السكّان الأصليّون [ الهنود الحمر ] و وباء فيروس كورونا : المعالجة الأمريكية بالإبادة الجماعية


شادي الشماوي
2020 / 5 / 25 - 17:56     

قارئ – جريدة " الثورة " عدد 647 ، 11 ماي 2020
https://revcom.us/a/647/native-peoples-in-the-coronavirus-pandemic-en.html
أخذ وباء 2020 يسلّط الضوء على لامساواة كبيرة في مصنع مجتمع الولايات المتّحدة . فقد أخذ يفضح بعض العذاب اللامتناسب ضمن السكّان السود و السُمر ، حتّى و الحال أنّ الصورة جزئيّة إعتبارا لأنّ عدّة ولايات لا تقدّم معلومات وافية عن من هم المصابون بالعدوى . و مع ذلك ، الحصيلة الرهيبة المتعلّقة بالسكّان الأصليّين [ الهنود الحمر ] بالكاد يُشار إليها في الأخبار الرسميّة و التقارير الرسميّة .
لقد تبيّن أنّ بالأراضى المخصّصة للنافاخو ، السكّان الأصليّ,ن لأمريكا ( المعروفون بأمّة النافاخو ) توجد أعلى نسب عدوى الفيروس كورونا ، أعلى من نيويورك و من نيوجرزى ، (1) و لئن كانت ولاية ، أمّة النافاخو كانت سترتّب الثالثة في الولايات المتّحدة في ما يتعلّق بحالات الإثابة المتأكّدة نسبة لمائة ألف ساكن (2) . الأراضي المخصّصة لهم بحجم غرب فرجينيا و تمتدّ على أكثر من 27 ألف ميل مربّع أزيد من آريزونا ، و النيومكسيكو ، و يوتاه . و في حين أنّ شعب النافاخو يعدّ أقلّ ب 6 بالمائة من سكّأن آريزونا ، في العاشر من ماي ، كان عدد حالات العدوى المتأكّدة بفيروس كورونا أعلى بعشرين بالمائة مقارنة بتلك الولاية و تقريبا ب 22 بالمائة في ما يتّصل بالوفايات ، و في حين يشكّل السكّان الأصليّون لأمريكا حوالي 10 بالمائة من سكّان نيومكسيكو ، فإنّ لديهم حالات عدوى أعلى ب 57 بالمائة من ما هي عليه لدى بقيّة السكّان .
و اليوم ، الغالبيّة الغالبة من السكّان الأصليّين تعيش في المناطق المدينيّة ، ذات الكثافة السكّأنيّة الأعلى في نيويورك و لوس أنجلاس . لكن ماذا سمعنا عن كيفيّة إصابتهم بالعدوى داخل هذه المدن ؟ عديد الولايات لا تميّز حالات إصابات السكّأن الأصليّين و وفاياتهم و إنّما تسجّلهم في القوائم على أنّهم " آخرون " (4). و مراكز مراقبة المرض تذكر بإستمرار بانّ فقط 40 بالمائة من حالات الإصابة تتبع " جنسا محدّدا " ، و بالتالى 60 بالمائة لا تتبّع . و قد دفع هذا القوى المستقلّة من مثل مركز البحث و السياسة المناهضين للعنصريّة ، في الجامعة الأمريكيّة إلى القفز لملئ الفراغ بتجميع المعطيات الضروريّة لفضح الصورة الحقيقيّة .
و حتّى قبل جائحة 2020 هذه ، كانت الظروف السابقة تمتاز بالفقر المدقع و بنسب بطالة عالية و بالنقص في الغذاء في الأراضى المخصّصة للنافاخو . و قد أفرزت سلسلة طويلة من المعاهدات المداسة و الوعود التي لا يقع الإيفاء بها نقصا في البنية التحتيّة الأساسيّة للصحّة و التعليم و المواصلات و السكن و المساعدة الفلاحيّة و التطوّر الاقتصادي العام . و على سبيل المثال ، 30 بالمائة من منازل أمّة النافاخو لا تجد بها مياه شرب وهي واقعة بأراضي ريفيّة شاسع و صحراويّة حيث تستغرق بعض الأسر الساعات الطوال من السياقة للحصول على المياه . و يعيش الكثير من النافاخو في مقطورات أو غيرها من المساكن غير اللائقة و شديدة الإكتظاظ ، دون تدفئة سوى مواقد لحرق الخشب ، و دون كهرباء يعوّل عليها ، و لا أنترنت و لا حتّى أجهزة تلفاز – و ثمّة 13 محلاّت سوبرماركت لأكثر من 350 ألف إنسان بما يضطرّ البعض إلى التنقّل ل 150 ميلا لبلوغ بقالة .
و حياة أسرة بالأراضى المخصّصة للنافاخو مثال نموذجي لهذا الوجود الشبيه بالوجود في مدن الصفيح : " ليزا روبنس تشغّل المولّد الكهربائي المرتبط بمسكن عائلتها المتنقّل لبضعة ساعات فقط غالبا في الصباح . و دون كهرباء ، توفّر التسخين في هذه الأرض المنبسطة الريفيّة الصحراويّة بسرعة كبيرة لأمّة النافاخو ، أين تنزل درجات الحرارة ليلا إلى 30 درجة تحت الصفر في هذا الوقت من السنة ". (5)
تركت قرون من التجاهل و الحرمان المفروضين السكّان الصليّين بأعلى نسب مرض السرطان و الربو و أمراض القلب و السكّري منها لدي أيّ مجموعة أخرى من الناس في الولايات المتّحدة . و قد أفرز البحث المنجمي عن اليورانيوم في أراضى السكّان الأصليين نسبا عالية من أمراض الرئتين في صفوف شعبنا . خلال الأوبئة السابقة كما هو حال وباء أنفلونزا الخنازير سنة 2009 ، نسبة وفاة السكّأن الأصليين لأمريكا كانت أعلى بأربعة مرّات من النسبة المندمجة لكافة مجموعات المضطهَدين الآخرين ( أو " الأجناس " ) في الولايات المتّحدة . (6)
و قد كانت خدمات الصحّة للهنود الحمر ( IHS) تاريخيّا تشكو من قلّة التمويلات و الكوادر.

و المستشفيات قليلة و بعيدة عن متناول الأراضي المخصّصة للنافاخو . ولمّا إنتشرت الجائحة ، ما كان لدي أمّة النافاخو ، حسب ما ورد في تقارير ، إلاّ 170 سرير مستشفى ،و 13 سرير وحدة عناية مشدّد ، و 52 غرفة للعزل ، و 28 جهاز تنفّس . و كافة خدمات الصحّة للهنود الحمر ، التي تقدّم خدمات ل 2.5 مليون من السكّأن الأصليّين ، بمن فيهم أولئك في ألسكا ، كانت ، حسب التقارير ، تملك 71 جهاز تنفّس و 33 سرير إنعاش في 24 مستشفى تابع لها . (7) و في 7 ماي ، جاء في تقرير لخدمات الصحّة للهنود الحمر أن هناك أكثر من 3 آلاف حالة متأكّدة في صفوف النافاخو .
و ظروف من هذا القبيل تجعل من العسير إن لم يكن من غير الممكن تطبيق غسل اليدين بشكل مستمرّ ،و التباعد الاجتماعي داخل المنزل ، أو إمتلاك الموارد لتخزين الغذاء و التموين الإضافي . و يعنى نقس الأسِرّة في المستشفيات أنّ الناس المصابين بالفيروس يُرسلون إلى منازلهم بما يجعل العدوى تنتشر و الأوضاع تسوء أكثر . و مؤخّرا ، عقب تفشّى المرض داخل عائلات النافاخو ، تمّ إيواء حوالي 150 من المرضى المصابين بكوفيد – 19 ، مؤقّتا في ثلاثة قاعات رياضة جهّزت للغرض بالأراضي المخصّصة ، و لم يقع إرسالهم إلى منازلهم .
و قد تعاطى السكّان الأصليّون مع أخبار هذا الوباء بصورة مفهومة ، حتّى و إن كانت خاطئة ، أي بشكّ و ريبة . و مرّد ذلك تاريخ الإبادة الجماعيّة ، حيث جلبت حكومة الولايات المتّحدة عمدا أمراض المستعمرين الأوروبيّين إلى تجمّعات السكّان الأصليّين الذين لم تكن لديهم أيّة مناعة من تلك الأمراض وقتها، من مثل الجدري . و لكن يشترك السكّان الأصليّون مع بقيّة سكّان الولايات المتّحدة في ندرة إجراء التحاليل و وفرة في الإشاعات و التضليل على نحو مناهض للعلم ، على غرار قول إنّ النافاخو لا يمكن أن يصابوا بفيروس كورونا .
كلّ هذه الظروف السابقة المسمومة و هذا التعامل اللامتساوي مع السكّان الأصليّين أثناء الجائحة ليست عملا منحرفا أو شاذّا و إنّما هي إستمرار لتاريخ لجوء إلى الإبادة الجماعيّة على أرض سُلبت منهم بعنف. و قد سجّل كريستوف كولومب في سجلّه المعطيات التالية عن لقائه مع السكّأن الأصليّين في الكراييب ، الذين رحّبوا به مقدّمين له الغذاء و الهدايا ، و تحدّث عن مخطّط للغزو :
" ...إنّهم لا يحملون أسلحة ناريّة و لا يعرفونها ... إنّهم لا يملكون فولاذا . أقواسهم متكوّنة من القصب ... سيكونون خدما جيّدين ... بخمسين رجل يمكن لنا إخضاعهم جميعا و تحويلهم إلى ما نشاء ." (8)
و العنصريّون التفوّقون البيض الذين أسّسوا هذه البلاد ، قرّروا بلا خجل ما ما تكون عليه حياة و موت الأجيال و الأجيال من السكّان الأصليّين . و كما أشار بوب أفاكيان :
" في إعلان الإستقلال ، ضمن الأشياء التي وقعت بسببها إدانة ملك أنجلترا ، يوجد إتّهام بأنّه كان يشجّع على تمرّد العبيد ( " كان يحثّ على التمرّدات المحلّية في صفوفنا " ) و " أنّه بذل مساعى لجلب السكّان إلى حدودنا ، الهنود المتوحّشين بلا رحمة " .(9)
" أمريكا هي التي أطلقت موجة من الإستعمار الدمويّ و التطهير العرقي مع الإستيلاء على الأراضي ، و كسر المعاهدات و عدم الإيفاء بالوعود ،و المجازر و طرق أخرى من الإبادة الجماعيّة التي محت تقريبا السكّان الأصليّين من على " أراضيها " – و قد كان هذا جزءا من إبادة جماعيّة حتّى أكبر عبر أمريكا تسبّب في قتل عشرة ملايين إنسان . من هم " الوحشيّون بلا رحمة " الحقيقيّون ؟ " (10)
إنّ الإضطهاد التاريخي للسكّان الأصليّين لا يمكن إصلاحه في إطار هذا النظام ، لكن يمكن و يجب وضع حدّ له من خلال ثورة شيوعيّة جديدة قائمة على مستقبل تحرّري معروض في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى ألّفه بوب أفاكيان . و قد آن الأوان منذ زمن بعيد لوضع نهاية لكلّ هذا عبر ثورة فعليّة يكون هدفها و إستراتيجيّتها الملموسة هي تحرير الإنسانيّة قاطبة .
و لا يكشف هذا الوباء الطبيعة الفاسدة لأمريكا فحسب ، بل يشير كذلك إلى الحاجة الماسة لدعوة الجميع لأن يساهموا في تنظيم ثورة فعليّة تحرّر الإنسانيّة من هذا العذاب غير الضروري .
----------------------
1. “Navajo Nation Sees High Rate Of COVID-19 And Contact Tracing Is A Challenge NPR, April 24, 2020.
2. “Native Americans being left out of US coronavirus data and labelled as ‘other.’” Guardian. April 24, 2020.
3. The COVID Racial Data Tracker, The COVID Tracking Project.
4. The COVID Racial Data Tracker.
5. No running water. No electricity. On Navajo Nation, coronavirus creates worry and confusion as cases surge, Kurtis Lee, Los Angeles Times, March 29, 2020.
6. No running water. No electricity. On Navajo Nation, coronavirus creates worry and confusion as cases surge.
7. The Navajo Nation’s coronavirus infection and death rates are 10 times higher than the neighboring state of Arizona, Business Insider, April 20, 2020.
8. A People’s History of the United States, Howard Zinn (1980). Chapter 1, page 1.
9. “THIS REPUBLIC—RIDICULOUS, OUTMODED, CRIMINAL,” Bob Avakian, revcom.us.
10. “European colonization of the Americas killed 10 percent of world population and caused global cooling,” PRI.org, March 31, 2019. Public Radio International (PRI) program The World’s best estimate was a death toll of 56 million by the beginning of the 1600s—90 percent of the pre-Columbian indigenous population and around 10 percent of the global population at the time. Jared Diamond in Guns, Germs and Steel estimated the original Native population to be 20 million and the death rate in the first century´-or-two to be 95% (p. 211).
----------------------------------------------------------------------------------------------------