شين بان [ الممثّل الأمريكي البارز ] ، كوفيد – 19 و الجرائم الجماعيّة


شادي الشماوي
2020 / 5 / 15 - 13:47     

بوب أفاكيان – جريدة " الثورة " عدد 640 ، 27 مارس 2020
https://revcom.us/a/640/bob-avakian-sean-penn-covid-19-and-mass-murderers-en.html

في ظهوره في المدّة الأخيرة على قناة تلفزيّة ، سي أن أن ، مناقشا الدور الممكن لجيش الولايات المتّحدة في الأزمة الراهنة الناجمة عن فيروس كوفيد-19 ، قال الممثّل البارز شين بان عمليّا التالي :
" لا وجود لقوّة إنسانيّة على الكوكب أعظم من جيش الولايات المتّحدة ".
غداة زلزال مدمّر في هايتي في جانفي 2010 ، كرّس بان نفسه لفترة طويلة لجهود مساعدة ذلك البلد . و ذلك مأخوذ لوحده سيكون مصدر للإعجاب. لكن منطلقا من تعاونه مع جيش الولايات المتحدة في علاقة بجهود المساعدة تلك ، شوّه بان تماما الصورة و حجب الطبيعة و الأعمال العامة و الأساسيّة للجيش الأمريكي ، و مضى بعيدا إلى حدّ تعظيم هذا الجيش الذى لطبيعته ذاتها و في إنسجام مع النظام الذى يخدمه و يبحث عن فرضه ، كان و لا يزال مسؤولا عن أبشع جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانيّة .
بدئ ذي بدء ، ما يلى يوفّر صورة ملموسة عن الدور الأشمل للولايات المتحدة و خاصة لجيشها في علاقاته العامة مع هايتي طوال المائة سنة الماضية و أكثر منها .
زمن زلزال 2010 ، متحدّثا عن دور الولايات المتحدة في هايتي ، قال بيل كويغلاي ، المدير القانوني لمركز الحقوق الدستوريّة :
" لقد جعلنا البلاد ترزح تحت التبعيّة . و جعلناها تبقى تحت العسكرة . و جعلناها تبقى مفقّرة . لقد أغرقنا البلاد بفائض الأرزّ الذى لدينا و بفائض منتوجاتنا الزراعيّة و ما إلى ذلك ، و بالتالى قوّضنا نشااط الفلاّحين الصغار الذين كانوا يشكّلون العامود الفقري لذلك البلد ... لم نتسبّب في الزلزال لكنّنا أوجدنا الظروف التي جعلت الزلزال مدمّرا على هذا النحو ..." ( " الديمقراطيّة الآن ! " ، 14جانفي 2010 ). (1)
في القرن العشرين ، أكّدت الولايات المتحدة نفسها كقوّة مهيمنة في " حديقتها الخلفيّة . سنة 1915 ، غزت هايتي و إحتلّتها. توجّهت قوّات المارينز التابعة للولايات المتّحدة مباشرة إلى البنك الوطني لهايتى و حوّلت مخزونه من الذهب إلى بنك " سيتى بنك " في نيويورك . و أُعيدت صياغة دستور هايتي للسماح للأجانب بالملكيّة في هايتي ؛ و جرت مصادرة أراضى الفلاّحين الصغار لإنشاء مزارع كبرى ؛ و أعيد تنظيم الاقتصاد كي يصبّ 40 بالمائة من الناتج القومي الخام لهايتى في بنوك الولايات المتّحدة .
و قاوم شعب هايتي مقاومة شرسة الاحتلال في سلسلة من التمرّدات التي سحقها جيش الولايات المتّحدة بلا رحمة ولا شفقة، مغتالا القادة و حارقا قرى بأكملها وقاتلا بين 15 و 30 ألف إنسان من سكّان هايتي .و لم يغادر المحتلّون البلاد إلى 1934، تاركين وراءهم الجيش الوطني الهايتى الوحشي المدرّب على يد الولايات المتحدة ليقمع الشعب .
و في 1957 ، أتى فرانسوا " بابا دوك " دوفاليى إلى السلطة و ركّز جيشه الخاص من النهّابين – التنتون ماكوت . و حكم طغيان الإرهاب الدوفالي – المدعوم من قبل الولايات المتّحدة – و قتل زهاء الخمسين ألف إنسان .
و لمّا توفّي بابا دوك سنة 1973 ، كانت البوارج الحربيّة للولايات المتّحدة تجول سواحل هايتي للإشراف على إنتقال سلس للسلطة لإبن دوفاليي ، جون – كلود ( " بايبى دوك ") ز و كان دوك الإبن مرتبطا وثيق الإرتباط ب " المخطّط الأمريكي" الذى إستهدف صراحة سحب البساط من تحت زراعة الفلاّحين بواسطة التوريد على نطاق واسع لسلع أمريكيّة أرخص و دفع مئات آلاف الفلاّحين إلى النزوح نحو المدن و مدن الصفيح ، باحثين بيأس عن شغل في معامل التركيب المملوكة من قبل الولايات المتّحدة و التي أرستها شركات مثل دزنى و كمارت و التي كانت تدفع 11 سنت من الدولار في الساعة للعمّال الذين يصنعون لباس النوم و الأقمصة .
و في 1985-1986 ، عصف تمرّد قويّ بكامل هايتي ما أجبر الولايات المتّحدة على التدخّل لإنقاذ بايبى دوك و نقله بالطائرة إلى فرنش ريفييرا ، لأجل الحفاظ على قبضتها الأساسيّة على البلاد بواسطة جيش هايتي . و تتالت على البلاد سلسلة من الحكومات العسكريّة ، المعروفة للهايتيّين ب " الدوفاليّة دون دوفاليى ".(2)
---------------------
و التصرّفات العنصريّة تجاه شعب هايتي التي إقترفها قوّات الاحتلال الأمريكي كانت بارزة ومتفشّية . و قد برّر روبار لنسين ، سكرتير دولة الولايات المتّحدة حينها الاحتلال بزعم أن للهايتيّين " نزعة كامنة نحو الوحشيّة و عدم القدرة الجسديّة على العيش حياة متحضّرة " ، و بالتالى كانو يفتقدون لأهليّة حكم أنفسهم بأنفسهم . و كتب مديل ماك كورميك ، سيناتور عن إيلينوا ، سنة 1920 بأنّ الاحتلال الأمريكي كان ضروريّا " لتطوير البلاد و الحكم ،و فوق كلّ شيء ، جعل الشعب شعبا متحضّرا فالغالبيّة الساحقة يسيل في عروقها دم أفريقي " . و قد وُجدت عدّة تقارير عن الهجمات الجنسيّة للمارينز الأمريكيّين ضد نساء هايتي . و قد شمل الاحتلال ميزا عنصريّا و عزّز قبضة العصابات على بناء الطرقات و غيرها من المشاريع ...
و قد قاوم شعب هايتي مقاومة شرسة الاحتلال في سلسلة من التمرّدات التي سحقها جيش الولايات المتّحدة بلا رحمة و لا شفقة ، مغتالا القادة و حارقا قرى بأكملها و قاتلا آلاف الناس. و صدح الكاتب الهايتى - الأمريكي أدويدج دنتيكات كاتبا : " كان جدّي أحد الكالوس أو ما يسمّون بالصعاليك ، الذين عادة ما كتب عنهم المارينز الأمريكان المتقاعدين في سيرهم الذاتيّة . و اليوم كانو سيسمّون بالمتمرّدين أولئك الآلاف الذين تصدّوا للإحتلال . و من الروايات التي كان يرويها عادة الإبن الأكبر لجدّى ، عمّى جوزاف رواية " مشاهدة مجموعات المارينز الشبّان و هم يركلون بأرجلهم رأس إنسان قطعوها عن جسده ، في مسعى منهم لبثّ الرعب في صفوف المتمرّدين في منطقتهم " . و يتحدّث دندكات أيضا عن كيف أنّ المارينز قتلوا أحد أشهر مقاتلى الاحتلال ، شرلمانيو بيرالت ، ثمّ كيف علّقوا جسده في باب أين ظلّ يتعفّن في الشمس لأيّام.
و طوال 19 سنة من إحتلال الولايا المتحدة ، قُتل على الأقلّ 15 ألف هايتي . و سنة 1918 ، حدث تمرّد لأربعين ألف شخص . و بعد أن وقع التغلّب على درك هايتي ، ساعدت قوّات مارينز الولايات المتّحدة في القضاء على التمرّد متسبّبة في مقتل ألفي إنسان . و خلال مظاهرة في ديسمبر 1929 في مدينة ليكايس ، كجزء من الإضراب العام و التمرّد القائم ، أطلق المارينز النار على 1500 إنسان فجرحوا 23 و قتلوا 12 .(3)
----------------------
بكلمات أخرى ، خلال الستّة عشرة سنة التي رزحت فيها هايتي تحت الاحتلال بتركيبات متنوّعة من الأمم المتّحدة و فيالق الولايات المتّحدة - و ليس ببساطة منذ الزلزال – أضحت حياة معظم الناس هناك أسوء بكثير . (4) ما فعلته عمليّا الولايات المتّحدة ، طوال أكثر من قرن من الزمن ، في هايتي منسجم مع و هو جزء من الإطار العام الذى يشمل الفظاعة و القتل و التدمير المتكرّرين على نطاق واسع المقترفين من طرف جيش الولايات المتّحدة ، و كذلك السى آي آي و " مخابرات " أخرى تشتغل معها - و بالضرورة مدعومة من قبل - جيش الولايات المتّحدة عبر تاريخه إلى يومنا هذا.
و دون العودة إلى جميع الفظاعات التي إقترفها جيش الولايات المتّحدة منذ بداية هذه البلاد ، بما في ذلك حروبه الإباديّة ضد السكّان الأصليّين و فرضه الخبيث للعبوديّة و قمع التمرّدات ضد العبوديّة ، يقدّم ما يلى و المستخلص من تجربة ال75 سنة الأخيرة فحسب ، صورة أتمّ عن الطبيعة و الدور الفجّين حقّا لهذا الجيش :
- إلقاء قنابل نوويّة على مدينتين يابانيّتين مع نهاية الحرب العالميّة الثانية سنة 1945 ، ما تسبّب مباشرة في قتل مئات آلاف المدنيّين و عرّض عديد الآخرين إلى عذاب أليم و في نهاية المطاف الموت .

- القيام بغزوات عديدة و تنظيم إنقلابات عديدة ، في بلدان عبر العالم ، ما نجم عنه قتل الجماهير الشعبيّة و وضع بلدان تحت حكم طغياني لعقود ( و من ذلك الإنقلابات في إيران سنة 1953 و غواتيمالا سنة 1954 و أندونيسيا سنة 1965 و غزو جمهوريّة الدومينيك ، الجارة القريبة من هايتي ، و قتل الآلاف سنة 1965 و في نفس الوقت صعّد الولايات المتّحدة من حربها في الفيتنام ).

- قتل ملايين الناس في الحرب الكوريّة لسنوات 1950- 1953 ، و ضمن أشياء أخرى ، تدمير كامل بلاد كوريا الشماليّة.
- قتل ملايين آخرين و تسميم أنحاء من الريف أثناء حرب الفيتنام ، من 1964 إلى 1973 و من ذلك إستخدام أسلحة غريبة كيميائيّة كالنابالم ( مادة هلاميّة نفطيّة المصدر تحرق لحم البشر ) ،و الفسفور الأبيض و العميل البرتقالي . (5)
و تمادى ألمر منذ زمن حرب الفيتنام ، مع تواصل الإنقلابات و الغزوات الدمويّة . و في المدّة الأخيرة مثلا :
- طوال أكثر من 18 سنة ، نشرت ثلاث إدارات [ للولايات المتّحدة [ قرابة ال800 ألف جندي في أفغانستان و 50 بلدا من حلف الناتو و حلفائهم أرسلوا عشرات آلاف الجنود الآخرين.
- العنف الذى أطلقت له الولايات المتّحدة العنان قد تصاعد . و بين 2004 و 2018 ، ألقت أكثر من 38 ألف قنبلة على أفغانستان . و مع مارس 2020 ، كانت قد أنجزت أكثر من 12 ألف ضربة جوّية بالطائرات دون طيّار .
و أرهبت الولايات المتّحدة و عملائها الأفغانيّين الشعب الأفغاني بحملات تفتيش و قتل ليليّة . و أنشأت شبكة سجون و مراكز إعتقال أين وقع إيداع ما لا يقلّ عن 15 ألف أفغاني بالقليل من الأدليّة أو دونها ، و وقع تعنيفهم و تعذيبهم و أحيانا قتلهم . و خلال هذا الأسبوع ، أعلنت محكمة الجريمة العالميّة أنّ لديها أدلّة تفيد بأنّ قوّات الولايات المتّحدة قد " إقترفت أعمال تعذيب و معاملة قاسية و فظائع تجاه كرامة البشر ، و الإغتصاب و العنف الجنسيّ " – جرائم حرب- في أفغانستان .
و مع أوت 2016 ، سُجّل أنّ 111 ألف شخص قُتلوا و أكثر من 116 ألف جُرحوا في تلك الحرب . و توصّلت إحدى الدراسات إلى كون " الحرب على الإرهاب " أدّت بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى زهاء 220 ألف وفاة في أفغنستان سنة 2013. و على قمّة هذه المذبحة ، إضطرّ حوالي خمسة ملايين أفغاني إلى مغادرة ديارهم جرّاء الحرب . (6)
و هذا إلى جانب ما قامت به الولايات المتّحدة و جيشها خلال الحرب في العراق ، و منه غزو 2003 و ما تلاه ، ما شكّل جريمة حرب عالميّة و ( كما عرّجت على ذلك قبلا ) " قد أطلقت العنان لإعصار عارم من الموت و التدمير في ذلك الركن من العالم "(7).
و بعد ذلك ، نعثر على دور جيش الولايات المتّحدة داخل هذه البلاد في الأزمان الأحدث – دعم الشرطة في قمعها للتمرّدات المدينيّة خلال ستّينات القرن العشرين و مجدّدا فعل الشيء نفسه سنة 1992 و قتل مئات الناس في خضمّ ذلك ، الكثير منهم لا يملكون أسحة ( تمرّدات في الجزء الكبير منها أتت ردّة فعل على عنف – وحشيّة و قتل – الشرطة ).
أهذا كلّه هو ما ذهب إليه ذهن شين بان – أم أنّه ظلّ " بصفة ملائمة له " متجاهلا له ، أم أنّه إختار تجاهل هذا كلّه – حين يمدح جيش الولايات المتّحدة على أنّه أعظم قوّة إنسانيّة في العالم ؟!
أن يساهم جيش الولايات المتّحدة ، كجزء من جهود الولايات المتّحدة للحفاظ على السيطرة و " الأمن " في هايتي عقب زلزال 2010 في القيام بعمليّات تيسّر إيصال المساعدات ، في بعض مظاهره ليس صعب الفهم . فالقائمون على المؤسّسات الإجراميّة ، كالآباء الروحيّين للمافيا و أباطرة المخدّرات و زعماء العصابات ، عادة ما يقومون بأعمال خيريّة في مسعى منهم لتلميع سمعتهم و كسب ذوى النوايا الحسنة ، أو على الأقلّ قبول الذين تحت سيطرتهم نحتّى و إن كان الإرهاب الوحشيّ هو السبيل الأساسي لفرض تأثيرهم أو هيمنتهم . و يسجّل العرض الجزئيّ الذى قدّمناه هنا عن دور الإمبرياليّة الأمريكيّة و جيشها ، ليس في هايتي و حسب بل عبر العالم عبر تاريخه ، يسجّل على نطاق واسع حقيقة أنّ " هؤلاء الإمبرياليّين يجعلون الأب الروحي للمافيا يبدو مثل مارى بوبنس " (8)
مهما كانت تصرّفاتها في أيّ وضع كان ، فإنّ الطبيعة و الدور العامين و الأساسيّين لمؤسّسات العنف الجماعيّة لدى النظام الرأسمالي- الإمبريالي ( الجيش و الشرطة أيضا ) لا يجب حجبهما أو تشويههما ، و حتّى أقلّ من ذلك ، لا يجب تمجيدهما و تعظيمهما . و بصفة خاصة بالنسبة لأناس كشين بان الذين لديهم أرضيّة للحديث إلى الجماهير الشعبيّة ، تظلّ هناك مسؤوليّة المضيّ أبعد من التجربة الذاتيّة الخاصّة الجزئيّة و المحدودة و أبعد من الأفق الضيّق المتناسب معها ، للبحث عن فهم الواقع فهما أشمل و أكثر أساسيّة و للحديث حقيقة و بمسؤوليّة – و ليس كما يفعل شين بان ، متصرّفا فعلا ليس فقط كأحد المدّاحين بل كمثقّف متواطئ مع الجرائم المستمرّة لهذا النظام و فارضيه المسلّحين .
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
هوامش المقال :
1. “Hurricane Matthew: A Horror in Haiti, A Cold Blooded Response By the Rulers of the U.S.,” Revolution #460, October 10, 2016, available online at revcom.us.
2. “The U.S. in Haiti: A Century of Domination and Misery,” Revolution #525, January 8, 2017, available online at revcom.us.
3. “American Crime Case #80: 1915-1931: The U.S. Invasion, Occupation and Domination of Haiti,” Revolution #456, September 12, 2016, available online at revcom.us.
4. “Cholera in Haiti: a foreseeable result of a criminal system” (From A World To Win News Service), in Revolution #223, January 23, 2011, available online at revcom.us.
5. For a fuller picture of the horrors visited upon Vietnam and its people by the U.S. during that war, see Bob Avakian, On Bargains With The Devil—Trump Fascism, “Obamanation,” And The System They Serve, available at revcom.us.
6. “America Leaves Afghanistan After Killing Over 100,000 People in Its ‘Good War,’” posted at revcom.us, March 9, 2020.
7. Bob Avakian, David Brooks—The Not So Great Pretender—And The Profound Differences Between Trump, Sanders And Actual Socialism, available at revcom.us.
8. BAsics 1:7 (BAsics, from the talks and writings of Bob Avakian).
----------------------------------------------------------------------------------------------------------