الطبقة الوسطى في سورية - الواقع والدور 3/3

معقل زهور عدي
2006 / 6 / 23 - 11:11     

في سورية على امتداد تاريخها الحديث مجموعة من التشكيلات الاجتماعية تتقاطع مع بعضها البعض ، دون ان يتمكن واحد منها من السيطرة على المجتمع وتهميش البقية كما حدث بالنسبة لنمط الانتاج الرأسمالي في أوربة في مطلع القرن التاسع عشر ، هذه السكونية التي امتدت لفترات طويلة لم يتم اختراقها سوى بدخول الدولة حقل الاقتصاد ليس كمنظم للعلاقات بين مختلف التشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية ولكن كطرف رئيسي ، هكذا أصبح اقتصاد سورية منذ أواسط الستينات من القرن الماضي أشبه ما يكون باقتصاد الدولة حيث أصبحت الدولة بمثابة المركز بينما احتلت التشكيلات الاقتصادية الأخرى مكان الأطراف ، لكن هذا السياق مالبث ان توقف ، ودخلت سورية منذ أواسط الثمانينات في سياق مختلف تمكنت فيه فئات اجتماعية من التمفصل مع بيروقراطية الدولة وبناء ثروات اسطورية ، معظمها بفضل احتكار السوق ، والصفقات السوداء ، ونهب الدولة ، وضمن هذا السياق الجديد بدأ راس المال المتراكم يضغط على القرار السياسي لايجاد حيز أوسع له للعمل والاستثمار في سورية ، وشيئا فشيئا بدأ ينجح في اعادة توجيه السياسة الاقتصادية للدولة نحو الانفتاح والتخصيص ، وابعاد الدولة عن الاقتصاد .

ترافق هذا السياق مع سقوط الاتحاد السوفييتي ، وماظهر وكأنه انتصار مدو لنمط الانتاج الرأسمالي ، وكذلك تشكل نمط جديد لللاقتصاد العالمي هو اقتصاد العولمة ، فمنذ التسعينات بدأت حركة اندماج الشركات الكبرى ، وقفز حجم عدد غير قليل من الشركات العالمية من مئات الملايين من الدولارات الى مئات المليارات ، حيث أصبحت بعض الشركات العالمية متعددة الجنسيات تتفوق في اقتصادها على دول متوسطة الحجم ، وكان ذلك بمثابة ثورة في تنظيم رأس المال العالمي وقوته مما دفعه نحو اعادة تشكيل السياسة العالمية وفقا لمصالحه مستخدما الولايات المتحدة كدبابة ورأس حربة ، وسيتم ترجمة ذلك الجهد في الحقل الاقتصادي لدول المنطقة العربية في توليد ضغوط غير مسبوقة للاندماج مع السوق العالمية ، واعادة هيكلة الاقتصادات الوطنية ، وفي هذا المجال يلعب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دور التوجيه والاشراف وممارسة الضغوط أيضا .

من تقاطع هذين السياقين الداخلي والعالمي يرتسم مسار اعادة انتاج التشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية في سورية ، الرأسمالية الجديدة تبحث عن عوامل بقائها وهيمنتها على الاقتصاد السوري بتكيفها مع نظام العولمة وهي حتى الآن لم تصل لوضع استقرار في ذلك المسعى ، وبخاصة انها ماتزال متمسكة باحتكارها للسلطة ومضطرة لدفع ثمن ذلك التمسك بصورة بطء في الانفتاح وانسحاب الدولة من الاقتصاد ، وسياسة خارجية مشوشة لاتتناسب مع متطلبات الليبرالية على صعيد السياسة العالمية .

الرأسمالية السورية التقليدية التي تعتبر نفسها أكثر انسجاما مع متطلبات العولمة بما في ذلك الاستعداد لسياسة ليبرالية تجاه الخارج و التي أنشأت منذ السبعينات شراكة مع النظام السياسي قائمة على مبدأ تقديم الولاء والرشوة مقابل ترك الأبواب مفتوحة لها ، تجد اليوم ان طبقة رأسمالية جديدة خرجت من رحم ذلك النظام تتعملق لتزيحها من مركزها ولاتترك لها سوى الفتات ، طبقة لم يعد من السهل مشاركتها والتعامل معها ، مثلما ان ليس من السهل الوقوف في وجهها لأن ذلك يعني ببساطة الوقوف بوجه النظام بكل قوته.

هذا التنافس بين الرأسماليتين في حال تفاقمه سيدشن مرحلة جديدة في تاريخ سورية ، ونظرا للضعف الشديد للرأسمالية التقليدية على الصعيد السياسي فهي تسعى لزج جزء من الطبقة الوسطى في معركتها القادمة .

يقدم التيار الليبرالي نفسه كمعبر عن مصالح الطبقة الرأسمالية التقليدية ويعمل على تلميع صورتها ، وابرازها كطبقة مخلصة للمجتمع ، ويستعيد أفضل لحظاتها التاريخية ، لكنه – للمفارقة – لايريد النظر لشراكتها الطويلة مع النظام ، وتحملها مسؤولية دعم الاستبداد ، وانتهازيتها ، هو يريد تسويق صورة زاهية انتقائية للرأسمالية التقليدية وغض النظر عن سقوطها الأخلاقي وواقعها السياسي الانتهازي .

خطورة التيار الليبرالي انه بعمل لجر الطبقة الوسطى لخدمة أهداف الرأسمالية التقليدية ، وبالتالي طمس وعيها بمصالحها ومصيرها ومستقبلها .

مصلحة الطبقة الوسطى تكمن في تحالفها مع الطبقة العاملة وفقراء المدن والأرياف وتشكيل كتلة سياسية مستقلة ذات برنامج اجتماعي – اقتصادي – سياسي يمثل ذلك التحالف أصدق تمثيل ، وليس في الذوبان ضمن تحالف مع الرأسمالية التقليدية في برنامج ليبرالي تكون مهمته وضع الطبقة الوسطى في خدمة الرأسمالية التقليدية .

حقيقة الأمر ان ضعف الرأسمالية التقليدية السياسي وتهافتها وانتهازيتها يجعل من تحقيقها للمهام الوطنية – الديمقراطية والمهام الليبرالية أمرا منوطا بنضال الطبقة الوسطى وحلفائها ، ومن الغريب ان تقوم الطبقة الوسطى وحلفاؤها بتلك المهام دون ان تعي مصالحها المرتبطة بمصالح أوسع الفئات الاجتماعية .
الوعي السياسي هو السلاح الوحيد الذي يمكن الطبقة الوسطى وحلفاءها من توظيف نضالهم الوطني – الديمقراطي لصالحهم بدل تقديمه لرأسمالية خاوية ومفلسة على طبق من ذهب .