وأوراق المعارضة بسبب واقع أن القرار النهائي اعتمد على مئات الآلاف من العمال وليس على مجموعتين صغيرتين. لدى الحزب الأمريكي عدد قليل نسبيًا من الأعضاء، ومع ذلك كانت مساحة النقاش كبيرة وأكثر من ضخمة. يبدو أن خطوط الفصل ثابتة بما فيه الكفاية، على الأقل للفترة التالية. في ظل هذه الظروف، أن يكون للمعارضة ورقة عامة أو مجلة خاصة بها، فلن تكون وسيلة لإقناع الحزب بل لمناشدة العالم الخارجي مساندتهم ضد الحزب.
يجب أن يكون تجانس وتماسك منظمة دعائية ثورية مثل حزب العمال الاشتراكي أهم بما لا يقاس من ذلك الذي لدى حزب جماهيري كبير. أتفق معك أنه في ظل هذه الظروف، يجب على الأممية الرابعة عدم الاعتراف بوحدة، ستكون زائفة تماماً، تحت غطاء منظمتين مستقلتين تتخاطبان مع العالم الخارجي بمنظورات مختلفة، برامج مختلفة، شعارات مختلفة ومبادئ تنظيمية مختلفة. فإن لم يكن أمامنا سوى ذلك، سيكون الانقسام الواضح أفضل ألف مرة من هذه الوحدة الزائفة.
تشير المعارضة أيضاً إلى حقيقة أنه كان لدينا في فترات معينة مجموعتين متوازيتين في نفس البلد. لكن مثل هذه الحالات الشاذة لم يتم قبولها مؤقتاً إلا في أحد حالتين: عندما لم تكن الملامح السياسية لكلا المجموعتين أو أحدهما واضحة بما فيه الكفاية، واحتاجت الأممية الرابعة إلى وقت لكي تحدد رأيها بشأن هذه المسألة. أو تم التعايش بين مجموعتين رغم وجود خلافات عنيفة للغاية ولكن محصورة في مسائل محدودة (مدخل في PSOP ، الخ). الوضع في الولايات المتحدة مختلف تماماً. لدينا حزب واحد موحد له تقاليد جادة، والآن لدينا منظمتان، واحدة منها، بفضل تكوينها الاجتماعي والضغوط الخارجية التي تتجاوب معها، دخلت، خلال فترة شهرين فقط، في صراع لا يمكن التوفيق بينه وبين نظريتنا وبرنامجنا، سياستنا، طرقنا التنظيمية.
إذا وافقوا على العمل معك على أساس المركزية الديمقراطية، فيمكنك أن تأمل في أن تقنع وأن تفوز بموافقة أفضل العناصر من خلال الممارسة المشتركة. (لديهم نفس الحق في الأمل في إقناعك). ولكن إذا شرعوا في العمل كمنظمة مستقلة لها منشوراتها الخاصة فلن يمكنهم إذن سوى التطور في اتجاه بورنهام. في هذه الحالة لا تستطيع الأممية الرابعة أن يكون لديها، في رأيي، أدنى اهتمام بمنحهم غطاءها، أي للتمويه أمام العمال على انحطاطهم المحتوم. على العكس من ذلك، ستكون مصالح الأممية الرابعة في هذه الحالة هي إجبار المعارضة على خوض تجربتها بشكل مستقل تماماً عنّا، ليس فقط من خلال حماية لافتاتنا، بل على العكس من ذلك، مع أشد تحذير علني ممكن موجه منا مباشرة إلى الجماهير.
هذا هو السبب في أن المؤتمر ليس فقط له الحق، بل إن عليه واجب صياغة بديل ظاهر جداً وواضح: إما وحدة حقيقية على أساس مبدأ المركزية الديمقراطية (مع ضمانات جدية وكبيرة للأقلية داخل الحزب) أو قطيعة علنية وواضحة أمام الطبقة العاملة.
مع أفضل تحياتي
W. RORK [Leon Trotsky]
ملحوظة - لقد تلقيت للتو قرار كليفلاند بشأن وحدة الحزب. انطباعي هو: أقسام كبيرة من الأقلية لا ترغب في الانشقاق. القادة غير مهتمين بالنشاط السياسي ويحصرون اهتمامهم في العمل الصحفي البحت. قدم القادة قراراً حول انقسام الحزب تحت مسمى "قرار حول وحدة الحزب" بهدف توريط أتباعهم في الانشقاق. يقول القرار: إن "أقليات الحزب البلشفي قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى" كانت لها صحفها السياسية الجماهيرية. أي أقليات؟ متى حدث ذلك؟ ما هي تلك الصحف؟ إن القادة يزجون الأكاذيب في ذهن أتباعهم لتمويه أهدافهم الانشقاقية.
يؤكدون لبعضهم البعض أن ورقتهم ستخرس الأغلبية بالتأكيد. كان هذا دائماً هو أمل المناشفة الروس الذين كانوا فصيل برجوازي صغير لديه مثقفون أكثر بكثير وصحفيون اعلى مهارة وإمكانية. لكن آمالهم كانت دون جدوى. إن القلم الماهر ليس كافيًا لإنشاء حزب ثوري: فالقاعدة النظرية الصلبة ضرورية، وأيضاً برنامج قائم على أساس علمي، واتساق في التفكير السياسي ومبادئ تنظيمية ثابتة. المعارضة كمعارضة ليس لديها أي شيء من ذلك. بل إنها تعارض كل ذلك. ولهذا السبب أتفق معك تماماً: إذا كانوا يرغبون في تقديم نظريات بورنهام، وسياسات شاختمان وأساليب أبيرن التنظيمية للرأي العام الخارجي، فعليهم أن يفعلوا ذلك باسمهم دون تحمل الحزب أو الأممية الرابعة أي مسؤولية. W.R.
-------------------
4 أبريل 1940
الرفيق العزيز دوبس
عندما تتلقى هذه الرسالة، فإن المؤتمر سيكون قد انعقد بالفعل، وربما يكون لديك فكرة واضحة عما إذا كان الانقسام أمراً لا يمكن تجنبه. في هذه الحالة، يفقد موضوع أبيرن أهميته. لكن في حال أن الأقليات تراجعت، أسمح لنفسي بالإصرار على مقترحاتي السابقة. إن ضرورة الحفاظ على أسرار المناقشات والقرارات في اللجنة الوطنية هو أمر شديد الأهمية ولكنه ليس الأمر الوحيد الهام، وفي الوضع الحالي ليس الأكثر أهمية. يعتقد حوالي 40 في المائة من أعضاء الحزب أن أبيرن هو أفضل منظم. إذا بقوا داخل الحزب، لا يمكنك أن تساعد إلا بأن تمنح أبيرن الفرصة لإظهار تفوقه في الأمور التنظيمية أو أن يفضح نفسه. في الجلسة الأولى للجنة الوطنية الجديدة، ينبغي أن ينص أول قرار يصدر عنها على أنه لا يحق لأحد الإفصاح عن الأحداث الداخلية في اللجنة الوطنية باستثناء اللجنة ككل أو مؤسساتها الرسمية (اللجنة السياسية أو أمانة الحزب). يمكن للأمانة بدورها أن تضع قواعد السرية. وإذا حدث تسرب، على الرغم من كل الاحتياطات، يجب إجراء تحقيق رسمي وإذا كان أبيرن مذنبًا، يجب أن يوجه له تحذيرًا علنياً؛ وفي حالة ارتكاب انتهاك أخر، ينبغي استبعاده من الأمانة العامة. ومثل هذا الإجراء، على الرغم من مساوئه المؤقتة، إلا انه على المدى البعيد، أفضل كثيراً من ترك أبيرن، منظم نيويورك، خارج الأمانة العامة، أي خارج السيطرة الحقيقية للأمانة العامة.
أفهم جيداً أنك راضٍ عن الأمانة الحالية. في حالة حدوث انشقاق، قد تكون هي أفضل أمانة يمكن أن يرغبها المرء. ولكن إذا تم الحفاظ على الوحدة، لا يمكن أن يكون لديك لجنة سكرتارية تتألف من ممثلي الأغلبية فقط. ربما ينبغي أن يكون لديك لجنة ولو حتى من خمسة أعضاء - ثلاثة من الأغلبية واثنين من الأقليات.
إذا أبدت المعارضة تراجعاً، سيكون من الأفضل إخبارهم بطريقة غير رسمية: نحن على استعداد لاستمرار وجود شاختمان كعضو ليس فقط في اللجنة السياسية ولكن أيضاً في هيئة التحرير لدينا. نحن مستعدون حتى لضم أبيرن إلى الأمانة العامة؛ نحن على استعداد للنظر في مجموعات أخرى من نفس النوع. الشيء الوحيد الذي لا يمكننا قبوله هو أن تعمل الأقلية كفاعل سياسي مستقل.

---------------------------
تلقيت رسالة من ليبرن Lebrun على IEC. أشخاص غريبة! أنهم يعتقدون أنه الآن في فترة معاناة احتضار الرأسمالية، في ظل ظروف الحرب وانعدام الشرعية، ينبغي التخلي عن المركزية البلشفية لصالح ديمقراطية مفتوحة. كل شيء في حالة فوضي صرف! لكن ديمقراطيتهم لها معنى فردي بحت، إن مضمونها هو: دعني أفعل ما أريد. تم اختيار ليبرن وجونسون في IEC على أساس مبادئ معينة وكممثلين لمنظمات معينة. كلاهما تخلى عن المبادئ وتجاهلوا تماماً منظماتهم الخاصة. هؤلاء "الديمقراطيون" تصرفوا كأشخاص بهيميين تماماً غير ملتزمين بعمل رسمي. إذا كان لدينا إمكانية عقد مؤتمر دولي، فمن المؤكد أنه سيتم طردهم مع توجيه أشد اللوم. هم أنفسهم لا يشكون في ذلك. في الوقت نفسه، يعتبرون أنفسهم أعضاء في مجلس الشيوخ لا يمكن عزلهم – وكل ذلك باسم الديمقراطية!
كما يقول الفرنسيون، يجب أن نتخذ تدابير زمن الحرب خلال الحرب. وهذا يعني أنه يجب علينا أن نكيف الهيئة القائدة للأممية الرابعة مع العلاقة الحقيقية للقوى في فروعنا. هناك المزيد من الديمقراطية في هذا الأمر أكثر من ادعاءات أعضاء مجلس الشيوخ الذين لا يمكن عزلهم.
إذا طرحت تلك المسألة للنقاش، فيمكنك اقتباس هذه السطور التي أجبت بها على ورقة ليبرن.
W. RORK [Leon Trotsky]
Coyoacan, D.F.
------------------------



16 أبريل 1940
الرفيق العزيز دوبس
لقد تلقيت اتصالك مع جو بشأن المؤتمر. وبقدر ما استطيع أن أحكم من هنا، أنت فعلت كل ما بوسعك من أجل الحفاظ على وحدة الحزب. إذا أقدمت الأقلية بعد كل شيء، في ظل هذه الشروط بتنفيذ انقسام، فإنها ستظهر فقط لكل عامل كم هي بعيدة عن مبادئ البلشفية وكيف أنها معادية للغالبية البروليتارية من الحزب. وحول تفاصيل قراراتك، يمكنني الحكم بشكل أكثر واقعية عندما يتوفر لدي المزيد من المعلومات.
أسمح لنفسي أن ألفت انتباهكم إلى مقال آخر، وهو مقال جيراند ضد بورنهام بخصوص المنطق الرمزي، ومنطق برتراند رسل والآخرين. المقالة حادة للغاية وفي حالة بقاء المعارضة في الحزب وبورنهام في هيئة تحرير مجلة "الأممية الجديدة “، فإنه من المحتمل إعادة كتابة المقال بروح "الود" الرفاقية. لكن عرض المنطق الرمزي هام جداً وجيد ويبدو لي مفيداً جداً خصوصاً للقراء الأمريكيين.
كرّس الرفيق ويبر أيضاً جزءًا هامًا من مقالته الأخيرة لنفس النقطة. رأيي هو أنه يجب أن يشرح هذا الجزء في شكل مقال مستقل عن الأممية الجديدة. يجب أن نواصل الآن بشكل منظم وجدي حملتنا النظرية لصالح المادية الجدلية.
كتيب جيم ممتاز. إنها كتابة زعيم عمالي حقيقي. إذا لم ينتج عن المناقشة أكثر من هذا الكتيب، فسيكون ذلك جيداً.
مع أعمق التحيات الودية لكم جميعاً
W. RORK [Leon Trotsky]
30 - الأخلاق البرجوازية الصغيرة والحزب البروليتاري
كانت المناقشة في حزب العمال الاشتراكي في الولايات المتحدة شاملة وديمقراطية. تم تجهيز الاستعدادات للمؤتمر بتفاني تام. شاركت الأقلية في المؤتمر، مقرة هكذا بمشروعيته وسلطاته. وقدمت الأغلبية جميع الضمانات اللازمة للأقلية بما يسمح لها بخوض صراع دفاعاً عن آرائها الخاصة بعد المؤتمر. طالبت الأقلية بالسماح لها بمخاطبة الجماهير على رأس الحزب. الأغلبية رفضت بشكل طبيعي هذا التغطرس البشع. في هذا الأثناء، ومن خلف ظهر الحزب، شرعت الأقلية في تنفيذ مكائد مشبوهة واستحوذت على نشرة "أممية جديدة" التي صدرت من خلال جهود الحزب بأكمله والأممية الرابعة. وأود أن أضيف أن الأغلبية وافقت على تخصيص منصبين للأقلية من بين الخمس وظائف في هيئة تحرير هذا الجهاز النظري. ولكن كيف يمكن أن تظل "الأرستقراطية" الفكرية هي الأقلية في حزب العمال؟ أن تضع أستاذ على قدم المساواة مع عامل - بعد كل شيء، هذه هي "البيروقراطية المحافظة"!
في مقالته السجالية الأخيرة التي كتبها ضدّي، فسر بورنهام الاشتراكية بأنها "مثالية أخلاقية". من المؤكد أن هذا ليس أمراً جديدًا. في بداية القرن الماضي، كانت الأخلاق تعد بمثابة أساس "الاشتراكية الألمانية الحقيقية" التي انتقدها ماركس وإنجلز في بداية نشاطهما. وفي بداية قرننا، قام الاشتراكيون الثوريون الروس بالوقوف ضد "المثال الأخلاقي" للاشتراكية المادية. من المحزن أن نقول، أن حملة الأخلاق هؤلاء تحولوا إلى أفاقين منتشرين في الحقل السياسي. في عام 1917 خانوا العمال لصالح البورجوازية والإمبريالية الأجنبية.
علمتني الخبرة السياسية الطويلة أنه عندما يبدأ الأستاذ أو الصحفي البرجوازي الصغير الحديث عن المعايير الأخلاقية الرفيعة، فبالضرورة سيكون ممسكاً بكتاب جيب شخص ما في يده بقوة. لقد حدث ذلك هذه المرة أيضاً. باسم "المثال الأخلاقي"، التقط المثقف البرجوازي الصغير جريدته النظرية من جيب الحزب البروليتاري. لديك مثال حي هنا على الأساليب التنظيمية لهؤلاء المخترعين والأخلاقيين وأبطال الديمقراطية.
ما هي الديمقراطية الحزبية من وجهة نظر البرجوازي الصغير "المتعلم"؟ نظام يسمح له أن يقول ويكتب ما يشاء. وما هي "البيروقراطية" من وجهة نظر البرجوازي الصغير "المتعلم"؟ نظام تفرض فيه الأغلبية العمالية بالوسائل الديمقراطية قراراتها وانضباطها. العمال، ضع هذا في اعتبارك بشدة!
انشقت الأقلية البرجوازية الصغيرة في حزب العمال الاشتراكي عن الأغلبية البروليتارية على أساس واضح هو النضال ضد الماركسية الثورية. أعلن بورنهام أن مذهب الديالكتيك لا يتوافق مع "علمه" الفارغ. أعلن شاختمان أن الماركسية الثورية ليست ملحةً من وجهة نظر "المهام العملية". سارع أبير لربط كشكه الصغير بالكتلة المعادية للماركسية. والآن يصف هؤلاء السادة المجلة التي قاموا بسرقتها من الحزب أنها "نشرة الماركسية الثورية". ما هذا، إن لم يكن الدجل الشاعري الأيديولوجي؟ دع القراء يطالبون هؤلاء المحررين بأن ينشروا العمل البرنامجي الوحيد للأقلية، وهو مقال بورنهام، "العلم والأسلوب". إذا لم يكن المحررون مستعدون لمقارنة ذلك ببائع متجول يقوم بتسويق البضائع الفاسدة تحت مسميات وهمية، فهذا يعنى أنهم كانوا مضطرين إلى نشر هذه المقالة. يمكن لأي شخص أن يرى الأن بنفسه أي نوع من "الماركسية الثورية" المعروض هنا، لكنهم لن يجرؤوا على فعل ذلك. يخجلون من إظهار وجوههم الحقيقية. يمتلك بورنهام مهارة في إخفاء مقالاته وكراساته الكاشفة في حقيبته، في حين أن شاختمان حول مهنته إلى العمل كمدافع عن أراء الآخرين بسبب عدم وجود أي آراء خاصة به.
المقالات "البرنامجية" الأولى للجريدة المسروقة تكشف تماماً عن عمى وفراغ هذا التجمع الجديد المضاد الذي يظهر تحت عنوان "المعسكر الثالث". ما هذا الحيوان؟ ثمة معسكر الرأسمالية. ومعسكر البروليتاريا. ولكن هل هناك احتمال أن يكون هذا أل “معسكر ثالث" – ملاذ مقدس للبرجوازي صغير؟ من الناحية المنطقية، لا شيء غير ذلك. ولكن، كما هو الحال دائما، يموه البرجوازي الصغير "معسكره" بأوراق الخطابة الوردية. دعونا نصغي جيداً! هنا معسكر واحد: فرنسا وإنجلترا. هناك معسكر آخر: هتلر وستالين. ومعسكر ثالث: بورنهام، مع شاختمان. أما الأممية الرابعة، فيتبين أنها ستكون في معسكر هتلر (أخترع ستالين هذا الاكتشاف منذ زمن بعيد). وعلى ذلك، هناك شعار جديد رائع: أيها السلميين والخلاطين Muddlers في العالم، كل من يعانون من وخزات القدر، تجمعوا في المعسكر "الثالث"!
لكن المصاعب تأتى من أن المعسكرين المتحاربين لا يستغرقان تماماً العالم البرجوازي. ماذا عن كل الدول المحايدة وشبه المحايدة؟ ماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ أين نضع إيطاليا واليابان؟ الدول الإسكندنافية؟ الهند؟ الصين؟ ونحن لا نتكلم هنا عن العمال الصينين أو الهند الثورية ولكن نتكلم عن الهند والصين كبلدان مقموعة. الأطروحة التي يقدمها الطالب المدرسي حول المعسكرات الثلاثة تسقط من اعتبارها بعض التفاصيل التافهة: العالم المستعمر، الجزء الأكبر من الجنس البشري.
تشارك الهند في الحرب الإمبريالية إلى جانب بريطانيا العظمى. هل هذا يعني أن موقفنا تجاه الهند - ليس البلاشفة الهنديين ولكن الهند - هو نفسه بالنسبة لبريطانيا العظمى؟ إذا كان هناك وجود أخر في هذا العالم، بالإضافة إلى شاختمان وبورنهام، ما دام لا يوجد سوى معسكرين امبرياليين، ثم أسمح لي أن اسأل، أين سنضع الهند؟ سيقول الماركسي إنه على الرغم من كون الهند جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية البريطانية وتشارك في الحرب الإمبريالية. على الرغم من سياسة غاندي التي لا يوثق بها والقادة القوميين الأخرين، فإن موقفنا تجاه الهند يختلف كلياً عن موقفنا تجاه إنجلترا. نحن ندافع عن الهند ضد إنجلترا. فلماذا إذا لا يكون موقفنا من الاتحاد السوفيتي مختلفًا عن موقفنا تجاه ألمانيا على الرغم من واقع أن ستالين متحالف مع هتلر؟ لماذا لا ندافع عن الأشكال الاجتماعية الأكثر تقدماً والقادرة على التطور ضد الأشكال الرجعية التي لا يمكن إلا أن تتحلل؟ لا يمكن فحسب ولكن أيضاً يجب أن يستبدل منظّرو المجلة المسروقة التحليل الطبقي ببناء آلي جذاب جداً للمثقفين البرجوازيين الصغار اعتماداً على التشابه السطحي. مثلما يموه الستالينيون خضوعهم للاشتراكية القومية (النازية) بعبارات قاسية موجهة إلى الديمقراطيات الإمبريالية، فإن شاختمان وشركاه يغطون استسلامهم للأمة الأمريكية الصغيرة والرأي العام البرجوازي بعبارات مهيبة "المعسكر الثالث". كما لو أن هذا "المعسكر الثالث" (ما هو؟ حزب؟ نادٍ؟ عصبة أمال مهجورة؟ "جبهة الشعب"؟) غير مطالب بالالتزام بسياسة صحيحة تجاه البرجوازية الصغيرة، النقابات العمالية، الهند والاتحاد السوفيتي!
في اليوم التالي فقط، تحدث شاختمان إلى الصحافة مقدماً نفسه باعتباره "تروتسكيا". إذا كانت تلك هي التروتسكية، فأنا على الأقل لست تروتسكيا. بالنظر للأفكار الحالية لشاختمان، ناهيك عن بورنهام، ليس بيننا أي شيء مشترك.
اعتدت أن أتعاون بنشاط مع نشرة الأممية الجديدة، احتجاجاً على رسائل شاختمان المستخفة تجاه النظرية وتنازلاته الغير مبدئية مع بورنهام، البرجوازي الصغير المتحذلق المتغطرس. ولكن كان ذلك في الوقت الذي لا يزال الحزب والأممية يفحصان فيه موقف كل من بورنهام وشاختمان. واليوم، أدى ضغط الديمقراطية البرجوازية الصغيرة إلى انفلاتهما. السير قدماً دون لاجم في مراجعتهم الجديدة، وبالتأكيد لدى نفس الموقف تجاه كل البرجوازيين الصغار المراجعين الذين يجحدون الماركسية. أما بالنسبة "لأساليبهم التنظيمية" و "أخلاق “هم السياسية، فإنها لا تثير في نفسي سوى الازدراء.
لو ان عملاء أذكياء من الطبقة المعادية يوجهون شاختمان، فلن يقترحوا عليه القيام بأعمال أكثر – أو مختلفة عن - ما يقوم به هو نفسه. لقد اتحد مع أعداء الماركسية ليشنوا الحرب معاً على الماركسية. وساعد في توحيد ودمج فصيل برجوازي صغير ضد العمال. لقد نبذ إمكانية استخدام الديموقراطية الحزبية وبذل ما يكفي من الجهد الجاد للتأثير في الأغلبية البروليتارية. نظم انشقاقاً في شروط الحرب العالمية الحرجة. وغطى الانشقاق بفضيحة رديئة قذرة يبدو أنها صممت خصيصاً لمد أعدائنا بذخيرة. هؤلاء هم "الديمقراطيون"، وتلك هي “أخلاقهم"!
لقد تبين ان كل ذلك كان بلا جدوى. أنهم مفلسون. وعلى الرغم من غدر المثقفين المهتزين والسخرية الرخيصة من جميع أبناء عمومتهم الديموقراطيين، ستستمر الأممية الرابعة في مسيرتها على الدرب الذي اختارته، مشكلة ومثقفة نخبة حقيقية من البروليتاريين الثوريين القادرين على فهم ما هو الحزب، وما معنى الولاء لراية، وما هو مدلول الانضباط الثوري.
عمال متقدمون! ولا ثقة بنسبة واحد من مائة في "الجبهة الثالثة" البرجوازية الصغيرة!
23 أبريل 1940
31 - كشف حساب أحداث فنلندا
أنهم عاجزون عن التوقع
15 ديسمبر 1939
“لقد" توقعنا التحالف مع هتلر - يقول شاختمان وبورنهام - ولكننا لم نتوقع الاستيلاء على شرق بولندا؟ غزو فنلندا؟ "نحن" لم يكن يمكن أن نتوقع هذه الأحداث. إن مثل هذه الأحداث الغير محتملة مطلقاً والتي لم تكن متوقعة تتطلب، كما يؤكدون، حدوث انقلاب جذري في سياستنا. فيما يبدو أن هؤلاء الساسة كان لديهم انطباع أن ستالين يحتاج إلى تحالف مع هتلر من أجل جمع بيض عيد الفصح معه. لقد "تنبؤا" بالتحالف (متى؟ أين؟) ولكن لم يستطيعوا التنبؤ بدوافعه أو الهدف منه.
أنهم يعترفون بحق الدولة العمالية في المناورة بين المعسكرات الإمبريالية وعقد الاتفاقيات مع بعضها ضد الآخر. ومن الواضح أن مثل هذه الاتفاقيات لها هدفها المتمثل في الدفاع عن الدولة العمالية، وتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية ومزايا أخري، وإذا سمحت الظروف، القيام بتوسيع قاعدة الدولة العمالية. وتحاول الدولة العمالية المنحطة تحقيق هذه الأهداف بأساليبها البيروقراطية، التي تتعارض في كل خطوة مع مصالح البروليتاريا العالمية. لكن ما هو غير متوقع فعلاً ولا يمكن الحدس به حتى هو محاولة الكرملين الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب بواسطة تحالفه مع هتلر؟
إذا كانوا سياسيونا العميان أخفقوا في رؤية "هذا" فذلك لأنهم فقط عاجزون في التفكير في مسألة واحدة بجدية حتى النهاية. خلال المفاوضات المطولة مع الوفد الأنجلو-فرنسي في صيف عام 1939، طالب الكرملين بوضوح السماح له بالسيطرة العسكرية على دول البلطيق. إلا أن إنجلترا وفرنسا رفضوا إعطاءه هذه السيطرة، لذلك قام ستالين بقطع المفاوضات. هذا وحده كان يشير بوضوح إلى أن التوصل إلى اتفاق مع هتلر سيتضمن قيام ستالين على الأقل بالسيطرة على دول البلطيق. فهم الأشخاص الناضجون سياسياً في جميع أنحاء العالم، هذه هي المسألة بالضبط، وسألوا أنفسهم: كيف سيحقق ستالين هذه المهمة؟ هل سيلجأ إلى القوة العسكرية؟ وما إلى ذلك. إن مجرى الأحداث يعتمد، إلى حد بعيد، على سلوك هتلر أكثر مما يعتمد على ستالين. بشكل عام، لا يمكن التنبؤ بأحداث محددة. لكن الاتجاه الرئيسي للأحداث كما ظهر في الواقع لم يتضمن شيئًا جديدًا هاماً.
بسبب انحطاط الدولة العمالية، وصل الاتحاد السوفيتي إلى أعتاب الحرب الإمبريالية الثانية ليصبح أضعف بكثير مما كان عليه. كان الهدف من اتفاق ستالين مع هتلر تأمين الاتحاد السوفييتي من اعتداء ألماني، وبشكل عام، تأمين الاتحاد السوفيتي من استدراجه إلى حرب كبرى. وأثناء الاستيلاء على بولندا، اضطر هتلر إلى حماية نفسه في الشرق، واضطر ستالين، بإذن من هتلر، إلى غزو شرق بولندا من أجل الاستفادة من بعض الضمانات التكميلية ضد هتلر على الحدود الغربية للاتحاد السوفييتي. ولكن نتيجة لهذه الأحداث، صار للاتحاد السوفييتي حدود مشتركة مع ألمانيا، ولهذا السبب، أصبح خطر ألمانيا المنتصرة أكثر مباشرة، بينما ازداد اعتماد ستالين على هتلر بشكل كبير.
واقع تقسيم بولندا كان له تطوره وعواقبه في الساحة الإسكندنافية. لم يتمكن هتلر من ألا يقدم بعض التلميحات إلى صديقه "ستالين" بأنه يخطط للاستيلاء على الدول الإسكندنافية. ولم يكن من الممكن أن يفشل ستالين في اختراق العفن البارد. في المحصلة الأخيرة، هذا يشير إلى الهيمنة الألمانية الكاملة على بحر البلطيق، وفنلندا، ومن ثم يشكل تهديدا مباشرا لمدينة لينينجراد. وعلى ذلك، كان على ستالين أن يبحث مجدداً عن خلق ضمانات تكميلية ضد حليفه، هذه المرة في فنلندا. ومع ذلك، واجه مقاومة قوية هناك. استمرت "النزهة العسكرية". في الوقت نفسه هددت الدول الإسكندنافية بأن تصبح ساحة حرب كبرى. طلب هتلر، الذي أتم استعداداته لتوجيه ضربة ضد الدنمارك والنرويج، من ستالين أن يبرم السلام في وقت مبكر ويخرج من الحرب. كان على ستالين هكذا أن يختصر خططه، وأن يتخلى عن فنلندا. هذه هي السمات البارزة لمسار الأحداث في شمال غرب أوروبا.
الأمم الصغيرة في الحرب الإمبريالية
في ظل ظروف الحرب العالمية، فإن التعامل مع مسألة مصير الدول الصغيرة بمنظور "الاستقلال الوطني"، "الحياد"، وما إلى ذلك، يعنى البقاء في دائرة الأساطير الإمبريالية. يتضمن الصراع هدف السيطرة على العالم. وسيتم حل مسألة وجود الاتحاد السوفييتي في هذا السياق. إن مشكلته التي لا تزال إلى اليوم في الخلفية، سوف تحتل في لحظة معينة الصدارة. الدول الصغيرة والتي من درجة أدني تشعر بالقلق إلى حد كبير، فهي اليوم بالفعل مجرد بيادق في أيدي القوى العظمى. الحرية الوحيدة التي لا يزالون يحتفظون بها، وهذا فقط بدرجة محدود، هي حرية الاختيار بين السادة.
هناك حكومتان تتصارعان مؤقتاً في النرويج: حكومة النازيين النرويجيين، التي تغطيها القوات الألمانية في الجنوب، والحكومة الديمقراطية الاجتماعية القديمة مع ملكهم في الشمال. هل يجب على العمال النرويجيين دعم المعسكر "الديمقراطي" ضد الفاشي؟ بالمقارنة مع إسبانيا، قد يبدو للوهلة الأولى أنه يجب الإجابة على هذا السؤال بنعم. في الواقع، سيكون هذا أسوأ أنواع الخطأ. في إسبانيا كانت هناك حرب أهلية معزولة. ومع ذلك، فإن تدخل القوى الإمبريالية المساندة، مهما كانت مهمّة في حدّ ذاتها، بقيت ذات طابع ثانوي. ما يقع في النرويج هو الصدام المباشر والفوري بين معسكرين امبرياليين والحكومتين النرويجيتين المتحاربتين ليست سوى أدوات مساعدة في هذا الصدام. نحن في الساحة العالمية لا ندعم معسكر الحلفاء ولا معسكر ألمانيا. وبالتالي، ليس لدينا أدنى سبب أو مبرر لدعم أي من أدواتهم المؤقتة في النرويج نفسها.
يجب، من منظور استراتيجية البروليتاريا العالمية، تطبيق نفس المنهج على فنلندا. إذ أن المقاومة الفنلندية لم تكن أكثر من موقف دفاع وطني مستقل عن مقاومة النرويج. وقد برهنت الحكومة الفنلندية على هذا الأمر على أفضل وجه، فقد فضلت وقف كل أعمال المقاومة بدلاً من تحويل فنلندا بالكامل إلى قاعدة عسكرية لإنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة. إن العوامل الثانوية مثل الاستقلال الوطني لفنلندا أو النرويج، والدفاع عن الديمقراطية، وما إلى ذلك، مهما كانت مهمة في حد ذاتها، أصبحت الآن متشابكة في صراع القوى العالمية الأكثر قدرة بما لا يقارن، وهي تخضع تماماً لهذه الحسابات. علينا إذاً أن نستبعد هذه العوامل الثانوية ونحدد سياستنا وفقاً للعوامل الأساسية.
لقد أعطت الأطروحات البرنامجية للأممية الرابعة حول الحرب إجابة شاملة على هذا السؤال منذ ست سنوات. توضح الأطروحات:
"إن فكرة الدفاع الوطني، وبشكل خاص إن ترافقت مع فكرة الدفاع عن الديمقراطية، يمكن استغلالها بسهولة أكبر لخداع العمال في البلدان الصغيرة والمحايدة (سويسرا، ولا سيما بلجيكا، والدول الإسكندنافية ..."
وأيضاً:
"وحدها الأدمغة البرجوازية الصغيرة المغلقة (من نوع روبرت جريم) في قرية سويسرية مهجورة، يمكن أن تؤمن جديًا بأن الحرب العالمية التي يتم تخطيطها هي وسيلة للدفاع عن استقلال سويسرا".
تصورت البرجوازية الصغيرة الأخرى بنفس القدر أن الحرب العالمية هي وسيلة للدفاع عن فنلندا، وأنه من الممكن تحديد الاستراتيجية البروليتارية انطلاقاً من واقعة تكتيكية عارضة مثل غزو الجيش الأحمر لفنلندا.
جورجيا وفنلندا
مثلما يحدث أثناء الإضرابات ضد الرأسماليين الكبار، فإن العمال غالباً لا يكونون القناة المناسبة لمرور موضوعات البورجوازية الصغيرة المهيبة إلى حد كبير، هكذا نجد أيضاً في النضال العسكري ضد الإمبريالية، أو في السعي للحصول على ضمانات عسكرية ضد الإمبريالية، إن الدولة العمالية - حتى في حالة كونها أكثر ثورية ودينامية - قد تجد نفسها (في ظرف خاص -م) مضطرة لانتهاك استقلال هذه الدولة الصغيرة أو تلك. ان البكاء من قسوة الصراع الطبقي سواء على الصعيد المحلي أو الدولي قد يصدر عن معذبين ديموقراطيين بشكل صحيح ولكن ليس من قبل ثوريين بروليتاريين.
في عام 1921 قامت الجمهورية السوفيتية بفرض سيطرتها بالقوة على جورجيا التي كانت بمثابة بوابة مفتوحة للهجوم الإمبريالي في القوقاز.
إذا نظرنا للأمر من زاوية مبادئ تقرير المصير القومي، يمكن قول الكثير في الاعتراض على، مثلاً السفيتة – فرض سلطة سوفيتية – sovietization من وجهة نظر توسيع نطاق الثورة الاشتراكية، كان التدخل العسكري في بلد فلاحية يعتبر تصرف أكثر من مريب. ولكن من وجهة نظر الدفاع عن النفس لدولة العمال التي يحيط بها الأعداء، كان للتدخل السوفيتي العنيف ما يبرره: إذ تأتي ضرورات حماية الثورة الاشتراكية فوق وقبل المبادئ الديمقراطية الشكلية.
استغلت الإمبريالية العالمية لفترة طويلة مسألة العنف في جورجيا كهتاف تعبوي لحشد الرأي العام العالمي ضد السوفييت. أخذت الأممية الثانية زمام القيادة في هذه الحملة. ويهدف معسكر الوفاق إلى التجهيز لتدخل عسكري جديد محتمل ضد السوفييت.
وكذلك كما حدث في حالة جورجيا، استخدمت البرجوازية العالمية غزو فنلندا في حشد الرأي العام ضد الاتحاد السوفييتي. لقد ظهرت الاشتراكية الديمقراطية في هذه الحالة كطليعة في مقدمة الهجوم الإمبريالي. بينما "المعسكر الثالث" التعس من شتات البرجوازية الصغيرة يشكل المؤخرة.
رغم هذا التماثل الظاهري اللافت للنظر في حالتي التدخل العسكري السوفيتي، إلا ان هناك فرق - ضخم – بينهما، فالاتحاد السوفيتي الحالي، مختلف إلى ابعد مدى عن الجمهورية السوفيتية عام 1921. وتؤكدا أطروحات الأممية الرابعة:
""إن التطور المشوه للبيروقراطية السوفييتية والظروف المعيشية البائسة للكادحين هناك أضعفت قوة الجذب السوفيتية لتضامن الطبقة العاملة العالمية معها"
كشفت الحرب السوفياتية الفنلندية بوضوح وبشكل كامل أنه في حالة تعرض لينينجراد، مهد ثورة أكتوبر، لهجوم عسكري، فإن النظام السوفيتي الحالي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لن يكون قادراً على حشد تضامن كبير. ورغم هذا، لا يجب ان يترتب على ذلك أن يستسلم الاتحاد السوفييتي للإمبرياليين ولكن قد يتمزق الاتحاد السوفييتي من أيدي البيروقراطية.
"أين الحرب الأهلية؟"
يسأل قادة المعارضة السابقة، الذين أصبحوا الآن قادة "المعسكر الثالث" “أين الحرب الأهلية في فنلندا التي وعدت بها؟". أنا لم أعد بشيء لقد حللت فقط أحد الاحتمالات المتعددة الممكنة ضمن مسار تطور الصراع السوفيتي الفنلندي. إن الاستيلاء على قواعد معزولة في فنلندا كان محتملًا شـأن الاحتلال الكامل لفنلندا. كان الاستيلاء على القواعد يتطلب الحفاظ على النظام البرجوازي في سائر أنحاء البلاد. بينما يتطلب الاحتلال حدوث انقلاب اجتماعي قد يكون مستحيلاً دون إشراك العمال والمزارعين الأفقر في الحرب الأهلية. أشارت المفاوضات الدبلوماسية الأولية بين موسكو وهلسنكي إلى محاولة لحل المسألة بالطريقة التي تم بها حلها مع دول البلطيق الأخرى. أجبرت المقاومة الفنلندية الكرملين على تحقيق غاياتها من خلال إجراءات عسكرية. يمكن أن يبرر ستالين الحرب أمام الجماهير الأوسع فقط عن طريق إضفاء الطابع السوفيتي على فنلندا. أشار تعيين حكومة كوسينين إلى أن المصير الذي ينتظر فنلندا لم يكن مثل دول البلطيق بل مثل بولندا، حيث كان ستالين - بغض النظر عن كتاب الأعمدة الهواة في "المعسكر الثالث" وخربشتاهم - يجد نفسه مضطرًا إلى إثارة حرب أهلية والإطاحة بعلاقات الملكية.
لقد ذكرت عدة مرات أنه إذا لم تكن الحرب في فنلندا مستغرقة في حرب شاملة، وإذا لم يكن ستالين مضطرًا إلى التراجع قبل التعرض إلى تهديد من الخارج، فعندئذ سيضطر إلى الاستمرار في سفيتة فنلندا. كانت هذه المهمة في حد ذاتها أصعب بكثير من سفيتة بولندا الشرقية. الصعوبة الأكثر من الناحية العسكرية، بالنسبة لفنلندا. والصعوبة الأكبر من الوجهة القومية هي، ان فنلندا لديها تراث طويل في النضال من أجل الاستقلال القومي عن روسيا، في حين أن الأوكرانيين والروس البيض كانوا يقاتلون ضد بولندا. وتكمن الصعوبات الأكبر من الناحية الاجتماعية، في أن البرجوازية الفنلندية تمكنت بطريقتها الخاصة من حل المشكلة الزراعية ما قبل الرأسمالية من خلال خلق برجوازية زراعية صغيرة. ومع ذلك، فإن الانتصار العسكري الذي حققه ستالين على فنلندا كان بلا شك يتيح بشكل كامل إمكانية الإطاحة بعلاقات الملكية مع المساعدة بشكل أو أخر من العمال الفنلنديين والمزارعين الصغار.
فلماذا لم يطبق ستالين هذه الخطة؟ لأن تعبئة هائلة للرأي العام البرجوازي تحركت ضد الاتحاد السوفييتي. لأن إنجلترا وفرنسا طرحتا بجدية مسألة التدخل العسكري. أخيراً - أخيرًا ولكن ليس الأقل أهمية - أن هتلر لم يعد بإمكانه الانتظار. كان ظهور القوات الإنجليزية والفرنسية في فنلندا يعني تهديداً مباشراً لخطط هتلر الإسكندنافية التي كانت قائمة على أساس التآمر والمفاجأة. هذا هو. فقد وجد ستالين نفسه أمام خطر مزدوج يطبق عليه من الجانبين - الحلفاء من جهة، وهتلر من الجهة المقابلة، فترك فنلندا لهتلر، وحصر مهامه في الاستيلاء على مواقع استراتيجية معزولة.
إن أنصار "المعسكر الثالث" (المعسكر المختوم عليه بخاتم البرجوازية الصغيرة) يكونون الأن التصور التالي: استنتج تروتسكى قيام حرب أهلية في فنلندا من الطبيعة الطبقية للاتحاد السوفييتي. وبقدر ما لم تحدث حرب أهلية، فإن هذا يدل على أن الاتحاد السوفيتي ليس دولة عمالية. في الواقع، لم تكن هناك ضرورة منطقية من أجل "استنتاج" حرب أهلية محتملة في فنلندا من التعريف الاجتماعي للاتحاد السوفيتي - كان كافياً أن يستند المرء إلى التجربة في شرق بولندا. كان من الممكن أن يتحقق الانقلاب في علاقات الملكية الذي تم تحقيقه من قبل الدولة التي نشأت من ثورة أكتوبر فقط. وقد أجبرت اولجارشية الكرملين على هذا الانقلاب من خلال صراعها للحفاظ على وجودها في ظل ظروف محددة. ولم يكن هناك أدنى سبب للشك في أنها في ظل ظروف مشابهة، ستجد نفسها مجبرة على تكرار نفس العملية في فنلندا. كان هذا كل ما أشرت إليه. لكن الظروف تغيرت أثناء النضال. غالباً ما تتطور الحرب، مثل الثورة، عبر انعطافات مفاجئة. ومع توقف العمليات العسكرية من جانب الجيش الأحمر، من الطبيعي ألا يكون هناك حديث عن تفجر الحرب الأهلية في فنلندا.
كل التوقعات التاريخية هي دائما معلقة على شرط، وكلما كانت الفرضية أكثر واقعية، كلما كانت مقيدة شرطياً بدرجة أكبر. والافتراض المنطقي ليس بمثابة سند إذني يمكن صرفه في تاريخ معين. إذ انه يتوقف فقط على الاتجاهات المحددة لمسار التطور. لكن إلى جانب هذه الاتجاهات، هناك نظام مختلف للقوى والاتجاهات، والتي تبدأ في لحظة معينة في الانتشار. يجب على جميع أولئك الذين يسعون إلى التنبؤ الموثوق به تماماً في الأحداث الملموسة أن يبحثوا أيضاً عن علماء التنجيم ويستشيروهم. إن الفرضيات والتشخيصات في المنطق الماركسي تساعد فقط في التوجيه. لقد أبديت تحفظات عدة مرات على مشروطية توقعاتي معتبراً إياها واحدة ضمن متغيرات عديدة محتملة. أن تمسك بها الآن، كصخرة الخلاص، في الحقيقة التاريخية من الدرجة العاشرة، إن مصير فنلندا كان أميل مؤقتاً إلى أن يتقرر على نمط ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا بدلاً من نمط شرق بولندا الذي يمكن أن يحدث فقط في التحليلات المدرسية العقيمة أو - قادة "المعسكر الثالث".
الدفاع عن الاتحاد السوفيتي
من المؤكد إن هجوم ستالين على فنلندا لم يكن دفاعاً عن الاتحاد السوفييتي. من يوجه سياسة الاتحاد السوفيتي هو البيروقراطية البونابرتية. هذه البيروقراطية تهتم أولاً وقبل كل شيء بقوتها ومكانتها وعائداتها. تدافع عن نفسها أكثر بكثير من الدفاع عن الاتحاد السوفيتي. بل وتدافع عن نفسها على حساب مصالح الاتحاد السوفييتي ومصالح البروليتاريا العالمية. ظهر هذا بوضوح شديد خلال التطور الكامل للصراع السوفييتي الفنلندي. لذلك لا يمكننا أن نتحمل، بشكل مباشر أو غير مباشر، ظلاً من المسؤولية عن غزو فنلندا الذي لا يمثل سوى حلقة واحدة في سلسلة سياسة البيروقراطية البونابرتية.
هناك فارق بين أن نتضامن مع ستالين، وندافع عن سياسته، كمسؤولية أساسية على عاتقنا - كما يفعل الكومنترن السيئ السمعة - وأن نشرح للطبقة العاملة العالمية أنه بغض النظر عن الجرائم التي قد يكون ستالين مذنباً بها، إلا أنه لا يمكننا السماح للإمبريالية العالمية بسحق الاتحاد السوفيتي، وإعادة تأسيس الرأسمالية وتحويل أرض ثورة أكتوبر إلى مستعمرة. ذلك هو ما يفسر أسس منطلقاتنا في دفاعنا عن الاتحاد السوفيتي.
إن محاولة الانهزاميين الملتزمين، أي المغامرين في الانهزامية، تخليص أنفسهم من مأزق تحليلهم بالوعد بأنه في حالة تدخل الحلفاء، سوف يغيرون سياستهم الانهزامية إلى سياسة دفاعية، هو تملص منحط من المسؤولية. ليس من السهل عمومًا تحديد سياسات الشخص وفقاً لضبط توقيت ساعة التوقف، خاصةً في ظل ظروف الحرب. في الأيام الحرجة للحرب السوفييتية الفنلندية، كما أصبح معروفاً الآن - توصل العاملون في الحلفاء إلى استنتاج مفاده أن المساعدة الجادة والسريعة لفنلندا يمكن أن تأتي فقط من خلال تدمير سكة حديد مورمانسك عن طريق قصفها من الجو. من وجهة نظر الاستراتيجية كان هذا صحيحًا تماماً. مسألة التدخل أو عدم التدخل من قبل القوات الجوية للحلفاء معلقة في شعرة. ويبدو ان الموقف المبدئي لـ "المعسكر الثالث" يتدلى أيضاً من نفس الشعرة. بالنسبة لنا فقد رأينا منذ البداية، أنه من الضروري تحديد الموقف وفقاً للمعسكرات الطبقية الأساسية في الحرب. هذا أكثر موثوقية بكثير.
عدم الاستسلام للعدو في المواقع المكتسبة فعلاً
إن سياسة الانهزامية ليست معاقبة لحكومة معينة على هذه الجريمة أو تلك التي ارتكبتها ولكن نتيجة لعلاقات طبقية. لا يعتمد خط عمل الماركسية في الحرب على الاعتبارات الأخلاقية والوجدانية المجردة، بل على التقييم الاجتماعي للنظام في علاقاته المتبادلة مع الأنظمة الأخرى. لقد أيدنا الحبشة ليس لأن نيجوس Negus كان سياسياً أو "أخلاقياً" أفضل من موسوليني ولكن لأن الدفاع عن بلد متخلف ضد القمع الاستعماري يوجه ضربة للإمبريالية، التي هي العدو الرئيسي للطبقة العاملة في العالم. نحن ندافع عن الاتحاد السوفيتي بشكل مستقل عن سياسة موسكو - لسببين أساسيين. أولاً، من شأن هزيمة الاتحاد السوفييتي أن تزود الإمبريالية بموارد ضخمة هائلة، وقد تطيل لسنوات عديدة ألم احتضار المجتمع الرأسمالي. ثانياً، إن الأسس الاجتماعية للاتحاد السوفييتي، في حال تطهيرها من البيروقراطية الطفيلية، قادرة على ضمان تقدم اقتصادي وثقافي غير محدود، في حين أن المؤسسات الرأسمالية لا تكشف عن أي احتمالات سوى المزيد من الانحطاط.
ما يفضح النقاد الصاخبين أكثر من غيره هو أنهم استمروا في اعتبار الاتحاد السوفييتي دولة عمالية في وقت كان فيه ستالين يدمر الحزب البلشفي. عندما كان يخنق الثورة البروليتارية في إسبانيا عندما كان يخون الثورة العالمية باسم "الجبهة الشعبية" و"الأمن الجماعي". في ظل كل هذه الظروف، أدركوا ضرورة الدفاع عن الاتحاد السوفييتي كدولة عمالية! وليس ما حدث في وقت أقرب من هذا عند غزو ستالين لفنلندا "الديمقراطية"، وعندما لم ينجح الرأي العام البرجوازي للديمقراطيات الإمبريالية، الذي غطى ووافق سابقاً على كل جرائم ستالين ضد الشيوعيين والعمال والفلاحين، في محاولته الآن ملء السماء بصيحات الفزع، أعلن المبتكرون على الفور: "نعم، هذا أمر لا يطاق!" وبعد روزفلت أعلنوا فرض حظر أخلاقي ضد الاتحاد السوفييتي.
إن تفكير دكتور بورنهام الساحر المتعلم حول موضوع الدفاع عن الاتحاد السوفييتي، بوصفه يعنى أيضاً الدفاع عن هتلر، هو عينة صغيرة أنيقة من دوار رأس البرجوازية الصغيرة التي تسعى إلى فرض واقع متناقض في إطار قياس منطقي ثنائي الأبعاد. بعد صلح بريست - ليتوفسك هل دعم العمال هوهنزولرن؟ نعم أو لا؟ إن الأطروحات البرنامجية للأممية الرابعة حول الحرب، التي تتناول بالتفصيل هذه المسألة، تنص بشكل قاطع على أن الاتفاقات بين دولة سوفيتية وهذه الدولة الإمبريالية أو تلك لا تقيد بأي درجة الحزب الثوري في تلك الدولة. إن مصالح الثورة العالمية تقف فوق مزيج دبلوماسي معزول، مهما كان مبررًا أن تكون الأخيرة في حد ذاتها. نحن.. من خلال الدفاع عن الاتحاد السوفيتي، نخوض صراعاً ضد ستالين، وكذلك ضد هتلر، أعمق مما يفعل بورنهام وشركاه.
صحيح أن بورنهام وشاختمان لا يقفان بمفردهما. يشعر ليون جوهاو، العميل السيئ السمعة للرأسمالية الفرنسية، بالسخط من واقع أن "التروتسكيون يدافعون عن الاتحاد السوفييتي". من يجب أن يكون ساخطاً إن لم يكن هو، ولكن موقفنا تجاه الاتحاد السوفييتي هو نفسه موقفنا تجاه CGT (الكونفدرالية العامة للعمل) ندافع عنها ضد البرجوازية على الرغم من حقيقة أن الكونفدرالية يرأسها الأوغاد مثل ليون Jouhaux الذي يخدع ويخون العمال في كل خطوة. وبالمثل، فإن المناشفة الروسيون يصرخون: "الأممية الرابعة تتخبط في نفق مظلم!" وذلك لأن الأممية الرابعة ما زالت تعترف بالاتحاد السوفييتي كدولة عمالية. هؤلاء السادة أنفسهم هم أعضاء في الأممية الثانية، التي يقودها خونة بارزون مثل العمدة البرجوازي النموذجي هيوسمانز وليون بلوم، اللذين خانوا حالة ثورية مواتيه بشكل استثنائي في يونيو عام 1936، مما سهل نشوب الحرب الحالية. وبينما يعترف المناشفة بأحزاب الأممية الثانية كأحزاب عمالية، يرفضون الاعتراف بالاتحاد السوفييتي كدولة عمالية على أساس أنه يقف على رأسه خونة بيروقراطيون.
هذا الكذب يتغذى على التبجح والسخرية. إن ستالين، مولوتوف والباقين، كشريحة اجتماعية، ليسوا أفضل ولا أسوأ من بلوم وجوهو وسيترينز وتوماس وغيرهم. الفرق بينهما فقط هو ذلك. أن ستالين وشركاه يستغلون ويكبحون قدرات الأساس الاقتصادي القابل للحياة في التنمية الاشتراكية، بينما يتشبث بلوم بالنظام الرأسمالي المتحلل.
يجب أن ينظر إلى الدولة العمالية بالحالة التي خرجت عليها من مصنع التاريخ الذي لا يرحم، وليس كما يتخيلها أستاذ "اشتراكي"، مستكشفاً شكل أنفه بتحسسه بإصبعه. من واجب الثوريين أن يدافعوا عن كل مكسب للطبقة العاملة على الرغم من أنه قد يتعرض للتشويه بسبب ضغط القوى المعادية. أولئك الذين لا يستطيعون الدفاع عن
مواقعهم القديمة لن ينتزعوا أبدا مواقع جديدة.
25 أبريل – 1940
32 - رسالة إلى جيمس ب. كانون
28 مايو 1940
أيها الرفاق،
استقالة بورنهام هي تأكيد ممتاز لتحليلاتنا وتوقعاتنا السابقة المتعلقة بالأقلية. نحن لا نعتقد أن ذلك هو الانشقاق الأخير.
W. R. [Leon Trotsky]
33 - رسالة إلى ألبرت جولدمان
5 يونيو 1940
صديقي العزيز
بورنهام لا يعترف بالديالكتيك، لكن الديالكتيك لا يسمح له بالهروب من شبكته. يمسك به كذبابة داخل تلك الشبكة. الضربة التي وجهها لشاختمان يصعب علاجها. يا له من درس عن الكتل المبدئية والغير مبدئية وأبيرن التعيس. قبل أربع سنوات، وجد حاميًا لعصبته العائلية في شخص الأب المقدس Muste وخادم هيكله سبيكتور Spector؛ الآن كرر نفس التجربة مع الكاثوليكي العلماني، بورنهام ومحاميه، شاختمان. ... في الأيام الخوالي الرائعة، في كثير من الأحيان كنا ننتظر، لسنوات وعقود، للتأكد من صحة النبوءة. الآن وتيرة الأحداث سريعة جداً لدرجة أن التأكد يأتي بشكل غير متوقع في اليوم التالي مباشرة. مسكين شاختمان!
مع أطيب التمنيات،
ليون تروتسكى
Coyoacan, D.F.
--------


حول حزب "العمال"
سؤال: برأيك، هل كانت هناك خلافات سياسية كافية بين الأغلبية والأقلية تبرر الانقسام؟
تروتسكى: يجب النظر في هذا السؤال بشكل جدلي، وليس بطريقة مكيانيكية. ماذا تعني هذه الكلمة المخيفة "الديالكتيك"؟ أنها تعني النظر في الأمور في حركتها وتطورها، وليس في حالتها الثابتة. إذا أخذنا الاختلافات السياسية معهم كما هي، يمكننا أن نقول إنها لم تكن كافية للانشقاق، ولكن إذا كانوا قد طوروا ميلًا إلى الانفصال عن البروليتاريا في اتجاه الدوائر البرجوازية الصغيرة، فإن الاختلافات نفسها يمكن أن يكون لها قيمة مختلفة ووزن مختلف، إذا كانوا مرتبطين بمجموعة اجتماعية مختلفة. فهذه نقطة مهمة جداً.
لدينا حقيقة أن الأقلية انفصلت عنا، على الرغم من جميع التدابير التي اتخذتها الأغلبية لتفادى حدوث الانقسام. وهذا يدل على أن حسهم الاجتماعي المبطن جعل من المستحيل عليهم أن يستمروا معنا. إنها نزعة برجوازية صغيرة، وليست بروليتارية. إذا كنت ترغب في تأكيد جديد لهذا، فلدينا مثال ممتاز في مقال دوايت ماكدونالد.
بادئ ذي بدء، ما الذي يميز الثوري البروليتاري؟ لا أحد ملزم بالمشاركة في حزب ثوري، ولكن إذا انضم، فإنه يتعامل مع الحزب بجدية. إذا تجرأنا على دعوة الناس إلى إحداث تغيير ثوري في المجتمع، فنحن نتحمل مسؤولية هائلة، يجب أن ننظر فيها بجدية بالغة. وما هي نظريتنا، أو مجرد أدوات عملنا؟ هذه الأدوات هي نظريتنا الماركسية لأننا لم نكتشف حتى اليوم أدوات أفضل. العامل ليس مبهوراً بشأن الأدوات في حد ذاتها - لو أن هذه الأدوات هي أفضل ما يمكنه الحصول عليه فسوف يتعامل معها باهتمام ومراعاة. لن يهملها أو يطلب أدوات أخري رائعة ومدهشة لا وجود لها.
بورنهام شخص يعاني من حالة غطرسة فكرية. يختار حزب معين، ثم يتركه، يختار حزب آخر. لا يمكن أن يقوم العامل بذلك. العامل إذا دخل في حزب ثوري، يخاطب الناس، ويدعوهم للعمل، فهو مثل الجنرال أثناء الحرب - يجب أن يعرف أين يقودهم. ما رأيك في الجنرال الذي قال إنه يعتقد أن الأسلحة كانت سيئة - أنه سيكون من الأفضل الانتظار لمدة عشر سنوات حتى يخترعوا أسلحة أفضل، لذلك فمن الأفضل أن يعود الجميع إلى منازلهم. هذا هو منطق ودوافع بورنهام. لذلك، ترك الحزب. لكن من لا يجدون وظائف استمروا، والحرب مستمرة. هذه الأشياء لا يمكن تأجيلها. ولذلك، فإن بورنهام هو الوحيد الذي يمكن تأجيله.
دوايت ماكدونالد ليس متغطرساً، لكنه غبي بعض الشيء. اليك بعض ما يقوله:
"إذا كان على المثقف، أن يقوم بأي عمل نافع اجتماعياً، فلا يجب ان يخدع نفسه أو يخدع أخرين، يجب ألا يقبل عملة يعرف أنها مزورة على أنها عملة جيدة، يجب ألا ينسى في لحظة أزمة ما تعلمه خلال سنوات وعقود. "
حسناً. صحيح تماماً. لنستمر معه:
"فقط إذا جمعنا في السنوات العاصفة والمروعة بين كل من التشكيك والإخلاص - التشكيك في جميع النظريات والحكومات والنظم الاجتماعية؛ مع التفاني في الكفاح الثوري للجماهير - عندها فقط يمكن أن يكون لوجودنا كمثقفين مبرر ".
هذا هو أحد قادة ما يسمى حزب "العمال"، الذي لا يعتبر نفسه بروليتاريًا بل "مثقفاً" يتحدث عن التشكيك في جميع النظريات.
لقد أعددنا أنفسنا لمواجهة هذه الأزمة من خلال الدراسة والبحث، وعبر بناء أسلوب علمي، ومنهجنا هو الماركسية. ثم تأتي الأزمة ويقول ماكدونالد "كن متشككا في جميع النظريات"، ثم يتحدث عن الإخلاص للثورة دون استبدالها بأي نظرية جديدة. تلك هي نظريته التشككية الخاصة. كيف يمكننا العمل بدون نظرية؟ ما هو الكفاح الجماهيري؟ وما هو الثوري؟ المقال كله فضيحة، والحزب الذي يمكنه أن يتحمل وجود رجل مثل هذا كأحد قادته ليس حزبا يؤخذ على محمل الجد.
قال أيضاً:
"ما هي طبيعة (الفاشية) الوحشية، إذن؟ يصر تروتسكى على أنها ليست أكثر أو أقل من ظاهرة البونابرتية المألوفة، التي تحافظ فيها زمرة على وجودها في السلطة من خلال القيام باللعب بطبقة ما ضد الأخرى، مما يعطي سلطة الدولة طابعاً مستقلاً مؤقتاً. لكن هذه الأنظمة الشمولية الحديثة ليست شئون مؤقتة. لقد غيروا البنية الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، ليس فقط للتلاعب بالأشكال القديمة ولكن أيضاً القضاء على قدرتهم الذاتية. هل البيروقراطية النازية طبقة حاكمة جديدة، هذا يعني إذن، أن الفاشية شكل اجتماعي جديد، في مقابل الرأسمالية؟ وهذا لا يبدو صحيحًا أيضاً. "
هو هنا يخلق نظرية جديدة، تعريف جديد للفاشية، لكنه، مع ذلك، يود أن نتشكك في جميع النظريات. كذلك، بالنسبة للعمال، كان يقول إن الآلات والأدوات التي يعملون بها ليست مهمة، لكن يجب أن يكون لديهم تفاني في عملهم. أعتقد أن العمال سيجدون تعبيراً لاذعاً يقولونه عن مثل هذا البيان.
أنها سمة مميزة جداً للمثقفين الشاعرين بخيبة الأمل. إنه يرى الحرب، الحقبة الرهيبة مباشرة، وما تحمله من خسائر، ومن تضحيات، وهو خائف. يبدأ بنشر التشكيك لكنه يعتقد أن من الممكن جمع التفاني الثوري مع التشكك. يمكننا فقط تطوير تفانٍ ثوري إذا كنا متأكدين من أننا نناضل من أجل شيء عقلاني وممكن، ولا يمكننا الحصول على مثل هذه الضمانات بدون نظرية فعالة. والذي يقوم ببث الشكوك في هذه النظرية فبدون شك هو خائن.
لدينا تحليلنا للعناصر المتنوعة في ظاهرة الفاشية:
1. السمة المشتركة بين الفاشية والبونابرتية القديمة هي استخدام العداء بين الطبقات من أجل إعطاء سلطة الدولة أوسع استقلال ممكن. لكننا شددنا دوماً على أن البونابرتية القديمة كانت في مرحلة صعود النظام البرجوازي، في حين أن الفاشية هي سلطة الدولة في مرحلة انحطاط وتفسخ هذا النظام.
2. أن الفاشية هي محاولة من الطبقة البرجوازية لتجاوز، وتخطى، التناقض بين التقنية الجديدة والملكية الخاصة دون إزالة الملكية الخاصة. إنها "الاقتصاد المخطط" الفاشي. محاولة للحفاظ على الملكية الخاصة وفي نفس الوقت ضبط أداءها المنفلت.
3. إيجاد حل للتناقض بين التقنية العصرية الحديثة للقوى الإنتاجية من جهة، والحدود الضيقة للدولة الوطنية. إذ لا يمكن حصر عمل هذه التقنية الجديدة داخل حدود الدولة القومية القديمة، وتحاول الفاشية التغلب على هذا التناقض. والنتيجة هي الحرب. لقد قمنا بالفعل بتحليل كل هذه العناصر.
سوف يترك دوايت ماكدونالد الحزب كما فعل بورنهام، ولكن ربما لأنه أكثر كسلًا، سيقوم بذلك لاحقًا.
إن بورنهام كان يعتبر "مادة جيدة" في وقت ما؟ نعم، يجب على الحزب البروليتاري في عصرنا أن يستخدم كل مثقف يمكنه المساهمة في الحزب. قضيت عدة أشهر في دييجو ريفيرا، في محاولة الاحتفاظ به داخل صفوفنا، لكن ذلك لم ينجح. لكن كل أممية شهدت تجربة من هذا النوع. واجهت الأممية الأولى مشاكل مع الشاعر فريليغراث Freiligrath، الذي كان متقلبًا أيضاً. واجهت الأممية الثانية والثالثة مشاكل مع مكسيم غوركي. الأممية الرابعة مع ريفيرا Rivera. وفي كل حالة انفصلوا عنا.
كان بورنهام، فعلاً، أقرب إلى الحركة، لكن كانون كان لديه شكوك بشأنه. كان لديه قدرة على الكتابة، وبعض المهارات الشكلية في التفكير، لم يكن مفكراً عميقاً، ولكن نشيط ولبق. يمكنه قبول فكرتك وتطويرها وكتابة مقالة جيدة عنها وبعد ذلك ينساها. المؤلف يمكن أن ينسى - ولكن العامل يتذكر. ومع ذلك، طالما أنه يمكننا أن نستخدم مثل هؤلاء الناس، حسنًا وجيداً. موسوليني أيضاً في وقت ما كان "مادة جيدة"!
ليون تروتسكى – 183.
7 أغسطس 1940
Coyoacan, D. F.
35 - رسالة إلى ألبرت جولدمان
السيد ألبرت جولدمان. صديقي العزيز:
9 أغسطس 1940
لا أذكر إذا ما كنت قد رأيت مقالة دوايت ماكدونالد في عدد أغسطس من نشرته "العاطف" Partisan.
هذا الرجل كان تلميذاً لبورنهام، المتعجرف فكرياً. بعد خروج بورنهام، ترك دوايت ماكدونالد في حزب شاختمان كممثل وحيد لـ "العلم".
فيما يتعلق بمسألة الفاشية، يقدم ماكدونالد مجموعة ضعيفة من السرقات الأدبية من ترسانتنا التي يقدمها وكأنها اكتشافه الخاص، والتي يعترض ضمنها على بعض التفاهات التي يصفها باعتبارها مجموع أفكارنا ككل - دون منظور، دون تناسب وبدون الأمانة الفكرية الأولية.
ومع ذلك، هذا ليس أسوء ما في الموضوع. يقول يتيم بورنهام: "يجب علينا أن ندرس ونفحص مرة أخرى بعين باردة ومتشككة، الفروض الأكثر أساسية في الماركسية" ص 266. ما الذي يجب على الفقراء "حزب العمال" القيام به خلال هذه الفترة من "الفحص"؟ ما الذي يجب على البروليتاريا فعله؟ يجب عليهم الانتظار، بالطبع، لنتائج دراسة دوايت ماكدونالد. ستكون هذه النتيجة على الأرجح هروب ماكدونالد نفسه إلى معسكر بورنهام.
لا يمكن أن تكون الأسطر الأربعة الأخيرة من المقال سوى التحضير للفرار الشخصي.
"فقط إذا جمعنا في السنوات العاصفة والمروعة بين كل من التشكيك والإخلاص - التشكيك في جميع النظريات والحكومات والنظم الاجتماعية؛ مع التفاني في الكفاح الثوري للجماهير - عندها فقط يمكننا أن يكون لوجودنا كمثقفين مبرر ".
إن النشاط الثوري المرتكز على شكوك نظرية هو أكثر التناقضات الداخلية صعوبة. "التفاني في الكفاح الثوري للجماهير " مستحيل بدون فهم نظري لقوانين هذا الكفاح الثوري. التفاني الثوري ممكن فقط إذا حصل المرء على تأكيد أن إخلاصه له سبب معقول وكاف. أنه يتطابق مع هدفه. لا يمكن خلق مثل هذه الضمانات إلا من خلال الرؤية النظرية للنضال الطبقي. "إن التشكيك في جميع النظريات" ليس إلا استعداداً للفرار الشخصي.
ليون تروتسكى – 185.
شاختمان لا يزال صامتاً. وبوصفه "أميناً عاماً"، فهو مشغول جداً بالدفاع عن " الفروض الأكثر أساسية في الماركسية" بواسطة مهاجري ومتغطرسي البرجوازية الصغيرة ...
تحياتي الرفاقية
ليون تروتسكي
36 - رسالة إلى كريس أندروز - Chris Andrews
أغسطس 1940 - 17
العزيز كريس:
لقد استمتعت كثيراً بتقييمك لموقف رفض السلام الذي طرحه الحزب. هناك ميزتان هامتان لهذا الموقف: أولاً، إنه ثوري في جوهره ويستند إلى الطابع العام لعصرنا، عندما يتم البت في جميع الأسئلة ليس فقط من خلال أسلحة النقد، بل عن طريق نقد الأسلحة. ثانياً، أنه خالي تماماً من التشيع الطائفي. نحن لا نعارض الأحداث ومشاعر الجماهير تأكيداً مجرداً لحرمتنا.
يقول مقال “الجهد العمالي" المسكين في 12 أغسطس: "في معركتنا ضد التجنيد نحن مع لويس 100 في المائة". نحن لسنا مع لويس حتى ولو بنسبة واحد في المائة، لأن لويس يحاول الدفاع عن أرض الوطن الرأسمالي بوسائل عفا عليها الزمن. إن الغالبية العظمى من العمال يفهمون أو يشعرون أن هذه الوسائل (التجنيد التطوعي المهني) قديمة من وجهة النظر العسكرية وخطيرة للغاية من وجهة النظر الطبقية.
هذا هو السبب في أن التجنيد الإلزامي. بالنسبة للعمال. شكل مشوه ومتناقض للغاية من التمسك ب "تسليح البروليتاريا". نحن لا نرفض رفضاً قطعياً هذا التغيير التاريخي العظيم، كما يفعل الطائفيون من كل الأنواع. نقول بخصوص “التجنيد؟ نعم فعلاً. ولكن سنقوم به نحن." إنها نقطة انطلاق ممتازة.
مع أفضل التحيات الرفاقية
صديقك القديم [ليون تروتسكى]
ملحق
جيمس بورنهام
العلم والاسلوب
رداً على الرفيق تروتسكي
(فبراير 1940)
ملحق كتاب ليون تروتسكي، دفاعاً عن الماركسية، لندن، 1966.
+++++++++++++++++++++++++
عزيزي الرفيق تروتسكي:
أرى أن الخطاب المفتوح the Open Letter الذي تخاطبني به من الناحية الشكلية يعني أكثر من نزع للسلاح. ليس من السهل بالنسبة لي، وأنا أعترف بذلك، أن أقوم بالرد عليه.
تذكرت، أثناء قراءة خطابك، حوار قمت به منذ فترة مع أحد رفاقنا الجيدين من وسط أوروبا. كنا نتناقش، على النحو السائد والمحفوظ الذي اعتدنا عليه نحن المثقفون، حول التناقضات المحتملة بين الحس الجمالي والشعور بالجمال، ومتطلبات العمل السياسي. حكى لي هذا الرفيق قصة.
قبل عدة سنوات، كانت بلاده تمر بحقبة أزمة اجتماعية. كانت حركة الجماهير تتطور وتتقدم إلى الأمام، متجهة، على ما يبدو، نحو الانتفاض. في صباح أحد الأيام، والحركة تقترب من ذروتها، تجمع حشد من آلاف العمال على جانب أحد الميادين العظيمة الرائعة في عاصمة ذلك البلد. تم تعيين رفيقنا كقائد لتوجيه أحد أجنحة فرق العمال.
كانت السماء زرقاء داكنة، وقامت شمس الصباح المضيئة برسم ظلال للمباني المحيطة بالجهة التي يحتشد فيها العمال. وعلى الجهة الأخرى من الميدان، المقابلة للحشد العمالي، تقدمت قوات الشرطة وأخذت في عمل التشكيلات: في صفوف مستقيمة، متمركزين على صهوات خيولهم المتوترة، معداتهم متلألئة بسبب انعكاسات الضوء عليها. وما أن بدأ هتاف القيادة، بإشارة واحدة سريعة سحبوا سيوفهم، عاكسين بها أشعة الشمس البيضاء. وصدر إليهم الأمر التالي: هجوم. في مواجهة العمال.
بالنسبة لرفيقنا كان ذلك هو التوقيت المناسب للرد. إطلاق جناحه العمالي في هجوم ثوري مضاد. لكن لوقت طويل وجد إرادته مشلولة ولم ينطق كلمة بسبب الاستغراق في تأمل جمال هذا المشهد المعروض. وطوال ذلك اليوم، بينما يستعر الصدام الحاد والنضال المرير - أكثر من خمسين قتيلاً في ذلك اليوم، ومئات الجرحى، ورفيقنا هذا من بينهم - لم يكن باستطاعته نسيان الشمس، تلك الظلال، هذه السماء الزرقاء، تلك الخيول المتوترة والسيوف الوامضة.
كذلك، على أرض هذه المعركة اللفظية، حيث الانعكاس الشاحب - والشرارة الحيوية المتقدة التي لا غنى عنها - لمعارك الشوارع، أجدني، عندما يجب أن تتركز كل إرادتي في إطلاق حججي المرتبة في هجوم مضاد ضد رسالتك (خاطئ جدا، كاذب جدا، شديد الكذب)، أتوقف لحظة وأنا اتأمل في حالة دهشة: ذلك الكمال الفني للهيكل اللفظي الذي أنشأته، والاكتشاف الديناميكي للخطاب، والقدرة التعبيرية المتوهجة لتكريسك الذي لا يقهر للمثل الاشتراكي، المباغتة، والمهارة، الاستعارات الوامضة التي تتألق من خلال صفحاتك.
كم هو أمر غير سار ولا يستحق الشكر أن يصب هذا البناء الرائع على الأحماض المذابة داخل هاتين القارورتين اللتان لا يتسما بالرومانسية: المنطق والعلم!
الرفيق تروتسكي، أثناء قراءتي لهذه الرسالة والتفكير فيها، أجدني استدعي من الذاكرة المرة الأولى التي أوليت فيها اهتماماً جديًا لعملك: في مراجعتي المطولة للمجلد الأول من تاريخك، والذي نشر في عدد يوليو عام 1932 من "الحوار" The Symposium. عندما أعيد قراءة هذا العرض، الذي لم أقترب منه لسنوات عديدة. وجدت أنني أيضًا كنت مضطرًا لمناقشة كل ما يتعلق بأسلوبك الرائع، والذي قمت بتحليله في الواقع بشكل كبير. ورأيت بوضوح أكثر من أي وقت مضى ما يعد، من وجهة نظري، حقيقة مهمة: أن لديك تصورًا بلاغياً جدًا لمفهوم الدليل؛ والبرهان. إذ أنك تخدع نفسك في التعامل مع البلاغة المؤثرة كعرض منطقي، الاستعارة الرائعة كحجة. هنا يكمن، كما أعتقد، جوهر أسطورة الديالكتيك، كما يظهر في كتبك ومقالاتك: الديالكتيك، بالنسبة لك، هو جهاز لغوي أسلوبي - الأوصاف المتناقضة، الإيقاعات الموزونة المتدفقة، المفارقات اللفظية التي تميز طريقتك في الكتابة.
الرفيق تروتسكي، لن أجاريك في الاستعارات البلاغية. في مثل هذه المباراة اللفظية، في ذلك أقدم لك قلادة الفوز مقدماً. ما لدي هو الدليل، الحجة، البرهان: هذه فقط هي أسلحتي.
الهيكل العاري
سألخص الآن حجتك:
مع الإشارة إلى موقفك الخاص، فإنك تؤكد ما يلي:
ا. فلسفة المادية الجدلية صحيحة.
ب. علم الاجتماع الماركسي، ولا سيما النظرية الماركسية عن الدولة، صحيح.
ج. روسيا دولة عمالية.
د. تكتيك الدفاع عن الدولة الروسية في الحرب الحالية صحيح.
بالإشارة إلى موقف المعارضة - أو، بشكل أكثر تحديدًا، موقف بورنهام الذي تدعي أنه يعبر عن "جوهر" موقف المعارضة - فإنك تؤكد ما يلي:
1. بورنهام ديموقراطي برجوازي.
2. بورنهام يرفض الديالكتيك.
3. بورنهام يرفض علم الاجتماع الماركسي، ولا سيما النظرية الماركسية عن الدولة.
4. يرفض بورنهام اعتبار روسيا دولة عمال.
5. سياسة بورنهام العملية هي "الامتناعية" abstentionist.
6. بورنهام يرفض نظريات وأساليب تنظيم البلشفية.
لكنك لا تقوم فقط بتأكيد هذه الفروض الفذة. أنت أكثر اهتماما بالتأكيد على بعض العلاقات التي تدعي أنها تربط ما بين هذه الفروض.
بالنظر إلى موقفك الخاص، فإنك هكذا تؤكد على الافتراضات الإضافية التالية:
انطلاقاً من المادية الجدلية، نصل إلى أن علم الاجتماع الماركسي، ولا سيما النظرية الماركسية للدولة، صحيح.
ب- ومن النظرية الماركسية للدولة، فإن روسيا هي دولة عمالية.
ومن كون روسيا دولة عمالية، يترتب على ذلك أن أسلوب الدفاع عن الدولة الروسية في الحرب الحالية صحيح.
وبالنظر إلى موقف بورنهام، فأنت تؤكد على الاستدلالات التالية:
أولاً: انطلاقا من كون بورنهام ديمقراطيًا برجوازيًا، فإنه يترتب على ذلك رفضه للديالكتيك.
II. من رفضه للديالكتيك ، فإنه يترتب عليه رفض علم الاجتماع الماركسي ، ولا سيما النظرية الماركسية عن الدولة.
III. من رفضه للنظرية الماركسية في الدولة ، فإنه ينفي أن روسيا دولة عمالية.
IV. من نفيه أن تكون روسيا دولة عمالية (ومن 1 و 2) ، ينجم عن ذلك أن سياسته العملية "امتناعية".
خامسا - ومن كونه ديمقراطي برجوازي ورفضه للديالكتيك، فإنه يترتب على هذا أنه يرفض نظريات وأساليب البلاشفة.
كنت نزيهاً ودقيقاً هنا، قدر استطاعتي، في عرض حجتك الرئيسية. وتشكل هذه الفرضيات الثمانية عشر "المفهوم الموحد" الذي تأسفت لغيابه أثناء عرض المعارضة لوجهة نظرها. ولكن بمجرد ظهور هذه الفروض صراحة، بمجرد أن يتم إخراجها وعرضها من تحت أكفان الاستعارة والخطابة، من الواضح أن كل واحد منهم يقف على قدميه، بحيث يجب إثبات كل منهما بشكل مستقل عن الأخرون. علاوة على ذلك، فإن بنية حجتك، من "مفهومك الموحد" و "تفسيرك"، تقع أو تنسحب على حقيقة كل هذه المقترحات. وممن، حتى أكثر مؤيديك تحمساً، سيكونون مندفعين لدرجة الزعم بأنك أثبت صحتهم جميعا؟
يظهر الفحص، بشكل أكثر تحديدًا، أن هذه المقترحات الثمانية عشر إما تافهة أو غير ذات صلة أو خاطئة بشكل واضح، أو على الأقل غير مثبتة. سيكون من المرهق، وغير الضروري، بيان ذلك مع الإشارة إلى كل واحدة من هذه المقترحات؛ كل رفيق لديه، في الواقع، المواد تحت تصرفه لإجراء التحليل لنفسه. سأحصر انتباهي في عدد قليل فقط من تلك التي تثير مشاكل خاصة.
الديالكتيك كسمكة رنجة حمراء
أنت كتبت "منذ أن كنت في سياق الصراع بين الفصائل،" " وضعت قضية (الديالكتيك) كنقطة فارغة ..." يا لها من براءة وموضوعية وتجرد، أيها الرفيق تروتسكي! إن الديالكتيك يطرح، فجأة، مثل شبح بانكو Banquo، متقدماً بوجهه المتوحش إلى وسطنا السياسي، لإثارة فزع جميع المشككين. ولكن، للأسف، كما في حالة جميع الأشباح، كانت يد بشرية جداً قد تلاعبت في الجهاز الذي ينتج الظواهر الخارقة للطبيعة. وكانت تلك هي يدك، أيها الرفيق تروتسكي. مثل جميع الوسطاء الجيدين، فإنك تنسب تلك الزيارة الشبحية إلى عمل آخر وعالم أخر علوي- إلى "منطق الأحداث"، "المسار التاريخي للصراع" - ولكن كجميع المشاهدين الجيدين، سوف يعجبنا الفن، ونبتسم أثناء الشرح.
يمكن ان أتفهم ذلك، بل وأتعاطف معه، أن تضطر إلى اللجوء إلى الديالكتيك في النزاع الحالي. لأنه لا يوجد لديك سوى القليل من الأشياء الأخرى يمكن أن تكتب عنها، مع كل نداء توجهه للتعامل مع أحداث فعلية، يتم دحضه في اليوم الذي يليه، مع كل أسبوع من تطور الأحداث في الحرب تتحطم ركيزة أخرى من ركائز موقفك السياسي. الحجة حول الديالكتيك هي آمنة تماماً مائة في المائة، منذ قرن مضى أو لقرن قادم من الزمان. فالديالكتيك مثل تلك العموميات المتبجحة، لن يزعجها دخول حقيقة واقعية غير مستحبة. لا يوجد كائنات أرضية أو رقابة او تجربة تعكر عالمها الاولمبي؛ وتبقى هذه الكلمات الهادئة خالية إلى الأبد من التلامس الخشن مع الأحداث اليومية.
لقد شاركت في عدد من المعارك السابقة بين الفصائل، بعضها كان مريراً جداً، وفي بعضها كنت تشعر بالقلق أيضاً، الرفيق تروتسكي. أين كان الديالكتيك إذن؟ كيف حدث أن لم ترد أي كلمة في تلك الأوقات حول مخاطر رفضي للديالكتيك؟ هل يمكن أن يكون (الاقتراح عاديا لدرجة أنه غير لائق في هذه الأيام الفلسفية) أن الفرق له علاقة بحقيقة أنه في تلك الخلافات السابقة صادف أني كنت على نفس الجانب الذي أنت فيه؟ هل التكهنات سخيفة تمامًا، إذا حدث، من خلال فرصة لا يمكن استبعادها بالكامل، أن أكون اليوم معك ومع موقف الدفاع، فربما لن يظهر الجدل هكذا، هل نقول، في صدارة المشهد؟
الرفيق تروتسكي، أعتبرك أحد أكثر مؤرخين وعلماء السياسة كفاءة في هذا العالم. لقد أكدت ذلك بالأمس، عندما اتفقت معك حول معظم النقاط، اليوم أختلف معك حول عدد من المسائل الهامة للغاية، وسوف يحدث غداً بلا شك. معتقداتي، أيها العالم المتسامح، لا تنقاد خلف خدمة اهتماماتي الفصيلية المباشرة. لكن قدراتك في هذه المجالات لا تضمن بشكل تلقائي كفاءتك في مجالات الفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والأسلوب العلمي.
أجد أن حوالي 75 في المائة مما كتبه إنجلز في هذه الميادين كان مرتبكًا أو عفا عليه الزمن من خلال بحوث علمية لاحقة - وفي كلتا الحالتين فهي محدودة القيمة. يبدو لي (وباعتباري ماركسياً لا أجد ذلك مثيراً للدهشة) أن إنجلز كان ابنًا حقيقيًا لجيله، جيل هربرت سبنسر وتوماس هكسلي، مشايعي داروين الذين ظنوا أنه من خلال التمويه المجازي كانت نظرية التطور البيولوجي قد اكتشفت المفتاح النهائي لألغاز الكون. ومع ذلك، بذل إنجلز جهداً حقيقياً ليثقف نفسه بفلسفة ومنطق وعلم عصره، وكتب وهو يضع حدود هذه المعرفة في اعتباره.
ومع ذلك، فأنت لا تقدم لنا سوى إعادة الاقتباس من إنجلز. آخر عالم تقر به صفحات كتابتك هو - داروين. وبصرف النظر عن أرسطو، فإن "المنطق الجدير بالاهتمام" هو " منطق هيجل"، وهو أيقونة الفكر الإنساني التي مضى عليها قرن من الزمن. الرفيق تروتسكي، كما نسأل نحن الأميركيين: أين كنت كل هذه السنوات؟ خلال الـ 125 سنة التي مرت على كتابة هيغل، لقد تقدم العلم خلال تلك الحقبة أكثر مما تقدم عبر كل تاريخ البشرية السابق. خلال تلك الفترة نفسها، بعد 2300 سنة من الاستقرار، شهد المنطق تحولًا ثوريًا: تحولا جعل هيجل وأفكاره على الهامش تمامًا. وما تبقي له من نفوذ هو صفر.
أنت تسألني: "هل تعتقد أن تقدم العلوم، بما في ذلك الداروينية، والماركسية، والفيزياء الحديثة، والكيمياء، وما إلى ذلك، لم يؤثر بأي شكل من الأشكال على أفكارنا؟" الحقيقة أن عليك أنت نفسك الإجابة على هذا السؤال، ليس أنا. بالطبع أنا أعتقد أنهم أثروا (وأحد السبل التي أثروا بها هو إظهار أن الديالكتيك الهيجلي ليس له أي علاقة بالعلوم). كيف أثرت العلوم على أشكال الفكر التي لا يمكن لأحد أن يكتشفها حتى ولو عن طريق إنفاق عمره بحثاً في التراكيب اللولبية المتعجرفة للرجل الرجعي بالمطلق، هيجل، ذلك ممكن فقط من خلال دراسة الرياضيات والعلوم الحديثة، ومتابعة المحللين المعاصرين في حقل العلوم الحديثة والرياضيات.
يمكن أن تستمر بحالتك الذهنية شديدة الإثارة للسخرية هذه، في مطالبتي بـ "بذل الجهد لإعلام الرفاق فقط بمن اتبعوا أرسطو من الذين قاموا بتحليل وتنظيم التقدم اللاحق للمنطق"، "ربما ستلفت انتباهي إلى تلك الأعمال التي يجب أن تحل محل نظام المادية الجدلية" بالنسبة للبروليتاريا ... "كما لو كان هذا المطلب مستحيلاً بشكل واضح لدرجة أنه لا بد له من الانهيار أمامه وكأننا بالون تم وخزه بشوكة. السخرية هنا في غير محلها، لأن هذا الطلب هو الأسهل في العالم. هل ترغب في أن أقوم بإعداد قائمة قراءة، الرفيق تروتسكي؟ ستكون قائمة كبيرةً، سلسلة بدءًا من عمل علماء الرياضيات والمنطق اللامعين منذ منتصف القرن الماضي إلى ذروتهم في كتاب Principia Mathematica أسس الرياضيات لراسيل Russell وWhitehead (يعتبر نقطة التحول التاريخية في المنطق الحديث)، وتتشعب في الكثير من الاتجاهات - واحدة من أكثر الأعمال المثمرة للعلماء والرياضيين والمتخصصين في علم الأحياء الذين يتعاونون الآن في الموسوعة الجديدة للعلوم الموحدة. للمنطق بالمعنى الضيق،" C.I. Lewis". يعتبر تقديم لويس للمنطق الرمزي مقدمة ممتازة، ولكنها ليست سهلة. ومع ذلك، أخشى أنه في كل هذه الأعمال لن تجد، إلا بصعوبة بالغة، إشارة واحدة إلى الديالكتيك الهيجلي (أو الماركسي). ولا يمكن أن تجد، في أي دول أخرى، عالم معاصر واحد له شأن - باستثناء العلماء السوفييت، الذين يعتمد بقاء رقابهم على مثل هذه المراجع، أو واحد أو اثنين من معلقين الكرملين، مثل J.B.S. Haldane. إن دراسة مثل هذه الأعمال لن تكون غير مجدية؛ لكنني أخشى أنه عندما ننتهي من ذلك، لن نكون قد اقتربنا من حل مسألة دور روسيا في الحرب.
الرفيق تروتسكي، لديك فكرة خاطئة تماماً عن المنطق، أنت تقيم تشابهاً بين الآلة أو الأداة، والمنطق: "كما أن مخزن الآلات في مصنع يمد جميع الأقسام بالأدوات اللازمة، فإن المنطق أمر لا غنى عنه في جميع مجالات المعرفة البشرية." هذا التشبيه زائف. بالنسبة لسياستنا، فإن القياس على آلة أو أداة أو جهاز ليس منطقًا أو "أسلوب"، بل الحزب؛ الحزب، الحزب الفعلي، هو الأداة التي نستخدمها لتحقيق أهدافنا السياسية. لا غنى عن المنطق للمعرفة البشرية فقط في هذا الصدد: المنطق ينص على شروط الخطاب الواضح، بحيث أننا "ننتهك" المنطق فقط بالمجازفة في التحدث بكلام فارغ. لكن ليس شرطاً لأحد أن يكون على معرفة بعلم المنطق لكي يكون مفهوماً أو حتى أن يكون عالماً تجريبياً عظيماً - في الحقيقة، عدد قليل جداً من الناس من يعرفون المنطق، وهو أمر متخصص بدرجة كبيرة، وعندما يتم فصله عن المعرفة التجريبية، يكون أمراً عديم الجدوى. ولعل المعرفة الواضحة للمنطق ("الأسلوب") ستساعد شخص ما على أن يكون مفهوماً، ليكون عالماً أفضل (خاصة في العلوم النظرية الرفيعة المستوى التي يبدو أنها ممكنة)؛ لكن التجربة لا تشير إلى أن هذا يحدث في كثير من الأحيان أو بذات الأهمية التي يود المتخصصون في علم الأحياء أن يعتقدوها. وإلا فإننا قد نكون على يقين من أنه سيكون هناك بطالة أقل بكثير بين المنطقيين.
لا يوجد أي شيء يدعى "منطقي لا واعي". قرأت بذهول المقطع الذي تشير فيه إلى "ديالكتيكيين لا واعين" - المرأة الفلاحة والثعلب الخاصين بك -، على أمل أن أكتشف أن هذا الجزء بأكمله كان الهدف منه هو فقط الإضحاك. لكني أُجبرت على الاستنتاج بأنك عنيته بجدية أيضًا. من خلال منطقك، يجب أن يكون الضفدع - أو ربما هذا الحجر - عالماً، لأن كلاهما، على سبيل المثال، يعمل وفقا لقانون الجاذبية! أن ما يجعل شخص ما عالماً (مختلف عن الهمجي أو الحجري) ليس أنه يتصرف وفقا للقانون العلمي - الذي ينطبق على كل الأشياء بالتساوي. وإذا لم يتم ذلك، يتم تغيير القوانين العلمية لتشرح كيفية التصرف بشكل أفضل - ولكن الحقيقة أن الشخص العالم يعرف القوانين العلمية، ويعرف كذلك، ليس " بشكل غير واعي"، (كل ما يمكن أن تعنيه تلك القوانين) ولكن بشكل واعي جداً، وبقصد.
أنت تقول لنا إن العمال، البروليتاريين، "يميلون بطبيعة الحال إلى التفكير الديالكتيكي". أين هم هؤلاء العمال يا رفيق تروتسكي؟ يبدو لي أنك تقدم إعلانًا بالغ السوء عن الديالكتيك. العمال الوحيدون الذين أعرفهم، أنا أو أي شخص آخر، لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء البشر الموجودون في مناجم كنيكوت كوبر، مطاحن فولاذ الولايات المتحدة، سفن التجارة البحرية ... هؤلاء العمال، على الرغم مما يحدث لا يزالوا عبر العالم يثقون في جون لويس وسترين وأوهلر Oehler وستالين، ويواصلون التصويت لصالح الديمقراطيين أو الجمهوريين، ويستمرون في الأيمان بالرأسمالية. أعتقد أنهم سوف يغيرون تفكيرهم، ربما في يوم واحد بسرعة كبيرة جداً. لكني أجد تفكيرهم، في معظم الأحيان، غير صحيح أو زائف. مشوش. إذا كان هذا هو ما تعنيه بـ "التفكير الديالكتيكي"، يمكنني أن أتفق معك.
خلال كل هذا السرد المشوش لملاحظاتك الجديدة "حول الديالكتيك"، تقدم حجة واحدة فقط لصالح المنهج الجدلي. وهذه الحجة، عند الفحص، يتبين أنها غير ذات صلة ورجعية. "كل هؤلاء الثوريين العظماء والمتميزين،" كتبت، "أولاً وقبل كل شيء، ماركس، إنجلز، لينين، لوكسمبورغ، فرانز ميهرينغ، وقفوا على أرض المادية الجدلية". في حين بدأ العديد من الفارين من الثورة بالهجوم على الديالكتيك." هل هذا السلاح الذي تستخدمه مختلف في أي شيء عن السلاح الذي تستخدمه الرجعية: هل نجرؤ على الكفر بما آمن به آباؤنا وآبائهم وآباء آباؤهم من قبلهم؟ ألم يكن كل واحد منا فعلياً ينتهك هذه الحجة ذاتها حين قررنا الانحياز إلى جانب الاشتراكية؟ هذه الحجة لن تكون أكثر إقناعاً عندما يوظفها اشتراكي.
حتى لو كان ما تقوله صحيحًا - وهو ليس كذلك - أن كل ثوري يؤمن بالديالكتيك وكل من يقف ضد الثورة لا يصدقه، فإن هذه الحقيقة (المثيرة للاهتمام من وجهة نظر نفسية وتاريخية) لن يكون لها أدنى صلة بمسألة صحة أو زيف، أو خرافة علمية الديالكتيك. هذان نوعان مختلفان تمامًا من الأسئلة.
أنت نفسك قادر على معرفة هذا الاختلاف عندما لا تخرق الحقيقة في الخطابة الفصائلية. في الواقع، أنت غالبا ما تصر على ذلك. على سبيل المثال: في تحليل محاكمات موسكو، أوضحنا (جميعنا) أن اعترافات المتهمين يمكن إثبات كذبها من خلال الأدلة المطروحة، ومن خلال تناقضاتها الداخلية، وعن طريق فهم العملية التاريخية التي بلغت ذروتها في المحاكمات. رد الستالينيون - وبشكل مؤثر جدا من وجهة نظر العديد من الأشخاص - بالإشارة إلى الحقائق التي لا شك في أنهم جميعا اعترفوا بها. قلنا: هذا سؤال مختلف تماماً، وبغض النظر عن مسألة حقيقة أو زيف الاعترافات نفسها؛ لدينا أيضًا فرضياتنا حول سبب اعترافهم، لكن حتى لو كانت افتراضاتنا غير صحيحة، فذلك لا يدل على صحة ما قيل في الاعترافات.
لماذا تتصور أن اعتقاد يؤمن ماركس وإنجلز ولينين وبصحة الديالكتيك يعد عائقاً أمام الفحص النفسي والتاريخي، ويصمد أمامهم.
ولكن، الا يمكن القول إن تقديراتك حول "من أعتقد في صحة ماذا؟”، ناقص بعض الشيء. أنت كتبت صفحتين لتجنب شرح الحقيقة المربكة، أن ليبكنخت لم يقبل الديالكتيك بينما قبله بليخانوف. ولكن ماذا عن المناشفة الجيدين إلى حد كبير يا رفيق تروتسكي؟ لطالما قرأت أنهم يكرسون قدرًا كبيرًا أو أكثر للاهتمام بالكتابة عن الديالكتيك والدفاع عنه مثل البلاشفة الأكثر ديالكتيكية. والأكثر ارتباطاً بالموضوع: ماذا عن المنظرين الستالينيون، الرفيق تروتسكي؟ إن ببيوغرافيا الكتابات الستالينية في الديالكتيك ستقوم بملء رف أو اثنتين، أؤكد لك. وبشكل واضح جدا، الفصائليين. هل تعلم، رفيق تروتسكي، أن أولئك الذين كانوا في صفوفنا خلال العقد الماضي، أحد الرفاق الذي إلى حد بعيد الأكثر اهتماما من الجميع بالديالكتيك كان هوجو أوهلر Hugo Oehler؟ (لقد كان أوهلر، تعال نفكر في الأمر، هو سلفك الوحيد في مهاجمتي لمناهضة الديالكتيك خلال سجال سياسي. كان ذلك حول مشكلة دخول الحزب الاشتراكي؛ بطريقة ما، في ذلك الوقت، أنت، وكانون، وحتى الرفيق رايت، فشلتم في إدراك أن تكتلكم معي لم يكن مبدئياً، وأن السياسة المبدئية كانت تتطلب أن تصطف مع أوهلر حتى تتضح إجابة على "السؤال الجوهري" عن الديالكتيك، بدلاً من ذلك، علقنا معاً في التكتيك العرضي، الظرفي، التجريبي المتعلق بالدخولية". لحسن الحظ قد تعلمنا مبادئ منذ ذلك اليوم.) أليس من اللافت للنظر أنه عندما تبدأ مكتباتنا، في ظل اندفاعها الجديد، في الإعلان عن كتابات حول الديالكتيك، فإن قائمة الكتاب في الغالب هي من المناشفة، وبراندليريتس، وحتى ستالين؟ ... وماذا عن شاختمان وأبيرن، الذين لم يمنعهم الديالكتيك من الضلال معي؟ الآن أنا أفهم بشكل طبيعي أن كل هؤلاء المرتدين - "ليسوا ديالكتيكيين حقاً "، لكنهم فقط قدموا خدمة شفاهية للديالكتيك، إلخ.
هل يمكن أن يكون الرفيق تروتسكي هو الواقع الحقيقي الوحيد (الواعي واللاواعي): بالنسبة لهؤلاء الذين يتفقون معه سياسياً!
-------------------------------------------------------
أنت توبخني باعتباري شخص منبوذ لعدم حملي السلاح ضد أفيون الديالكتيك. حسناً، الآن رفيق تروتسكي، سأطابق كتاباتي حول الديالكتيك خلال العقد الماضي مع مؤلفاتك ضد الدين (أو عن الديالكتيك)؛ نحن، أشك، وزملائي الخطاة فيما يتعلق بالقيام بواجبنا ضد المخدرات.
ومع ذلك، ها أنت تضع الديالكتيك على جدول الأعمال. ممتاز. سأناقش المسألة معك. لكني سأفعل ذلك فقط عندما يتم الوفاء بالشرطين المذكورين في مقالتي الأخيرة (سياسة اليأس): أولاً، أن توضح لنا ما نناقشه بقيامك بصياغة قوانين ومبادئ الديالكتيك بشكل وافي وواضح. أنا لست بصدد، دعني أكرر، الذهاب إلى مجرد التلاعب بالكلمات معك. ثانيًا، أننا نناقش الجدلية ولا نستعمل الديالكتيك كسمكة رنجة حمراء نقذفها على الحزب والأممية بعيداً عن مسار القضايا السياسية المطروحة أمامنا.
أنا لا أفهم الديالكتيك، ولكن، كما تقول، الديالكتيك يفهمني. من الواضح، إذا كان كانون يتمتع بأغلبية في المؤتمر، فإن هذا الفهم سيكون بمثابة ضربة تنزل فوق رأسه في شكل قرار يضيف قبول الديالكتيك كجزء من الأساس البرنامجي للحزب - إذا قمت بتفسير ملاحظاتك بشكل صحيح، أنت وافقت على قبول التحدي في هذه النقطة حتى قبل طرحه. لا أعرف ما إذا كنت سأجد هذه الخطة أكثر إثارة للسخرية أم صادمة. اسمح لي أن أسأل، وبدون تسجيل، ومع وضع صراع الفصائل جانبا: مهما كانت مزايا الديالكتيك، هل تتصور، أو هل فقدت حتى ركائزك الفكرية الخاصة كي تتصور أن مسألة كتلك يمكن تسويتها خلال هذا النوع الحالي من الخلاف بين الفصائل، وأن يعقب نقاشها التصويت من المؤتمر عليها - وهو تصويت، بالإضافة إلى ما سبق، سيتم من قبل فصائل متشددة مهتمة بقضايا أخرى تمامًا؟
ولكن ربما أستطيع الإجابة على هذا السؤال، لأن لدي إحساسًا بأن هناك حالات يتم فيها تسوية مثل هذه القضايا بهذه الطريقة - نعم، علمنا تاريخ العقدين الماضيين كيف نفهم أنه حتى الرقم 2 زائد 2 يساوي 5.
أعود، أخيراً، إلى التساؤل الذي سبق وأثرته في مقالتي السابقة. سأمنحك "منطق التطور" الخاص بك، من الكم إلى النوع إلى الأضداد المتحدة، من النجوم المتناثرة على امتداد الطريق إلى الثعالب والفلاحين الديالكتيكيين. والآن، يا رفيق تروتسكي، من فضلك، رجاءً، اشرح لي ولنا جميعاً: كيف، كيف يمكن أن ينجم عن ذلك، من أين، وككل، الإجابة على الخلاف السياسي الذي نناقشه، بينما المطروح هو نزاع حول التوجه الإستراتيجي للحركة خلال المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية؟ إن عدم قدرتك على الإجابة عن هذا السؤال - ولن تتمكن من الإجابة عليه - يثبت أن إدخالك للديالكتيك يمثل تهربًا، فخًا معطرًا منصوب للأغبياء.
ما هي المسائل الأساسية؟
من الأوهام الشعبية المورثة عن الأسلاف، أن " المسائل الأساسية" هي تلك التي تتعامل مع الأسماء الكبرى وغالبا ما تكون مطبوعة بأحرف كبيرة مثل الله، الحرية، الخلود، الكون، الواقع، الخلق، وما شابه. ودائما كانت الكنائس حريصة على أن تغذي تلك الأوهام، لأن هذه التظاهرات المزعومة، تقف خارج مجال العلوم، ويمكن أن تتعامل معها الكنيسة بوصفها امتيازها الخاص، وبالتالي فإن الكنيسة وحدها هي المهتمة بأن تقدم الإجابة على قضايا الإنسان الأساسية. أني استنتج، أيها الرفيق تروتسكي، من هجومك على المعارضة باعتبارها "تتجاهل الأساسيات"، بأنك لا تزال ضحية لهذه الأوهام.
بما أنك أنت وكانون، وأيضاً هاردمان، أوهلر، موست وجاك ألتمان، قد أوضحتم بدرجة كبير حقيقة مؤكدة، أنني معلم، فسوف أعطي لنفسي حرية التصوير للحظة من واقع تجربتي في التدريس. لقد سمع العديد من الطلاب الذين يدخلون الكورسات التمهيدية، التي أقدمها في الفلسفة، على نحو غامض، أن الفلسفة تتعامل بطريقة ما مع "الأساسيات". وهم يسجلون للدورة على أمل الاستماع إلى "إجابات" على قضايا مثل التي أشرت إليها. ولدهشتهم ، وكثيراً ما يشعرون بالحيرة والقلق، يكتشفون أن انتباههم ينجذب إلى مجموعة أخرى من الموضوعات: فهم يتعلمون أن يصبحوا منتقدين لمعتقداتهم ، وكيفية اختبارها؛ يتعلمون الفرق بين الكلام المهم والهراء؛ يتعلمون كيفية توضيح المسائل وكيفية الإجابة عليها - عندما يكون من الممكن الإجابة عليها ؛ يتعلمون كيف تطورت العلوم وما تعنيه المؤسسة العلمية ، وما هي الفرضية ، وكيف هي .تأكيدها أو دحضها ؛ يتعلمون كيف أن "المسائل الأساسية" الهائلة ليست مسائل حقيقية على الإطلاق ، بل سعي نحو الرضاء الوجداني - وكيف أن إساءة استخدام المشاعر الشديدة المحيطة بهذه الكلمات الضخمة قد تم توظيفه على مدى العديد من القرون من قبل الكنيسة والسلطة ، من قبل الكاهن والفيلسوف و الطاغية ، لخدمة التخلف والرجعية. يستاء عدد من الطلاب مما تعلموه، ويشعرون بتعرضهم للغش في التوقعات التي شكلوها عن الدورة (توقعات، هي في الواقع، ليست سوى بلسم شفاهي لجروحهم ومشاعرهم المتوترة)، ومن ثم لا يعيدون تسجيل أسمائهم للفصل الثاني. لكن آخرون، وأعتقد أنهم أفضل منهم، يدركون تدريجياً أنهم يصلون إلى ضوء النهار من قلب أرض غائمة، ويجدون ثقة جديدة كرجل صفى عقله بعد نوبة سكر مخدرة.
الرفيق تروتسكي، لا توجد مسائل أساسية "ذات طبيعة عامة". يوجد في كل مجال من مجالات المعرفة المنهجية مبادئ معينة يمكن اعتبارها، من وجهة نظر هذا المجال، أساسية: إما بالمعنى المنطقي، لكونها البديهيات الأساسية، والمفاهيم، والنظريات التي يستند إليها الهيكل المنطقي للحقل المعني؛ أو بالمعنى الفعال لكونه هدف التوجيه أو الغرض الذي يخدمه هذا المجال. ولكن في كل مجال قد نشير إليه، هناك "أساسيات" مختلفة.

الأساسيات الوحيدة ذات الصلة بنزاعنا الحالي هي أساسيات السياسة - فمن المفترض أننا لا نجتمع معا كمجتمع للعاملين بالرياضيات أو كمدرسة للفن. تتكون أساسيات السياسة من خلال: تحديد هدف مركزي، بالإضافة إلى أهم الوسائل التي تعد ضرورية لتحقيق هذا الهدف. هل يحتاج ذلك إلى إيضاح؟ فلكي نبقى أعضاء في منظمة سياسية واحدة، يجب أن نتفق مع الأممية الرابعة على هدفنا المركزي: ألا وهو الاشتراكية. ويجب أن نتفق على أهم الوسائل التي نعتبرها ضرورية لتحقيق هذا الهدف: ديكتاتورية البروليتاريا، والإطاحة الثورية بالمجتمع الرأسمالي، وبناء الحزب، وما إلى ذلك. ما هي الوسائل "الضرورية"، وكيف يجب أن تكون محل اتفاق عن كثب بيننا؟ هذا الأمر لا يمكننا الإجابة عليه مقدماً. يمكن أن نستخلصه من التجربة فقط، وقد نختلف حول حدود الاتفاق المطلوب من وقت لآخر. لقد أظهرت التجربة بالفعل أنه لا يمكن أن يستمر الأشخاص طويلاً في نفس الحزب السياسي إذا كانوا يختلفون حول مثل هذه الوسائل للتقدم نحو الاشتراكية مثل الانخراط في نزاع حول اختيار الطريق الثوري أو البرلماني. وقد أظهرت بالمثل أنه يمكن أن نبقى معاً في نفس المنظمة عندما نختلف على الوسائل كحزب عمالي.
إن برنامجنا الأساسي (وكذلك نفس التحليلات الخاصة بأي حزب سياسي) يقرر بشكل صحيح وببساطة، هدفنا المركزي، وأهم الوسائل التي نراها ضرورية لتحقيقه. ذلك هو، على سبيل المثال، الذي يحدد فعلاً شروط العضوية ويوجه أنشطتنا. بالإضافة إلى ذلك، ومن أجل تلبية متطلبات النشاط العملي اليومي أو حتى من عام إلى عام، يتم استكمال البرنامج الأساسي ببيانات إرشادية حول الوسائل التي تعتبر أقل أهمية أو أكثر عرضية (حزب عمال، اتفاقات جديد... الخ). وهذه، على الرغم من أنها ملزمة كأدلة ارشادية للحزب، لا تحتاج إلى موافقة جميع الأعضاء، ولا تشكل شروط العضوية.
ولكن ماذا عن علم الاجتماع الماركسي (نظرية الدولة) والجدلية؟ لأنه بناء على رفضهم المزعوم سابقاً، ورفض بورنهام اللاحق لهم يمكن لك أن تدين المعارضة على تجاهل الأساسيات .
بداية وقبل أي شيء، من الزيف الزعم إنني، أو أي عضو آخر في المعارضة، نرفض النظرية الماركسية عن الدولة. نحن فقط نختلف مع تفسيرك وتطبيقك للنظرية الماركسية حول الدولة؛ لكننا جميعًا نقيم تحليلنا على أساس، النظرية الماركسية في الدولة، مع عوامل أخرى. منذ متى أعطينا أحد الأفراد حق التفسير المعصوم من الخطأ؟ كل المعارضة تختلف مع تطبيقك للنظرية على دور روسيا في الحرب الحالية. يعتقد البعض منا (على سبيل المثال، كارتر وأنا) أن تطبيق النظرية على قضية دكتاتورية البروليتاريا ككل يتطلب توضيحاً. لكن لا أحد منا ينكر هذه النظرية (على الرغم من طبيعتي، فإنني أقبلها كفرضية، وليس كعقيدة موحى بها). وماذا أيضاً غير إصراري على النظرية التي تفترض أنت أنها كانت ستقودني إلى دعوة طابوري ل “حكومتهم" - وهو الاسم الذي اخترته أنا بعض الوقت قبل الانضمام إلى حركة الأممية الرابعة؟
ومع ذلك، فإن نظرية الدولة ليست "أساسية" في السياسة بنفس المعنى الذي أوضحته بالضبط. إذا كان الأمر جوهريًا، فهو من هذا المنظور: لقد ثبت بوضوح أنه لا يمكن، من خلال أي فرضية أخرى، أن نصل بشكل منهجي منظم إلى مثل هذه الاستنتاجات التي تتجسد في العديد من مبادئ برنامجنا الأساسي (رفض الطريق البرلماني، الموقف من الحرب الإمبريالية، ديكتاتورية البروليتاريا، إلخ.)، في حين أن أي نظرية أخرى للدولة سوف تؤدي إلى استنتاجات مختلفة (وخاطئة) بخصوص الوسائل الضرورية لتحقيق الاشتراكية. وهكذا يبدو أن قبول برنامجنا الأساسي ينطوي منطقياً على قبول النظرية الماركسية عن الدولة، رغم أن هذا قد لا يكون واضحاً في كل مرحلة لكل شخص. ومع ذلك، وبقدر ما تذهب السياسة، فإن البرنامج والنتائج العملية المترتبة عليه هي أمور أساسية فيما يتعلق بنظرية الدولة، أكثر من كون النظرية أساسية فيما يتعلق بالبرنامج.
لكن ليس هناك أي معنى على الإطلاق في اعتبار الجدل (حتى لو لم يكن الديالكتيك، كما هو بالفعل، لا معنى له علمياً) أساسياً في السياسة، لا شيء من هذا على الإطلاق. إن وجهة النظر حول الديالكتيك ليست أكثر أساسية للسياسة من وجهة النظر في هندسة الفيزياء النسبية أو الفيزياء النسبية. بالادعاء أن للديالكتيك المكانة التي تزعمها، تكون أنت من جهتك، وإيسمان من جهته، قد استسلمتوا على حدّ سواء لنفس الوهم المبتذّل والمدمّر الذي أشرت إليه أنا في بداية هذا الجزء.
أنت مخطئ يا رفيق تروتسكي. المعارضة مهتمة إلى حد كبير بالأساسيات، ولكن الأساسيات السياسية. يتم التعبير عن أساسياتنا السياسية بشكل عام في برنامج الأممية والحزب. نحن نقترح مراجعة قسم واحد من هذا البرنامج، مثلما قمنا بمراجعة الأقسام الأخرى في الماضي؛ ولكننا نقترح مراجعته وتنقيحه بدقة من وجهة نظر الركائز الأساسية والجوهرية للبرنامج: الهدف الأساسي للاشتراكية العالمية والوسائل الحاسمة التي نعتبرها معاً ضرورية لتحقيق هذا الهدف.
الرفيق تروتسكي، أنت استوعبت الكثير جداً من فلسفة هيجل ومنطقه، رؤيته الكلية، نظريته الشمولية، عالم متداخل كل جزء منه مرتبط بكل الأجزاء آخر، حيث كل شيء له علاقة بكل شيء، وحيث تدمير حبة واحدة من هذا الغبار تعني إبادة الجميع. أنا على العكس، ضد الشمولية في الفلسفة، مثلما هو في الدولة أو في الحزب.
أمر غير صحيح القول إننا نرفض علم الاجتماع الماركسي. وغير صحيح أيضا أنني أرفض الأساسيات عندما أرفض الديالكتيك. إنها محاولة زائفة بشكل مضاعف عندما تحاول تعزيز قضيتك المهتزة حول "الأساسيات" بالقصة المزعومة أنه بالإشارة إلى أحداث الحرب الحالية، فإن المعارضة لديها موقف عرضي بحت تغير ويتغير مع كل تغيير في الأحداث الجارية. - أن "المهام في فنلندا" اختلفت عن "موقفنا في بولندا"، وهكذا. ليس نحن أيها الرفيق تروتسكي بل انت، وكانون الأكثر فظاعة، الذين، منذ بدء الحرب قمتم بتشويش رؤية الحزب، وأيضاً أولئك الذين يقرؤون صحافتنا، أنتم أنفسكم، مع سلسلة من التحولات المربكة في موقف لم يسفر عن أي شيء سوى إظهار عجز عقيدتك في مواجهة الأحداث. كل من قرأ النداء يعرف أن هذا هو الحال الأكثر فجاجة. نحن، من جانبنا، بعد وقت قصير من بداية الحرب، فهمنا بوضوح نوع الحرب التي تدور وماذا كان دور روسيا فيها، حللنا باستمرار الأحداث في ضوء توجه استراتيجي واحد - والذي نسميه استراتيجية المعسكر الثالث، وهذا بدوره يعتمد على أهدافنا الأساسية. لم نقم بأي تمييز "مبدئي" بين بولندا ودول البلطيق وفنلندا؛ لكنك أنت وكانون وغولدمان من قاموا بذلك، من أسبوع إلى أسبوع، تحليلات وتوجيهات متناقضة. لا يمكنك أن تساعد في أي شيء بهذه الطريقة، لأن توجهك الاستراتيجي المركزي – وهو الدفاع عن الدولة الستالينية وجيشها - يتعارض الآن مع الأهداف الأساسية لحركتنا، وأنت تحاول المستحيل - المزج بينهما في نفس اليد.
إن دعوتك إلى الاهتمام ب "الأساسيات" هو بالضبط نفس طابع مقالاتك في الديالكتيك: سمكة رنجة حمراء تلقي بها لتحويل الانتباه عن القضايا السياسية محل النقاش.
العلم المجهل
أنت تشعرنا بالمرح إلى حد كبير يا رفيق تروتسكي، فيما يتعلق بمجهولية، ولا تحديد العلم الذي أنطلق منه. ونجد الأمر أكثر متعة ومدعاة إلى الضحك عندما تصف وثيقة الدفاع عن موقفنا "الشجاعة والمرنة والنقدية والتجريبية" - بكلمة واحدة، "السياسة العلمية". "مع هذه الصيغة"، انت تلاحظ، "يمكن للمرء أن يدخل أي صالون ديمقراطي." لا أريد أي سوء تفاهم، ولا أي شيء من هذا القبيل، حول هذه النقطة.
هذه الصفات، من وجهة نظرك "رنانة وتنحو عمداً إلى الغموض". ما هو الرنان أو الغامض بخصوصها أيها الرفيق تروتسكي؟ إنها كلمات يعرفها كل طفل.
هل تصف تلك الكلمات العلم أم لا، رفيق تروتسكي؟ وإذا كانت الماركسية جزءًا من العلم، فهل يصفون الماركسية أم لا؟ هل هذه هي الكلمة السحرية التي نفتقر إليها؟ أين تم توضيح خلاف من خلال الدعوة إلى السياسة "الماركسية"؟ الخلاف يدور حول، في أي منظور سياسي، على ضوء معطيات الوضع الراهن، توجد السياسة الماركسية. وبالنسبة لي، بالتأكيد، فإن "السياسة الماركسية" تعني "السياسة العلمية". إذا لم تكن كذلك، فأنا أرفض السياسة الماركسية.
ولكن قد يكمن هنا الكثير، أكثر مما أوضحنا.
هل العلم كما تفهمه، والحقائق التي يظهرها، له اسم؟ ما هو؟ العلم "البروليتاري" و "الحقيقة البروليتارية" - العلم الطبقي والحقيقة الطبقية؟
إذا كان هذا صحيحًا – ولا أستطيع أن أفهم النقطة التي أثارت تهكمك وسخريتك – ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك - إذن فهناك بالفعل فجوة ضخمة بيننا.
نعم، بكل تأكيد، إن العلم والحقائق الذين اتبناهم غير منسوبين لأحد، مجهولي النسب. ليسوا احتكاراً لأي إنسان أو جماعة أو طبقة، ولكنهم ملكاً مشتركاً لكل البشر. وبالنسبة لهم كل البشر متساوون. إن الحقائق التي يظهرها العلم هي صحيحة بالنسبة لستالين كما هي صحيحة بالنسبة لتروتسكي، لمورغان كما لكانون، وأيضاً بالنسبة لروزفلت كما هي لبرودر. وبطبيعة الحال، قد تشكل المصالح النفسية والاجتماعية (بما في ذلك مصالحهم الطبقية بوضوح) عقبات، وربما حتى عقبات لا يمكن التغلب عليها، لاكتشافهم أو اعترافهم بهذه الحقائق؛ لكن الحقائق نفسها تستند فقط إلى الأدلة، والأدلة متاحة لجميع الناس.
أنت تقف على أرضية هش يا رفيق تروتسكي. عقيدة "الحقيقة الطبقية" هي تصور أفلاطوني، فلسفة تلائم الملوك والأنبياء والباباوات والستالينيين. وبالنسبة لهم جميعاً، أيضا، يجب أن يكون الرجل تمسح بالزيت ليستطيع معرفة الحقيقة. إنها تقود إلى اتجاهًا متناقض كلياً مع الاشتراكية، ومع مجتمع بشري حقيقي.
أنت أيضاً توجه العديد من التحذيرات إلى الرفاق الشباب في حركتنا. دعني أضيف تحذيرًا كارثياً إلى قائمة التحذيرات: أيها الرفيق، كن حذراً، احذر من أي شخص أو أي عقيدة تخبرك أن أي شخص، أو جماعة معينة من الأشخاص، تحتكر الحقيقة، أو أنها على الطريق الذي يصل بها إلى الحقيقة.
"أنا لا أدخن ..."
"في جميع حالات التأرجح والتشوش لدى المعارضة، وعلى الرغم من تناقضها، سنجد سمتين عامتين تشبهان خيطًا مرشداً من قمة النظرية وصولًا إلى أكثر الاحداث السياسية العارضة تفاهة ... والخاصية العامة الثانية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأول، أي الميل إلى الامتناع عن المشاركة النشطة، والميل إلى تدمير الذات، إلى مقاطعة التصويت، وبطبيعة الحال، يكون ذلك تحت غطاء عبارات راديكالية متطرفة."
ها نحن مجدداً أمام عاصفة من البلاغة الخطابية، الأسلوب الكاسح الذي يعود هنا مدعماً بطرافة ممجوجة للعبارة المتكررة، "شكرا، أنا لا أدخن".
هذا الرفيق المطهر من الشك ربما يحشد هنا حسب الأسلوب الجبلي، في هذه الفقرة التي يوجد في نهايتها نقطة حقيقية مؤكدة، وسنجد مساحة فدان من الأدلة، والبراهين، معروضة أمامنا لتبرير البلاغة الخطابية. لكن التحليل المجهري قادر على الكشف عن: عرضين اثنتين، بندين، اثنان لا أكثر، مواد مقدمة لمجرد العرض. اثنين يؤخذ كل منهم على حدا، ولا علاقة لهما مطلقاً بمئات النقاط الأخرى التي تشكل الخطاب السياسي لأعضاء المعارضة، سواء كأفراد، أو جماعة. "المقاطعة" التي تنتهجها المعارضة في السياسة العملية تعود إلى: (أ) أن بورنهام عارض مثول تروتسكي أمام لجنة دايز؛ و (ب) أن المعارضة ترفض كلا الطرفين بالتساوي في الصراع الفنلندي الروسي. حتى لو تم تبرير كل التهم المذكورة، فعندما يتم مقارنتها مع الاستنتاج الكوني العام، لا أستطيع إلا أن ألاحظ الأمير هال، وهو يقرأ قائمة، بها أسماء كمية هائلة من النبيذ، الذي طلبه فالستاف، بالمقارنة مع قطعة صغيرة من الخبز: "أوه، متوحش! لكن ذلك لا يتعدى مقدار جزء من رغيف بائس بنصف روبل، وذلك بالمقارنة مع هذا المقدار الضخم من الأشياء المسروقة الموجودة بحقيبة يصعب حملها.!
لكن دعونا نفكر أيضا في البندين.
ليس هناك أدنى سبب للنظر في مسألة دايز كمسألة ذات صلة بالنسبة للسياسة العامة لأي من الفصيلين المتنازعين. ها أنت مجدداً تنطلق من مفهوم شمولي، والذي يربط بين أي شيء وكل شيء بروابط حديدية. أعضاء المعارضة الشيوعية في NC منقسمون حول هذه القضية. وجهات النظر، في صفوف الفصائل في كلا الاتجاهين، عبرت عن هذا الخلاف. وبالنسبة لأي شخص عاقل، كانت تلك القضية من النوع الذي من الطبيعي ان تختلف فيه الآراء والتقديرات، وحيث - وبافتراض أنه كان هناك رأي صحيح بشكل واضح – يجب النظر إلى الرؤية الأخرى باعتبارها ببساطة مجرد خطأ في التقدير.
يدهشني يا رفيق تروتسكي، أن تستدعي بغضب هذه الواقعة العرضية في سياق الصراع الحالي – لاستخدامها كحجة ضد المعارضة!
لديك طريقة غريبة للتفكير. إنها تتماشى مع المبدأ الثوري في النظر إلى المؤسسات البرلمانية البرجوازية باعتبارها مجرد منبر. هذا ليس في الصراع الفكري، ولم يكن أبداً في صفوفنا. ولكن انت هكذا تواصل الاستنتاج حول أنه كان من الصواب قبول دعوة لجنة دايز. وأنه بغض النظر عن النتائج، كان القرار صحيحًا، وكانت معارضته دليلاً على انتهاك السياسة الثورية. إن منطقك هنا يشبه إلى حد كبير المنطق الذي تستخدمه حول الديالكتيك ونظرية الدولة.
الواقع أن مبادئنا لا تنص على أنه من الصحيح دائماً أن نحاول استخدام كل مؤسسة برلمانية برجوازية. سيكون ذلك بمثابة تفسير سخيف تماماً للمبادئ. نحن ندرك أن هذه المبادئ، على سبيل المثال، لا تستبعد اللجوء إلى المحكمة ضد خصم للطبقة العاملة. لكننا حذرين للغاية في تطبيق هذا الجواز المبدئي. سنتواجد في البرلمان، لكن ليس دائماً أو ليس في أي برلمان: في بعض الأحيان نقاطع البرلمان، ومثلما تؤكد، أنه يجب أن تتذكر ذلك بالتأكيد. المبدأ لا يفعل أكثر من ترك القضية مفتوحة. يجب أن يستند القرار المحدد دائمًا إلى تقدير الكيفية التي نربط بها التعامل مع الحالة المحددة بأهدافنا السياسية، وأي تكتيك في ظل ظروف معينة سيخدم تلك الأهداف على أفضل وجه.
عندما وصلت دعوة لجنة دايز إلى مرحلة التصويت عليها، كانت المشكلة تتمثل في تقديراتنا للنتائج الناجمة عن قبولها على أهدافنا؛ لم تكن هناك مشكلة بخصوص المبدأ ذاته. لقد قدمت أنا والرفيق بيرن تقدير معين. بينما أنت، وبقية أعضاء اللجنة، كان لكم تقدير آخر.
من منا كان صاحب التقدير الصائب؟ لا يمكن للمرء، من وجهة نظري، أن يكون على يقين من ذلك الآن – لأن الأمر كان قائما على التخمين. ولكن يمكن للمرء أن يكون متأكدا الآن، في رأيي، وذلك لأن لدينا الآن النتائج الفعلية التي يمكن الحكم من خلالها. لقد كنت على استعداد، بل قلقاً في الحقيقة (كما ذكرت أمام عضوية نيويورك)، لأن يقدم لي البرهان على خطأ تقديري. ولكن لسوء الحظ، تقديرنا أنا وبين كان أكثر دقة مما تصورنا.
والحقيقة هي أن لجنة دايز قد أرخت يديها. (The truth is that Dies won hands down) هذا واضح تماماً لأي شخص ينظر إلى الأحداث الفعلية وليس إلى العقائد المجردة.
ماذا كانت النتائج الفعلية:
أولاً، أجبرنا على تقديم كذبة رديئة لأعضائنا والمتعاطفين معهم. أخذت هذه الكذبة شكل افتتاحية نشرة النداء، في الرد على زاك، متظاهرين أننا غيرنا وجهات نظرنا حول لجنة دايز بسببها، هذا من جهة، ومن جهة أخري، ذلك كان بسبب أن تروتسكي كان قد طلب منه فعلاً أن يدلي بشهادته.
النتائج الأخرى هي، أننا من خلال الدعاية التي نشرناها حول الدعوة والانسحاب اللاحق، قد قمنا في الواقع بعمل تنظيف إلى حد ما لسمعة اللجنة وأغراضها، وكذلك للمرتدين الذين مثلوا أمامها؛ يمكن أيضاً أن نقول، لقد شرعنا هذه اللجنة في أعين العمال الراديكاليين (وليس للديمقراطيين، الذين كانوا معظمهم سعداء باللجنة بدرجة كبيرة لبعض الوقت). كما قدمنا ما يمكن أن يعتبر عينة من الانتهازية الساخرة في تحريضنا.
إذا كنت أنت قد مثلت فعلاً أمام اللجنة، فقد يكون هذا توازناً في مقابل شهادتك - رغم أنك تابعت إجراءات اللجنة باهتمام، والدعاية التي صاحبتها. من جهتي ما زلت أشك في ذلك. ولكنك لم تفعل. هل تعتقد أن تصريحك في النداء، الموجه إلى بضعة آلاف من القراء، قد عوض عن كل هذا الضرر؟
(طريقتك في التفكير هنا متطابقة مع طريقتك في توجيه الدعوة إلى هوك وإيسمان وآخرون. المقدمة في نهاية مقالتنا، مثقفون منسحبون. كان لدي أنا وشاختمان الحكمة الكافية لفهم أن أيا من عناصرنا في المعارضة لن يكون لديه الجراءة الكافية لقبول تلك الدعوة - لقد ناقشنا هذه المسألة بعناية مقدماً، عندما تقرأ تلك الدعوة، تجدك مخطئاً في الحكم على الأشخاص الذين تتعامل معهم، لقد بالغت في الذعر، وكتبت تحت تأثير موجة من الرعب لخشية أننا كنا نحول المجلة إلى مجلة ديموقراطية. لقد أثبتت التجربة أننا كنا على صواب وأنت على خطأ. والآن لديك من الجرأة ما يجعلك تتهمنا بالافتقار إلى الحكمة السياسية!)
أما بالنسبة للنقطة الثانية التي تعرضها، والمتعلقة بتأكيدك لتهمة الامتناع - أي سياستنا فيما يتعلق بالحرب الحالية. نحن، كما تقول "ننسحب من الصراع"، "لا نشارك في هذا العمل القذر". وهنا يخونك كل من خطابك البلاغي ومضمونه على السواء، الرفيق تروتسكي. إن تفكيرك في مسألة لجنة دايز هو من النوع الغريب جداً الذي نادراً ما أصادفه؛ ولكن منطق تفكيرك في تلك النقطة الثانية يأتي من تشكيلة أفكار معروفة ومعروفة جيداً. إنها تهمة أبدية تستعملها القوى الرجعية عندما تهاجم أنصار المعسكر الثالث. كم من المرات يمكن أن نجد تلك التهمة في كتاباتك من عام 1914 إلى-1918! وها هي تعاود الظهور اليوم من جميع الاتجاهات. في هذا البلد، يعامل القائد الجديد على أنه، في الغالب، هو المرجع الأبرز والأكثر مهارة على الإطلاق، وأنا أوصي له تحديداً بقراءة عمود الكاتب "تشارلز ييل هاريسون" لقدرته على الالتفاف والتلاعب الذكي. اتعجب كيف استطاع هاريسون الوصول إلى "السلاميين" و "الاشتراكيين الطوباويين" و "المثاليين" الآخرين – فقد كان باستطاعتك استعارة عباراتك منه. أنه يصيح قائلاً ... يجب أن تحدد موقفاً الآن، كفى وقوفاً في برجك العاجي! صحيح أنه يقف بجانب مانهايم وأنت تقف بجانب ستالين. لكن كلاكما الآن قد توحدتم على محاولة تجنب، أو الانحياز إلى الرؤية العمالية الوحيد الذي يمكن أن تستحق ولاء الاشتراكيين: رؤية المعسكر الثالث. لا يا رفيق تروتسكي، نحن لا ننسحب من الصراع الجاري، ولا ندافع عن أي انسحاب. لكننا نشعر بالقلق حول تحديد مع من نقاتل، ومن أجل ماذا. نحن لن نصطف في الحرب بجوار جهاز مخابرات ستالين GPU لإنقاذ الثورة المضادة في الكرملين.
هذا فعلا كثير جدا، بالنسبة لنقطتين فقط من نقاط أدلتك المزعومة بخصوص تهمة "المقاطعة" التي تلصقها بنا.
غير أن تقديم مثل هذه التهمة ضد المعارضة الحالية، وضدي على وجه الخصوص، أن تطرح الأشياء بمثل تلك الخفة، هو أمر – بغض النظر عن نقطتيك – سخيف. وبدون أي تردد، أستطيع أن أقول بدون أي فرصة للإنكار من جهة أي شخص، أي من جميع الأعضاء القيادين في الحزب، أن توجيه تهمة "المقاطعة" لي هي أبعد ما يكون عن الحقيقة. وذلك لأني، فعلياً، شخص سيئ السمعة تقريبا في الحزب لمحاولة إيجاد طرق للمشاركة في أي شيء تقريبا يمكن أن يظهر في الأفق السياسي: من تعديلات لودلو إلى الانتخابات؛ من لحم الخنزير والبيض إلى الأحزاب العمالية؛ من المؤتمرات إلى المظاهرات المناهضة للنازية. إذا كان يمكن توجيه أي تهمة جدية ليّ، فستكون - ومع قدر معين من التبرير - على النقيض تماماً من "المقاطعة". وعلى النقيض من "كانون" و "كوكرانCochran”، فأنا لست من أولئك الأشخاص الذين بأماكنهم التبجح بأنهم لا يقترفون أخطاء سياسية أطلاقاً. لكن أخطائي ليست أخطاء شخص مقاطع. حتى أشهر أخطائي في العام الماضي - حول الموقف السياسي في مجال auto - كان هو الإصرار على أن علينا التوجه نحو أحد المؤتمرين (مارتن) في مواجهة سياسة Cochran-Clarke الأولى التي كانت مقاطعة كلتا المؤتمرين.
في هذا الصدد لا أعد استثناءً، لست سوى عينة من الأعضاء القياديين في المعارضة. خلال السنوات القليلة الماضية، من المفترض أن تكون جميع المقترحات الخاصة بي والمتعلقة بالمشاركة الفعالة في جميع الأعمال بوجه عام قد وضعت في مقابل النهج الرافض والسلبي لكانون - غولدمان – لويت Lewitt. هذا الاختلاف هو الجزء الأكبر المكتوب في سجل الحزب. سجل قادة YPSL هو الأكثر إضاءة في هذا الصدد. إن تهمة المقاطعة هذه، مثل التهم الأخرى التي توجهها، هي المنتج الوحيد للكابوس الذي تخلقه من منطلق عقيدتك المزيفة، ولا علاقة له بالواقع.
________________________________________
الحكم على الأدلة: الفرضية (5)، مثل الفرضيات (3)، (ج)، (الثانية)، (الثالثة)، (رابعاً) ... - غير مبرهن عليهم؛ بالأحرى: زائفين، زائفين تماما.

ما هي القضايا؟
إن القضايا المهيمنة التي تقسم صفوف حزبنا والأممية أيضا ليست هي الديالكتيك أو علم الاجتماع أو المنطق. أن طرح السؤال بهذه الطريقة هو مراوغة أو احتيال. إنها مع كل الضجر والنفور مثلما كتبت أنا عنها.
إن القضايا الأساسية المهيمنة في النزاع الحالي هي اثنتان، واحدة تتعلق بالأممية كلها، والأخرى تتعلق بشكل خاص بحزب العمال الاشتراكي.
الأولى هي القضية السياسية المركزية. وقد تم توضيحها وعرضها ببساطه عبر مجري الأحداث والنقاشات الدائرة. المهم بخصوصها هو مشكلة تحديد التوجه الاستراتيجي للأممية الرابعة في المرحلة الحالية من الحرب العالمية الثانية. إنها قضية يمكن لكل عضو في الحزب الواحد أن يفهمها بوضوح، دون أي تشويش من هيجل وثعالب الديالكتيك.
هناك اتجاهان الآن في الأممية الرابعة. يتم تمييزهما من خلال واقع أنهما يقترحان توجهين استراتيجيين مختلفين بشكل حاد، ومحاور مختلفة تحكم سياستنا العملية.
تروتسكي وكانون يقترحا استراتيجية تقوم على الدفاع عن البيروقراطية الستالينية باعتبارها الأقل شرًا. ولا يترتب أي فرق بسبب ما يقوله تروتسكي وكانون عن سياساتها. هذا هو ما ينزل بنا إلى الممارسة. هذا التحديد هو ما يحكم مقترحاتهم الرئيسية المحددة، وتحريضهم، وتفسيرهم للأحداث، وتنبؤاتهم (ليس دائماً، وليس بشكل مستمر، ولكن على وجه العموم - بشكل كاف لتحديد الاتجاه العملي)، الحجم الذي يجب ايلاءه لها من التحريض (في نشرة النداء، على سبيل المثال)، وما إلى ذلك وهلم جرا. دع أي عضو في الحزب يعيد التفكير في أحداث الأشهر الماضية، دعه يقرأ الصحافة الحزبية والوثائق الداخلية، يتذكر الخطب ومقترحات اللجنة. وسوف يرى بنفسه كيف أن فهم هذا التوجه الاستراتيجي الأساسي يوفر نمطًا واضحًا يجعل الأحداث مفهومة.
تقترح المعارضة، على الصعيدين الوطني والدولي (لأن النزاع قد انتشر بالفعل خارج حدود حزبنا، كما ينبغي له فعلاً)، ما يسمى استراتيجية المعسكر الثالث. أي عضو في الحزب يقوم بمراجعة مماثلة لأفعال المعارضة خلال هذه الفترة، ومقترحاتها وخطب ممثليها ومقالاتهم، وتفسيراتهم لما يحدث في العالم، وإصرارهم وضغطهم، سيري بنفسه ويفهم كيف تعارض التوجه الاستراتيجي وتقدم توجهاً بديلاً بأساليب وارشادات مناسبة.
هذا الصراع في التوجهات الإستراتيجية هو القضية السياسية المركزية، ولا شيء آخر. عندما يتم الإمساك بهذا المفتاح، سيكون من المفترض هكذا أنه لا توجد ثمة صعوبة أمام عضوية الحزب والأممية في اتخاذ قرار. يمكن تصور خمسة وتسعين في المائة من المخرجات الجدلية التي قد يقدمها تروتسكي في مواجهة هذه الحقيقة: مراوغة، عدم وجود صلة، وستار من الدخان. السمة المميزة للصراع الحزبي الحالي ليست هي وجود صعوبة في السؤال المطروح - إنها مسألة بسيطة ومباشرة بشكل كبير، ولكن الصعوبة تكمن في فهم ما هي القضية التي نحن بصددها. تنبع هذه الصعوبة من حقيقة أن تروتسكي وكانون، لكونهما يدافعان عن موقف يائس، لا يمكن الدفاع عنه على أساس معطياته، مضطرون إلى تكريس طاقاتهم الفصائلية بأكملها لمحاولة منع الأعضاء من رؤية حقيقة المسألة المطروحة فعلاً.
القضية المركزية الثانية هي مسألة النظام داخل حزب العمال الاشتراكي. وقد ناقشنا هذه المسألة بشكل كامل في وثيقتنا، "الحرب والبيروقراطية المحافظة". ولم يتم الرد على هذه الوثيقة. ومن الممكن التنبؤ بأنه لن يتم الرد عليها رداً جدياً.
هذه هي القضايا. ويعتمد مسار حركتنا على الإجابات المقدمة حولها.
الأخلاق والسجال
الرفيق تروتسكي، أنت قمت، في سياق تدخلك في هذا النزاع الحالي، بتوجيه ضربات قوية إلى الأممية الرابعة التي، من وجهة نظري، لست مقتنعا بأنها ستكون قادرة على أن تنجو منها. أقول لك بصدق، أن ضرباتك كانت موجهة "ضد الأممية الرابعة". أما عن "المصالح الفصائلية الضيقة" للمعارضة فقد فشلت ضرباتك تماماً في إحداث التأثير الذي قصدته؛ لقد ازدادت صفوف المعارضة وقوي عزيمتها نتيجةً لتلك الضربات، ولم يتعرض للارتباك سوي أنصار كانون وحدهم.
لقد قمت بإحداث هذه الإصابات مباشرة، باسمك الخاص؛ وأيضاً بشكل غير مباشر، من خلال إقراض اسمك اللامع كغطاء لعصبة كانون الفاسد.
لقد اخترت أن تدافع عن نظرية مضللة وسياسة خاطئة. والوقوف كمحام لمجموعة ساخرة من البيروقراطيين الصغار. لا يمكن لأحد أن يختار هذا المسار ويأمل في تجنب عواقبه. وكما يتضح من مقالاتك ورسائلك الأخيرة، فإن هذه العواقب، خطوة بعد أخرى، تغرقك بمائها.
أن الحقائق يمكن أن تدمر فقط عقيدة خاطئة؛ ولذلك أنت مضطر إلى التهرب من الحقيقة وإخفائها.
هل ترغب في الالتفاف حول الحقيقة؟ أنظر: إن فشلك المنهجي في التعامل مع القضايا الفعلية لا يظهر فقط من خلال المعارضة وإنما يظهر أيضاً بسبب واقع الحرب. جحرك عديم الضمير في الديالكتيك كمناقشة جدلية. مناقشات لا نهاية لها من كل شيء تحت الشمس - باستثناء القضايا الفعلية التي يواجهها الحزب. استدعائك الغير مبدئي للديالكتيك كمناورة سجاليه. مناقشات لا نهاية لها حول كل شيء تحت الشمس - باستثناء القضايا الفعلية التي يواجهها الحزب.
بهدف إخفاء الحقيقة؟ نعم: لم تستطيع حتى أن تذكر أن عقيدتك المتعلقة بالديالكتيك قد أقر بها الستالينيون والمناشفة والمتعصبون وغيرهم بين أعداء الثورة البروليتارية. أنت لا تقول بأي صورة كلمة واحدة عن علاقات الملكية في دول البلطيق الثلاثة التي هي الآن مقاطعات خاضعة لستالين. فشلك في قول كلمة عن التحولات والتناقضات في سياسة كانون تجاه الحرب، والتي وضحت في تصويت اللجان ومقالات النداء منذ أيام بولندا إلى الآن. صمتك، صمتك الدبلوماسي للغاية، تجاه الاتهامات المحددة التي وجهتها المعارضة ضد عصبة كانون.
منذ بداية الصراع، لم تقم بأقل جهد ممكن للتعرف على موقف المعارضة. وفي كل المراحل، لم تبذل أي جهد للتحقيق ولو في تقرير واحد تم إرساله إليك من قبل كانون وأتباعه. لم تحاول في أوراقك السجالية، ولو لمرة واحدة، تقديم موقف المعارضة بشكل عادل، لكنك قدمت بإصرار تقديراً مشوهًا بدقة لموقفها - في تناقض مباشر معنا، نحن الذين اعتدنا دائمًا على بذل أقصى درجات العناية في محاولة عرض ما لديك من مواقف (ذلك لأنه فقط بهذه الطريقة بالتحديد يمكن للعضوية أن تتعلم حقاً). وبالمثل، على نطاق أوسع، قمت بتشويه ما يحدث في الحرب. أنت تنسب إليّ موقفًا بشأن روسيا، وبخصوص علم الاجتماع الماركسي، وفي الفلسفة، لا يشبه بأي درجة ذلك الذي أتبناه فعلاً، والذي تعرفه جيدًا. في رسالتك المفتوحة، قمت بتزييف تاريخ العلاقات بين المناشفة والبلاشفة بشكل خطير حتى يتفق مع هدفك المباشر في السجال.
التشوهات تولد من الربيع في صورتها الخاصة. في مقالتك، المعارضة البرجوازية الصغيرة ... اكتشفت حرباً أهلية، غير موجودة، في فنلندا. ثم، في مقالات لاحقة، حاولت الخروج من الفخ السيئ الذي حفرته لنفسك بإنكار أنك قد قلت ما قلته، بإعطائه دلالة أخرى غير تلك الموجودة فعلاً في الكلمات الواضحة في بيانك الأول. لقد اخترعت مصدر في الحزب الشيوعي لـ "جماعة أبيرن"، ولم تبذل أي جهد للتخلي عن الاختراع الآن بعد أن تم دحضه بلا شك. لقد كتبت عن قرار المعارضة بشأن فنلندا، "فيما يتعلق بكيفية" أخذ "هذه الظروف" الملموسة "الثلاثة (في فنلندا وروسيا) في الاعتبار"، بينما الخطوط القريبة جدا من القرار توجز الإجابة على هذه القضية بالذات.
إن دفاعك عن عقيدة خاطئة يدفعك بعيداً عن الحقيقة. دفاعك عن عصبة بيروقراطية يدفعك نحو تبني أساليب عصبة كهذه. في الوقت الذي كان فيه تاريخ حركتنا يتعرض لتشويه سمعة أكبر، واتهامات أكثر، عن التشويه الذي كان مصدره الخطاب الموقع باسم "رورك" (في "الصحافة")، حيث ربط بشكل واضح ما بين المعارضة و"النفوذ الستاليني"؟ أين يوجد سجل حافل بالسخرية الغادرة أكثر مما هو لدى الشخص الذي تضعه في مواجهة أبيرن (الذي كرس حياته كلها للحركة) على أساس ملاحظة نسبت إليه زيفاً ومصدرها هو ثرثرة في عصبة كانون؟
إنك تقع في أخطاء مؤسفة أكثر مما تعتقد يا رفيق تروتسكي. وبطريقة رخيصة، قمت بالتكشير عن انيابك في وجه شاختمان مرتين لمحاولته “توجيه الثورة" من "برونكس". ليس فقط أنت هنا تتوجه ببساطة إلى إصلاحية فلاحية معتادة، بل موجه مباشرة ضد المدينة. هل تعرف يا رفيق تروتسكي ما معنى "برونكس" في هذا البلد؟ هل تعلم أن كل أمريكي تقريباً لا يعني أنه فقط نيويوركي، بل يهودياً أيضاً؟ وهل أنت ساذج جدا بحيث تعتقد أن حزبنا - نعم، حتى حزبنا - محصن تماماً ضد تأثير مثل هذه الجماعة؟ الأسلحة التي تستخدمها الآن تتسم بسمة جبانة، وهي أنها تطلق نارها من الخلف فقط.
أنت تنسب إلى المعارضة قيامها بممارسة النميمة وبث الشائعات والتشهير الدعائي. ذلك ببساطة جزء آخر مصدره "استنتاجاتك" من نظريتك شاهقة الارتفاع: المعارضة هي برجوازية صغيرة. يدخل الأفراد البرجوازيين الصغار في القيل والقال إلى ابعد مدى؛ لذلك المعارضة ثرثارة. الآن لن أدعي أنه في معركة ممتدة بين الفصائل، يمكن لأي من الجانبين أن يتجنب تماماً حدوث قدر ما من الثرثرة والنميمة. ومن النزاهة أن نقول إن الثرثرة فيما يبدو سمة بشرية عامة إلى حد ما. رغم ذلك ادعائك أن المعارضة تمارس الثرثرة كأسلوب منهجي هو بوضوح اتهام كاذب، مثل الكثير من الأشياء الأخرى التي تقولها دون أي دليل. ليست المعارضة من يستخدم النميمة كأداة، من يفعل ذلك هم عصبة كانون، تلك هي طريقتهم في الصراع، بل وأكثر من ذلك، وسيلتهم الرئيسية. في مرحلة معينة، وحتى قبل أن يبدأ الصراع الحالي بين الفصائل، كان كانون يفسد عقول أتباعه بشكل منهجي عن طريق تداول القيل والقال والشائعات. ذلك هو رصيده الرئيسي الآن في العمل.
اعتقد أن ذلك يظهر إلى ابعد مدى كيف أن بنية رسالتك المفتوحة تدور حول ثلاث شائعات - التي من الطبيعي لم يتم التحقق من صحتها - والتي تقدم فيها ملاحظات بشأني أنا وأبرن وشاختمان. هذه إشارة عرضية. الحقيقة هي أن رسالتك المفتوحة، على الرغم من تنظيرها الرنان وبلاغتها الخطابية الفخمة، هي في الواقع مجرد تضخيم فقط، أداء سفسطائي رفيع للغاية، لسيل الشائعات التي تطلقها عصبة كانون. وهذا ما تنطق به رسالتك المفتوحة، بكل لغوها المكشوف المنبت الصلة: شاختمان مفكّر برونكس الهزلي والسطحي. شيطان خبيث ومخادع. بورنهام هو الأستاذ. أنت تتعامل مع اختلافات "جدلية" في هذه الموضوعات. جلادو كانون يوفرون العصير الطازج لحشوها مما يجعلها طبق جانبي لذيذ جدا بجانب تناول القهوة في المساء.
من أي نبع يتدفق هذا التجميل الذي لا ينتهي.. "الأكاديمية"، أو "طاولة المدرسة"، أو "الأستاذ"، أو "المعلم"، أو "الصالون الديمقراطي" ...؟ لقد التقيت بهذا كثيراً من قبل ايها الرفيق تروتسكي، خلال الصراع السياسي. ودون أي استثناء كان علامة على رؤية رجعية.
من فضلك لا تحاول أن تخبرني أنه حتى ثرثرات عصبة كانون تعبر عن، وأن بشكل مشوه إلى حد ما، رد "صحي" و "تقدمي" من "القوى البروليتارية". نحن نعلم جيداً مصادر هذه الشائعات المتداولة، ومدى قربهم من كونهم "بروليتاريين أصحاء". إن البروليتاريا تبلي بلاء حسنا، أقدم لكم، عدم الثقة بالبرجوازية الصغيرة، بما في ذلك المثقفين والأساتذة. هذا صحيح بشكل خاص لو ان الأمر متعلق بالأفراد، أو بالقيادة التنظيمية. لكن هذا لا يغير على الأقل من الطابع الرجعي للقيام، مثلما تفعل، بتوجيه نداءات ومناشدات تستند في محورها الرئيسي إلى هذا المدخل السيء في هجومك على موقفنا، حججنا، وسياستنا. اللجوء، في السياق الحقيقي للنضال الفعلي، إلى مناشدة تحيزات معادية للمدنية ومناهضة للتفكير والمثقفين، لها تأثيرات رجعية حصراً؛ إنهم يميلون إلى التخلف الريفي، التحيز ضد النظرية، ومناهضة حتى السياسة. وستشعر بهذه الآثار بعد انتهاء المعركة الحالية. نعم، ستعاني منهم بشدة في الأشهر والسنوات المقبلة عندما يصل التفسخ السياسي بين قوات كانون إلى مرحلة النضج. وربما حتى يكتشفوا أنك مفكر كبير ورجل مديني ضخم، أيها الرفيق تروتسكي.
جزء كبير من زمرة "كانون" - وخاصة المتحدثين الرسميين باسمها - غارقون بالفعل في السخرية. ليس لديهم وجهة نظر أبعد من الأصوات الانتخابية. يعبر هذا المزاج عن نفسه في قبوله لمبدأ: "كل شيء مباح!" ويتصرفون وفقًا لهذا المبدأ. سوف يلجئون لفتح وقفل نافورة الأكاذيب والافتراءات والقيل والقال والشجب والاستنكار والوحشية والسخط المزيف والبلاغة تحولت إلى خارج التي يستخدمها ممثل محترف ... كل شيء مباح! شاهدت هذه المظاهر بفزع في، على سبيل المثال، مؤتمر مدينة نيويورك. وهم يفعلون أكثر من إفساد أعضاء عصبة المدفع نفسها. جاءني العديد من الرفاق أثناء انعقاد مؤتمر مدينة نيويورك ولاحظت أنهم "كانوا يتعلمون بالتأكيد الكثير عن السياسة من خلال معركة الفصائل". للأسف، كان الدرس الذي قدمه لهم كانون وكوتران ولويت وغوردون هو نهج "كل شيء مباح". لكنك لم تفعل شيئًا للتصدي لهذا النهج.
أنت تحاول أن تنعطف بعيداً عن جميع الانتقادات التي تتعرض لها "أساليبك" بواسطة حيلتين: أنت تقول بخصوص جميع الذين يذكرون الأساليب أنهم يقومون بذلك لأنهم يخسرون في حلبة المبادئ السياسية. وتقول إن كل المعارضين ينطلقون من وجهة نظر ميتافزيقية أو من الحتمية الكانطية المقولبة و"المعايير الأبديّة للأخلاقيات البرجوازية الصغيرة". هذا هو في بعض الأحيان، بل حتى في اغلب الأحيان، واقع الأمر. لكني لا أنوي الصمت حول الأساليب التي تستخدمها الآن دون خوف من أن يطلق على اسم برجوازي صغير. لم استخلص معاييري الأخلاقية من أي دين أو كانط، وقد دحضنا رؤيتك السياسية الحالية مستندين إلى الحجج والأدلة، مع جزمي بأني لا أتوقع منك حتى مجرد أن تحاول جحد قيمتها.
نعم، أنا أقيم النضال السياسي من الناحية الأخلاقية والسياسية. الاشتراكية هي المثل الأخلاقي، الذي يختاره الرجال المتأملين عن عمد، من خلال العمل الأخلاقي. يقنعني التحليل العلمي الهادئ والرصين بأن هذا المثال يملي الأخلاق المناسبة التي يجب أن نقدر النضال من أجلها. تماماً كما نقول إن الرجل الأبيض لا يمكن أن يكون حراً بينما يكون الرجل الأسود مستعبداً، لذلك لا يمكن كسب نظام اجتماعي قائم على الحقيقة والحرية والتعاون المخلص من قبل أولئك الذين يقيمون علاقاتهم مع بعضهم البعض على الأكاذيب الخيانة والافتراء. قد يكون من الخطر أن تكون هناك مواقف سياسية خاطئة. ولكن الأهم هو أنها لا يجب أن تكون مميتة: إذ يمكن تغيير السياسة، إذا وجدت روح معنوية مخلصة وديموقراطية، عندما توضح التجربة الحاجة إلى التغيير. لكن الكارثة هي إذا تم تسميم ينابيع العمل.
لقد أنهيت رسالتك بملاحظة مثيرة أيها الرفيق تروتسكي.
حيث "قلت لي"، "يمكننا التوصل إلى اتفاق معك على أساس هذه المبادئ، وبدون صعوبة سنجد سياسة صحيحة فيما يتعلق ببولندا وفنلندا، وحتى الهند. وفي الوقت نفسه، أتعهد بأن أتمكن من مساعدتك في مواجهة أي مظهر من مظاهر البيروقراطية والمحافظة ..."
بالنظر إلى أحداث الأشهر الماضية، سوف تفهم لماذا أن مثل هذا التعهد غير ذي وزنً بالنسبة لي. بالنسبة للاتفاق على المبادئ: هناك طريقة واحدة يمكن من خلالها الاتفاق - عندما أكون مقتنعاً بأن مبادئي خاطئة، والأخرون على حق. وأخشى أن تكون الاستعارات البلاغية، حتى لو من شكسبير، غير كافية لإقناعي.
February 1, 1940
JAMES BURNHAM

فهرس المحتويات
1 - رسالة إلى جيمس كانون. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 1
2 - الاتحاد السوفياتي في الحرب. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...
3 - رسالة إلى شيرمان ستانلي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 21
4 - مرة أخرى، ومجدداً حول طبيعة الاتحاد السوفياتي. . . . . . 23
5 - الاستفتاء والديمقراطية المركزية. . . . . . . . . . . . 32
6 - رسالة إلى شيرمان ستانلي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 33
7 - رسالة إلى جيمس كانون . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 36
8 - رسالة إلى ماكس شاختمان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 38
9 - رسالة إلى جيمس كانون . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... 43
10 - المعارضة البورجوازية الصغيرة في حزب العمال الاشتراكي. . . 44
11 - رسالة إلى جون جي رايت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 63
12 - رسالة إلى ماكس شاختمان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 64
13 - أربع رسائل لأغلبية اللجان الوطنية. . . . . . . . .. 65
14 - رسالة إلى جوزيف هانسن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 70
15 - رسالة مفتوحة إلى الرفيق بورنهام. . . . . . . . . . . . . . .. 72
16 - رسالة إلى جيمس كانون . . . . . . . . . . . . . . . . . .. ... 94
17 - رسالة إلى فاريل دوبس. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 95
18 - رسالة إلى جون رايت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 97
19 - رسالة إلى جيمس كانون . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 98
20 - رسالة إلى وليام وارد . . . . . . . . . . . . . . . . . ... 99
12 - رسالة إلى جوزيف هانسن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 100
22 – من الخدش - إلى خطر التعفن الصديدي . . . . . . . . . . . . 102
23 - رسالة إلى مارتن أبيرن . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 148
ثالثا
رابعا
24 - رسالتان إلى ألبرت جولدمان. . . . . . . . . . . . . . . . . .. 150
25 - العودة إلى الحزب. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 152
26 – "العلم والأسلوب". . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 155
27 - رسالة إلى جيمس كانون . . . . . . . . . . . . . . . . . .... 157
28 - رسالة إلى جوزيف هانسن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 158
28 - ثلاث رسائل إلى فاريل دوبس. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 160
29 – الأخلاقيون والحزب البروليتاري. . . . . .. 165
30 – كشف حساب الأحداث الفنلندية. . . . . . . . . . . . . . . . . . 169
31 - رسالة إلى جيمس كانون ... . . . . . . . . . . . . . . .. ... 178
32 - رسالة إلى ألبرت جولدمان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 179
33 – حول حزب "العمال". . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 180
34 - رسالة إلى ألبرت جولدمان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 184
35 - رسالة إلى كريس أندريوز. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. 186
36 – ملحق. "العلم والأسلوب" - بورنهام