كيف نحيي ذكرى ميلاد لينين ؟


حزب الكادحين
2020 / 4 / 23 - 15:26     

تمر هذا العام مائة وخمسون سنة على ميلاد لينين ( ولد في 22 أفريل/ نيسان عام 1870 وتوفي في 21 جانفي/ كانون الثاني عام 1924 ) و تمثل هذه الذكرى مناسبة لطرح أسئلة مثل : ما هي اللينينية وهل لا تزال صالحة لعصرنا ؟ كيف ساهمت اللينينية في الحاق الهزيمة بالانتهازية ؟ أية علاقة بين اللينينية والماوية .
وحزب الكادحين وهو يحيي هذه المناسبة يدعو الرفيقات والرفاق في تونس والوطن العربي الى تقوية التكوين النظري كما الدعوة الى إيصال النظرية الثورية الى المعنيين بها من العمال والفلاحين والطلبة وغيرهم ، بشرحها ومناقشتها حتى تتحول بهم ولأجلهم الى قوة مادية ، مذكرا أن اللينينية تمثل سلاحا هاما يجب الإمساك به دوما بقوة .
لقد قال لينين عن الانتهازية " انها تضحي بالمصالح الأساسية من أجل مكاسب مؤقتة وجزئية " لذلك تستهين بالنظرية مكتفية برفع صور لينين وغيره من القادة العظام لتسقطها أثناء الممارسة ، و المطلوب هو فضحها والتباين معها بإبراز أفكار لينين نفسها.
ولهذا الغرض ننشر وثائق مهمة أنجزها الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي تونغ حول اللينينية لتكون موضوعا للدراسة والمناقشة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاشت اللينينيّة

كتبت إحياء للذكرى التسعين لمولد لينين.
من طرف هيئة تحرير مجلة خونغتشى " العلم الأحمر " العدد الثامن ، 16 أفريل / نيسان 1960
دار النشر باللغات الأجنبية – بيكين 1960



- -1-
يصادف الثاني والعشرين من نيسان ( أبريل ) هذا العام الذكرى التسعين لمولد لينين .
وقد شهد عام 1871 ، العام الذى تلا مولد لينين ، الانتفاضة البطولية لكومونة باريس . لقد كانت كومونة باريس ثورة عظمى تصنع العصر و أوّل مسعى ذا أهمية عالميّة فى محاولة البروليتاريا للإطاحة بالنظام الرأسمالي . و عندما كانت الكومونة على أبواب الهزيمة نتيجة هجوم أعداء الثورة الفرسايليّين قال ماركس :
" إذا كانت الكومونة ستدمّر فمعنى ذلك أنّ النضال سيؤجّل فقط . إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنى و ستعرض هذه المبادئ نفسها مرّة أثر مرّة حتى تتحرّر الطبقة العاملة "1
فما هو أعظم مبادئ الكومونة أهمّية ؟ إنّه ، طبقا لما قال ماركس ، إنّ الطبقة العاملة لا تستطيع مجرّد الإستيلاء على جهاز الدولة القائم و إستخدامه لأغراضها الخاصة . و بكلمة أخرى ، إنّ على البروليتاريا ان تستخدم الأساليب الثوريّة للإستيلاء على سلطة الدولة و أن تسحق الجهاز العسكري و البيروقراطي للبرجوازية و تقيم ديكتاتورية البروليتاريا لتحلّ محلّ ديكتاتورية البرجوازية . وأي شخص ملمّ بتاريخ نضال البروليتاريا يعلم أنّ هذه المسألة الأساسيّة على وجه التحديد، هي التى تشكّل الخطّ الفاصل بين الماركسيين من جهة ، و الإنتهازيّين و المحرّفين من جهة أخرى ، و أنّه بعد وفاة ماركس و إنجلز لم يكن أحد سوى لينين من خاض نضالا لا يعرف المساومة أبدا ضد الإنتهازيّين و المحرّفين من أجل الدفاع عن مبادئ الكومونة .
إنّ القضية التى لم تنجح فى كمونة باريس ، قد إنتصرت اخيرا بعد ستّة و أربعين عاما فى ثورة أكتوبر العظمى تحت قيادة لينين المباشرة . و كانت تجربة السوفييتات الروسيّة إستمرارا و تطوّرا لتجربة كومونة باريس . لقد أصبحت مبادئ الكومونة التى شرحها ماركس و إنجلز بصورة متواصلة ، و أغناها لينين على ضوء التجربة الجديدة للثورة الروسيّة ، واقعا حيّا لأوّل مرّة على سدس الكرة الأرضية . و كان ماركس صائبا تمام الصواب عندما قال إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنى .
لقد قامت الذئاب الإستعمارية ، بالتواطؤ مع القوى الروسية المعادية للثورة فى ذلك الوقت ، بالتدخّل المسلّح ضد الدولة السوفيياتية الفتيّة فى محاولة لخنقها . و لكن الطبقة العاملة الروسية البطلة و شعوب مختلف قوميّات الإتحاد السوفياتي طردت العصابات الأجنبيّة ، و سحقت العصيان المعادي للثورة داخل البلاد ، و وطّدت بذلك أوّل جمهورية إشتراكية عظمى فى العالم .
و تحت راية لينين ، تحت راية ثورة أكتوبر ، بدأت ثورة عالمية جديدة تلعب فيها الثورة البروليتارية الدور القيادي ، و أطلّ عصر جديد فى تاريخ الإنسانية . و عبر ثورة أكتوبر تردّدت بسرعة أصداء صوت لينين فى جميع جنبات العالم . و جاءت حركة الرابع من أيار ( مايو) – جاءت كما وصفها الرفيق ماو تسى تونغ " تلبية لنداء الثورة العالمية فى ذلك الوقت ، و نداء الثورة الروسية و نداء لينين ".2
إن ّ نداء لينين جبّار لأنّه صائب . ففى ظلّ الظروف التاريخية لعصر الإستعمار ، كشف لينين عن سلسلة من الحقائق التى تدحض فيما يتعلّق بالثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا .
لقد أشار لينين إلى أنّ أصحاب رأس المال الأوليغارشيّين فى عدد قليل من الدول الرأسمالية القويّة ، أي المستعمِرين ، لا يستثمرون جماهير الشعب فى بلدانهم فحسب ، بل يضطهِدون و ينهبون العالم أجمع ، محوّلين معظم البلدان فى العالم إلى مستعمرات و بلدان تابعة لهم . إنّ الحرب الإستعماريّة هي إستمرار للسياسات الإستعمارية . و الحروب العالمية قد أشعلها المستعمِرون بسبب من جشعهم النهم للإستيلاء على الأسواق العالمية و مصادر المواد الخام و حقول الإستثمار و لإعادة تقسيم العالم . و طالما بقي الإستعمار الرأسمالي فى العالم فستبقى مصادر و إمكانيّة الحرب قائمة. و على البروليتاريا أن ترشد جماهير الشعب لمعرفة مصادر الحرب و للنضال من أجل السلم و ضد الإستعمار .
لقد أكّد لينين أنّ الإستعمار هو رأسمالية إحتكارية طفيليّة أو متعفّنة محتضرة ، و أنّه المرحلة الأخيرة من مراحل تطوّر الرأسمالية ، و لهذا فإنّه عشيّة الثورة البروليتارية . و يمكن الوصول إلى تحرّر البروليتاريا عن طريق الثورة فقط و ليس عن طريق الإصلاح بالتأكيد . و على حركات تحرّر البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية أن تتحالف مع حركات التحرّر الوطني فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و هذا التحالف يمكنه سحق تحالف المستعمِرين مع قوى الإقطاع و الكمبرادور و الرجعية فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و لهذا فإنّه سيضع لا محالة حدّا نهائيّا للنظام الإستعماري فى العالم أجمع .
و على ضوء قانون التطوّر الإقتصادي و السياسي غير المتساوي للرأسمالية ، توصّل لينين إلى أنّه بسبب أن الرأسماليّة تتطوّر بصورة غير متساوية إلى أقصى حدّ فى مختلف البلدان، ستحقّق الإشتراكية النصر أوّلا فى بلد واحد أو عدّة بلدان، و لكنّها لا تستطيع تحقيق النصر فى جميع البلدان فى آن واحد . و لهذا فعلى الرغم من إنتصار الإشتراكية فى بلد أو عدّة بلدان فستبقى البلدان الرأسماليّة الأخرى موجودة و سيكون هذا مبعثا لا للإحتكاك فقط ، بل و للنشاطات الإستعمارية التخريبيّة ضد الدول الإشتراكية . و من ثمّ سيكون النضال طويل الأمد . و سيستغرق النضال بين الإشتراكية و الرأسمالية عصرا تاريخيّا بأكمله . و على البلدان الإشتراكية أن تحافظ على يقظة مستمرّة ضد خطر الهجوم الإستعماري و أن تبذل كلّ جهودها لإتّقاء هذا الخطر .
إنّ المسألة الأساسيّة فى جميع الثورات هي مسألة سلطة الدولة . فقد أظهر لينين بصورة شاملة و نفاذة أن المسألة الأساسيّة فى الثورة البروليتارية هي ديكتاتورية البروليتاريا . و ديكتاتورية البروليتاريا التى تقام بواسطة سحق جهاز الدولة لديكتاتورية البرجوازية بالوسائل الثوريّة هي تحالف من نوع خاص بين البروليتاريا و بين الفلاّحين و جميع الشغّيلة الآخرين . إنّها إستمرار للنضال الطبقي بشكل آخر فى ظلّ ظروف جديدة ، و هي تتضمّن نضالا دائبا ، دمويّا و غير دموي ، عنيفا و سلميّا ، عسكريّا و إقتصاديّا ، ثقافيّا و إداريّا ، ضد مقاومة الطبقات المستغلّة ، و ضد العدوان الأجنبي و ضد قوى و تقاليد المجتمع القديم . و بدون ديكتاتورية البروليتاريا ، و بدون حشدها الشغّيلة حشدا تاما فى هذه الجبهات لخوض هذه النضالات التى لا يمكن تجنّبها بعناد و إصرار ، لا يمكن أن تكون هناك إشتراكية و لا يمكن أن يكون هناك إنتصار للإشتراكية .
لقد إعتبر لينين إنشاء البروليتاريا حزبها السياسي ، حزبها الثوري الحقيقي الذى ينبذ الإنتهازيّة نبذا تاما ، أي حزبها الشيوعي ، أمرا ذا أهمّية رئيسية إذا ما أريد للثورة البروليتارية أن تتحقّق و لديكتاتورية البروليتاريا أن تقام و تتوطّد . و الحزب الشيوعي هذا متسلّح بنظرية المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية الماركسيّتين . و برنامجه هو تنظيم البروليتاريا و جميع الشغيلة المضطهَدين من أجل النضال الطبقي و إقامة حكم البروليتاريا والمرور عبر الإشتراكية للوصول إلى الهدف النهائي وهو الشيوعية . و على هذا الحزب السياسي أن يرتبط بالجماهير إرتباطا وثيقا ، و يعير أهمّية كبرى لمبادراتها الخلّاقة فى صنع التاريخ ، و عليه أن يعتمد بصورة وثيقة على الجماهير فى الثورة ، و كذلك فى البناء الإشتراكي و الشيوعي .
لقد بيّن لينين بإستمرار هذه الحقائق قبل و بعد ثورة أكتوبر . و إعتبر الرجعيّون و السذّج الجهلة فى العالم ، فى ذلك العصر ، حقائق لينين هذه رهيبة ، أمّا نحن فنرى هذه الحقائق تحرز النصر بعد النصر فى الحياة العمليّة فى العالم .



- 2 -
و فى الأربعين عاما ونيف التى مرّت على ثورة أكتوبر طرأت تغيّرات جديدة هائلة على العالم .
فقد حوّل الإتحاد السوفياتي نفسه ، عبر منجزاته العظمى فى البناء الإشتراكي و الشيوعي ، من بلد متخلّف جدّا إقتصاديّا و تكنيكيّا أيّام روسيا القيصريّة إلى دولة ذات الدرجة الأولى من أعظم التكنولوجيا تقدّما فى العالم كلّه . و خلف الإتّحاد السوفياتي ، بقفزاته الإقتصادية و التكنيكية ، البلدان الأوربيّة الرأسمالية وراءه بعيدا ، كما خلّف الولايات المتحدة وراءه أيضا فى التكنولوجيا .
وحطّم الإنتصار العظيم فى الحرب ضد الفاشست ، هذه الحرب التى كان فيها الإتحاد السوفياتي القوّة الرئيسية ، سلسلة الإستعمار فى أوربا الوسطى و الشرقية . و حطّم الإنتصار العظيم للثورة الصينيّة الشعبيّة سلسلة الإستعمار على البرّ الصيني . و وُلدت مجموعة من البلدان الإشتراكية الجديدة . و يحتلّ كلّ المعسكر الإشتراكي الذى يقف على رأسه الإتحاد السوفياتي ربع مساحة الأرض ، و يبلغ عدد سكّانه أكثر من ثلث عدد سكّان العالم . و قد كوّن المعسكر الإشتراكي الآن نظاما إقتصاديّا عالميّا مستقلاّ مقابل النظام الإقتصادي العالمي الرأسمالي . و تبلغ قيمة مجمل الإنتاج الصناعي فى البلدان الإشتراكية الآن ما يقارب أربعين بالمئة من القيمة العالمية ، و لن يمرّ وقت طويل حتى تتخطّى هذه القيمة قيمة مجمل الإنتاج الصناعي فى جميع البلدان الرأسمالية معًا .
إنّ نظام الحكم الإستعماري الإمبريالي قد إنهار ، وهو فى طريقه إلى الإنهيار التام . و للنضال ، بطبيعة الحال ، منعرجاته و منعطفاته ، و لكن ، على وجه العموم ، تجتاح عاصفة حركات التحرّر الوطني قارات آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية على نطاق متزايد يوميّا . و تتطوّر الأشياء نحو أضدادها : فالمستمرون يسيرون خطوة فخطوة من القوّة إلى الضعف ، بينما تسير الشعوب خطوة فخطوة من الضعف إلى القوّة .
و قد إنتهى منذ مدّة طويلة الإستقرار النسبي للرأسمالية الذى وُجد لوقت ما بعد الحرب العالمية الأولى . و مع تكوّن النظام الإقتصادي العالمي الإشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية تقلّصت السوق العالمية الرأسمالية إلى حدّ كبير . و أصبح التناقض بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج فى المجتمع الرأسمالي أكثر حدّة . و لم تعد الأزمات الإقتصادية الدوريّة للرأسمالية تأتي ، كما كانت من قبل ، مرّة كلّ عشر سنوات أو مثل ذلك ، بل أصبحت حدث كلّ ثلاث أو أربع سنوات تقريبا . و قد إعترف مؤخّرا بعض ممثلي البرجوازية الأمريكية بأنّ الولايات المتحدة عانت من ثلاث " ردّات إقتصادية " فى عشر سنوات ، و أنّ لديهم الآن دلائل " ردّة إقتصادية " جديدة بعد أن تخلّصوا لتوهّم من ردّة عامي 1957- 1958. إنّ قصر الفترة الدوريّة بين الأزمات الإقتصادية الرأسماليّة هو ظاهرة جديدة ، إنّه دلالة أخرى على أنّ النظام الرأسمالي العالمي يقترب أكثر فأكثر من فنائه المحتوم .
أمّا عدم التساوي فى تطوّر البلدان الرأسمالية فهو أسوأ ممّا مضى . و مع إنحصار المستعمِرين فى منطقة نفوذهم المتقلّصة و تزاحمهم فى هذه الرقعة الضيّقة يقوم الإستعمار الأمريكي ، بإستمرار، فإغتصاب الأسواق و مناطق النفوذ من المستعمِرين البريطانيّين و الفرنسيّين و المستعمِرين الآخرين . و قد ظلّت البلدان الإستعمارية ، و فى طليعتها الولايات المتّحدة ، تقوم بتوسيع نطاق التسلّح و الإستعدادات الحربيّة منذ أكثر من عشر سنوات ، فى الوقت الذى نهضت فيه العسكريّتان : الألمانيّة الغربيّة و اليابانيّة ، اللتان فى الحرب العالمية الثانية – نهضتا ، مرّة أخرى ، بمساعدة عدوّهما السابق : الإستعمار الأمريكي . و يتشدّق من جديد مستعمرو هذين البلدين الذين قدّموا لينضمّوا إلى المتزاحمين حول السوق العالمية الرأسماليّة ، عن " صداقتهم التقليديّة " و ينهمكون فى نشاطات جديدة لإنشاء ما يدعى " محور بون- طوكيو مع واشنطن كنقطة بداية ". و بدأ الإستعمار الألماني الغربي يتطلّع بصفاقة حوله بحثا عن قواعد عسكريّة فى الخارج . و هذا ما يشدّد النزاعات الحادّة داخل الإستعمار ، و يزيد فى نفس الوقت من الخطر على المعسكر الإشتراكي و جميع البلدان المحبة للسلام . و الوضع الراهن يشبه إلى حدّ كبير جدّا الوضع بعد الحرب العالمية الأولى ، عندما رعي المستعمِرون الأمريكيون و البريطانيون إنبعاث العسكريّة الألمانية ، و ستكون النتيجة مرّة أخرى " إلتقاطهم الصخرة لإسقاطها على أقدامهم ". إنّ خلق المستعمرين الأمريكيين التوتّر العالمي بعد الحرب العالمية الثانية هو إشارة لا إلى قوّتهم بل إلى ضعفهم ، وهو يعكس ، على وجه التحديد ، عدم الإستقرار الذى لم يسبق له مثيل فى النظام الرأسمالي .
إنّ المستعمِرين الأمريكيِّين ، من أجل تحقيق مطمعهم فى الإستئثار بالسيطرة على العالم ، لا يلجأون فقط ، و بصورة مستشرية ، إلى جميع أنواع الهدم و التخريب ضد البلدان الإشتراكية ، بل يلجأون ايضا ، تحت ستار مقاومة " الخطر الشيوعي " إلى حشد قواعدهم العسكرية فى جميع أنحاء العالم ، و إغتصاب المناطق الوسطيّة ، و القيام بالإستفزازات العسكرية ، قائمين بالدور الذى حدّدوه لأنفسهم ، دور دركي العالم ، الذى يتولّى قمع الثورة فى مختلف البلدان . و كالجرذ يركض عبر الشارع بينما يصرخ الكلّ " إرموه بأي شيء " يتلقى المستعمِرون الأمريكيون فى كلّ مكان الضربات و اللكمات ، و على عكس ما يهدفون ، يثيرون فى كلّ مكان نهوضا جديدا فى نضال الشعوب الثوري . و قد أصبحوا الآن ، هم أنفسهم ، يحسّون بأنّ " نفوذ الولايات المتّحدة كدولة كبيرة فى العالم يتردّى" على النقيض من الإزدهار المتزايد فى العالم الإشتراكي الذى يقف على رأسه الإتحاد السوفياتي . و يمكن للمرء أن يرى عندهم " إنحطاط و سقوط روما القديمة فقط ".
و تدلّ التغيّرات التى طرأت على العالم فى الأربعين عاما و نيف الماضية ، على أنّ الإستعمار يتداعى كلّ يوم ، بينما تسير الإشتراكية أحسن فأحسن كلّ يوم . إنّه عصر عظيم جديد ذاك الذى يواجهنا اليوم ، و ميزته الأساسيّة أن قوى الإشتراكية تخطّت قوى الإستعمار و أن قوى يقظة الشعوب فى العالم تخطّت قوى الرجعية .
من الواضح أنّ الوضع العالمي الراهن قد مرّ بتغيّرات هائلة منذ زمن لينين ، و لكن هذه التغيّرات لم تبرهن على أنّ اللينينيّة قد فات أوانها ، بل على العكس ، اكّدت بوضوح ، أكثر فأكثر ، الحقائق التى كشفها لينين و جميع النظريّات التى قدمها أثناء النضال من أجل الدفاع عن الماركسية الثوريّة و لتطوير الماركسيّة .
و فى الظروف التاريخيّة لعصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، تقدّم لينين بالماركسية إلى مرحلة جديدة ، و أبان لجميع الطبقات و الشعوب المضطهَدة الطريق الذى تستطيع عبره أن تتخلّص حقّا من واقع عبوديّة الإستعمار الرأسمالي و الفقر .
لقد كانت هذه الأعوام الأربعون هي أعوام إنتصار اللينينية فى العالم ، أعوام شقّت فيها اللينينيّة طريقها بشكل أعمق إلى قلوب شعوب العالم . و لم تحرز اللينينيّة ، و تتابع إحراز الإنتصارات العظيمة فى البلدان التى أنشىء فيها النظام الإشتراكي فحسب ، بل إنّها تحقّق إنتصارات جديدة بإستمرار أيضا فى نضالات جميع الشعوب المضطهَدة .
إنّ إنتصار اللينينيّة قد هلّلت له شعوب العالم أجمع ، و فى نفس الوقت لا يمكن إلاّ أن يستثير حقد المستعمِرين و جميع الرجعيَين . و قد شنّ المستعمِرون ، لإضعاف نفوذ اللينينيّة و شلّ الإرادة الثوريّة للجماهير الشعبيّة ، أشدّ الهجمات و الإفتراءات بربرية و حقارة ضد اللينينيّة ، و أكثر من ذلك ، إشتروا و إستغلّوا المتذبذبين والمرتدّين داخل الحركة العمّالية، و وجّهوا هؤلاء لتشويه و تمييع تعاليم لينين . و عند نهاية القرن التاسع عشر ، عندما هزمت الماركسية مختلف الإتجاهات المعادية لها ، و إنتشرت بإتّساع فى الحركة العمّالية ، و إحتلّت مكان الصدارة ، قام المحرّفون الذين كان يمثّلهم برنشين بتحريف تعاليم ماركس تلبية لحاجات البرجوازية . و الآن حيث أرشدت اللينينية الطبقة العاملة و جميع الطبقات و الأمم المضطهَدة فى العالم ، فى المسيرة ضد الإستعمار و جميع أنواع الرجعيين ، و أحرزت إنتصارات كبرى ، قام المحرّفون المعاصرون الذين يمثّلهم تيتو بتحريف تعاليم لينين ( أي التعاليم الماركسية العصرية )، تلبية لحاجات المستعمِرين . و كما أشار البيان الذى صدر عن إجتماع مثّلي الأحزاب الشيوعية و العمّالية فى البلدان الإشتراكية الذى عقد فى موسكو فى تشرين الثاني ( نوفمبر) عام 1957، فإنّ " وجود التأثير البرجوازي هو مصدر داخلي للتحريفية بينما مصدرها الخارجي هوالإستسلام للضغط الإستعماري ". و بينما حاولت التحريفيّة القديمة فى ذلك العهد أن تثبت أنّ الماركسيّة أصبحت لا تلائم العصر ، فإنّ التحريفية المعاصرة تحاول إثبات أنّ اللينينية أصبحت لا تلائم العصر . لقد جاء فى بيان إجتماع موسكو :
" تسعى التحريفية المعاصرة للطعن فى التعاليم العظمى للماركسية - اللينينية ، و تزعم أنّها " غير ملائمة للعصر" ، كأنّها فقدت الآن أهمّيتها بالنسبة للتقدّم الإجتماعي . و يحاول المحرّفون بكلّ جهدهم إفساد الروح الثوريّة للماركسيّة و تخريب الإيمان بالإشتراكية بين الطبقة العاملة و الشغّيلة " .
لقد وضعت هذه الفقرة من البيان الأمور فى نصابها ، و هذا هو الوضع تماما .
فهل التعاليم الماركسية – اللينينية قد أصبحت الآن " غير ملائمة للعصر" ؟ و هل التعاليم المتكاملة كلّها التى أتى بها لينين حول الإستعمار و حول الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا و حول الحرب و السلم ، و حول بناء الإشتراكية و الشيوعية ما زالت تحتفظ بحيويّتها الدافقة ؟ و إذا كانت ما تزال صالحة و تحتفظ بحيويّتها الدافقة فهل ينطبق هذا على جزء معيّن منها أو عليها كلّها ؟ لقد إعتدنا أن نقول إنّ اللينينيّة هي ماركسيّة عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، ماركسية عصر إنتصار الإشتراكية و الشيوعية ، فهل ما يزال هذا الرأي صحيحا ؟ و هل يمكن القول إنّ إستنتاجات لينين الأصليّة و ما إعتدنا أن نعتقده حول اللينينية قد فقد صحّته و صوابه ، و لهذا فعلينا أن نرتدّ على أعقابنا و نقبل هذه الإستنتاجات التحريفيّة الإنتهازية التى مزّقها لينين منذ مدّة طويلة شذر مذر ، والتى أفلست بصورة مشينة فى الحياة الواقعية؟ إنّ هذه الأسئلة موضوعة الآن أمامنا و يجب الإجابة عليها . و على الماركسيين – اللينييين أن يفضحوا تماما سخافات المستعمِرين و المحرّفين المعاصرين حول هذه المسائل ، و يستأصلوا نفوذهم من بين الجماهير ، و يوقظوا أولئك الذين خدعوا مؤقّتا ، و يزيدوا من مضاء العزيمة الثورية لدى الجماهير الشعبية .
- 3 -
إنّ المستعمِرين الأمريكيين و الممثّلين المكشوفين للبرجوازية فى بلدان كثيرة ، و المحرّفين المعاصرين الذين تمثّلهم طغمة تيتو ، و الديمقراطيّين الإجتماعيّين اليمينيّين يعملون كلّ ما يستطيعون لرسم صورة مشوهة كلّيا للوضع العالمي المعاصر فى محاولة لتأكيد هذيانهم حول " أنّ الماركسية أصبحت غير ملائمة للعصر" و " أنّ اللينينية اصبحت أيضا غير ملائمة للعصر" و ذلك لتضليل شعوب العالم .
لقد أشار تيتو فى خطاب ألقاه فى نهاية العام الماضي ، بصورة متكرّرة ، إلى ما يدعوه المحرّفون المعاصرون ب " العصر الجديد " فقال : " لقد دخل العالم اليوم عصرا جديدا تستطيع فيه الأمم أن تأخذ راحة ، و أن تكرّس نفسها بإطمئنان لمهام البناء الداخلي فيها ". و اضاف لقد دخلنا عصرا وضعت فيه مسائل جديدة فى جدول الأعمال ، ليست مسائل حرب و سلم بل مسائل تعاون فى الحقول الإقتصاديّة و الحقول الأخرى . و عندما يكون التعاون الإقتصادي معنيّا فهناك أيضا مسألة المباراة الإقتصادية ". 3
إنّ هذا المرتدّ يشطب تماما مسألة التناقضات الطبقية و النضال الطبقي فى العالم ، فى محاولة لنفي التفسير الثابت للماركسيين- اللينينيين بأنّ عصرنا هو عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، عصر إنتصار الإشتراكية و الشيوعية .
و لكن ما هو الوضع الحقيقي فى العالم ؟
هل تستطيع الشعوب المستثمَرة و المضطهَدة فى البلدان الإستعمارية أن " تأخذ راحة " ؟ هل تستطيع شعوب جميع المستعمرات و أشباه المستعمرات التى مازالت تحت نير الإضطهاد الإستعماري أن " تأخذ راحة " ؟
و هل أصبح التدخّل المسلّح الذى قاده المستعمِرون الأمريكيون فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية " ساكنا " ؟ و هل هناك " هدوء " فى مضائق تايوان ؟ و هل هناك " هدوء " فى القارّة الأفريقيّة فى الوقت الذى يتعرّض فيه شعب الجزائر و شعوب أجزاء أخرى عديدة من أفريقيا للقمع المسلّح من جانب المستعمِرين الفرنسيّين و البريطانيين و المستعمِرين الآخرين ؟ و هل هناك " هدوء " فى أمريكا اللاتينية فى الوقت الذي يحاول فيه المستعمِرون الأمريكيون تحطيم ثورة الشعب فى كوبا بوسائل القذف بالقنابل و الإغتيالات و التخريب ؟
و ما نوع " البناء" الذى يعنيه القول " تكرّس نفسها لمهام البناء الداخلي " ؟ يعلم الجميع أنّ هناك أنواعا مختلفة من البلدان فى العالم اليوم ، و بصورة رئيسية هناك نوعان من البلدان ذوا نظامين إجتماعيين مختلفين بصورة أساسيّة من حيث طبيعتهما : النوع الأوّل يتبع النظام العالمي الإشتراكي ، و الآخر يتبع النظام العالمي الرأسمالي . فهل الذى يشير إليه تيتو هو " البناء الداخلي " لتوسيع التسلّح الذى يقوم به المستعمِرون من أجل إضطهاد شعوب بلدانهم و العالم أجمع ؟ أم هذا " البناء الداخلي" الذى تقوم به الإشتراكية من أجل تعزيز سعادة الشعوب ، و تلمّسا لسلم عالمي أبدي؟
و هل مسألة الحرب و السلم لم تعد مسألة بعد الآن ؟ هل المسألة أنّ الإستعمار لم يعد قائما و أنّ نظام الإستغلال لم يعد قائما و لهذا فمسألة الحرب لم تعد قائمة ؟ أو ندع الإستعمار و نظام الإستغلال يعيشان أبدا و من ثمّ لا يمكن أن تكون هناك مسألة حرب ؟ الحقيقة أنّ الحرب ظلّت مستمرّة منذ الحرب العالمية الثانية . فهل الحروب الإستعماريّة لقمع حركات التحرّر الوطني ، و الحروب الإستعماريّة للتدخّل المسلّح ضد الثورات فى عدّة بلدان لا تعدّ حروبا ؟ و حتى مع أنّها لم تتطوّر إلى حروب عالمية ، فهل لا تعدّ هذه الحروب المحليّة حروبا ؟ و حتى مع أنّها لم تستخدم فيها الأسلحة النوويّة فهل لا تعدّ الحروب التى يستخدم فيها ما يدعى بالأسلحة التقليديّة حروبا ؟ و هل تخصيص المستعمِرين الأمريكيين نحوا من ستين بالمئة من ميزانية عام 1960 لتوسيع التسلّح و الإستعدادات الحربيّة لا يعدّ سياسة تعطّش للحرب من جانب الإستعمار الأمريكي ؟ و هل لا تواجه البشرية بخطر حرب كبرى جديدة بإنعاش العسكريتين فى ألمانيا الغربية و اليابان ؟
وما نوع " التعاون" المقصود هنا ؟ هل هو " تعاون " شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات مع المستعمرين لحماية الإستعمار ؟ هل هو " تعاون " البلدان الإشتراكية مع البلدان الرأسمالية لحماية النظام الإستعماري فى إضطهاده شعوب البلدان الرأسمالية و قمع حروب التحرّر الوطني ؟
بكلمة واحدة ، إنّ مزاعم المحرّفين المعاصرين حول ما يدعى ب " العصر" هي تحدّيات عديدة للينينيّة فيما يتعلّق بالقضايا الآنفة الذكر . إنّ هدفهم هو طمس التناقضات بين الجماهير الشعبية و الطبقة البورجوازية الإحتكارية فى البلدان الإستعمارية ، و طمس التناقض بين الشعوب المستعمَرة و شبه المستعمَرة و بين المعتدين الإستعماريين و التناقض بين النظام الإشتراكي و النظام الإستعماري ، و التناقض بين الشعوب المحبّة للسلام فى العالم و الكتلة الإستعمارية المتعطّشة للحرب .
لقد قيلت أقوال مختلفة فى تمييز مختلف " العصور " . و عموما هناك قول هو مجّرد ثرثرة و هراء و يقوم على تلفيق كلمات غامضة مبهمة ، و التلاعب بها للتستّر على جوهر العصر، و هذه هي الحيلة القديمة للمستعمِرين و البرجوازيين و المحرّفين فى الحركة العمّالية . و هناك قول آخر هو تحليل الظروف الخاصة بالوضع الشامل للتناقضات الطبقية و النضال الطبقي تخليلا محدّدا ، و وضع التعاريف العلميّة بصورة دقيقة ، ممّا يضع جوهر العصر أمام الأضواء بصورة كاملة ، إن هذا هو عمل كلّ ماركسي جدّي .
و حول الخصائص التى تميّز عصرا ما قال لينين :
" ... نحن نتكلّم هنا عن العصور التاريخية الكبرى ، ففى كلّ عصر كان هناك ، و سيكون هناك ، حركات منفصلة جزئية إلى الأمام أحيانا و إلى الوراء أحيانا أخرى ، و كانت هناك ، و ستكون هناك ، إنحرافات مختلفة عن النوع العادي و السرعة العادية للحركات . و نحن لا نستطيع أن نعرف سرعة تطوّر مدى نجاح بعض الحركات التاريخيّة فى عصر ما ، و لكنّنا نستطيع أن نعرف ، و أن نعرف حقّ المعرفة ، أيّ الطبقات تحتلّ المكانة الرئيسية فى هذا العصر أو ذاك ، و تقرّر محتواه الرئيسي و الإتّجاه الرئيسي لتطوّره ، و الميزات الرئيسية للوضع التاريخي فى ذلك العصر إلخ . و على هذا الأساس فقط ، أي بإعتبار ، أوّلا و قبل كلّ شيء ، الخصائص الأساسيّة المميذزة " لعصور " مختلفة ( و ليس أحداثا منفردة فى تاريخ بلدان منفردة ) نستطيع رسم تكتيكاتنا بصورة صحيحة 4
إنّ مسألة العصر هي كما يشير لينين هنا ، مسألة ما هي الطبقة التى تحتلّ المكانة الرئيسية فيه و تقرّر فيه محتواه الأساسي و إتجاهه الرئيسي فى التطوّر . و لم يتخلّ لينين أبدا و لو للحظة واحدة ، إخلاصا منه للديالكتيك الماركسي ، عن موقف تحليل علاقات الطبقات . و كان يعتقد بأنّ " الماركسية تقدر " المصالح " عن طريق التناقضات الطبقية و النضالات الطبقية التى تعرض نفسها فى ملايين الحقائق فى الحياة اليومية " . 5و يعتقد لينين :
" إنّ أسلوب ماركس يتضمّن ، قبل كلّ شيء الأخذ بعين الإعتبار المحتوى الموضوعي للعمليّة التاريخيّة فى اللحظة المحدّدة ، و فى الوضع المحدّد ، لأجل إدراك ، قبل كلّ شيء ، ما هي الطبقة التى يمكن أن تشكّل حركتها قوّة محرّكة رئيسيّة للتقدّم الإجتماعي فى هذا الوضع المحدّد " 6.
و طالب لينين دائما بأن نتفحّص الطريق المحدّد للتطوّر التاريخي على أساس التحليل الطبقي بدلا من التحدّث بصورة غامضة عن " المجتمع عموما " ، أو " التقدّم عموما " . و علينا نحن الماركسيّين أن لا نضع السياسة البروليتاريّة على أساس مجرّد بعض الأحداث العابرة أو التغيّرات السياسيّة الدقيقة ، بل على أساس الوضع الشامل للتناقضات الطبقية و النضالات الطبقية فى عصر تاريخي بأكمله . إنّ هذا موقف نظري اساسي للماركسيين . و عن طريق الوقوف موقفا حازما حول هذه المسألة توصّل لينين ، فى الفترة الجديدة من التغيّرات الطبقية ، فى الفترة التاريخية الجديدة ، إلى أن أمل الإنسانية يكمن كلّيا فى إنتصار البروليتاريا ، و أنّ على البروليتاريا أن تعدّ نفسها لإحراز النصر فى هذه المعركة الثورية الكبرى و أن تقيم ديكتاتورية البروليتاريا . و بعد ثورة أكتوبر ، و فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفيك ) عام 1918 صرّح لينين :
" علينا أن نبدأ بالأساس العام لتطوّر إنتاج السلع و الإنتقال إلى الرأسمالية و تحوّل الرأسمالية إلى الإستعمار ، و بذلك نحتلّ و نوطّد ، نظريّا ، الموقع الذى سوف لا يحاول أحد ، لم يخن الإشتراكية ، أن يزحزحنا عنه . و فى الوقت نفسه يمكننا من هذا أن نتوصّل إلى إستنتاج مساو فى حتميته وهو : إنّ عصر الثورة الإجتماعية قد بدأ ".
هذا هو إستنتاج لينين ، وإنّه إستنتاج لم يزل حتى الآن يتطلّب بحثا عميقا من جانب جميع الماركسيين .
إنّ نظرية الماركسيين الثوريين بأنّ عصرنا هو عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، عصر إنتصار الإشتراكية و الشيوعية ، هي نظرية لا يمكن تفنيدها ، لأنّها تستحوذ بصورة صائبة تماما على الخصائص الأساسيّة لعصرنا العظيم الراهن . و النظريّة القائلة بأنّ اللينينيّة هي إستمرار و تطوّر للماركسيّة الثوريّة فى هذا العصر العظيم ، و بأنّها نظرية و سياسة الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا ، هي أيضا نظرية لا يمكن تفنيدها، لأنّ اللينينية ، على وجه التحديد ، هي التى كشفت عن التناقضات فى عصرنا العظيم : التناقضات بين الطبقة العاملة و الرأسمال الإحتكاري ، التناقضات بين البلدان الإستعمارية ذاتها ، التناقضات بين الشعوب المستعمَرة و شبه المستعمَرة من جانب ، و الإستعمار من جانب آخر ، التناقضات بين البلدان الإشتراكية حيث إنتصرت البروليتاريا من جانب ، و البلدان الإستعمارية من جانب آخر . و لهذا فقد أصبحت اللينينيّة راية إنتصارنا . و لكن على العكس من هذه السلسلة من نظريّات الماركسيّة الثوريّة ، لم يعد فى الواقع فيما يدعوه التيتويّون ب " العصر الجديد " إستعمار و لا ثورة بروليتارية ، ناهيك عن نظرية و سياسة الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا . و بإختصار ، فإنّ نقاط التمركز الأساسي للتناقضات الطبقيّة و النضالات الطبقية فى عصرنا غير مرئية أبدا بالنسبة إليهم ، كما أنّ المسائل الأساسيّة فى اللينينيّة مفقودة لديهم و ليست هناك أية لينينية .
و يزعم المحرّفون المعاصرون أن " النظريّات القديمة " لماركس و لينين لم تعد قابلة للتطبيق فيما يدعونه ب " نحن لسنا جامدين عقائديّا ، فماركس و لينين لم يتنبأا بالصاروخ يصل القمر و لا بالقنابل الذرّية و لا بالتقدّم التكنيكي الكبير" 7 إنّهم ليسوا جامدين عقائديّا ، هذا جميل ، و من الذى يريدهم أن يكونوا جامدين عقائديّا ؟ و لكن الإنسان يستطيع مقاومة الجمود العقائدي للدفاع عن الماركسية - اللينينية أو يستطيع ، فى الحقيقة ، أن يقاوم الماركسية - اللينينية بإسم مقاومة الجمود العقائدي . و إنّ التيتويّين هم من الفئة الأخيرة . وهناك أشخاص يحملون آراء غير صحيحة حول مسألة أثر التقدّم العلمي والتكنولوجي على التطوّر الإجتماعي، وذلك بسبب أنّهم غير قادرين على معالجة المسألة من وجهة النظر الماديّة التاريخيّة ، و هذا أمر يمكن إدراكه ، و لكن المحرّفين المعاصرين يخلقون عن عمد الإرتباك حول هذه المسالة فى محاولة يائسة لإستخدام تقدّم العلوم و التكنولوجيا لإلقاء الماركسية – اللينينية فى مهبّ الرياح .
لقد كانت منجزات الإتحاد السوفياتي ، فى السنوات القليلة الماضية ، فى حقلي العلوم و التكنولوجيا ، المنجزات الأولى فى العالم . و المنجزات السوفياتيّة هي حصيلة ثورة أكتوبر الكبرى . و هذه المنجزات البارزة تدلّ على بداية عصر جديد فى غزو الإنسان للطبيعة ، وهي ، فى الوقت نفسه ، تلعب دورا هاما جدّا فى الدفاع عن سلام العالم . و لكن ، فى الظروف الجديدة التى جلبها تطوّر التكنولوجيا الحديثة ، هل تزعزع الجهاز النظري للماركسية – اللينينية كما يقول تيتو بسبب " وصول الصاروخ إلى القمر، و القنابل الذرّية و التقدم التكنيكي الكبير" الأمور التى " لم يتنبّا بها " ماركس و لينين ؟ و هل يمكن القول إنّ النظرة الماركسيّة - اللينينية للعالم ، و النظرة الإجتماعية التاريخية ، و النظرة الأخلاقيّة و المعتقدات الأساسيّة الأخرى قد أصبحت ، لذلك ، ما يدعونه " عقائد جامدة " بالية ، و من ثمّ فإنّ قانون النضال الطبقي لم يعد قائما ؟
إنّ ماركس و لينين لم يعيشا حتى يومنا هذا ، و بطبيعة الحال لم يستطيعا رؤية بعض التفصيلات المعيّنة للتقدّم التكنولوجي فى عالم اليوم ، و لكن ماذا ينبئ ، على وجه التحديد ، تطوّر العلوم الطبيعيّة و تقدّم التكنولوجيا بالنسبة للنظام الرأسمالي ؟ لقد إعتقد ماركس و لينين بأنّ هذا ينبء فقط بثورة إجتماعية جديدة ، و لكنّه لا ينبئ بالتاكيد بإضمحلال الثورة الإجتماعية .
ونحن نعلم أن كلاّ من ماركس و لينين إبتهج بالإكتشافات الجديدة و التقدّم فى العلوم الطبيعية و التكنولوجيا فى غزو الطبيعة ، و قال إنجلز فى " الخطاب على قبر ماركس " :
" لقد كان العلم فى نظر ماركس قوّة ثوريّة محرّكة تاريخيّا . و مهما كان كبيرا الإبتهاج الذى يستقبل به أي إكتشاف جديد فى أي علم من العلوم النظرية ، حتى الإكشافات التى ربّما كان تطبيقها العملي مستحيل التصوّر بعد ، فإنّه كان بنوع آخر تماما من البهجة عندما يتضمّن الإكتشاف تأثيرات ثوريّة فوريّة فى الصناعة و فى التطوّر التاريخي عموما ".
و أضاف إنجلز : " يجب أن نعلم أنّ ماركس كان ثوريّا قبل كلّ شيء ". إنّ هذا قول جدّ جيد ! لقد نظر ماركس دائما إلى جميع الإكتشافات الجديدة فى غزو الطبيعة من وجهة نظر الثوري البروليتاري ، و ليس من وجهة نظر من يعتقد بأنّ الثورة البروليتارية ستضمحلّ .
و كتب ولهالم ليبكنخت فى مقاله " ذكريات عن ماركس " :
لقد هزأّ ماركس بالقوى الرجعية الأوروبية المنتصرة التى تخيّلت أنّها خنقت الثورة ، و لم يخطر ببالها أنّ العلوم الطبيعيّة كانت تعدّ ثورة جديدة . وإنّ الملك – البخار الذى أدخل العالم فى ثورة فى القرن السابق يقترب اليوم من نهاية حكمه ، و أنّ هناك قوّة ثورية أعظم بصورة لا تقارن ستحلّ محله ، وهي شرارة الكهرباء .
" ... إنّ نتائج هذا الأمر لا يمكن التنبؤ بها . و الثورة الإقتصاديّة تتلوها حتما ثورة سياسية حيث أنّ الأخيرة ليست إلاّ تعبيرا عن الأولى .
إنّ ماركس حين بحث تقدّم العلوم و الميكانيكا ، عبّر بوضوح عن نظرته للعالم ، و بوجه خاص عمّا يسمّى الآن بالنظرة الماديّة للتاريخ ، لدرجة أنّ بعض الشكوك التى كانت ما تزال تراودنى فى ذلك الوقت قد ذابت ذوبان الثلج تحت شمس الربيع " .
هكذا شعر ماركس بأنفاس الثورة فى تقدّم العلوم و التكنولوجيا . و كان ماركس يعتقد أن التقدّم الجديد فى العلوم و التكنولوجيا سيؤدى إلى ثورة إجتماعية تطيح بالنظام الرأسمالى . إنّ تقدّم العلوم الطبيعية و التكنولوجيا ، فى نظر ماركس ، يعزّز أكثر فأكثر موقف النظرة الماركسية للعالم بأكملها و النظرة الماديّة للتاريخ ، وهو بالتأكيد ، لا يزعزعه ، و إنّ تقدّم العلوم الطبيعية و التكنولوجيا يعزّز مركز الثورة البروليتارية و كفاح الأمم المضطهَدة ضد الإستعمار أكثر فأكثر ، وهو بالتأكيد ، لا يضعفه .
و نظر لينين أيضا ، مثله مثل ماركس ، إلى التقدّم التكنولوجي على أنّه مرتبط بمسألة الثورة فى النظام الإجتماعي . و هكذا إعتقد لينين " أنّ عصر البخار هو عصر البرجوازية و عصر الكهرباء هو عصر الإشتراكية " 8 ولنلاحظ هنا الفارق بين روح ماركس و لينين الثوريّة هذه و بين الموقف المشين للمحرّفين المعاصرين فى خيانة الثورة !
إنّ فى المجتمع الطبقي ، و فى عصر الإستعمار ، ليس بإمكان الماركسين – اللينينيين إلاّ أن يعالجوا ، دائما ، مسألة تطوّر و إستخدام التكنولوجيا من وجهة نظر التحليل الطبقي .
و بما أنّ النظام الإشتراكي تقدّميّ و يمثّل مصالح الشعب ، فإنّ البلدان الإشتراكية تريد إستخدام مثل هذا التكنيك الجديد كالطاقة الذرّية و الصواريخ لخدمة البناء الداخلي السلمي و غزو الطبيعة . و كلّما سيطرت البلدان الإشتراكية على قدر أكبر من مثل هذا التكنيك الجديد ، و كلما طوّرته بسرعة ، كان تحقيقها لهدف التطوّر العالي السرعة لقوى الإنتاج الإجتماعيّة من أجل تلبية حاجات الشعب أفضل ، و زادت فى الوقت نفسه من تعزيز قوى ردع الحرب الإستعمارية و من إمكانية الدفاع عن السلام العالمي . و لهذا فعلى البلدان الإشتراكية ، من أجل مصلحة شعوبها و لمصلحة سلام شعوب العالم اجمع ، أن تسيطر أكثر فأكثر، حيث كان ذلك ممكنا ، على مثل هذه التكنيكات الجديدة التى تخدم مصلحة الشعوب . و فى الوقت الحاضر ، يحتلّ الإتحاد السوفياتي الإشتراكي ، بصورة واضحة، المكانة العليا فى تطوير التكنيكات الجديدة . و يعلم الكلّ أنّ الصاروخ الذى هبط على القمر قد أطلق من قبل الإتحاد السوفياتي و ليس من قبل الولايات المتّحدة – البلد الأكثر تطوّرا فى الرأسمالية . و هذا يظهر أنّه ، فى البلدان الإشتراكية فقط ، يمكن أن توجد آفاق غير محدودة للتطوّر الواسع النطاق للتكنيكات الجديدة .
و على العكس ، بسبب أنّ النظام الإستعماري رجعي و ضد الشعب ، تريد الدول الإستعمارية إستخدام مثل هذه التكنيكات الجديدة للأغراض العسكرية ، أغراض العدوان على البلدان الأجنبيّة و التهويل على شعوبها نفسها ، و لصنع السلاح من أجل تذبيح بنى الإنسان . إنّ ظهور مثل هذه التكنيكات الجديدة ، بالنسبة للدول الإستعمارية ، يعنى فقط دفع التناقضات بين تطوّر القوى المنتجة الإجتماعية و علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى مرحلة أكثر حدّة ، إن ما يجلبه هذا ليس بصورة من الصور تخليد الرأسمالية ، بل المزيد من شحذ ثورة الشعوب فى تلك البلدان و تدمير النظام الراسمالي القديم الإجرامي الذى يقوم على أكل لحوم البشر ليس إلاّ .
و يستخدم المستعمِرون الأمريكيون و شرطاؤهم أسلحة مثل القنابل الذرّية للتهديد بالحرب و لإعتصار العالم كلّه ، و هم يعلنون أنّ كلّ من لا يخضع لسيطرة الإستعمار الأمريكي سيدمّر . و تردّد طغمة تيتو هذا اللحن فتستخدم اللحن الإستعماري الأمريكي لنشر الفزع من الحرب الذرّية بين الجماهير الشعبيّة . و يستطيع الخداع الإستعماري الأمريكي و تطبيل طغمة تيتو أن يضلّلا ، مؤقتا فقط ، أولئك الذين لا يدركون الوضع الحقيقي ، ولكنّهما لا يستطيعان إرهاب الشعوب التى إستيقظت. و حتى أولئك الذين لا يدركون ، حتى الآن ، الوضع الحقيقي فإنّهم سيدركون تدريجيّا ذلك الوضع بمساعدة العناصر المتقدّمة .
لقد إعتقد الماركسيون – اللينينيون دائما أنّه ، فى تاريخ العالم ، ليس التكنيك بل الإنسان ، جماهير الشعب ، هي التى تقرّر مصير البشريّة . و كانت هناك نظريّة سارية لوقت ما بين بعض الناس فى الصين قبل و خلال حرب مقاومة العدوان الياباني تعرف بنظرية " السلاح يعنى كلّ شيء ". تزعم هذه النظرية أن أٍسلحة اليابان كانت جديدة و تكنيكها متقدّما ، بينما كانت أسلحة الصين قديمة و تكنيكها متأخّرا ، فإستنتجوا من ذلك ان " الصين ستخضع لا محالة " . و قد فنّد الرفيق ماو تسى تونغ فى كتابه " حول الحرب الطويلة الأمد " الذى نشر فى ذلك الوقت ، مثل هذا الهراء ، و قدّم التحليل التالي : إنّ حرب المستعمِرين اليابانيين العدوانيّة ضد الصين مصيرها الفشل لأنّها رجعيّة ، غير عادلة ، و حيث أنّها غير عادلة فهي لا تحظى بالتأييد ،أمّا حرب المقاومة التى يخوضها الشعب الصيني ضد اليابان فستنتصر بالتأكيد لأنّها تقدّمية ، عادلة ، و حيث أنّها عادلة فهي تحظى بتأييد وافر . و أشار الرفيق ماو تسى تونغ إلى أن أوفر مصدر للقوّة فى الحرب يكمن فى الجماهير ، وأنّ جيشا شعبيّا تنظمه جماهير مستيقظة متّحدة من الشعب هو جيش لا يقهر فى جميع انحاء العالم . إنّ هذا تحليل ماركسي لينيني . و ماذا كانت النتيجة ؟ لقد كانت النتيجة أن التحليل الماركسي اللينيني إنتصر و هزمت " نظرية الخضوع " و أمثالها فى نهاية الأمر . و خلال الحرب الكوريّة ، بعد الحرب العالمية الثانية ، أثبت إنتصار الشعبين الكوري و الصيني على المعتدين الأمريكيين ، المتفوّقين كثيرا فى الأسلحة و العتاد ، صحّة هذا التحليل الماركسي اللينيني مرّة أخرى .
إنّ الشعب الواعي يجد دائما طرقا جديدة للردّ على تفوّق الرجعيين فى السلاح و لإحراز النصر . لقد كان هذا صحيحا فى التاريخ الماضي ، وهو كذلك فى الوقت الحاضر، و سيبقى كذلك فى المستقبل. و بسبب أنّ الإتحاد السوفياتي الإشتراكي قد أحرز التفوّق فى التكنيك العسكري و أنّ المستعمِرين الأمريكيين قد فقدوا بذلك إحتكارهم للأسلحة الذرّية و النوويّة ، و نتيجة ليقظة شعوب العالم و شعب الولايات المتحدة نفسها فى الوقت ذاته ، فإنّ ثمة فى العالم الآن إمكانية عقد مثل هذه الإتّفاقية . و خلافا للمستعمِرين المتعطّشين للحرب ، تقف البلدان الإشتراكية و الشعوب المحبّة للسلام فى العالم أجمع بنشاط و حزم من أجل تحريم و تدمير الأسلحة الذرّية و النوويّة . إنّنا نناضل دائما ضد الحرب الإستعمارية و من أجل تحريم الأسلحة الذرّية و النوويّة و للدفاع عن سلام العالم . وكلّما إتّسع و تعمّق هذا النضال، و كلّما كان فضح الوجوه الفظيعة للمستعمِرين الأمريكيين و المستعمرين الآخرين المتعطّشين للحرب تاما و شاملا ، كنّا قادرين على عزل هؤلاء المستعمرين عن شعوب العالم ، و إزدادت إمكانية غلّ أيديهم و أرجلهم ، و كان الوضع أفضل بالنسبة لقضية السلام العالمي و على العكس ، إذا فقدنا يقظتنا ضد خطر شنّ المستعمرين للحرب ، و إذا لم نعمل لإثارة شعوب مختلف البلدان للنهوض ضد الإستعمار ، بل غللنا أيدى الشعوب و أرجلها ، فسيستطيع الإستعمار الإستعداد للحرب كما يحلو له . و ستكون النتيجة الحتميّة زيادة شنّ المستعمِرين للحرب ، و عندما تنشب الحرب ربّما لن تكون الشعوب قادرة على إتّخاذ موقف صحيح بسرعة إزاءها بسبب الإفتقار التام ، أو غير الكافى ، للإستعداد ، و هكذا تكون غير قادرة على ردع الحرب بقوّة . و بطبيعة الحال ، لا يمكننا نحن تقرير ما إذا كان المستعمِرون سيشنّون حربا أم لا . إنّنا ، على كلّ حال ، لسنا رؤساء أركان حرب للمستعمِرين . و ما دامت شعوب جميع البلدان ترفع وعيها و تستعدّ إستعدادا تاما ، مع تملّك المعسكر الإشتراكي أيضا للأسلحة الحديثة ، فإنّ النتيجة ستكون حتما الدمار السريع جدّا للمستعمِرين الوحوش الذين تطوّقهم شعوب العالم ، و لن تكون النتيجة ، بالتأكيد ، إبادة الجنس البشري ، و ذلك إذا رفض المستعمِرون الأمريكيون او المستعمِرون الآخرون الوصول إلى إتّفاقية حول تحريم الأسلحة الذرّية و النوويّة ، و جرؤوا على معاندة إرادة الإنسانية كلّها بشنّ حرب يستخدمون فيها السلاح الذرّي و النووي . إنّنا نقاوم بثبات شنّ حروب إجرامية من جانب المستعمرين ، لأنّ الحرب الإستعمارية تفرض ضحايا هائلة على شعوب مختلف البلدان ( بما فيها شعوب الولايات المتحدة و البلدان الإستعمارية الأخرى ). و لكن إذا فرض المستعمِرون مثل هذه التضحيات على شعوب مختلف البلدان ، فإنّنا نعتقد ، تماما كما أظهرت تجربة الثورة الروسية و الثورة الصينية ، أنّ مثل هذه التضحيات ستعوّض . فعلى أنقاض الإستعمار الميّت ، ستخلق الشعوب الظافرة ، بسرعة كبيرة جدّا ، حضارة ارقى ألف مرّة من حضارة النظام الرأسمالي ، و مستقبلا جميلا حقّا لنفسها .
ولا يكون الإستنتاج إلاّ كما يلى فقط : كيفما نظرنا إلى الأمر ، فلن نجد شيئا من التكنيكات الجديدة مثل الطاقة الذرّية و الصواريخ و هلمجرّا قد غيّر ، كما يزعم المحرّفون المعاصرون ، الخصائص الأساسيّة لعصر الإستعمار و الثورة البروليتارية الذى أشار إليه لينين . و لن يسقط نظام الإستعمار الرأسمالي من تلقاء نفسه بالتأكيد ، بل سيطاح به من قبل ثورة البروليتاريا داخل البلد الإستعماري المعني ، و من قبل الثورة الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . و لا يستطيع التقدّم التكنولوجي المعاصر إنقاذ نظام الإستعمار الرأسمالي من الفناء ، بل هو يقرع فقط ناقوسا جديدا مؤذنا بوفاته .
- 4 -
و يحاول المحرّفون المعاصرون ، منطلقين من إستنتاجهم السخيف حول الوضع العالمي المعاصر، و من إستنتاجهم السخيف حول ما يزعمون من أن النظرية الماركسية – اللينينية للتحليل الطبقي و النضال الطبقي قد فات أوانها ، الإطاحة كلّيا بالنظريات الأساسية للماركسية – اللينينية حول سلسلة من المسائل مثل العنف ، و الحرب ، و التعايش السلمي و هكذا .
و هناك أيضا بعض الناس ليسوا محرّفين بل حسنو النيّة ، يريدون مخلصين أن يكونوا ماركسيّين ، و لكنّهم يرتبكون أمام بعض الظواهر التاريخية الجديدة ، و هكذا يحملون بعض الأفكار غير الصائبة ، فبعضهم يقول مثلا ، إنّ فشل سياسة المستعمرين الأمريكيين فى الخداع الذرّي يدلّ على نهاية العنف ، و فى الوقت الذى نفنّد فيه تفنيدا تاما سخافات المحرّفين المعاصرين علينا أيضا أن نساعد ذوى النيّة الحسنة هؤلاء على تصحيح أفكارهم الخاطئة .
ما هو العنف ؟ لقد قال لينين الكثير حول المسألة فى كتابه " الدولة و الثورة ". إنّ ظهور و وجود الدولة بحدّ ذاته هو نوع من أنواع العنف . لقد أورد لينين التوضيح التالي الذى جاء به إنجلز:
" تألّف هذه السلطة لا من مجرد رجال مسلّحين ، بل و من ملحقات ماديّة كالسجون و المؤسسات القسريّة من جميع الأنواع ..."
و يعلّمنا لينين أنّ علينا أن نرسم خطّا مميّزا بين نوعين من أنواع الدولة يختلفان فى طبيعتهما : دولة ديكتاتورية البرجوازية و دولة ديكتاتورية البروليتياريا ، و بين نوعين من العنف يختلفان فى طبيعتهما : العنف المعادي للثورة و العنف الثوري ، فطالما كان هناك عنف معاد للثورة فمن المحتّم أن يكون هناك عنف ثوري لمقاومته . و من المستحيل سحق العنف المعادي للثورة بدون عنف ثوري . إنّ الدولة التى تمسك بزمام السلطة فيها الطبقات المستغِلّة هي عنف معاد للثورة ، هي قوة خاصة لقمع الطبقات المستغَلة لمصلحة الطبقات المستغِلة. و قبل أن يمتلك المستعمِرون قنابل ذريّة و أسلحة صاروخية ، و منذ أن إمتلكوا هذه الأسلحة الجديدة ، كانت الدولة الإستعمارية دائما قوّة خاصة لقمع البروليتاريا فى الداخل و شعوب مستعمراتها و أشباه مستعمراتها فى الخارج ، و كانت دائما مؤسسة للعنف على هذا الشكل ، و حتى لو أجبر المستعمِرون على عدم إستخدام هذه الأسلحة الجديدة فستبقى الدولة الإستعماريّة ، بطبيعة الحال ، مؤسّسة إستعمارية للعنف طالما لم يطح بها و لم تستبدل بدولة شعبيّة ، بدولة ديكتاتورية البروليتاريا فى ذلك البلد .
و لم تكن هناك أبدا منذ فجر التاريخ مثل هذه القوى الواسعة النطاق ، قوى العنف هذه البالغة غاية الشرّ و الفظاعة ، التى يمتلكها المستعمِرون الرأسماليون فى الوقت الحاضر . و خلال السنوات العشر و النيف الماضية ، إتّبع المستعمِرون الأمريكيون ، دون أيّة مبالاة ، وسائل إضطهاد أوحش مئة مرّة من تلك التى إتّبعت من قبل دائسين أفضل أبناء الطبقة العاملة ، و الشعب الزنجي و جميع التقدّميين فى البلاد و ظلّوا يعلنون بطيش ، زيادة على ذلك ، أنّهم ينوون وضع العالم أجمع تحت حكمهم الذى يقوم على العنف . و هم يوسّعون ، بإستمرار، قوى عنفهم ، و يشترك ، فى الوقت نفسه ، المستعمِرون الآخرون أيضا فى السباق لزيادة قوى العنف الذى يمارسونه .
إنّ الجهاز العسكري المتضخّم للبلدان الإستعمارية ، و فى طليعتها الولايات المتّحدة ، قد ظهر أثناء الأزمة العامة الخطيرة التى ألمّت بالرأسمالية بشكل لم يسبق له مثيل . و كلّما قام المستعمِرون بتوسيع قواتهم العسكرية حتى القمّة ، و بصورة محمومة ، إقتربوا من نهايتهم . و قد أصبح الآن لدى حتى بعض ممثّلي الإستعمار الأمريكي دلائل على الفناء الحتمي للنظام الرأسمالي . و لكن هل يضع المستعمِرون بأنفسهم حدّا لعنفهم ؟ و هل يتخلّى أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة فى البلدان الإستعماريّة ، بطيب خاطر ، عن العنف الذى أقاموه ، بسبب أن الإستعمار يقترب من ملاقاة حتفه ؟ و هل يمكن القول إنّ المستعمِرين ، بالقياس إلى الماضي لم يعودوا مدمنين على العنف ، أو أنّ هناك إنخفاظا فى درجة إدمانهم ؟
لقد أجاب لينين على مثل هذه الأسئلة فى عدّة مناسبات منذ مدّة طويلة . فقد أشار فى كتابه " الإستعمار أعلى مراحل الرأسمالية " : " ... يحاول الإستعمار دائما و بكلّ جهوده ، فى الناحية السياسية أن يلجأ إلى العنف و الرجعية ". و بعد ثورة أكتوبر أشار لينين فى كتابه " ثورة البروليتاريا و المرتدّ كاوتسكي " إشارة خاصة إلى حوادث التاريخ مقارنا الفروق بين الراسمالية قبل مرحلة الإحتكار و بين رأسمالية الإحتكار ، أي الإستعمار ، فقال :
" كانت الرأسمالية قبل مرحلة الإحتكار ، ( التى وصلت أوجها فى السبعينات من القرن التاسع عشر ) بسبب خواصها الإقتصادية الأساسية ( التى كانت أكثر تميّزا فى أنكلترا و أمريكا ) متميّزة بإرتباطها النسبيّ بالسلم و الحرّية . أمّا الإستعمار، أي الرأسمالية الإحتكارية التى نضجت أخيرا فى القرن العشرين فقط ، فإنّه متميّز بأقلّ إرتباط بالسلم و الحرّية و بأعظم تطوّر و أشمله للعسكرية فى كلّ مكان بسبب خواصه الإقتصادية الأساسية ".
لقد تفوّه لينين بهذه الكلمات فى الفترة الأولى من ثورة أكتوبر بطبيعة الحال ، عندما كانت دولة البروليتاريا قد وُلدت حديثا ، و عندما كانت قواها الإقتصادية ما تزال فتيّة و ضعيفة ، و قد طرأت ، بعد إنقضاء أربعين عاما و نيف ، تغيّرات هائلة على وجه الدولة السوفياتية ذاتها و على وجه العالم أجمع كما ذكرنا سابقا . والآن ، هل يمكن القول إنّ طبيعة الإستعمار قد تغيّرت بسبب بأس الإتحاد السوفياتي و قوى الإشتراكية و قوى السلام ، و إن الرأي السابق للينين قد فات أوانه نتيجة لذلك ، أو إنّ الإستعمار ، مع أنّ طبيعته لم تتغيّر ، لم يعد يلجأ إلى العنف ؟ و هل تتّفق هذه الأفكار مع الوضع الحقيقي ؟
لقد أحرز النظام العالمي الإشتراكي ، بصورة واضحة ، اليد العليا فى صراعه مع النظام العالمي الرأسمالي . و لقد أضعفت هذه الحقيقة التاريخية العظمى مكانة عنف الإستعمار فى العالم بأسره . و لكن هل تجعل هذه الحقيقة المستعمِرين يقلعون منذ اليوم عن إضطهاد شعوب بلدانهم مرّة أخرى ، و عن الإنهماك فى النشاطات التوسعية العدوانية فى الخارج مرّة أخرى و إلى الأبد ؟ و هل تستطيع أن تجعل الأوساط المتعطّشة للحرب بين المستعمِرين " تلقى سكين الجزار" و " تبيع سكاكينها و تشتري الثيران " ؟ هل تستطيع أن تجعل مجموعات تجار الذخائر الحربيّة فى البلدان الإستعمارية يغيّرون مهنتهم و يتحوّلون إلى مزاولة مهن السلم ؟
إنّ هذه المسائل جميعها تعترض كلّ ماركسي – لينيني جدّي و تتطلّب منه بحثا عميقا . و من الواضح أن النظر إلى هذه المسائل و معالجتها بصورة صحيحة أو غير صحيحة مسألة لها إرتباط وثيق بنجاح أو فشل قضيّة البروليتاريا و مصير الإنسانية فى العالم أجمع .
إنّ الحرب هي أكثر أشكال التعبير عن العنف حدّة . و أحد أنواعها هو الحرب الأهليّة ، و النوع الآخر منها هو الحرب الخارجية . و العنف لا يعبّر عنه دائما بالحرب ، وهي أكثر أشكاله حدّة ، ففى البلدان الرأسمالية تكون الحرب البرجوازية إمتدادا لسياسة البرجوازية فى الأوقات العادية ، بينما يكون السلم البرجوازي إمتدادا لسياسة البرجوازية زمن الحرب . و البرجوازيون يروحون و يجيئون دائما بين الشكلين ، الحرب و السلم ، فإستمرارهم فى حكم الشعب و من أجل نضالهم الخارجي . ففى الوقت الذى يسمّى وقت سلم ، يعتمد المستعمِرون على القوّة المسلّحة لمعاملة الطبقات و الأمم المضطهّدة بأشكال من العنف مثل الإعتقال و السجن و الحكم بالأشغال الشاقة و التذبيح إلخ ... بينما يقومون فى الوقت ذاته بإستعدادات لإستخدام أكثر أشكال العنف حدّة - الحرب - لقمع ثورة الشعب فى الداخل ، و لممارسة النهب فى الخارج ، و للتغلّب على المنافسين الأجانب ، و لكبح الثورات فى البلدان الأخرى ، أو يلجأون فى وقت واحد إلى السلم فى الداخل و إلى الحرب فى الخارج .
و فى الفترة الأولى من ثورة أكتوبر لجأت الدول الإستعماريّة إلى العنف بشكل الحرب ضد الإتّحاد السوفياتي – الأمر الذى كان إستمرارا لسياساتها الإستعماريّة . و فى الحرب العالميّة الثانية إستخدم المستعمِرون الألمان العنف بشكل حرب واسعة النطاق لمهاجمة الإتحاد السوفياتي – الأمر الذى كان إستمرارا لسياستهم الإستعمارية . و لكن المستعمِرين يقيمون من جهة أخرى أيضا علاقات دبلوماسية للتعايش السلمي مع الإتحاد السوفياتي فى فترات مختلفة ، الأمر الذى هو أيضا بطيبعة الحال إستمرار للسياسة الإستعمارية بشكل آخر فى ظلّ ظروف معيّنة .
حقّا لقد ظهرت الآن بعض المسائل الجديدة تتعلّق بالتعايش السلمي . فأمام الإتحاد السوفياتي الجبّار و المعسكر الإشتراكي الجبّار ، لا بدّ للمستعمِرين ، على أيّة حال ، أن ينظروا بعناية فيما إذا كانوا سيعجّلون بفنائهم ، كما فعل هتلر ، أو يجلبون أوخم العواقب للنظام الرأسمالي نفسه إذا هم هاجموا الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى .
" التعايش السلمي" – هذه فكرة جديدة ظهرت فقط بعد ظهور البلدان الإشتراكية فى العالم إثر ثورة أكتوبر ، إنّها فكرة جديدة تكون فى ظلّ ظروف تنبّأ بها لينين قبل ثورة أكتوبر عندما قال :
" لا تستطيع الإشتراكية تحقيق النصر فى جميع البلدان فى آن واحد ، إنّها ستحقّق النصر أوّلا فى بلد أو عدّة بلدان ، بينما ستبقى البلدان الأخرى لبعض الوقت برجوازية أو فى مرحلة ما قبل البرجوازية " 9
هذه الفكرة الجديدة فكرة تقدّم بها لينين بعد تغلّب الشعب السوفياتي العظيم على التدخّل الإستعماري المسلّح . و كما أشرنا آنفا ، لم يكن المستعمِرون فى البداية راغبين فى التعايش سلميّا مع الإتحاد السوفياتي . لقد أجبر المستعمرون على " التعايش " مع الإتحاد السوفياتي فقط بعد أن فشلت حرب التدخّل ضدّه ، و بعد أن مضت عدّة سنوات من إختبار القوّة واقعيّا ، و بعد أن غرست الدولة السوفياتية أقدامها راسخة فى الأرض ، و بعد أن ظهر بعض توازن القوى بين الدولة السوفياتية و البلدان الإستعمارية . قال لينين عام 1920 :
" لقد كسبنا ظروفا لأنفسنا نستطيع فيها أن نعيش جنبا إلى جنب مع الدول الرأسمالية القويّة التى أجبرت الآن على الدخول فى علاقات تجارية معنا "10
و من هذا نرى أن تحقيق اوّل دولة إشتراكية فى العالم التعايش السلمي لفترة معيّنة بينها و بين الإستعمار قد تمّ إحرازه كلّيا عن طريق النضال . و قبل الحرب العالمية الثانية كانت فترة 1920 – 1940 ، قبل هجوم المانيا على الإتحاد السوفياتي ، فترة تعايش سلمي بين الإستعمار و الإتحاد السوفياتي . و خلال هذه العشرين عاما بقي الإتحاد السوفياتي مخلصا للتعايش السلمي . و لكن هتلر ، عام 1941، لم يعد راغبا فى التعايش سلميّا مع الإتحاد السوفياتي ، و شنّ المستعمِرون الألمان بغدر هجوما وحشيّا على الإتحاد السوفياتي . و نظرا للنصر فى الحرب ضد الفاشست التى كان الإتحاد السوفياتي العظيم القوّة الأساسية فيها ، فقد رأي العالم ، مرّة أخرى ، وضعا من التعايش السلمي بين البلدان الإشتراكية و الرأسمالية . و مع ذلك لم يتخلّ المستعمِرون عن مكائدهم . فقد أنشأ المستعمِرون الأمريكيّون شبكات من القواعد العسكرية و قواعد القذائف الموجّهة فى كل مكان حول الإتحاد السوفياتي و المعسكر الإشتراكي كلّه . و ما زالوا حتى الآن يحتلّون أرضنا تايوان و يقومون ن بإستمرار، بإستفزازات عسكرية ضدّنا فى مضائق تايوان . و قد قاموا بالتدخّل المسلّح فى كوريا مشعلين حربا واسعة النطاق ضد الشعبين الكوري و الصيني على الأرض الكورية ، لم تنتج عنها إتفاقية الهدنة إلاّ بعد أن هزموا ، و لكنّهم ما زالوا حتى الآن يتدخّلون فى مسألة توحيد الشعب الكوري . و قدّموا الأسلحة معونة لقوات الإحتلال الفرنسية الإستعمارية فى حربها ضد الشعب الفيتنامي ، و ما زالوا حتى الآن يتدخّلون فى مسالة توحيد الشعب الفيتنامي . و دبّروا العصيان المعادي للثورة فى هنغاريا و ما زالوا حتى الآن يقومون بإستمرار بجميع انواع المحاولات للتخريب فى بلدان أوربا الشرقية الإشتراكية و البلدان الإشتراكية الأخرى . إنّ الحقائق ما زالت تماما كما قدّمها لينين إلى مراسل أميركى فى شباط ( فبراير) عام 1920 بقوله : حول مسالة السلم " لا يوجد أي عائق من جانبنا . إنّ العائق هو إستعمار الرأسماليين الأمريكيين ( و الآخرين جميعهم ) 11
إنّ السياسة الخارجية للبلدان الإشتراكية لا يمكن أن تكون إلاّ سياسة سلم .و النظام الإشتراكي يقرّر أنّنا لا نحتاج للحرب ، و لن نشعل حربا إطلاقا، و لن نسمح لأنفسنا أبدا ، و لا يجوز إطلاقا ، كما لا يمكن ، أن نعتدي على بوصة واحدة من أراضي بلد مجاور . لقد تمسّكت جمهورية الصين الشعبية بإستمرار ، منذ وجودها ، بسياسة خارجية سلميّة . و وضعت بلادنا ، مع بلدين مجاورين : الهند و بورما ، المبادئ الخمسة المعروفة للتعايش السلمي ، و أقرّت بلادنا ، فى مؤتمر باندونغ عام 1955 مع مختلف البلدان الآسيوية و الأفريقية ، المبادئ العشرة للتعايش السلمي . و أيّد الحزب الشيوعي و الحكومة فى بلادنا ن بإستمرار ، فى السنوات القليلة الماضية ، نشاطات النضال من أجل السلم التى قامت بها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي و الحكومة السوفياتية برئاسة الرفيق نيكيتا خروتشوف ، إعتبارا منهما بأنّ هذه النشاطات من جانب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي و الحكومة السوفياتية قد دلّلت أكثر لشعوب العالم على رسوخ السياسة الخارجية السلمية للبلدان الإشتراكية ، و على حاجة الشعوب لإيقاف المستعمِرين عن شنّ حرب عالمية أخرى ، و للنضال من أجل سلم عالمي دائم .
وقد نصّ بيان مؤتمر موسكو عام 1957 على ما يلى :
" إنّ الذى يصون قضية السلم هو هذه القوى الجبّارة لعصرنا : معسكر البلدان الإشتراكية الذى لا يقهر ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ؛ و بلدان آسيا و أفريقيا الشغوفة بالسلم و التى تأخذ موقفا معاديا للإستعمار و تشكّل سويّة مع البلدان الإشتراكية منطقة سلم واسعة ؛ و الطبقة العاملة العالمية ، و فوق كلّ شيء طليعتها – الأحزاب الشيوعية ؛ و حركة تحرّر شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ؛ و حركة السلم الجماهيرية لشعوب العالم . إنّ القوى التى تقاوم بحزم مشاريع حرب جديدة هي ، إلى جانب القوى المذكورة آنفا ، شعوب البلدان الأوروبية التى أعلنت الحياد ، و شعوب اميركا اللاتينية ، و الجماهير الشعبية فى البلدان الإستعمارية . و إنّ تحالف هذه القوى الجبارة يستطيع منع الحرب ".
و طالما كان هناك تطوير مستمرّ لهذه القوى الجبّارة فمن الممكن المحافظة على وضع التعايش السلمي ، أو حتى الحصول على بعض انواع الإتفاقيات الرسمية حول التعايش السلمي أو عقد إتّفاقية حول حظر الأسلحة الذرّية و النوويّة . و هذا سيكون شيئا ممتازا يتّفق تماما مع مطامح شعوب العالم . و لكن ، حتى فى ظلّ هذه الظروف ، طالما لم يزل النظام الإستعماري قائما ، فإنّ أكثر اشكال العنف حدّة ، أي الحرب ، لم تنته من العالم بصورة من الصورة . إنّ الحقيقة ليست كما يصفها المحرّفون اليوغسلافيون الذين يعلنون أن تعريف لينين بأنّ " الحرب إستمرار للسياسة " وهو التعريف الذى أوضحه لينين بصورة متكرّرة و تمسك به فى محاربته للإنتهازية ، قد فات أوانه 12 إنّنا نؤمن بالصواب المطلق لتفكير لينين : الحرب هي النتيجة الحتميّة لنظم الإستغلال ، و مصدر الحروب الحديثة هو النظام الإستعماري . و حتى ينتهى النظام الإستعماري و الطبقات المستغِلة ستحدث حروب ، من نوع أو آخر ، دائما . و ربّما كانت حروبا بين المستعِمرين و الأمم المضطهَدة ، أو حروبا أهليّة نتيجة الثورة و معاداة الثورة بين الطبقات المستغَلة و المستغِلة فى البلدان الإستعمارية ، و يحتمل ، بطبيعة الحال ، أن تكون حروبا يهاجم فيها المستعمِرون البلدان الإشتراكية و تكون فيها البلدان الإِشتراكية مجبرة على الدفاع عن نفسها . إنّ جميع أنواع الحروب هذه تمثّل إستمرارا لسياسة طبقات معينة : و على الماركسيين – الليينيين أن لا يغرقوا إطلاقا فى حمأة المسالمة البرجوازية ، و لا ينبغى لهم إلاّ أن يقدروا جميع أنواع الحروب هذه بإتباع أسلوب التحليل الطبقي المادي . و طبقا لذلك يستخلصون الإستنتاجات للسياسة البروليتارية . و قد وصف لينين هذه الحروب فى مقاله " المنهاج العسكري للثورة البروليتارية " فقال : " إنّه لمن الخطّأ الفادح ، نظريّا ، أن ننسى أنّ كلّ حرب ليست إلاّ إستمرارا للسياسة بوسائل اخرى ".
و للمستعمِرين دائما نوعان من التكتيك من أجل تحقيق هدفهم فى النهب و الإضطهاد : تكتيكات الحرب و تكتيكات " السلم " ، و لهذا ، فعلى البروليتاريا و الشعوب فى جميع البلدان ان تسخدم أيضا نوعين من التكتيك للردّ على المستعمرين : تكتيك فضح خدعة السلم الإستعمارية فضحا تامّا ، و النضال بصورة فعّالة من أجل سلم عالمي حقيقي ، و تكتيك الإستعداد لإستخدام الحرب العادلة لوضع حدّ للحرب الإستعمارية غير العادلة عندما يشنّها المستعمِرون .
و جملة القول أنّه ، لمصلحة شعوب العالم ، يجب علينا أن نحطّم تماما سخافات التحريفية المعاصرة و نتمسّك بوجهة النظر الماركسية - اللينينية حول مسائل العنف ، و الحرب ، و التعايش السلمي .
و ينكر المحرّفون اليوغسلافيون الصفة الطبقية الملازمة للعنف و بهذا يطمسون الفروق الأساسيّة بين العنف الثوري و العنف المعادي للثورة ، و ينكرون الصفة الطبقية الملازمة للحرب و بهذا يطمسون الفروق الأساسية بين الحرب العادلة وغير العادلة ، و ينكرون أنّ الحرب الإستعمارية إستمرار للسياسات الإستعمارية ، و ينكرون خطر شنّ المستعمِرين لحرب كبرى أخرى ، و ينكرون أن من الممكن القضاء على الحرب فقط بعد القضاء على الطبقات المستغِلّة ، و حتى انّهم يدعون ، دون خجل ، المسئول الإستعماري الأمريكي الأوّل - " أيزنهاور- " الرجل الذى وضع حجر الزاوية للقضاء على الحرب الباردة و إقامة سلم دائم مع المباراة السلمية بين مختلف النظم السياسية " 13 و ينكرون أنّه ، فى ظلّ ظروف التعايش السلمي ، ما تزال هناك نضالات معقّدة حادّة فى الميادين السياسة و الإقتصادية و الإيديولوجية و غيرها. إنّ كلّ هذا الجدل من جانب المحرّفين اليوغسلافيين يهدف إلى تسميم عقول البروليتاريا و الشعوب فى مختلف البلدان ، وهو يساعد السياسة الإستعمارية الحربيّة .
- 5 –
إنّ المحرّفين المعاصرين خلطوا السياسة الخارجية السلميّة للبلدان الإشتراكية بالسياسة الداخلية للبروليتاريا فى البلدان الرأسمالية . و هم يعتقدون لذلك أنّ التعايش السلمي بين البلدان ذات النظم الإجتماعية المختلفة يعنى انّ الرأسمالية يمكن أن تتقدّم سلميّا إلى الإشتراكية و أنّ البروليتاريا فى البلدان التى تحكمها البرجوازية يمكن أن تتخلّى عن النضال الطبقي و تدخل فى " تعاون سلمي" مع البرجوازيين و المستعمرين ، و أنّ البروليتاريا و جميع الطبقات المستغلّة أن تنسى حقيقة انّها تعيش فى مجتمع طبقي و هكذا. إنّ جميع هذه الآراء على طرفي نقيض أيضا مع الماركسية – اللينينية . إنّهم يهدفون حماية الحكم الإستعماري و إبقاء البروليتاريا و كلّ الشغيلة الآخرين تحت عبوديّة الرأسمالية إلى الأبد .
إنّ التعايش السلمي بين الأمم ، و الثورات الشعبيّة فى مختلف البلدان هما شيئان مختلفان بذاتهما ، و ليسا شيئا واحدا بذاته ، و هما مضمونان مختلفان و ليسا ضمونا واحدا ، و نوعان مختلفان من المسائل و ليسا نوعا بذاته .
فالتعايش السلمي مسألة تتعلّق بالعلاقات بين البلدان ، و الثورة تعنى الإطاحة بالمضطهَدين كطبقة من قبل الشعب المضطهَد داخل كلّ بلد ، بينما هي فى حالة البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ، أوّلا وقبل كلّ شيء ، مسألة الإطاحة بالمضطهِدين الأجانب أي المستعمِرين . و قبل ثورة أكتوبر لم تكن مسألة التعايش السلمي بين البلدان الإشتراكية و البلدان الرأسمالية قائمة فى العالم ، حيث لم تكن هناك بلدان إشتراكية بعد ، بل كانت هناك ، فى ذلك الوقت ، مسائل الثورة البروليتارية و الثورة الوطنية ، حيث أنّ شعوب مختلف البلدان ، وفقا لظروفها الخاصة ، وضعت ، منذ مدّة طويلة ، الثورات من هذا النوع او ذلك فى جدول أعمالها لتقرير مصائر بلدانها .
إنّنا ماركسيون – لينينيون ، و قد آمنّا دائما بأنّ الثورة هي من شؤون كلّ أمّة بذاتها . و إعتقدنا دائما بأنّ الطبقة العاملة تستطيع أن تعتمد فقط على نفسها فى تحرّرها ، و بأنّ تحرّر شعب أي بلد يعتمد على وعيه هو، و على نضوج الثورة فى ذلك البلد . و الثورة لا يمكن تصديرها و لا إستيرادها . و لا يستطيع أحد أن يمنع شعب بلد أجنبيّ من القيام بثورة ، كما لا يستطيع أحد خلق ثورة فى بلد أجنبيّ بإستخدام اسلوب " مساعدة شتول الرز على النموّ بسحبها إلى أعلى ".
لقد كان لينين على صواب عندما قال فى حزيران ( يونيو) عام 1918 :
" هناك أناس يعتقدون أنّ الثورة يمكن أن تنشب فى بلد أجنبي حسب الطلب أو بموجب إتّفاقية . إنّ هؤلاء الناس إمّا مجانين أو دسّاسين . لقد خبرنا ثورتين فى الإثني عشر عاما الماضية . و نحن نعلم أنّ الثورات لا يمكن أن تصنع حسب الطلب أو بموجب إتّفاقية ، فهي لا تحدث إلاّ عندما تتوصّل عشرات الملايين من الشعب إلى أنّها من المستحيل أن تعيش بالطريقة القديمة بعد ذلك."14
ألا تعتبر تجربة الثورة الصينية ، بالإضافة إلى تجربة الثورة الروسيّة ، من أفضل البراهين على ذلك ؟ لقد جرّب الشعب الصيني ، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، عدّة ثوارت . و زعم المسعمِرون و جميع الرجعيِّين دائما ، مثلهم مثل المجانين ، أنّ ثوراتنا كانت بناء على طلب من الخارج أو وفقا لإتّفاقيات أجنبيّة . و لكن الشعوب فى العالم أجمع تعلم أن ثوراتنا لم تستورد من الخارج ، بل حدثت لأنّ جماهير شعبنا لم تستطع أن تواصل العيش فى الصين القديمة . و لأنّ شعبنا أراد أن يخلق حياة جديدة لنفسه .
إذا إضطرّ بلد إشتراكي ، أمام هجوم إستعماريين إلى شنّ حرب دفاعية و هجمات مضادة و تخطى حدوده لمطاردة أعدائه من الخارج و القضاء عليهم كما فعل الإتحاد السوفياتي فى الحرب ضد هتلر ، فهل يمكن تبرير ذلك ؟ يمكن ذلك بالتأكيد ، فهو أمر ضروري إطلاقا و عادل تماما. و طبقا لمبادئ الشيوعيّين الصارمة ، فإنّ مثل هذه العمليّات من جانب البلدان الإشتراكية يجب أن تكون مقصورة ، بصورة حازمة ، على الوقت الذى يشنّ فيه المستعمِرون حربا عدوانيّة ضد تلك البلدان . و البلدان الإشتراكية لا تسمح لنفسها أبدا ، و لا يجوز لها مطلقا ، كما لا يمكنها أبدا إرسال قواتها عبر حدودها ما لم تتعرّض لعدوان من عدوّ خارجي . و حيث أنّ القوات المسلّحة للبلدان الإشتراكية تحارب من أجل العدالة ، فهي عندما تضطرّ إلى تخطىّ حدودها للردّ على هجوم عدوّ أجنبي ، فسيصبح لها تأثير بالطبع ، و ستكون فعّالة حيثما ذهبت ، و لكن حتى فى ذلك الوقت ، فإنّ ظهور الثورات الشعبيّة و إقامة النظام الإشتراكي فى الأماكن و البلدان التى تذهب إليها ، ما يزال يعتمد فقط على إرادة جماهير الشعب هناك .
إنّ إنتشار الأفكار الثوريّة لا يعرف حدودا قوميّة قط . و لكن هذه الأفكار لا يمكنها أن تثمر ثمارا ثوريّة إلاّ على أيدى جماهير الشعب نفسها ، و فى ظلّ ظروف معيّنة فى بلد معيّن . و هذا صحيح لا فى عصر الثورة البروليتارية فحسب ، بل هو صحيح كلّ الصحّة فى عصر الثورة البرجوازية أيضا . لقد إتّخذت البرجوازية زمن ثورتها فى عدّة بلدان " العقد الإجتماعي " لروسو كإنجيل لها ، بينما إتّخذت البروليتاريا الثوريّة فى مختلف البلدان ، كإنجيل لها ، " البيان الشيوعي" و" رأس المال " لماركس و كتابي لينين ،" الإستعمار أعلى مراحل الرأسمالية " و " الدولة و الثورة " ، و أعمال أخرى لهما. و الأزمنة تختلف ، و لكن أحدا لا يستطيع أن يحول دون الثورة فى أي بلد إذا كانت هناك رغبة فى تلك الثورة ، و عندما تنضج الأزمة الثورية فى هذا البلد . إنّ النظام الإشتراكي سيحلّ فى النهاية مكان النظام الرأسمالي . هذا قانون موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان . فمهما حاول الرجعيّون منع تقدّم عجلة التاريخ فستحدث الثورة عاجلا أم آجلا و ستنتصر بالتأكيد . و نفس الشيء ينطبق على إستبدال مجتمع بآخر طيلة تاريخ الإنسانيّة . فقد حلّ النظام الإقطاعي محلّ نظام العبودية ، و حلّ النظام الرأسمالي بدوره محلّ النظام الإقطاعي . و هذا أيضا يسير حسب قوانين مستقلّة عن إرادة الإنسان . و قد جرت جميع هذه العمليّات عن طريق الثورة .
لقد قال المحرّف القديم السيء الصيت برنشتين مرّة : " تذكّروا روما القديمة ، فقد كانت هناك طبقة حاكمة لم تعمل و لكنّها عاشت عيشة حسنة ، و نتيجة لذلك ضعفت تلك الطبقة . فمثل هذه الطبقة يجب أن تتخلّى عن سلطتها تدريجيّا "15. أمّا حقيقة أن ملاك الرقيق " قد ضعفوا كطبقة " فهذه حقيقة تاريخية لم يستطع برنشتين المؤرّخ السفيه الدعي ستر أهمّ الحقائق الأساسيّة فى تاريخ روما القديمة ، وهي أن ملاك الرقيق لم " يتخلوا عن السلطة " بمحض إختيارهم ، و أنّ حكمهم قد أطيح به عن طريق ثورات العبيد الطويلة الأمد المتكرّرة و المتواصلة .
و الثورة تعنى إستخدام العنف الثوري من قبل الطبقة المضطهَدة ، تعنى الحرب الثورية. و هذا صحيح بالنسبة لثورة العبيد ، و صحيح أيضا بالنسبة للثورة البرجوازية . لقد وصفها لينين بصورة صحيحة فقال :
" يعلّمنا التاريخ أنّه ما من طبقة مضطهَدة نالت السلطة أبدا ، و لا إستطاعت نيلها ، بدون المرور بفترة ديكتاتورية مثل إنتزاع السلطة السياسية و إستخدام العنف فى قمع أكثر المقاومة يأسا و حنقا ، التى يبديها المستثمِرون... ما جاءت البرجوازية إلى السلطة فى البلدان المتقدّمة إلاّ عن طريق سلسلة من الإنتفاضات و الحروب الأهلية و إستخدام القوّة لقمع الملوك و الإقطاعيين و ملاك العبيد و قمع محاولاتهم لإستعادة السلطة " . 16
و لماذا تتمّ الأشياء بهذه الطريقة ؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع إلى لينين مرّة أخرى .
فاوّلا كما قال لينين ، " لا توجد هناك بعد طبقة حاكمة فى العالم تخلّت عن السلطة دون نضال" 17
و ثانيا كما أوضح لينين ، " الطبقات الرجعية نفسها هي البادئة دائما فى إستخدام العنف ، و إشعال الحرب الأهلية ، و هي البادئة فى " وضع الحراب فى جدول الأعمال" 18
فعلى ضوء هذا ، كيف نفهم الثورة الإشتراكية البروليتارية ؟
فلإجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع مرّة أخرى إلى لينين.
لنقرأ الفقرة التالية له :
" لا توجد ثورة عظمى واحدة فى التاريخ أبدا تمّت دون حرب أهليّة ، و لا يوجد ماركسي حقيقي يعتقد أنّ بالإمكان الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية دون حرب أهلية ".19 لقد فسرت كلمات لينين هذه المسألة بوضوح جليّ .
إليكم ههنا مقتطفا آخر من لينين :
" حبّذا لو ولدت الإشتراكية سلميّا ، و لكن السادة الرأسماليين لم يرغبوا فى تركها تولد هكذا . ليس بكاف تماما أن نصفها بهذا الشكل . فحتّى لو لم تكن هناك حرب فإنّ جميع السادة الرأسماليين سيكونون قد عملوا ما بإستطاعتهم لمنع مثل هذا التطوّر السلمي . و الثورات الكبرى ، حتى عندما تبدأ سلمياّ بمثل الثورة الفرنسية الكبرى ، فإنّها تنتهى بحروب يائسة تبدأ بها البرجوازية المعادية للثورة ".20 و هذا أيضا واضح وضوحا جليّا.
إنّ ثورة أكتوبر العظمى هي أفضل شاهد مادي على صحّة إفتراضات لينين هذه . و كذلك ثورتنا الصينيّة . و لن ينسى الناس أنّه فقط بعد إثنين و عشرين عاما من الحرب الأهلية الضارية ، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، أحرز الشعب الصيني و البروليتاريا الصينية الإنتصار على نطاق البلاد ، و إستوليا على سلطة الدولة .
و ينبئنا تاريخ الثورة البروليتارية فى الغرب بعد الحرب العالمية الأولى أنّه : حتى عندما لا يمارس السادة الرأسماليون السيطرة المباشرة المكشوفة على سلطة الدولة ، بل يحكمون عن طريق صنائعهم – الديمقراطيين الإجتماعيين الخونة – فإنّ هؤلاء المرتدّين الحقيرين سيكونون ، بالطبع ، على إستعداد فى أي وقت ، طبقا لما يمليه البرجوازيون ، لستر عنف الحرس الأبيض البرجوازي و إغراق المكافحين البروليتاريين الثوريّين فى بحر من الدم . فهذا ما حدث تماما فى ألمانيا فى ذلك الوقت. لقد أسلمت البرجوازية الألمانية الكبيرة ، و هي مغلوبة ، سلطة الدولة للديمقراطيين الإجتماعيين . و بادرت الحكومة الديمقراطية الإجتماعية ، إثر مجيئها إلى السلطة ، إلى قمع دموي للطبقة العاملة الألمانية فى شهر كانون الثاني (يناير) عام 1919 . و لنتذكّر كيف بذل كارل ليبكنخت و روزا لوكسمبورغ و غيرهما الذين دعاهم لينين " أفضل ممثّلين للأممية البروليتارية العالمية " و " القادة الخالدين للثورة الإشتراكية العالمية " دماءهم الزكية نتيجة عنف الديمقراطيين الإجتماعيين فى تلك الأيام ! و لنتذكّر أيضا ، كلمات لينين عن " دناءة و خسّة جرائم القتل هذه 21 التى إقترفها هؤلاء المرتدّون – هؤلاء الذين يدّعون أنفسهم " إشتراكيّين" بغية المحافظة على النظام الرأسمالي و مصالح البرجوازية ! فلنتفحّص ، على ضوء الحقائق الدامية فى التاريخ الماضي و فى العالم الرأسمالي الحديث ، جميع الأباطيل و الأكاذيب التى لفّقها المحرّفون القدامى و أشباههم المعاصرون حول ما يدعى " تقدّم الرأسمالية السلمي إلى الإشتراكية " !
و هل ينتج عن ذلك إذن أنّنا نحن الماركسيين – اللينينيين سنرفض إتّباع سياسة الإنتقال السلمي حتى عندما توجد إمكانية التطوّر السلمي ؟ كلاّ حتما .
و كما نعلم جميعا فإنّ إنجلز ، وهو من أعظم مؤسسى الشيوعيّة العلمية ، أجاب فى كتابه الشهير " مبادئ الشيوعية " على السؤال التالي " هل يمكن القضاء على الملكيّة الخاصة بالوسائل السلمية ؟ " فكتب يقول :
" إنّ المرء ليرغب فى أن تكون الحال هكذا ، و الشيوعيّون بطبيعة الحال سيكونون آخر من يعترض على ذلك . و يعلم الشيوعيون جيّدا أنّ جميع المؤامرات ليست عقيمة فحسب بل و حتى مضرّة . و هم يعلمون جيدا جدّا أن الثورات لا يمكن صنعها كما يرغب المرء ، و لا يمكن صنعها حسب الطلب ، و إن الثورات كانت دائما و فى كلّ مكان النتيجة الضرورية للظروف القائمة التى لم تعتمد إطلاقا على إرادة و قيادة أحزاب منفردة و طبقات بأكملها . و لكنّهم يرون ، فى نفس الوقت، أن تطوّر البروليتاريا فى جميع البلدان المتحضّرة تقريبا قد قمع بعنف و أنّ خصوم الشيوعيين يعلمون بهذه الطريقة كأنّهم يحاولون جهدهم إثارة الثورة ... ".
لقد كتب هذا قبل أكثر من مئة عام ، و لكنّه كم يبدو حديثا عندما نقرأه ثانية !
و نحن نعلم أيضا أن لينين إتّبع ، لوقت ما اثر ثورة شباط ( فبراير) الروسية ، و نظرا لظروف خاصة فى ذلك الوقت ، سياسة التطوّر السلمي للثورة . و إعتبرها " فرصة إستثنائية نادرة فى تاريخ الثورات" 22 و إغتنمها بإحكام . و لكن الحكومة البرجوازية المؤقتة و الحرس الأبيض دمّروا هذه الإمكانيّة للتطوّر السلمي للثورة ، و هكذا لطخوا شوارع بتروغراد بدم العمّال و الجنود فى مظاهرة جماهيرية سلميّة فى شهر تموز ( يونيو) ، و لهذا أشار لينين إلى ما يلى :
" لقد أصبح المجرى السلمي للتطوّر مستحيلا . لقد بدأ مجرى غير سلمي و مؤلم أشدّ الألم ".23
و نحن نعلم أيضا أنّه عندما إنتهت حرب المقاومة الصينيّة ضد العدوان الياباني ، وكانت هناك رغبة حارة فى السلم لدى الشعب بأسره فى البلاد ، قام حزبنا بمفاوضات سلميّة مع الكومنتانغ ساعيا لإجراء إصلاحات إجتماعية و سياسية فى الصين بالطرق السلمية ، و فى عام 1946 تمّ التوصّل مع الكومنتانغ الى إتّفاقية لتحقيق السلم فى جميع أنحاء البلاد . و لكن طغمة الكومنتانغ الرجعية ، تحدّيا لإرادة الشعب بأسره ، مزّقت تلك الإتفاقية ، و شنّت حربا أهليّة على نطاق البلاد بتأييد المستعمِرين الأميركيين تاركة الشعب الصيني دون خيار سوى الردّ عليها بحرب ثورية . و حيث أنّنا ، فى نضالنا من أجل الإصلاح السلمي ، لم نخفف من يقظتنا ابدا و لم نتخلّ عن القوات المسلّحة الشعبيّة ، بل كنّا على إستعداد تام ، فإنّ الشعب لم يرهب الحرب ، و لكن الذين شنّوا الحرب جنوا ثمراتها المُرّة .
إنّه سيكون من أفضل مصالح الشعب لو إستطاعت البروليتاريا الحصول على السلطة و القيام بالإنتقال إلى الإشتراكية بالطرق السلمية . و سيكون من الخطأ عدم الإستفادة من مثل هذه الفرصة عندما تسنح . فعندما تسنح فرصة " التطوّر السلمي للثورة " يجب على الشيوعيّين أن يغتنموها بإحكام ، كما فعل لينين ، و ذلك لتحقيق هدف الثورة الإشتراكية . و لكن هذا النوع من الفرصة هو دائما ، كما جاء فى كلمات لينين ،" فرصة إستثنائية نادرة فى تاريخ الثورات " . و عندما تكون سلطة سياسية محلّية معيّنة فى بلد ما محاطة فعلا بقوّات ثوريّة ، أو عندما يكون بلد رأسمالي ما فى العالم بأسره محاطا فعلا بالإشتراكية ، ففى مثل هاتين الحالتين ، ربّما كانت هناك إمكانيّات أكبر لفرص التطوّر السلمي للثورة . و لكن حتى عند ذلك ، يجب أن لا يعتبر التطوّر السلمي للثورة أبدا بأنه الإمكانيّة الوحيدة ، و لهذا فمن الضروري أن نكون على إستعداد فى نفس الوقت للإمكانيّة الأخرى ، أي للتطوّر غير السلمي للثورة . فبعد تحرير البرّ الصيني ، على سبيل المثال ، كانت بعض المناطق المحكومة من قبل ملاك العبيد و ملاك الأقنان محاطة فعلا بالقوّات الثوريّة الشعبيّة السائدة سيادة مطلقة ، و مع ذلك فإنّ " الوحوش- كما يقول المثل الصيني القديم – تحارب و لو كانت محصورة ". ذلك أنّ حفنة من أشدّ ملاك العبيد و ملاك الأقنان رجعية ضربت ضربتها الأخيرة رافضة الإصلاحات السلميّة ، و شنّت عصيانات مسلّحة ، و فقط بعد قمع هذه العصيانات كان من الممكن القيام بإصلاح النظم الإجتماعية .
و فى الوقت الذى تسلّحت فيه البلدان الإستعماريّة و المستعمِرون حتى الأسنان ، و أكثر من أي وقت مضى ، بغية حماية نظامهم الوحشي الذى يقوم على أكل لحوم البشر ، فهل يمكن القول إنّ المستعمِرين قد أصبحوا ، كما يدّعى المحرّفون المعاصرون ، " سلميين " جدّا إزاء البروليتاريا و الشعوب فى بلدانهم و الأمم المضطهَدة فى الخارج ، و لهذا فإنّ " الفرصة الإستثنائية النادرة فى تاريخ الثورات " التى تحدث عنها لينين بعد ثورة شباط ( فبراير) ستصبح بعد اليوم امرا طبيعيّا للبروليتاريا و جميع الشعوب المضطهَدة فى العالم ، بحيث يصبح ما أشار إليه لينين على أنّه " فرصة نادرة " متوفّر بسهولة للبروليتاريا فى البلدان الرأسمالية ؟ إنّنا نعتقد أن هذه الآراء ليس لها أساس إطلاقا .
و على الماركسيّين - اللينينيّين أن لا ينسوا أبدا هذه الحقيقة : إنّ القوّات المسلّحة لجميع الطبقات الحاكمة تستخدم اول ما تستخدم إضطهاد الشعوب فى بلدانها نفسها . و يستطيع المستعمِرون ، فقط على أساس إضطهاد شعوبهم فى بلدانهم ، إضطهاد البلدان الأخرى و شنّ عدوان و إثارة حروب غير عادلة . و من أجل إضطهاد شعوبهم يحتاجون للمحافظة على قواتهم المسلّحة الرجعيّة و تعزيزها . و قد كتب لينين مرّة فى مجرى الثورة الروسية عام 1905 : " إنّ الجيش الدائم لا يستخدم ضد العدوّ الخارجي بقدر ما يستخدم ضد العدوّ الداخلي " 24 فهل هذا الإستنتاج سار مفعوله على جميع البلدان التى تسيطر فيها الطبقات المستغِلة و على جميع البلدان الرأسمالية ؟ وهل يمكن القول إنّ هذا كان صحيحا فى ذلك الوقت و لكنّه أصبح غير صحيح الآن ؟ إنّ هذه الحقيقة ، فى رأينا ، لا تزال حتى يومنا هذا صحيحة لا يمكن تفنيدها ، و الوقائع تؤكّد صحّتها أكثر فأكثر . و إذا تكلّمنا بدقّة فإنّ البروليتاريا فى أي بلد ، إذا فشلت فى رؤية هذا بوضوح ، فلن تتمكّن من الإهتداء إلى طريق التحرّر .
و فى كتاب " الدولة و الثورة " ركّز لينين مشكلة الثورة على سحق جهاز الدولة البرجوازية . و إقتطف أهمّ فقرات كتاب ماركس " الحرب الأهلية فى فرنسا " فكتب :
" بعد ثورة 1848- 1849 أصبحت سلطة الدولة " سلاح حرب على نطاق البلاد فى يد الرأسمال ضد العمّال ". إنّ الجهاز الرئيسي فى سلطة الدولة البرجوازية لشنّ حرب ضد العمّال هو جيشها الدائم . و لهذا ، " فإنّ أوّل مرسوم للكومونة كان إلغاء الجيش الدائم و إستبداله بالشعب المسلّح ".
و هكذا تجب معالجة هذه المسألة ، لدى التحليل النهائي ، على ضوء مبادئ كومونة باريس التى ، كما وصفها ماركس ، هي مبادئ خالدة لا تفنى .
و فى السبعينات من القرن التاسع عشر إعتبر ماركس بريطانيا و الولايات المتّحدة إستثنائين ، معتقدا أنّ فى هذين البلدين إمكانية الإنتقال " السلمي " إلى الإشتراكية ، لأن العسكريّة و البيروقراطية فى هذين البلدين كانتا فى مرحلة أوّلية من التطوّر . و لكن فى عصر الإستعمار، أصبح " هذا التقييد من جانب ماركس غير ساري المفعول" ، كما يقول لينين ، حيث أنّ هذين البلدين قد " غرقا اليوم تماما فى قذارة أوربا كلّها ، و فى مستنقع المؤسسات البيروقراطية العسكرية الدمويّة التى جعلت كلّ شيء تابعا لها ، و داست كلّ شيء تحت أقدامها ".25 . لقد كانت هذه نقطة من النقاط التى تركّز عليها النقاش بين لينين و إنتهازيي تلك الأيّام . لقد شوّه الإنتهازيون الذين يمثّلهم كاوتسكي ، هذا الإستنتاج " غير الساري المفعول" لماركس فى محاولة لمقاومة الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا، أي مقاومة حاجة البروليتاريا إلى القوّات المسلّحة الثورية و الثورة المسلّحة ، فى سبيل تحريرها . و كان ردّ لينين على كاوتسكي كما يلى :
" إنّ ديكتاتورية البروليتاريا الثورية هي عنف ضد البرجوازية ، و ضرورة مثل هذا العنف موجودة بصورة خاصة ، نظرا لوجود العسكرية و البيروقراطية ، كما أوضح ماركس و إنجلز بالتفصيل بصورة متكرّرة ... و لكن العسكرية و البيروقراطية ، على وجه التحديد ، هما اللتان كانتا غير موجودتين فى إنكلترا و أميركا فى السبعينات من القرن التاسع عشر ، عندما وضع ماركس ملاحظاته ( و لكنّهما موجودتان فى إنكلترا و أميركا الآن ) " 26.
و يمكن ، بهذا ، أن نرى أنّ البروليتاريا مجبرة على اللجوء إلى وسائل الثورة المسلّحة . و الماركسيون يرغبون دائما فى إتّباع الطريقة السلمية فى الإنتقال إلى الإشتراكية ، و طالما كانت الطريقة السلميّة موجودة يمكن إتّباعها ، فالماركسيون – اللينينيون لا يمكنهم أن يتخلّوا عنها . و لكن هذه الطريق بالذات هي التى يسعى البرجوازيّون إلى إغلاقها عندما يملكون الجهاز العسكري البيروقراطي الجبّار لممارسة الإضطهاد .
لقد كتب لينين الفقرة السابقة فى تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1917 ، فكيف تجري الأمور الآن ؟ و هل كانت كلمات لينين صحيحة تاريخيّا و لكنّها لم تعد هكذا فى ظلّ الظروف الراهنة كما يزعم المحرّفون المعاصرون ؟ يستطيع كل إمرء ان يرى ان البلدان الرأسمالية اليوم ، دون إستثناء تقريبا ، و بوجه خاص الدول الإستعمارية الكبيرة القليلة التى تقف فى طليعتها الولايات المتّحدة ، تحاول بقصاري جهدها تعزيز جهازها القمعي العسكري البيروقراطي ، و خاصة جهازها العسكريّ .
و ينصّ بيان إجتماع موسكو لممثّلي الأحزاب الشيوعية و العمّالية فى البلدان الإشتراكية فى تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1957 على ما يلى :
" علّمتنا اللينينيّة و أكّدت التجربة التاريخية ، انّ الطبقات الحاكمة لا تتخلّى عن السلطة أبدا عن طواعيّة . و فى هذه الحال لا تتوقّف ضراوة و أشكال النضال الطبقيّ على البروليتاريا ، بقدر ما تتوقف على مدى المقاومة التى تبديها الأوساط الرجعيّة إزاء إرادة الغالبيّة العظمى من الشعب ، و على إستخدام هذه الأوساط للقوّة أو عدم إستخدامها فى مرحلة او أخرى من مراحل النضال من أجل الإشتراكية " .
هذا تلخيص جديد لتجربة نضال البروليتاريا الأمميّة فى العقود القليلة التى مضت على وفاة لينين .
و المسألة ليست هي ما إذا كانت البروليتاريا راغبة فى القيام بالتغيير السلمي ، بل هي فى الواقع ، ما إذا كانت البرجوازية ستقبل مثل هذا التغيير السلمي . هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة التى يعالج بها تلاميذ لينين هذه المسألة .
و هكذا ، خلافا للمحرّفين المعاصرين الذين يسعون لشلّ العزيمة الثورية لدى الشعب بواسطة الحديث الأجوف عن الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية يمكن إثارتها فقط على ضوء الظروف المعيّنة فى كلّ بلد ، فى وقت معيّن . و على البروليتاريا ألاّ تقيم أبدا ، بشكل وحيد الطرف و بدون أساس ، أفكارها و مبادئها السياسية و جميع اعمالها على إعتبار انّ البرجوازية راغبة فى قبول التغيير السلمي. بل عليها أن تستعدّ لشيئين فى وقت واحد : أحدهما هو التطوّر السلمي للثورة، و الآخر هو التطوّر اللاسلمي للثورة . و سواء كان الإنتقال سيجري بطريق الإنتفاضة المسلّحة او بالوسائل السلميّة فهذه مسالة منفصلة ، أساسا ، عن مسألة التعايش السلمي بين البلدان الإشتراكية و الرأسمالية ، إنّه شأن من الشؤون الداخلية لكلّ بلد ، شأن تقرّره فقط علاقات نسبة القوى بين الطبقات فى ذلك البلد فى فترة ما ، شأن يقرّره ، فقط الشيوعيّون فى ذلك البلد بأنفسهم .
- 6 –
تحدّث لينين عام 1919 بعد ثورة أكتوبر عن الدروس التاريخيّة التى يمكن إستخلاصها من الأمميّة الثانية . و قال عن نموّ الحركة البروليتارية خلال فترة الأمميّة الثانية ، " كان يتّجه نحو الإتّساع ، ممّا أدّى إلى هبوط مؤقت فى المستوى الثوري، و إزدياد مؤقت فى قوّة الإنتهازية ، و كانت النتيجة هي الإفلاس المشين لهذه الأممية . " 27
ما هي الإنتهازية ؟ وفقا لما قاله لينين " الإنتهازية هي تضحية المصالح الأساسيّة من أجل مكاسب مؤقتة و جزئية " .28
و ماذا يعنى الهبوط فى المستوى الثوري؟ إنّه يعنى أن الإنتهازيّين يحاولون بكلّ الوسائل تركيز إنتباه الجماهير على مصالحها اليوميّة المؤقتة الجزئيّة و جعلها تنسى مصالحها البعيدة المدى ، الأساسيّة ، الشاملة . بينما يعتقد الماركسيون – اللينينيون أن مسألة النضال البرلماني يجب النظر إليها على ضوء المصالح البعيدة المدى الأساسيّة الشاملة .
و أنبأنا لينين عن الآفاق المحدودة للنضال البرلماني ، ولكنّه حذّر الشيوعيّين أيضا من ضيق الأفق و الأخطاء الإنعزالية ، و فى كتابه المعروف " مرض الطفولة " اليسارية " فى الحركة الشيوعية " فسّر لينين تجربة الثورة الروسيّة فبيّن فى ظلّ أية ظروف تكون مقاطعة البرلمان صحيحة ، و فى ظلّ أية ظروف تكون خاطئة . لقد إعتبر لينين أنّ كلّ حزب بروليتاري يجب أن يستفيد من كلّ فرصة ممكنة للإشتراك فى النضالات البرلمانية الضروريّة . إنّه لخطأ اساسي و سيلحق الأذى فقط بقضيّة البروليتاريا الثوريّة أن ينشغل عضو الحزب الشيوعي فى الحديث الأجوف فقط حول الثورة بينما يكون غير راغب فى العمل بمثابرة و إصرار و معرضا عن النضالات البرلمانية الضروريّة . و إنتقد لينين حينذاك أخطاء الشيوعيّين فى بعض البلدان الأوروبية لرفضهم الإشتراك فى البرلمان فقال :
" إنّ طفولة أولئك الذين " يرفضون " الإشتراك فى البرلمان تكمن ، على وجه التحديد ، فى حقيقة أنّهم يحاولون " حلّ " المشكلة الصعبة ، مشكلة محاربة النفوذ البرجوازي الديمقراطي داخل الحركة العمّالية ، عن طريق مثل هذه الأساليب " البسيطة" " السهلة " التى تبدو كأنها أساليب ثوريّة ، و هم فى الحقيقة إنّما يهربون من ظلّهم ، و يغمضون أعينهم عن الصعوبات و يحاولون تحاشيها بمجرد الكلمات ".
و لماذا نعتبر المساهمة فى النضال البرلماني ضرورية ؟ إنّ ذلك ، فى رأي لينين ، من اجل مكافحة التأثيرات البرجوازية داخل صفوف الحركة العمّالية ، أو كما أشار فى مكان آخر " على وجه التحديد من أجل تثقيف الفئة المتأخّرة من طبقتها نفسها ، و على وجه التحديد من أجل إنهاض و تنوير الجماهير الريفيّة غير المتطوّرة ، المقهورة ، الجاهلة ".
و بكلمة اخرى، من أجل رفع المستوى السياسي و الإيديولوجي للجماهير و لتوحيد النضال البرلماني مع النضال الثوري، و ليس من أجل تخفيض مستوياتنا السياسية و الإيديولوجية و فصل النضال البرلماني عن النضال الثوري .
الإندماج مع الجماهير و عدم تخفيض المستويات الثوريّة ، هذا هو المبدأ الأساسي الذى علّمنا إيّاه لينين و الذى يجب التمسّك به بحزم فى نضالنا البروليتاري .
إنّ علينا أن نشترك فى النضالات البرلمانيّة ، و لكن علينا أن لا نحمل أيّة أوهام حول النظام البرلماني للبرجوازية ، لماذا؟ لأنّه طالما بقي جهاز الدولة العسكري البيروقراطي للبرجوازية غير ممسوس فليس البرلمان سوى حلية تتزيّن بها ديكتاتورية البرجوازية ، حتى لو كان حزب الطبقة العاملة يمتلك الأكثرية فى البرلمان ، أو أصبح اكبر حزب فيه . و زيادة على ذلك ، فطالما بقي جهاز الدولة هذا غير ممسوس فإنّ البرجوازية قادرة تماما ، فى أي وقت ، طبقا لحاجات مصالحها نفسها ، على حلّ البرلمان عند الضرورة ، أو إستخدام مختلف الأحابيل المكشوفة و الخفيّة لتحويل حزب الطبقة العاملة ، الذى هو أكبر حزب فى البرلمان ، إلى أقلية ، أو تخفيض مقاعده فى البرلمان ، حتى و لو أحرز أصواتا أكثر من قبل فى الإنتخابات . و لهذا فمن الصعب التصوّر أن تغيّرات ستحدث فى ديكتاتورية البرجوازية نفسها نتيجة التصويت فى البرلمان ، و كذلك من الصعب تماما التصوّر أنّ فى إمكان البروليتاريا إتّخاذ تدابير فى البرلمان للإنتقال السلمي إلى الإشتراكية لمجرّد أنّها أحرزت عددا معيّنا من الأصوات فى البرلمان . و قد أثبتت التجربة فى مجموعة من البلدان الرأسمالية منذ مدّة طويلة هذه النقطة تماما ، و قدّمت تجربة مختلف البلدان فى اوربا وآسيا بعد الحرب العالميّة الثانية براهين جديدة على ذلك .
قال لينين :
" لا تستطيع البروليتاريا أن تنتصر ما لم تكسب إلى جانبها غالبيّة السكاّن . و لكن تحديد عمل الكسب هذا أو تقييده بجمع أكثر الأصوات فى الإنتخابات ، فى الوقت الذى تبقى فيه البرجوازية مسيطرة ، هو أكبر حماقة مطبقة أو خداع للعمّال " 29.
و يعتقد المحرّفون المعاصرون أن كلمات لينين هذه قد أصبحت بالية ، و لكن الحقائق الحيّة أمام اعيننا تبرهن أن كلمات لينين هذه ما تزال أفضل علاج ، مع أنّه مرّ المذاق ، للثوريّين البروليتاريّين فى أي بلد .
و يعنى تخفيض المستويات الثوريّة ، تخفيض المستويات النظرية للماركسية – اللينينية ، و يعنى تخفيض النضالات السياسية إلى مستوى النضالات الإقتصادية ، و تقييد النضالات الثوريّة ضمن حدود النضالات البرلمانيّة . إنّه يعنى مقايضة المبادئ بالمنافع المؤقتة .
و فى بداية القرن العشرين لفت لينين الأنظار فى كتابه " ما العمل ؟ " إلى مسألة انّ " إنتشار الماركسية الواسع كان يرفقه بعض الهبوط فى المستويات النظرية ". و أورد لينين رأي ماركس الوارد فى رسالة حول " منهاج غوتا " و القائل بأنّ بإمكاننا أن ندخل فى معاهدات لتحقيق الأهداف العملية للحركة ، و لكننا يجب أن لا نتاجر أبدا بالمبادئ و نقدم " التنازلات " فى النظريّة . و قد أضاف لينين بعد ذلك الكلمات التالية المعروفة الآن جيدا لجميع الشيوعيين تقريبا :
" بدون نظرية ثورية لا يمكن ان تكون هناك حركة ثورية . و هذا ما يجب علينا الإصرار عليه بشدّة كبيرة فى وقت يندمج فيه وعظ الإنتهازية الدارج بالولع بأضيق أشكال النشاط العملي ".
ما أهمّه من إلهام للماركسّيين الثوريّين ! لقد أحرزت الحركة الثوريّة كلّها فى روسيا النصر فى تشرين الأوّل ( أكتوبر ) عام 1919، على وجه التحديد ، بإرشاد هذا الفكر الماركسي الثوري الذى تمسّك به بحزم الحزب البلشفي برئاسة لينين العظيم .
و أحرز الحزب الشيوعي الصيني أيضا خبرة فيما يتعلّق بالمسألة المذكورة آنفا فى مناسبتين : الأولى كانت خلال فترة عام 1927 الثوريّة . فقد كانت السياسة التى إتّخذتها إنتهازية تشن تو شي وفى ذلك الوقت إزاء جبهة حزبنا المتّحدة مع الكومنتانغ مغايرة للمبادئ و المواقف التى يجب على الحزب الشيوعي أن يتمسّك بها . فقد كان من رأيه إنزال الحزب الشيوعي من حيث المبدأ إلى مستوى الكومنتانغ ، و كانت النتيجة هزيمة الثورة . و المناسبة الثانية كانت خلال فترة حرب المقاومة للعدوان الياباني ، فقد تمسّكت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بحزم بالموقف الماركسي- اللينيني و كشفت الخلافات ، فى المبدأ ، بين الحزب الشيوعي والكومنتانغ فيما يتعلّق بموقفيهما إزاء الحرب ضد اليابان ، و كانت ترى أن على الحزب الشيوعي أن لا يقدّم أبدا تنازلات للكومنتانغ فى المبدأ حول هذه المواقف . و لكن الإنتهازية اليمينية ممثّلة فى وانغ منغ كرّرت الأخطاء التى إقترفها تشن تو شيو قبل عشر سنوات ، و أرادت الهبوط بالحزب الشيوعي فى المبدأ على مستوى الكومنتانغ و لهذا خاض حزبنا كلّه نقاشا واسعا مع الإنتهازيّين اليمينيّين ، و قال الرفيق ماو تسى تونغ :
"... إذا نسي الشيوعيّون هذه النقطة المبدئية فإنّهم لن يكونوا قادرين على توجيه الحرب ضد اليابانيين بصورة صحيحة ، و سيكونون لا حول لهم و لا قوّة للتغلّب على تحزّب الكومنتانغ ، و سيهبطون بأنفسهم إلى موقف يفقدون فيه مبادئهم ، و يهبطون بالحزب الشيوعي إلى مستوى الكومنتانغ ، و سيقترفون عند ذلك جريمة ضد القضية المقدّسة – قضية الحرب الوطنية الثورية و الدفاع عن الوطن "30
و بسبب أنّ اللجنة المركزيّة لحزبنا رفضت أن تقدّم أدنى تنازل حول مسألة المبدأ ، و إتّبعت سياسة الوحدة و النضال فى جبهة حزبنا المتّحدة مع الكومنتانغ ، إستطعنا أن نوطّد و نوسّع مراكز الحزب فى الميدانين السياسي و الإيديولوجي ، و نوطّد و نوسّع الجبهة المتّحدة للثورة الوطنية ، و بالتالى ، إستطعنا أن نعزّز و نوسّع قوّات الشعب فى حرب المقاومة ضد العدوان الياباني ، و تمكنّا كذلك من سحق الهجمات الواسعة النطاق التى شنّها رجعيو تشيان كاي شيك بعد إنتهاء حرب المقاومة ضد العدوان الياباني ، و من إحراز نصر على نطاق البلاد فى الثورة الشعبية الكبرى .
و إنطلاقا من تجربة الثورة الصينية فقد كان من المحتمل وقوع أخطاء الإنحراف اليميني فى حزبنا ، عندما تدخل البروليتاريا فى تعاون سياسي مع البرجوازية ، بينما يحتمل وقوع أخطاء الإنحراف " اليساري" فى حزبنا ، عندما تنفصل هاتان الطبقتان عن بعضهما سياسيا . و فى مجرى قيادة الثورة الصينية ، شنّ حزبنا نضالات ضد المغامرة " اليسارية " فى عدّة مناسبات . و لم يكن المغامرون " اليساريون " قادرين على معالجة العلاقات الطبقيّة المعقّدة فى الصين بصورة صحيحة من وجهة النظر الماركسية - اللينينية . و فشلوا فى فهم كيفيّة إتباع سياسات صحيحة مختلفة إزاء مختلف الطبقات فى مختلف الفترات التاريخية ، و لكنّهم إتّبعوا ، بأسلوب بسيط ، السياسة الخاطئة – سياسة النضال بدون وحدة . و لو لم يتمّ التغلّب على خطيئة المغامرة " اليسارية " هذه لكان من المستحيل سير الثورة الصينيّة نحو النصرّ
و تمشّيا مع وجهة النظر اللينينية فإنّ البروليتاريا فى أي بلد ، إذا أرادت إحراز النصر فى الثورة ، يجب أن يكون لها حزب ماركسي لينيني حقيقي ، يحذق توحيد ما بين الحقائق الكلّية للماركسية - اللينينية و التطبيق الثوري المحدّد فى بلادها ، و يقرّر بصورة صحيحة فى مختلف الفترات ، من الذين تقف الثورة ضدّهم ، و يسوّى مسألة تنظيم القوّة الرئيسية وحلفائها ، و مسالة من الذين يمكنها الإعتماد عليهم ، و من الذين يجب الإتّحاد معهم . و على الحزب البروليتاري الثوري أن يعتمد إعتمادا وثيقا على جماهير طبقته وعلى شبه البروليتاريا فى المناطق الريفية ، أي الجماهير الواسعة من الفلاحين الفقراء ، و يقيم تحالف العمّال و الفلاحين بقيادة البروليتاريا . و عند ذلك فقط يصبح بالإمكان، على أساس هذا التحالف ، الإتّحاد مع جميع القوى الإجتماعية التى يمكن الإتّحاد معها ، و إقامة الجبهة المتّحدة من الشغيلة مع جميع الناس غير الشغيلة الذين يمكن الإتّحاد معهم ، طبقا للظروف الخاصة فى مختلف البلدان و فى مختلف الفترات. و إذا لم يكن الأمر كذلك ، فلن تتمكّن البروليتاريا من تحقيق هدفها بإحراز النصر فى الثورة فى مختلف الفترات .
و يحاول المحرّفون المعاصرون و بعض ممثّلي البرجوازية جعل الناس يؤمنون بإمكانية تحقيق الإشتراكية دون حزب ثوري للبروليتاريا ، و دون سلسلة السياسات الصحيحة المذكورة أعلاه لحزب البروليتاريا الثوري . إنّ هذا مجرد خرف و تضليل واضح . لقد أشار " البيان الشيوعي " لماركس و إنجلز إلى أنّه كانت هناك أنواع مختلفة من " الإشتراكية " ، هناك " إشتراكية " البرجوازية الصغيرة ، و " إشتراكية " البرجوازية و" إشتراكية " إقطاعية إلخ . والآن ، و نتيجة لإنتصار الماركسية – اللينينية و تصدّع النظام الرأسمالي ، تطمح جماهير اكثر فأكثر من الشعوب فى مختلف بلدان العالم إلى الإشتراكية ، كما ظهر المزيد من الأشكال الملّونة المختلفة مما يدّعى ب" الإشتراكية " من بين الطبقات المستثمِرة فى بعض البلدان . و كما قال إنجلز تماما، إنّ من يدعون ب " الإشتراكيين " هؤلاء أيضا ، " يريدون القضاء على المساوئ الإجتماعية عن طريق مختلف الوصفات التى تشفي كلّ الأمراض و جميع أنواع الترقيع ، دون إلحاق أي اذى برأس المال و الربح " . إنّهم " يقفون خارج حركة العمّال و يفضلون طلب تأييد الطبقات " المثقّفة " "31 إنّهم يرفعون فقط شارة الإشتراكية و لكنّهم فى الواقع يطبّقون الرأسماليّة . وفى هذه الظروف ، ليعتبر فى غاية الأهمّية ، التمسّك بحزم بالمبادئ الثورية للماركسية – اللينينية ، و خوض نضال لا يعرف المساومة ضد جميع الإتجاهات المؤدّية إلى الهبوط بالمستويات الثورية ، و خاصة ضد التحريفية و الإنتهازية اليمينية .
وفيما يتعلّق بمسألة صيانة السلم العالمي فى الوقت الحاضر ، يوجد أيضا بعض من الناس يزعمون أن النزاعات الإيديولوجية لم تعد ضروريّة ، أو أنّه لم يعد هناك أي خلاف فى المبدأ بين الشيوعيّين و الديمقراطيّين الإجتماعيّين . إنّ هذا بمثابة الهبوط بالمستوى الإيديولوجي و السياسي للحزب الشيوعي إلى مستوى البورجوازية و الديمقراطيين الإجتماعيين . إنّ هؤلاء الذين يصرّحون بمثل هذه التصريحات قد تأثّروا بالتحريفية المعاصرة و حادوا عن موقف الماركسية – اللينينية .
إنّ النضال من أجل السلم و النضال من أجل الإشتراكية نوعان مختلفان من النضال . و من الخطأ ألاّ نميّز تمييزا ملائما بين هذين النوعين المختلفين من النضال . فالعناصر الإجتماعية التى تشترك فى حركة السلام أكثر تعقيدا بطبيعة الحال ، و من بين هذه العناصر المسالمون البرجوازيون . و فى الخطوط الأماميّة تماما لمقاومة الحروب الإستعمارية و للدفاع عن التعايش السلمي و مقاومة الأسلحة النوويّة . و فى هذه الحركة سنعمل مع عدّة عناصر إجتماعية معقّدة ، و ندخل معها فى إتّفاقيات ضروريّة لتحقيق السلم . و لكن علينا ، فى نفس الوقت ، أن نتمسّك بمبادئ حزب الطبقة العاملة ، و أن لا نهبط بمستوياتنا السياسية و الإيديولوجية ، و ألاّ نهبط بأنفسنا إلى مستوى المسالمين البرجوازيّين فى نضالنا من أجل السلم . و هنا ، فى هذا المجال ، تبرز مسألة الإتّحاد و النقد .
إنّ " السلم " على ألسنة المحرّفين المعاصرين، يقصد منه تبييض واجهة الإستعدادات الحربيّة التى يقوم بها المستعمِرون، و عزف لحن ما يدعى ب " فوق الإستعمار" مرّة أخرى ، لحن الإنتهازيين القدامى ، الذى فنّده لينين منذ مدّة طويلة ، و تشويه سياستنا نحن الشيوعيّين فيما يتعلّق بالتعايش السلمي بين البلدان ذات النظامين المختلفين ، بأنّها سياسة القضاء على ثورة الشعوب فى داخل مختلف البلدان . لقد كان ذلك المحرّف القديم برنشتين هو الذى أدلى بالتصريح المشين السيء الصيت التالي : " الحركة هي كلّ شيء ، أمّا الهدف فلا شيء ". و للمحرّفين المعاصرين تصريح يشبهه : حركة السلم هي كلّ شيء ، أما الهدف فلا شيء . و لهذا فإنّ " السلم " الذى يتحدّثون عنه هو عمليّا مقصور على " السلم" الممكن قبوله من جانب المستعمِرين فى ظلّ ظروف تاريخية معيّنة . إنّه محاولة للهبوط بالمستويات الثورية لشعوب مختلف البلدان و تدمير عزيمتها الثورية .
و نحن الشيوعيّين نناضل للدفاع عن السلم العالمي ، من أجل تحقيق سياسة التعايش السلمي . و فى نفس الوقت نؤيد الحروب الثورية التى تشنّها الأمم المضطهَدة ضد الإستعمار، و نؤيد الحروب الثوريّة التى تشنّها الشعوب المضطهَدة من أجل تحرّرها و تقدمها الإجتماعي ، لأنّ جميع هذه الحروب الثورية حروب عادلة . و بطبيعة الحال ، علينا أن نستمرّ فى أن نوضّح للجماهير فكرة لينين القائلة بأنّ نظام الإستعمار الرأسمالي ، هو مصدر للحرب الحديثة ، و علينا أن نستمرّ فى أن نوضّح للجماهير الرأي الماركسي اللينيني ، حول إستبدال الإستعمار الرأسمالي بالإشتراكية و الشيوعية كهدف نهائي لنضالنا . إنّ علينا الا نخفي مبادئنا عن الجماهير .
- 7-
إنّنا نعيش اليوم فى عصر جديد عظيم يتسارع فيه تداعي النظام الإستعماري أكثر فأكثر ، و يصبح إنتصار الشعوب فى مختلف أنحاء العالم و وعيها فى تقدّم مطرد أكثر فأكثر .
إنّ شعوب مختلف البلدان فى العالم بأسره ، أسعد حظّا الآن من أي وقت مضى ، و ذلك بسبب حقيقة انّه ، فى الأربعين عاما و نيف منذ ثورة أكتوبر ، حرّر ثلث البشريّة نفسه من إضطهاد الإستعمار الرأسماليين و أنشأ مجموعة من الدول الإشتراكية حيث تبنى ، حقيقة ، حياة من السلم الداخلي الدائم ، إنّ هذه الدول لها تأثيرها على مستقبل البشرية كلّها ، و ستسرّع إلى حدّ كبير فى قدوم اليوم الذى سيسود فيه سلم شامل دائم جميع أنحاء العالم .
وفى طليعة جميع البلدان الإشتراكية و المعسكر الإشتراكي بأسره يتقدّم الإتّحاد السوفياتي العظيم ، اوّل دولة إشتراكية أوجدها العمّال و الفلاحون بقيادة لينين و الحزب الشيوعي السوفياتي . ففى الإتحاد السوفياتي قد تحقّقت أفكار لينين ، و الإشتراكية قد بنيت فيه منذ مدّة طويلة ، و بدأت فيه فعلا الآن ، تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي و الحكومة السوفياتية برئاسة الرفيق خروتشوف ، فترة عظيمة من البناء الشامل للشيوعية . و أثار العمّال و الفلاّحون و المثقّفون البواسل ذوو العقول الجبّارة فى الإتحاد السوفياتي اليوم نهوضا عظيما جديدا للعمل فى نضالهم من أجل هدفهم العظيم هدف إنجاز بناء الشيوعية .
و نحن ، الشيوعيّين الصينيّين ، والشعب الصيني ، نهتف و نهلّل لكلّ منجز جديد للإتحاد السوفياتي ، البلد الذى هو مسقط رأس اللينينية .
و الحزب الشيوعي الصيني ، موحّدا ما بين الحقائق الكلية للماركسية - اللينينية و الواقع المحدّد للثورة الصينية ، قد قاد شعب البلا د كلّها و أحرز الإنتصارات الكبرى فى الثورة الشعبية ، و يسير على الطريق الفسيح المشترك ، طريق الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي الذى رسمه لينين ، مواصلا الثورة الإشتراكية حتى نهايتها الكاملة ، و قد بدأ فعلا إحراز الإنتصارات الكبرى فى مختلف جبهات البناء الإشتراكي . و وضعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، للشعب الصيني ، بصورة خلاّقة ، و طبقا لمبادئ لينين و على ضوء الظروف فى بلادنا ، المبادئ الصحيحة للخط العام من أجل بناء الإشتراكية و القفزة الكبرى إلى الأمام و الكومونات الشعبية ، تلك المبادئ التى ألهمت مبادرات الجماهير و روحها الثورية فى جميع أنحاء البلاد ، وهي تحدث ، يوما فيوما ، تغيّرات جديدة على وجه بلادنا .
وتحت رايتنا المشتركة – راية اللينينيّة – حققت البلدان الإشتراكية فى أوربا الشرقية و البلدان الإشتراكية الأخرى فى آسيا ايضا ، قفزات كبرى فى البناء الإشتراكي .
إنّ اللينينية راية مظفّرة أبدا. إنّ رفع شغّيلة العالم هذه الراية العظمى بقوّة و حزم ، يعنى التمسّك بالحقيقة و فتح طريق الإنتصار المتواصل لنفسها .
سيحيا لينين دائما فى قلوبنا . و عندما يحاول المحرّفون المعاصرون تلطيخ اللينينية ، الراية العظمى للبروليتاريا الأمميّة ، فإنّ مهمّتنا هي الدفاع عن اللينينيّة .
و كلّنا يتذكّر ما كتبه لينين فى كتابه الشهير " الدولة و الثورة " عمّا حدث لتعاليم المفكّرين و القادة الثوريّين فى النضالات السابقة لمختلف الطبقات المضطهَدة من أجل التحرّر . لقد قال لينين إنّ التشويهات تلت وفاة هؤلاء المفكّرين و القادة الثوريين ، " مميّعة محتوى التعاليم الثورية ، ثالمة حدّها الثوري و مبتذلة إياها ". و أضاف لينين قائلا :
" و فى الوقت الحاضر ، يلتقى البرجوازيّون و الإنتهازيّون ، داخل الحركة العمّالية فى هذا " الصقل" للماركسية . و هم يقطعون و يشوّهون و يتناسون الناحية الثوريّة فى هذه التعاليم ، و روحها الثورية ، و يدفعون إلى الصدارة و يمجّدون ما هو ، أو ما يظهر بأنّه مقبول ، لدى البرجوازيين ."
و هكذا تماما فى الوقت الحاضر ، إذ يواجهنا بعض ممثّلي الإستعمار الأميركي الذين يلبسون ، مرّة أخرى ، لباس القساوسة ، و حتّى أنّهم يعلنون أن ماركس كان " مفكّرا عظيما من مفكّري القرن التاسع عشر" ، و حتى أنّهم يعترفون بأنّ ما تنبّأ به ماركس فى القرن التاسع عشر من أن أيّام الرأسمالية معدودة هو تنبؤ " يقوم على أساس" و " صحيح " ، و لكنّهم يواصلون القول إنّه بعد حلول القرن العشرين ، و بوجه خاص فى العقود الأخيرة ، اصبحت الماركسية غير صحيحة لأنّ الرأسمالية أصبحت شيئا مضى عهده و لم تعد توجد ، فى الولايات المتّحدة على الأقلّ . و بعد سماع مثل هذا الخرف من قساوسة الإستعمار ، لا يسعنا إلاّ أن نشعر بأنّ المحرّفين المعاصرين يتحدّثون نفس اللغة ، و لكن المحرّفين المعاصرين لا يقفون عند تشويه تعاليم ماركس ، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، إلى تشويه تعاليم لينين ، المكمّل و المطوّر العظيم للماركسية .
لقد أشار بيان إجتماع موسكو إلى أنّ " الخطر الرئيسي فى الوقت الحاضر هو التحريفية أو ، بكلمة اخرى ، الإنتهازية اليمينية ". و يقول البعض إنّ حكم إجتماع موسكو هذا لم يعد صالحا فى ظلّ الظروف الراهنة . و نحن نعتقد أنّ هذا القول خطأ . فهو يجعل الناس يهملون أهمّية النضال ضد الخطر الرئيسي- التحريفية - كما أنّه مضرّ جدّا بالقضية الثوريّة للبروليتاريا . و منذ السبعينات فى القرن التاسع عشر كانت هناك فترة من التطوّر " السلمي" للرأسمالية ، ظهرت خلالها تحريفية برنشتين القديمة ، و هكذا تماما فى ظلّ الظروف الراهنة ، عندما يجبر المستعمِرون على قبول التعايش السلمي ، و عندما يوجد نوع من " السلم الداخلي " فى كثير من البلدان الرأسمالية ، تجد الإتّجاهات التحريفيّة سهولة فى النموّ و الإنتشار . و لهذا فعلينا دائما أن نحافظ على درجة عالية من اليقظة ضد هذا الخطر الرئيسي فى الحركة العمّالية .
و بصفتنا تلاميذ لينين ، و لينينيّين ، علينا أن نسحق تماما جميع محاولات المحرّفين المعاصرين لتشويه و تقطيع أوصال تعاليم لينين .
إنّ اللينينيّة هي التعاليم الثورية الكاملة للبروليتاريا ، إنّها نظرة إلى العالم ، ثورية كاملة لا تتجزّأ ، إستمرّت ، بعد ماركس و إنجلز، فى التعبير عن فكر البروليتاريا . و هذه التعاليم الثورية الكاملة و النظرة الثوريّة الكاملة إلى العالم التى لا تتجزّا يجب أن لا تشوّه أو تقطع أوصالها . إنّنا نعتقد بأنّ محاولات المحرّفين المعاصرين لتشويه و تقطيع أوصال اللينينية ما هي إلاّ دلالة على النضال اليائس الأخير الذى يخوضه المستعمِرون و هم يواجهون مصيرهم . فأمام الإنتصارات المتواصلة فى بناء الشيوعية فى الإتحاد السوفياتي ، و أمام التعزيز المطّرد لوحدة المعسكر الإشتراكي و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، و أمام اليقظة المطّردة لشعوب العالم بأسره و النضالات الباسلة المتواصلة التى تشنّها سعيا وراء تحرير نفسها من أغلال الإستعمار الرأسمالي ، فإنّ المساعي التحريفيّة من تيتو و أشباهه هي مساع عقيمة تماما.
عاشت اللينينية العظيمة !

الوثيقة الثانية


إلى الأمام على طريق لينين العظيم.
لهيئة تحرير " جينيمينجيباو"


إنّ الشغيلة الواعين فى العالم بأسره يحتفلون اليوم بالذكرى التسعين لميلاد ف . إ . لينين ، المعلّم الثوري العظيم للبروليتاريا .
لقد كان لينين مؤسس الحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي و باني أوّل دولة إشتراكية فى العالم ، الإتحاد السوفياتي ، و القائد الأعظم للحركة الشيوعية العالمية بعد ماركس و إنجلز . و قد طوّر لينين الماركسية ، فى النظريات المتعلّقة بالفلسفة ، والإقتصاد السياسي و الإشتراكية العلميّة ، إلى مرحلة جديدة ، مرحلة اللينينية . فاللينينية هي ماركسية عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية .
إنّ إنتصار ثورة أكتوبر الإشتراكية بتوجيه لينين ، قد حرّر سدس مساحة الكرة الأرضيّة من الحكم الرأسمالي . و بعد حوالي ثلاثين عاما ولدت سلسلة من البلدان الإشتراكية الجديدة فى أوروبا و آسيا ، و تشكّل المعسكر الإشتراكي الجبّار. و بعد إنتصار الثورة الصينيّة ، أصبح المعسكر الإشتراكي اكثر من ربع مساحة الكرة الأرضيّة ، و أكثر من ثلث سكّان العالم . إنّ ميزان القوى الطبقيّة فى العالم قد تغيّر تغيّرا كبيرا لصالح البروليتاريا و الشغيلة .
و إنّ نظرية لينين و قضيّته عزيزتان جدّا على الشعب الصيني ؛ لأنّه فى اللينينية ، بالضبط ، وجد طريقه إلى التحرّر . لقد أشار لينين مرارا فى كتاباته ، فى الوقت الذى قلّ فيه من كان يعرفه فى الصين ، إلى الأهمّية العظمى و الآفاق الكبرى للنضال الثوري فى الصين . فمنذ عام 1913 ، وضع لينين فى مؤلفه " المصير التاريخي لتعاليم كارل ماركس" رأيه المشهور بأنّ آسيا " مصدر جديد لعواصف عالمية عظيمة جدّا ". و بعد ذلك " بعثت إلينا طلقات مدافع ثورة أكتوبر بالماركسية - اللينينية " كما قال الرفيق ماو تسى تونغ . دخلت الثورة الصينيّة مرحلة جديدة حين وجدت الماركسية – اللينينية و الحزب الثوري البروليتاري الماركسي – اللينيني .
لقد أشار لينين إلى أنّ الإستعمار هو عشيّة الثورة البروليتارية ، و أنّه سيفنى حتما فى النضالات المشتركة للبروليتاريا العالمية و الأمم المضطهَدة ؛ و أنّ الدولة هي جهاز للعنف يخدم الحكم الطبقي ، فعلى البروليتاريا أن تستخدم العنف الثوري للإطاحة بالعنف المعادي للثورة ، لسحق جهاز الدولة البورجوازي ، جهاز أمراء الحرب و البيروقراطيين ، و إقامة دولة جديدة قائمة على ديكتاتورية البروليتاريا ؛ و على البروليتاريا أن تسعى لتعزيز تحالفها مع الفلاحين ، و أن تحلّ بصورة تامة مسألة الأراضي الزراعيّة ، و أن تسعى للإستيلاء على زمام القيادة فى الثورة الديمقراطية ، و أن تحافظ على إستقلالها فى تحالفها مع البورجوازية الوطنية ( أو حسب التعبير الشعبي الصيني ، التحالف معها و النضال ضدّها ) ؛ و يجب أن تنشئ حزبا بروليتاريا ثوريّا من نوع جديد ، عليه أن يقاوم التحريفية التى تخون الماركسية ، و أن يدحر روح المغامرة اليسارية فى الحركة الشيوعية ، و أن يثق بقوّة بالجماهيرو يعتمد عليها . إنّ تعاليم لينين هذه قد سلّحت البروليتاريا فى العالم أجمع ، و سلّحت أيضا البروليتاريا فى الصين . إنّ السبب الرئيسي الذى من أجله لاقت الحقائق العامة للماركسية – اللينينية القبول بسرعة من جانب البروليتاريا و الشعب الثوري فى الصين ، هو أنّه لم يكن أمام الشعب الصيني الذى قاسى محنا فادحة أيّ مخرج إلاّ أن يكافح بحزم من أجل التحرّر . ففى الصين القديمة ، التى كانت تعاني أشدّ أنواع حكم الإستعمار و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية قسوة و وحشيّة ، كيف كان يمكن ان تحمل البروليتاريا و الجماهير الشعبية أيّة أوهام عن " طيبة قلب " المستعمرين ؟ و كيف كان يمكن أن تتوهّم ان الطبقة الحاكمة الرجعيّة ستسلّم سلطة الدولة للشعب بمحض إرادتها ؟
لقد طبّق الحزب السياسي للبروليتاريا الصينيّة ، الحزب الشيوعي ، و قائده الرفيق ماو تسى تونغ ، بشكل خلاّق ، الحقائق العامة للماركسية – اللينينية ، و دمجاها بالواقع المحدّد للثورة الصينية ، و دفعا على الأمام ، وبدون توقّف ، النضال الثوري فى الصين . و عندما خان الرجعيّون البورجوازيون ، ممثلين بشيانغكاي شيك ، الثورة ، و أغرقوا الشعب بحمام من الدم ، لم يكن فى وسع البروليتاريا الصينية و حزبها السياسي إلاّ أن يستخدما العنف الثوري ليقاوما العنف المعادي للثورة ، و بعد إثنين و عشرين عاما من الحرب الثورية ، أطاحا أخيرا بالحكم المظلم للإستعمار والرجعيّين من الكومنتانغ ، و أقاما ديكتاتورية الشعب الديمقراطية تحت قيادة البروليتاريا ، و سارا بالشعب الصيني فى طريق الإشتراكية الرحب .
إنّ إنتصار الثورة الصينية هو إنتصار الماركسية - اللينينة فى الصين . و إنّ الإنتصارات الكثيرة التى أحرزها الماركسية – اللينينية فى جميع أنحاء العالم ، و فى الصين ، قد أوضحت بشكل متزايد أنّ حقائق الماركسية – اللينينية ، حقائق لا تدحض ، و أنّها البوصلة التى ترشد جميع الطبقات المضطهدة ، و جميع الشعوب المضطهدة فى العالم بأسره ، فى سيعها إلى التحرّر ، و التى ترشد شعوب العالم أجمع فى السير نحو الإشتراكية و الشيوعية.
فما هي المهمّات الرئيسية للشعب الصيني الآن ونحن نحتفل بالذكرى التسعين لميلاد لينين ؟ إنّنا نعتقد بأنّ هناك ثلاث مهمات رئيسية هي : بناء الإشتراكية ، و النضال من أجل السلم العالمي ، و الإتّحاد مع أصدقائنا فى مختلف الأقطار .
إنّ المهمّة الأولى للشعب الصيني فى الوقت الراهن هي تطوير بنائنا الإشتراكي تطويرا عالي الوتيرة ، و جعل بلادنا ، فى وقت غير طويل ، دولة إشتراكية عظمى ذات صناعة حديثة ، و علم و ثقافة حديثين متطوّرة كلّها تطوّرا عاليا . و إنّ تحقيق هذه المهمّة لن يكون ذا أهمّية حاسمة بالنسبة للشعب الصيني فقط ، و إنّما سيكون أيضا ذا أهمية واضحة هائلة بالنسبة لقضيّة السلم و الإشتراكية لشعوب العالم .
إنّ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، وعلى رأسها الرفيق ماو تسى تونغ ، فى دمجها الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالواقع المحدّد للثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي فى بلادنا ، قد رسمت الخطّ العام وهو : بذل أقصى الجهود و التطلّع إلى العلاء و تحقيق نتائج أعظم ، و أسرع ، و أفضل ، و أكثر إقتصادا فى بناء الإشتراكية . و إن الخطّ العام هو الضمانة الأكثر أهمّية فى تحقيق شعب بلادنا تحقيقا ناجحا لهذه المهمّة الكبرى .
و من أجل تحقيق هذه المهمّة الكبرى ، يجب على شعبنا ، كخطوة أولى ، أن يناضل للحاق ببريطانيا أو تجاوزها فى إنتاج المنتوجات الصناعية الرئيسية فى أقلّ من عشرة أعوام ، فيقيم ، بصورة أساسيّة ، نظاما صناعيّا كاملا ؛ و أن يعمل على تحقيق المنهاج الوطني للتطوّر الزراعي بين أعوام 1956 - 1967 قبل الموعد المحدّد ؛ فيتمّ بصورة أساسيّة تعميم المكننة الزراعيّة و منشآت حفظ المياه ، و إنجاز درجة لا بأس بها من الكهربة ؛ و يجب أن يناضل من أجل تنفيذ الثورة الثقافيّة و أن يعّم بصورة أساسية ، و فى وقت غير طويل ، التعليم المدرسي الإبتدائي و الثانوي ، و التعليم فى أوقات الفراغ ، و أن يناضل لإنجاز المشروع الطويل الأمد لتطوير العلم و التكنيك بين أعوام 1956 – 1967 قبل الموعد المحدّد . و فى الوقت نفسه ، يجب الإستمرار فى تحقيق الثورة الإشتراكية فى الجبهات الإقتصادية ، و السياسية ، و الإيديولوجية ، و تحقيق الإنتصار التام للإشتراكية على الرأسمالية فى كلّ ميدان ، و رفع الوعي الإشتراكي و الشيوعي للجماهير الشعبية إلى درجة كبيرة . و من أجل إنجاز و تجاوز مخطّط الإقتصاد الوطني لعام 1960 ، يشنّ شعبنا ، فى الوقت الحاضر ، حملة ناشطة لزيادة الإنتاج و ممارسة الإقتصاد ، تتركّز حول الإبتكارات التكنيكيّة ، و الثورة التكنيكيّة ، سعيا وراء رفع إنتاج هذا العام من سبائك الحديد على 27،5 مليون طن ، و الفولاذ إلى 18، 4 مليون طن ، و الفحم إلى 425 مليون طن ، و القوة الكهربائية إلى أكثر من 55500 مليون كيلوواط ساعي ، و ليزيد إنتاج كلّ من الحبوب و القطن بحوالي 10 بالمئة . و هكذا ستزداد القيمة الإجماليّة للإنتاج الصناعي و الزراعي هذا العام 23 بالمئة عن العام الماضي .
لقد بذل المستعمرون الأميركيّون قصاري جهودهم فى الهزء و الإفتراء حول ما إذا كان فى وسع الشعب الصيني إنجاز جعل بلاده بلدا إشتراكيّا قويّا بسرعة عالية . و لنأخذ مثلا بعيدا ؛ ففى تشرين الثاني ( نوفمبر) 1958 قال ناظر الخارجية الأميركية السابق ، جون فوستر دالس بأنّه " من الصعب التصديق بأنّ هذا المسعى سينجح أو سيواظب عليه ". و لنأخذ مثالا حديث العهد ؛ قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية الحالي بارسونز فى شباط ( فبراير) من هذا العام بأن حملة الصين بزيادة سرعة تصنيعها " يمكن أن تؤدّى إلى إنهيار هذا الحكم من الداخل " . و لكن الغريب فعلا أنّه كلّما كانت إفتراءات المستعمرين قبيحة و ممجوجة ، كان الحماس الثوري لدى الشعب الصيني أعلى و كان أعظم نشاطا فى البناء . إنّ وضع الصين الإقتصادي ، و الوحدة السياسيّة لشعبنا يتطوّران أحسن فأحسن سنة بعد أخرى . و لا يشكّ أحد من الجماهير الواسعة اليوم ، بأنّنا ، بالتأكيد ، سنتمكّن من إنجاز مشروعنا العظيم فى البناء قبل الموعد المحدّد ، و من تجاوزه .
لقد أشارت الماركسية – اللينينية دائما إلى أن قوى المجتمع المنتجة يمكن أن تتحرّر فى ظلّ النظام الإشتراكي تحرّرا عظيما . و إعتقد لينين أنّ الحياة فى المجتمع الإشتراكي هي حركة جماهيرية حقّة تشارك فيها أغلبية السكّان أو حتى جميع السكّان ، حركة تظهر لأوّل مرّة فى التاريخ . فهو يعتقد أنّ القوّة الخلاّقة الهائلة للجماهير هي العامل الأساسي فى المجتمع الإشتراكي ؛ و أنّ ثمّة موردا لا ينضب من المواهب الخلاّقة بين العمّال و الفلاّحين . و قد وصف لينين أحد مبادئ الماركسية " الأكثر عمقا و فى الوقت نفسه الأكثر وضوحا " بالعبارات التالية :
" كلّما كان نطاق الحوادث ذات الأهمّية التاريخية و إتّساعها كبيرين ، كان عدد الجماهير التى تشترك فى هذه الحوادث أكبر، و بالعكس فكلّما كان التغيير الذى نرغب فى تحقيقه أكثر عمقا ، كان علينا أن نثير إهتمام الناس بهذا التغيير و نجعلهم يتّخذون موقفا واعيا إزاءه ، فنقنع الملايين و عشرات الملايين من الناس بأنّه ضروري . و إذا كانت ثورتنا قد خلّفت وراءها جميع الثورات الأخرى إلى مسافة بعيدة ، فإنّ سبب ذلك يعود أصلا إلى أنّها، عن طريق حكومة السوفيات، قد عبّأت عشرات الملايين من الناس الذين لم يكونوا يهتمّون فيما مضى ببناء الدولة ، للمشاركة بدور إيجابي فى هذا البناء " 32.
إنّنا مقتنعون بأنّ سرعة التطوّر فى بلادنا ، مثلها مثل سرعة التطوّر فى الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى ، ستتجاوز كثيرا أيّة سرعة بلغها البلدان الرأسمالية . و ذلك ، كما يقول الشيوعيون الصينيون ، يعنى أنّ فى وسعنا أن نتقدّم بسرعة القفز إلى أمام . ذلك لأنّنا ، كما قال لينين ، قد عبّأنا على أوسع نطاق ملايين و ملايين من الناس ليشاركوا فى بناء بلادنا بأعلى درجة من المبادرة والإبداع عن طريق الأمور التالية : الخطّ العام لحزبنا وهو : بذل أقصى الجهود و التطلّع إلى العلاء ، و تحقيق نتائج أعظم ، و أسرع ، و أفضل ، و أكثر إقتصادا فى بناء الإشتراكية ؛ و مجموعة السياسات التى ننفّذها الآن بأسرها ، المعروفة ب " السير على قديمن إثنين " – أي التطوير ، فى وقت واحد ، للصناعة و الزراعة ، للصناعات الثقيلة و الخفيفة ، للصناعات التى تدار من قبل الحكومة المركزيّة ، و التى تدار محلّيا ، للمشاريع الكبيرة و أيضا المتوسّطة و الصغيرة ، للوسائل الحديثة و للوسائل المحليّة للإنتاج ؛ و كذلك عن طريق الحركة الجماهيرية الناهضة التى تتّسع فى بلادنا حاليّا لإبتكارات التكنيكية والثورة التكنيكية لتحقيق المكننة أو شبه المكننة ، و الأتمتة أو شبه الأتمتة ؛ و تدعم تطوّر كوموناتنا الشعبيّة الريفيّة ؛ وتعميم الكومونات الشعبية الحضريّة حاليّا .إنّ الصين تطوّر بناءها الإقتصادي وفق القوانين العامة للبناء الإشتراكي شأنها فى ذلك شأن الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى ؛ و إنّ سلسلة السياسات المحدّدة التى إتّخذتها الصين فيما يتعلّق بمسائل البناء الإشتراكي هي ، بالضبط ، نتاج دمج الحقائق العامة للينينية بالواقع المحدّد للصين .
لقد أثار البورجوازيّون فى البلدان الغربيّة الذين قادهم جهلهم إلى الدهشة ، الصراخ حول الوتيرة العالية للإتحاد السوفياتي فى البناء الإشتراكي . و هم يرفعون الآن ، مرّة أخرى ، عقيرتهم بالصياح بدون نهاية حول بنائنا الإشتراكي السريع التطوّر ، و خطّنا العام ، و قفزاتنا الكبرى إلى الأمام ، و كوموناتنا الشعبية . و قد وجّه لينين العظيم منذ زمن طويل ضربة قاضية إلى هؤلاء المعتوهين فى مقاله المشهور " ثورتنا " الذى كتبه قبل عام من وفاته . فقد أشار لينين :
" إنّ روسيا التى تقف كما هي الآن ، على خطّ الحدود بين البلدان المتمدّنة و جميع البلدان الشرقية أو البلدان غير الأوروبية التى نقلتها هذه الحرب ( الحرب العالمية الأولى ) ، تماما لأوّل مرّة ن إلى طريق المدنيّة ، تستطيع ، بل يجب أن تكشف عن ظواهر معيّنة خاصة ، و هذه الظواهر و إن كانت لا تتعدّى الخطّ العام للتطوّر العالمي ، إلاّ أنها تميّز ثورة روسيا عن جميع الثورات السابقة فى البلدان الأوربية الغربية ، و تدخل إبتكارات جزئيّة معيّنة فى المرور إلى البلدان الشرقية ".
و يطرح لينين السؤال المعاكس التالي :
" و كيف يكون الأمر ما دام اليأس التام من الوضع قد زاد قوّة العمّال و الفلاّحين بمقدار عشرة أضعاف ، و جعل فى إمكاننا خلق المتطلّبات الأساسيّة لتطوير الحضارة بطريقة تختلف عن طريقة جميع البلدان الأوروبية الغربية ؟ "
تنبّأ لينين مرّة أخرى :
" إنّ أوروبيّينا السذّج لم يخطر ببالهم قط و لو فى الأحلام أن الثورات التالية فى البلدان الشرقيّة التى تملك عددا أكبر بكثير من السكّان ، و ظروفا إجتماعيّة أكثر تعقيدا بكثير ، ستظهر ، بدون شكّ ، صفات مميّزة أعظم ممّا فى الثورة الروسية ".
أليس ذلك ، بالضبط ، ما تدعمه الحقائق ؟ ألم يسبق الإتحاد السوفياتي ، بإستخدامه طريقة تختلف عن طرق جميع البلدان الغربية ، و فى حقبة قصيرة جدّا من الزمن و بسرعة خارقة ، جميع بلدان أوروبا الغربيّة الرأسمالية ، فى مستوى التطوّر الإقتصادي ، أو لم يلحق بالولايات المتّحدة و يبدأ بتجاوزها فى بعض الميادين المعيّنة ؟ و كذلك الأمر فى الصين ، أفلم تزد حقيقة كونها " فقيرة و قاحلة " ، و اليأس التام من الوضع ، و عشرات السنين من التمرّس بالنضال و التجربة المتراكمة ، بالإضافة إلى مساعدة المعسكر الإشتراكي الجبّار و على رأسه الإتّحاد السوفياتي ، و الفوائد التى تؤخذ من تجربة أربعين سنة من البناء فى الإتحاد السوفياتي - ألم تزد كلّ هذه الأمور أيضا قوّة العمّال و الفلاّحين الصينيّين إلى عشرة أضغاف ، و توفّر لنا إمكانيّة إستخدام طريقة تختلف عن طرق جميع البلدان الغربيّة ، لأن نسير قدما إلى الأمام بسرعة خارقة نحو صناعة حديثة ، و زراعة حديثة ، و علم و ثقافة حديثين ؟ لقد لعنتنا البورجوازية الغربيّة و حكمت علينا بالفشل ، و هناك ، بين صفوفنا ، فى الحقيقة ، بعض ببّغاواتها الذين يقولون بأنّ خطّنا العام و قفزاتنا الكبرى إلى الأمام و كوموناتنا الشعبيّة إنّما هي نتاجات الروح الثورية للماركسية - اللينينية . و لكن لندعهم ينتظرون و يرون ، لينتظروا عشرة أعوام ، مثلا ، و بعدها سيرون النتيجة . و بإختصار فإنّ السذّج الأجانب و الصينيّين برؤوسهم المحشوّة بالأفكار الميتافيزيكية لا يعرفون ، كما قال لينين ، إلاّ أن يعتبروا " طبيعة " العلاقات البورجوزية قاعدة ذهبيّة لا يمكن مسّها و " قد فشلوا تماما فى تفهّم ما هو الشيء الحاسم فى الماركسية ، ألا وهو ديالكتيكها الثوري" . و لهذا ، و كما كانوا عاجزين فى الماضي عن فهم التغيّرات العظيمة التى حدثت فى الإتّحاد السوفياتي ، فكذلك هم اليوم عاجزون عن فهم جميع الأمور القويّة الحيّة التى تحدث فى الصين .
و المهمّة الكبرى الثانية للشعب الصيني فى الإحتفال بالذكرى التسعين لميلاد لينين هي صيانة السلم العالمي ، و مقاومة الحرب الإستعمارية ، بالتعاون مع جميع البلدان الإشتراكية و على رأسها الإتّحاد السوفياتي ، و مع جميع قوى العالم المحبّة للسلم ، و جميع قوى العالم المعادية للإستعمار، و المعادون للعدوان .
إنّ الماركسية – اللينينية كانت دائما تقاوم الحرب الإستعماريّة .
فعشيّة الحرب العالمية الأولى ، و أثناءها ، كان الشعار الثوريّ للينينيّة ، و القادة اليساريّين الآخرين للطبقة العاملة الذين تمسّكوا بالموقف الماركسي ، هو تحويل الحرب الإستعمارية إلى حرب أهليّة ، و ذلك لوضع حدّ للحرب الإستعمارية ، و الوصول إلى السلم . و كان السلم أحد الشعارات الرئيسية لثورة أكتوبر . و بعد إنتصار ثورة أكتوبر ، أصدر لينين فورَا مرسوم السلام ، داعيا إلى سلم عادل . و أعلن لينين بعد ذلك مرارا سياسة التعايش السلمي بين الدولة السوفياتيّة و الأمم الأخرى . لقد قام الإتّحاد السوفياتي بجهود هائلة معروفة للعالم ، قبل الحرب العالميّة الثانية و بعدها ، لصيانة السلم العالمي و إقامة أمن جماعي و تعايش سلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة .
و قد ناضلت جمهوريّة الصين الشعبية ، منذ تـاسيسها ، مع الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى ، بنشاط لصيانة السلم العالمي . فمن 1950 حتى 1953 أرسل الشعب الصيني متطوّعيه إلى الجبهة الكورية ، فكافحوا ببطولة إلى جانب الشعب الكوري ، بغية إيقاف عدوان الولايات المتحدة ، و قد أجبروا جيش العدوان الأمريكي فى كوريا على قبول إتّفاقية الهدنة ، و بذلك صانوا السلم فى الشرق الأقصى . و فى عام 1954 ، إشتركت الحكومة الصينية بنشاط فى مؤتمر جنيف الذى عقدت فيه إتّفاقية حول إعادة السلم إلى الهند الصينيّة . و فى نفس العام أعلن قادة الحكومة الصينيّة مع قادة الحكومتين الهنديّة و البورميّة ، واحدة بعد أخرى ، و بصورة مشتركة ، المبادئ الخمسة الشهيرة للتعايش السلمي التى ظلّت حجر الأساس فى سياسة الصين الخارجية تجاه جميع البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و فى عام 1955 إشتركت الحكومة الصينيّة بنشاط فى مؤتمر باندونغ للبلدان الآسيوية و الأفريقية الذى عقد فى أندونيسيا ، و الذى أعلن ، على أساس المبادئ الخمسة ، المبادئ العشرة التى تحدّد العلاقات بين البلدان الآسوية و الأفريقية . و فى عام 1958 سحبت الصين كلّ متطوّعيها الشعبيّين من كوريا . و إشترك الشعب الصيني دائما و بنشاط فى حركة السلم العالمية و الآسيوية ، و دعا مرارا إلى تحقيق الأمن الجماعي فى آسيا و منطقة المحيط الهادي ، و إلى إقامة منطقة فيهما مجرّدة من الأسلحة الذرّية . و تدعو الحكومة الصينيّة بإستمرار إلى تسوية النزاعات مع البلدان الأخرى ( بما فيها الولايات المتحدة ) بالوسائل السلميّة ، و ليس بوسائل الحرب ، و ما زالت حتى الوقت الحاضر تجري مفاوضات حول هذه المسألة مع الولايات المتّحدة التى تحتلّ أرض الصين ، تايوان .
لقد ناضلت البلدان الإشتراكية و الأحزاب الشيوعية لمختلف بلدان العالم بأسره نضالا ثابتا ، فى سبيل السلم العالمي والحفاظ عليه .
فقد دعا بيان موسكو الذى أُقرّ فى إجتماع الأحزاب الشيوعيّة و أحزاب العمّال فى البلدان الإشتراكية الذى عقد فى موسكو فى تشرين الثاني ( نوفمبر) من عام 1957، و كذلك بيان السلم الذى أقرّه أربعة و ستّون حزبا شيوعيا و عمّاليّا ، الطبقة العاملة ، و جميع الناس المحبّين للسلم فى العالم إلى العمل على صيانة السلم ؛ و أشار البيانان إلى أنّ هذا النضال هو أهمّ نضال فى العالم بأسره فى الوقت الراهن . و قد أشير فى بياني موسكو إلى أنّه توجد فى العالم الآن قوى جبّارة لصيانة السلم ، و أنّ تحالف هذه القوى الجبّارة قد وفّر الإمكانيّة العمليّة لمنع إنفجار الحرب . و منذ إجتماع موسكو ، تعزّزت قوى السلم أكثر . و ذلك ، قبل كلّ شيء ، لأنّ المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي قد أصبح أكثر قوّة ، فقد سبق الإتحاد السوفياتي الولايات المتّحدة بصورة أوضح من قبل فى الناحية العسكرية ، و فى أكثر ميادين العلم و التكنيك أهمّية ، و قام رئيس مجلس وزراء الإتحاد السوفياتي الرفيق ن. س. خروشوف بسلسلة من الزيارات السلمية إلى الولايات المتّحدة و البلدان الرأسمالية الأخرى ، و قامت الحكومة السوفياتيّة بجهود هامّة جديدة حول مسائل نزع السلاح و إيقاف تجارب الأسلحة النوويّة و غيرها ، إنّ الجهود السلميّة التى يبذلها الإتّحاد السوفياتي ، و الصين ، و البلدان الإشتراكية الأخرى تعطى تأثيرا أعمق فأعمق فى أذهان الناس . و فى الوقت نفسه قد ظهرت تطوّرات هامة جديدة فى حركات الإستقلال الوطني فى آسيا، وأفريقيا ، و أميركا اللاتينية ، و نضالات الشعوب فى البلدان الرأسمالية فى سبيل الديمقراطية و الإشتراكية . و تتّسع بإستمرار التناقضات الداخلية فى المعسكر الإستعماري ، فجماهير الشعب الواسعة فى الولايات المتّحدة نفسها تظهر ، فى كلّ مكان ، إستياء و قلقا حول سياسة الحكومة الخارجية المعادية للسلم ؛ و يواجه المستعمرون الأميركيّون صعوبات متزايدة و عزلة متزايدة . و قد أجبرت جميع هذه الظروف الإستعمار الأمريكي ، المدبّر الرئيسي لحرب جديدة ، على قبول إقتراح محادثات الذروة بين الشرق و الغرب ، و على تغيير نغمته فى مناسبات معيّنة مدّعيا بأنّه أيضا " يرغب فى السلم " . و قد أثبتت الحقائق أن قوى السلم فى العالم تفوق قوى الحرب ، و هذا هو مظهر حقيقة أنّ " الريح الشرقية تتغلّب على الريح الغربية " كما يقول الرفيق ماو تسى تونغ .
إنّ الريح الشرقيّة تتغلب على الريح الغربيّة ، و هذا هو الوضع العالمي الجديد فى الآونة الراهنة . وهو يختلف ، بصورة أساسيّة ، عن الوضع فى حياة لينين ، و عن الوضع عشيّة الحرب العالمية الثانية . و من الضروري تماما إدراك هذا الوضع الجديد فى النضال ضد مشروع الحرب الجديدة الإستعماريّة . و هذا الوضع الجديد قد أعطى ثقة و شجاعة لم يسبق لهما مثيل لجميع القوى المحبّة للسلم ، و جميع القوى المعادية للإستعمار ، و المعادية للعدوان فى العالم بأسره . و لكن لا يمكن أن نقول مطلقا إنّ هذا التغيّر فى ميزان القوى قد غيّر طبيعة الإستعمار ، و لذلك فإنّه قد قضى تماما على إمكانيّة أيّ حرب فى حياة المجتمع الحديث ، أو أنّ البشرية قد دخلت عصر السلم الأبدي .
لقد أكّدت اللينينية دائما أن الإستعمار هو مصدر الحرب الحديثة . و قد قال لينين إنّ " الحرب الحديثة هي حصيلة الإستعمار" 33 و إنّ الحرب " تنبعث من طبيعة الإستعمار نفسه " 34 و آراء لينين هذه ذات الأهمّية المبدئية الأساسية هي نتيجة تحليل علمي عميق للإستعمار؛ و قد أثبت حقائق تاريخيّة لا تحصى أنّ هذا التحليل العلمي حقيقة لا تتزعزع . و قد أورد إجتماع موسكو للأحزاب الشيوعية و أحزاب العمّال ، الذى عقد منذ أكثر من عامين ، آخر الحقائق لإثبات مبدأ لينين هذا . يقول بيان إجتماع موسكو :
" طالما يبقى الإستعمار فستكون هناك تربة للحروب العدوانية . و خلال سنوات ما بعد الحرب الماضية ، شنّ المستعمِرون الأميركيون و البريطانيون و الفرنسيون و المستعِمرون الآخرون و عملاؤهم، أو لا يزالون يشنّون ، حروبا فى الهند الصينيّة ، و أندونيسيا ، و كوريا ، و الملايو ، و كينيا ، و غواتيمالا، و مصر ، و الجزائر ، و عمان و اليمن . و فى نفس الوقت ترفض القوى الإستعمارية العدوانيّة بعناد نزع السلاح ، و تحريم إستخدام و إنتاج الأسلحة الذرّية و الهيدروجينية ، و التوصّل إلى إتّفاقية حول الوقف الفوري لتجارب هذه الأسلحة . و ما زال المستعمِرون يواصلون " الحرب الباردة " و سباق التسلّح ، ويبنون المزيد من القواعد العسكرية ، و يتّبعون السياسة العدوانيّة ، سياسة نسف السلم ، و قد خلقوا بذلك خطر حرب جديدة . فإذا ما إنفجرت حرب عالميّة قبل التوصّل على إتّفاقية حول تحريم الأسلحة النوويّة ، فإنّ من المحتّم انّها ستكون حربا نوويّة لم يسبق لها مثيل فى القوّة التخريبيّة .
" و فى ألمانيا الغربية يجرى إحياء العسكرية بمساعدة الولايات المتّحدة و بذلك خلق مصدر لخطر جدّي للحرب فى قلب أوروبا ...
" وفى الوقت نفسه يحاول المستعمرون فرض " مبدأ دالس- أيزنهاور" المشهور بسمعته السيّئة على شعوب الشرقين الأدنى و الأوسط المحبّة للحرّية ، خالقين بذلك خطرا على السلم فى هذه المنطقة ...
" و كتلة السياتو العدوانيّة خلقت خطرا للحرب فى جنوب شرقي آسيا ".
و يقول بيان السلام للأربعة و ستّين حزبا شيوعيا و عمّاليّا :
" إنّ قوى السلم قوى جبّارة ، و بإستطاعتها منع الحرب و صيانة السلم . و لكنّا نحن الشيوعيّين ، نعتقد بأنّه من واجبنا أن نحذّر جميع الناس فى العالم بأن خطر حرب مريعة مبيدة لم يزل .
" فمن أين يأتى التهديد لسلم و لأمن الشعوب؟ إنّ الذى يتحّمس للحرب و يحلم بها هو : الإحتكارت الرأسمالية التى كدّست ثروات لم يسبق لها مثيل من الحربين العالميّتين، و من سباق التسلّح الراهن . إنّ سباق التسلّح الذى يوفّر الأرباح الطائلة للرأسماليين الإحتكاريّين يرهق أكثر فأكثر كاهل الشغّيلة بالأعباء الثقيلة ، و يجعل إقتصاد كثير من البلدان سيّئا بشكل خطير . إنّ الأوساط الحاكمة لبعض البلدان الرأسمالية ، تحت ضغط الإحتكارات ، و خصوصا إحتكارات الولايات المتّحدة ، قد رفضت مقترحات نزع السلاح ، و تحريم الأسلحة النوويّة ، و التدابير الأخرى الرامية على درء حرب جديدة ...
" إنّ السلم يمكن الحفاظ عليه فقط إذا كان ، كلّ أولئك الذين يعزّ عليهم السلم ، يوحّدون جهودهم ، و يشحذون يقظتهم فيما يتعلّق بمكائد مثيري الحرب ، و يدركون تماما بأنّ واجبهم المقدسّ هو تشديد النضال من أجل صيانة السلم المهدّد " .
و يتّضح من هذا أنّ المبدأ اللينيني القائل بأنّ الإستعمار هو مصدر الحرب الحديثة ، ليس ، و لا يمكن أن يكون مطلقا ، " قد فات أوانه " . فطالما أنّ الإستعمار موجود ، فلا يمكن تخفيف اليقظة ضد خطر الحرب . و من هذا الموقع الأساسي يقوم الشعب الصيني بالنضال لصيانة السلم العالمي و مقاومة الحرب الإستعمارية . و إنّنا نرحب بكلّ خطوة فى إنفراج الوضع الدولي ، و نرحب بالجهود المخلصة للسلم من جانب أي بلد ( بما فى ذلك الولايات المتحدة ) ، و فى الوقت نفسه نطلع الأمّة بأسرها ، و نطلع الرأي العام العالمي ، فى حينه ، على النشاطات المنكرة للمستعمِرين الذين يواصلون تدبير المؤامرات لحروب جديدة ، ونثير إنتباههما ، و نشير إلى أنّه إذا ما توحّدت جميع قوى السلم فى العالم مع بعضها بعضا ، فإنّ بإستطاعتها أن تطغى على قوى الحرب ، و أنّ لنضالنا مستقبلا وضاءا . لقد قمنا بهذا فى الماضي ، و سنواصل العمل كذلك فى المستقبل .
إنّ الإستعمار الأميركي لا يضمر غير الحقد لمجهود المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، من أجل السلم . وهو يعلن جهارا سياسة العداء لجمهورية الصين الشعبية ، و يهاجم بصفاقة الموقف العادل للشعب الصيني فى صيانة السلم العالمي و مقاومة الحرب الإستعمارية . وقد قام الشعب الصيني ، فى حينه ، بفضح حقيقة أنّ حكومة الولايات المتّحدة التى يرأسها أيزنهاور ، ما تزال منذ محادثات كامب دافيد بين الرفيق خروتشوف و أيزنهاور فى أيلول (سبتمبر ) الماضي ، تواصل العمل بنشاط لزيادة التسلّح و الإستعدادات للحرب ، و توسيع عدوانها . و قد نشر الناطقون بإسم الإستعمار الأميركي الإفتراء القائل بأنّ الشعب الصيني لا يبدو متحمّسا لإنفراج الوضع الدولي ، و لكن هذه الفرية شائنة أكثر من أن توصف بالكلمات . و لمّا كانت حكومة الولايات المتّحدة ، و أيزنهاور نفسه فى حقيقة الواقع ، غارقين فى زيادة التسلّح ، و الإستعدادات للحرب ، و توسيع العدوان ، الأمر الذى يتعارض مع مطلب إنفراج الوضع الدولي ، فما فائدة إخفاء هذا الأمر أو حتى تبييضه و تجميله و إطرائه بالنسبة إلى الوضع الدولي؟ إنّ هذا ، على العكس ، سيجعل مسبّبي التوتّر أكثر طيشا و جموحا .
إنّ الحقائق تغنى عن كلّ بيان . فلنلق فقط نظرة على أقصر موجز لأقوال حكومة الولايات المتحدة و أيزنهاور و أفعالهما ضد السلم منذ محادثات كامب دافيد فى أيلول ( سبتمبر ) الماضي :
ففى 16 تشرين الأوّل ( أكتوبر ) عام 1959 قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية إندرو ه. بيردينغ ، فى خطاب له ، أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع قبول التعايش السلمي ، لأنّ ذلك سيعنى قبول الحالة الراهنة للمعسكر الإشتراكي .
وفى 21 تشرين الأوّل ( أكتوبر) إستصدرت الولايات المتحدة بالضغط قرارا غير شرعي حول ما يدعى ب " مسألة التيبت " عن طريق الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة ، متدخّلة بذلك فى شؤون الصين الداخليّة ، و مفترية على سحق الحكومة الصينيّة لعصيان الفئة الرجعية من مالكي الأقنان فى منطقة التيبت .
و فى 22 تشرين الأوّل ( أكتوبر ) أصدرت نظارة الخارجية الأمريكية بيانا بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على العصيان المعادي للثورة فى المجرّ تطعن فيه بالحكومتين المجرّية و السوفياتيّة ، و " تمجّد " العناصر المعادية للثورة التى قامت بالعصيان .
و فى 3 تشرين الثاني ( نوفمبر ) و عندما تظاهر الشعب فى منطقة قناة باناما من أجل إستعادة سيادة باناما على منطقة القناة ، قمع جيش الإحتلال الأميركي الشعب المتظاهر و جرح أكثر من 120 من الباناميّين .
وفى 13 تشرين الثاني ( نوفمبر ) قال نائب رئيس الولايات المتّحدة نيكسون :" إنّ الدول الغربيّة لا تستطيع قبول ما يدعوه السوفيات التعايش السلمي " .
وفى 22 تشرين الثاني ( نوفمبر) نشر ناظر الخارجية الأميركية هيرتر مقالا فى مجلة " باريد " الأميركيّة يشنّع بالإتحاد السوفياتي زاعما أن له " نوايا عدوانيّة " و أنّه ينفّذ " حملة توسعيّة " .
و فى 27 تشرين الثاني ( نوفمبر) أصدرت نظارة الخارجية الأميركية بيانا تطعن فيه بألبانيا زاعمة بأنّها " خاضعة للسيطرة السوفياتية ".
و فى الأول من كانون الأوّل ( ديسمبر ) زار ايزنهاور أحد عشر بلدا فى أوروبا و آسيا و أفريقيا بغرض توسيع الحرب الباردة . و قد دقّ خلال زيارته و بكلّ قوّته الطبول لتعزيز الأحلاف العسكرية الغربيّة قائلا بأنّ " حلف شمالي الأطلسي يبقى حجر الزاوية فى سياستنا الخارجية "، و أنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع التخلّى عن حلف السنتو، كما عمل بنشاط على توسيع شبكة قواعد القذائف الموجّهة الأميركية فى الخارج .
وفى 9 كانون الأول ( ديسمبر) إستصدرت الولايات المتّحدة بالضغط قرارا حول المسألة الكوريّة عن طريق الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة . و بالرغم من النداء الذى أصدره المجلس الشعبي الأعلى للجمهورية الديمقراطية الشعبيّة الكوريّة فى 27 تشرين الأوّل ( أكتوبر) ، فإنّها رفضت سحب القوّات الأميركية من جنوبي كوريا و تحقيق توحيد سلمي للبلاد ، و أكثر من ذلك أصرّت على إجراء ما دعي " الإنتخابات الحرّة " فى كوريا تحت " إشراف " الأمم المتّحدة التى كانت أحد الطرفين المتحاربين .
و فى نفس اليوم إستصدرت الولايات المتّحدة بالضبط ، عن طريق الجمعيّة العمومية للأمم المتحدة قرارا حول ما يدعى " المسألة المجريّة " ، يشكّل تدخّلا فى شؤون المجرّ الداخلية .
و فى 15 كانون الأوّل ( ديسمبر ) قدّم هيرتر " مشروع عشر سنوات " إلى إجتماع مجلس حلف الناتو ( الأطلسي ) مطالبا كتلة الناتو أن تكون لها " القوّة الرادعة " لأنّ تشنّ حربا واسعة النطاق ، و" المرونة الكافية " لشنّ حروب محلّية .
وفى 24 كانون الأوّل ( ديسمبر) دفعت الولايات المتّحدة حفنة من أشدّ العناصر الموالية لها فى لاووس للقيام بإنقلاب عسكري و توسيع الحرب الأهليّة فى لاووس بشكل أكبر .
وفى 29 كانون الأوّل ( ديسمبر ) أعلن أيزنهاور بأنّه إبتداء من أوّل كانون الثاني ( يناير) 1960 ستصبح الولايات المتّحدة " حرة فى إستئناف تجارب الأسلحة النوويّة " .
و فى 7 و 18 كانون الثاني ( يناير) عام 1960 قدّم أيزنهاور رسالتيه عن دولة الإتّحاد و الموازنة مطالبا الولايات المتحدة ب " تخصيص أي حصة من مواردها " تكون ضروريّة لتأمين " قوّة رادعة " و حدّد النفقات العسكرية للسنة المالية 1961 بأكثر من 455000 مليون دولار، أي 57،1 بالمئة من مجموع الموازنة . و شنّع على البلدان الإشتراكية فى رسالته عن دولة الإتّحاد زاعما أنّها " دول بوليسية " ، و على الإتحاد السوفياتي بأنّه " الشيوعية الإستعمارية " ، و على المعسكر الإشتراكي بأنّه " نظام الأتباع المتجهّمين ".
و فى 15 كانون الثاني ( يناير) قال نيكسون " فى ظلّ أيّة ظروف ، لا يجوز للولايات المتّحدة و حليفاتها أن تخفض من قوّاتها ".
و فى 19 كانون الثاني ( يناير ) وقّعت فى واشنطن " معاهدة التعاون والأمن المتبادلين " بين اليابان و الولايات المتّحدة . و هذه المعاهدة العدوانية للتحالف العسكري ، موجّهة رأسا ضد الصين ، و الإتّحاد السوفياتي ، و الجمهورية الديمقراطية الشعبية الكوريّة ، وهي تهدّد سلم جميع البلدان الآسيويّة و أمنها .
و فى 3 شباط ( فبراير) أعلن ايزنهاور فى مؤتمر صحفي قائلا :" لا أعرف أي شيء عن روح كامب دافيد " و أشار أيضا إلى أن الولايات المتّحدة ستزوّد حليفاتها بالمعلومات السرّية حول الأسلحة النوويّة .
و فى 5 شباط ( فبراير) أصدرت نظارة الخارجية الأمريكية بيانا ترفض فيه مرّة أخرى إقتراح إجتماع أعضاء حلف وارسو ، القائل بأن توقّع منظمة معاهدة وارسو و كتلة الناتو معاهدة عدم إعتداء متبادل .
و فى 15 شباط ( فبراير ) أصدر هيرتر بيانا ذهب فيه إلى حدّ إثارة المطالبة بأن" تتمتّع مرّة أخرى بالإستقلال الوطني " ثلاث جمهوريات من جمهوريات الإتّحاد السوفياتي هي : ليتوانيا ، و لاتفيا، و إستونيا .
و فى 16 شباط ( فبراير ) قال أيزنهاور فى رسالته " الأمن المتبادل " أنّ حقيقة التخفيضات فى القوّات السوفياتية العسكرية ، إذا كانت حقيقة ، فإنّها لا تغيّر ضرورة الإحتفاظ بدفاعنا الجماعي " " و إنّها لحماقة كبيرة أن نتخلّى أو نضعف مركزنا للقوّة الرادعة المشتركة ". و قال أيضا : بالنسبة للولايات المتحدة فإنّها "...تحتاج إلى مثابرة راسخة ، صابرة ، و بغير ضجّة فى بذل جهودنا للتمسّك بدفاعاتنا المشتركة ". و أعلن أنّ 2000 مليون دولار هي مخصّصات المساعدة العسكرية الأجنبيّة للسنة المالية الجديدة، أي بزيادة 700 مليون دولار بالنسبة للسنة الفائتة .
و فى 17 شباط ( فبراير ) ذكر أيزنهاور فى تقريره عن الوضع فى الشرق الأوسط ، بأنّ الولايات المتّحدة ستواصل إحتلال أرض الصين ، تايوان ، وإنّه ما زال " يأمل" بأنّ الصين الجديدة " ستنهار" ، و أكثر من ذلك ، فقد ذكر بأنّ الولايات المتحدة ستتّبع " سياسة ترمى إلى معاكسة نموّ قوّة (الصين) هذه "، و " تتمسّك بالتدابير الرامية إلى مقاومة هذه القوّة ".
و بين 22 شباط ( فبراير ) و 3 آذار ( مارس ) قام أيزنهاور بزيارة أميركا الجنوبية مدافعا عن تعزيز " نظام القارّة الأميركية بكاملها " ، مادحا مؤتمر سانتياغو لوزراء خارجيّة منظّمة الدول الأميركيّة الذى عقد فى آب ( أغسطس) من العام الماضي ، و الذى كان يهدف إلى التدخّل فى كوبا . و أكثر من ذلك ، فقد ذكر بأنّ الولايات المتّحدة ستواصل التمسّك بما يدعى " مبدأ مونرو" الذى يعتبر أنّ القارة الأميركية تتبع الولايات المتّحدة .
و فى 26 شباط ( فبراير) و بعد إرسال القذائف الموجّهة بإستمرار إلى كوريا الجنوبية إنتهاكا لإتّفاقية الهدنة الكوريّة ، أطلقت الولايات المتّحدة علنا قذيفة موجّهة من نوع " ماتادور" فى أوزان فى كوريا الجنوبية .
و فى 29 شباط ( فبراير ) رفضت الولايات المتّحدة ، فى مذكّرة جوابيّة إلى الحكومة الكوبيّة ، طلب الحكومة الكوبيّة بأن تمتنع الولايات المتّحدة عن إتّخاذ التدابير التى يمكن أن تضرّ بالشعب الكوبي ، و ذلك كشرط ضروريّ لإستئناف المحادثات الأميركية – الكوبية . و مضت تهدّد معلنة أنّ الولايات المتحدة تبقي حرّة فى إتخاذ " أيّة خطوات " تراها ضروريّة . و قبل هذا و بعده كانت الطائرات الأميركية تضرب كوبا بالقنابل بإستمرار . و إستنادا إلى بيان 14 آذار ( مارس ) الذى أصدره رئيس الوزراء الكوبي ، كاسترو ، فإنّ الطائرات الأميركية أغارت على كوبا أكثر من أربعين مرّة .
و فى 9 آذار ( مارس ) قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية ج.س. ساترثوايت ، بأنّ الولايات المتحدة لها " مصالح سياسيّة و عسكريّة خاصة " فى شمال أفريقيا . و قال : " و من المهمّ جدّا أيضا أن تبقى الولايات المتّحدة على حقوقها فى إستخدام قواعد هامة معيّنة لها فى أفريقيا ؛ و أن تواصل الولايات المتّحدة و حليفاتها الحصول على موارد واسعة من المواد الهامة فى أفريقيا ، و بصورة رئيسية المواد المعدنيّة ". و ذكر أيضا أنّ ثمة حاجة " للتنسيق بين نهوض القومية ( فى أفريقيا ) و طرق الإنتقال المنظّم من الماضى إلى المستقبل ".
و فى 16آذار ( مارس) بدأت الولايات المتّحدة و طغمة شيانغ كاي شيك مناورات عسكرية واسعة النطاق فى مضائق تايوان إشترك فيها 50000 من القوّات الأميركية .
وقال أيزنهاور فى نفس اليوم ، و هو اليوم التالي لإصدار البيان المشترك بين أيزنهاور و أيدناور، " لقد إتّفقنا على أنّه لم يكن هناك تغيير فى السياسة من أي جانب من الجانبين " و قال " إنّنا لن نتخلّى عن حقوقنا فى برلين ".
و فى 21 آذار ( مارس ) إعتدت السفن الحربية الأميركية مرّة أخرى على مياه الصين الإقليمية . و أصدرت الحكومة الصينية تحذيرها الخطير ال93 للولايات المتّحدة . و فى الفترة منذ تشرين الأوّل ( أكتوبر ) 1959 حتى هذا الوقت إعتدت الولايات المتحدة على المياه و الأجواء الإقليمية للصين 21 مرّة .
و فى 30 آذار ( مارس ) أكّد أيزنهاور بأنّه حتى لو وافقت الولايات المتّحدة الآن على توقيع إتّفاق لإيقاف التجارب النوويّة بصورة مؤقّتة ، فإنّ هذا لا يلزم الرئيس الأميركي التالي . و قال بأنّ " أي خلف له الحقّ فى أن يمارس رأيه فى هذا الأمر". و سار هيرتر شوطا أبعد من ذلك فقال فى الثامن من نيسان ( ابريل ) إنّه من وجهة النظر القانونية فإنّ " مقدرة أيزنهاور على ربط الولايات المتّحدة بإلتزامات لفترة أطول من الزمن " " تبقى محصورة خلال فترة رئاسته فقط ".
و فى 4 نيسان (ابريل) صدق أيزنهاور رسميّا على مشروع التطوير العاجل للقذائف البالستيكية العابرة للقارات ، و الغواصات النوويّة التى تطلق القذائف الصاروخية من نوع " بولاريس" . و تفيد الأنباء أن حكومة الولايات المتحدة تستعدّ لزيادة عدد القذائف الصاروخية العابرة للقارات المقرّر إنتاجها خلال ثلاث سنوات من 270 قذيفة إلى 312 ، و عدد الغواصات النوويّة من 7 إلى 40.
و فى 9 نيسان ( أبريل) جعجع ر. س. بنسون ، قائد قوّة الغواصات التابعة للأسطول الأميركي فى المحيط الهادي ، بأنّ الولايات المتّحدة ستستخدم 30 غوّاصة من الغواصات النوويّة التى تطلق القذائف الصاروخيّة من نوع " بولاريس" لتطويق الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى .
و فى 14 نيسان (ابريل) عارض إيتون مندوب الولايات المتحدة فى إجتماع لجنة الدول العشر لنزع السلاح ، الإقتراح الذى تقدّمت به البلدان الإشتراكية ، بأن تتعهّد جميع الأمم التى تملك الأسلحة النوويّة بأنّ لا تكون البادئة بإستخدامها ، و أكّد مرّة أخرى بأنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع أن تقبل الإقتراح السوفياتي لنزع السلاح العام الشامل .
و فى 20 نيسان ( ابيرل ) ألقى ديلون وكيل نظارة الخارجية الأمريكية خطابا هاجم فيه سياسة الإتحاد السوفياتي الخارجية ، و طعن بالإتّحاد السوفياتي زاعما بأنّه يبيّت " مطامع توسعية " . و قال " إن تعبير " التعايش" هو فى الحقيقة تعبير مخيف و مستهجن". و إنّه يجب أن " يقذف فى سلّة المهملات ".. و راح يهذى حول " إبقاء و تعزيز" قوّة الولايات المتحدة العسكرية و نظام كتلها العدوانيّة العسكريّة .
وفى نفس اليوم قام العصاة فى فنزويلا الذين تؤيّدهم الولايات المتّحدة بتمرّد مسلّح محاولين الإطاحة بالحكومة الفنزويليّة .
إنّ الحقائق المدوّنة هنا ، بالطبع ، بعيدة عن أن تستنفد ، وهي تستند فقط إلى معلومات نشرتها علنا حكومة الولايات المتحدة و الصحف و المجلات الأميركية . و مهما يكن من أمر ، فإنّنا نودّ أن نسأل : اليست كلّ هذه حقائق ؟ أوليست هذه هي الحقائق الأساسية لسياسة الولايات المتّحدة الراهنة ؟ و هل يمكن أن يقال بأن هذه الوقائع فى سياسة الولايات المتحدة ليست إلاّ مخلّفات تافهة غير مهمّة من العهود السابقة ؟ طبيعي أنّ الحقائق لا تؤيد هذا . فالحقيقة هي أنّنا ، حتى بعد محادثات كامب دافيد ، و حتى عشيّة مؤتمر الذروة بين الشرق و الغرب ، لا نرى أبدا أي تغيّر جوهري فى السياسة الحربيّة للإستعمار الأميركي ، و لا فى السياسة التى تتّبعها حكومة الولايات المتّحدة و أيزنهاور شخصيّا . فالإستعمار الأميركي ليس فقط يبذل قصاري جهوده لتوسيع قوّته العسكريّة العدوانيّة ، و لكنّه أيضا يساعد قوى العسكريّة فى ألمانيا الغربيّة و اليابان بشكل محموم ، و يحوّل هذين البلدين إلى بؤرة حرب جديدة . و يجب أن يفهم أنّ كلّ هذا يؤثّر على مصير الجنس البشري بأسره . و إنّها لضرورة لازمة ، مقاومة العسكريّة فى ألمانيا الغربيّة و اليابان ، و العسكرية التى تغذى من قبل الولايات المتحدة فى البلدان الأخرى ، و لكن سياسة الحرب التى ينتهجها الإستعمار الأميركي هي التى تلعب الآن و قبل كلّ شيء ، الدور الحاسم فى كلّ هذا. والتغاضي عن هذه النقطة ، هو تغاض عن جوهر الأمر و أصله . و لذلك ، فإن لم تركّز الشعوب المحبّة للسلم فى العالم بأسره قوّتها على مواصلة فضح سياسة الحرب التى تنتهجها سلطات الولايات المتحدة فضحا حازما ، و إذا لم تخض نضالا دؤوبا ضدّها ، فإنّ النتيجة ستكون حتما كارثة فادحةّ .
فكيف يحقّ للشعب الصيني الذى يقف فى الصفوف الأمامية للنضال من أجل السلم سويّة مع شعوب الإتحاد السوفياتي ، و البلدان الإشتراكية الأخرى، أن يلوذ بالصمت حول جميع هذه الحقائق ؟ و أي حق لنا فى أن ندع الأميركيين يقترفون ، و يقولون ، و يعرفون كلّ هذه الأمور ، و أن لا ندع شعوب الصين و البلدان الأخرى تعرف حقيقة الأمور؟ فهل ممّا يسيء إلى السلم ، و يزيد التوتّر ، أن نوضح الوضع الحقيقي للأمور إلى الرأي العام الصيني و العالمي ، و ممّا يساعد السلم و يخفّف التوتّر أن نخفي الحقيقة فقط ؟ و هل بهذه الطريقة " يصان " السلم حسب منطق المستعمِرين الأمريكيّين؟ أو هل هذا هو " السلم فى الحرّية " الذى أشار إليه أيزنهاور و من هم على شاكلته ؟
إن المستعمِرين الأميركيين ، الذين يدبّرون بنشاط حربا جديدة ، يأملون حقّا أن نخفي الوضع الحقيقي للأمور؛ و يأملون أن نتخلّى عن وجهة نظر الماركسية - اللينينية ، وأن نؤمن بأّنّ طبيعة الإستعمار يمكن أن تتغيّر، أو حتى أنّها قد تغيّرت ؛ و يأملون أن نفعل فى النضال لصيانة السلم العالمي كما يفعل المسالمون البورجوازيون تماما ، أي يأملون ألاّ نعبئ و لا نعتمد على أوسع الجماهير الشعبيّة التى تقف ضد الإستعمار ، و ضد الحرب الإستعماريّة ، و ضد العدوان الإستعماري ، و يأملون أن نبالغ قدر الإمكان فى تقدير إيماءات السلم التى أجبرت القوى الإستعمارية العدوانيّة على إظهارها ، و أن نجعل الجماهير غافلة ، أو أن نبالغ فى تقدير القدرة الحربيّة للقوى الإستعماريّة العدوانيّة ، و بذلك نوقع الجماهير الشعبية فى هلع . و بإختصار فإنّ المدبّرين لحرب جديدة يأملون أن نتظاهر مثلهم بأنّنا نريد السلم أو أن نريد سلما زائفا ، حتى يتمكّنوا فجأة من فرض الحرب على الشعوب ، تماما كما فعلوا فى الحربين العالميّتين الأولى و الثانية .
و لكن ، إسمعوا أيّها المدبّرون لحرب جديدة ! إنّ آمالكم لن تتحقّق أبدا . فطالما أنّنا نريد السلم حقّا ، و نريد سلما حقيقيّا ، فإنّنا لن نقع أبدا فى شرككم . و يجب علينا أن نواصل فضح جميع مؤامرات المستعمِرين الأميركيين و المستعمِرين الآخرين و مكائدهم التى تضرّ السلم ، و أن نبذل أقصى ما فى وسعنا لتعبئة الجماهير الواسعة التى تقف ضد الإستعمار و الحرب الإستعمارية و العدوان الإستعماري ، و كي تخوض نضالا عنيدا ضد المدبّرين لحرب جديدة ، ونجعلها تحتفظ، فى هذا النضال ، بيقظة عالية و ثقة قوّية ، و أن نكافح ، إلى النهاية ، لمنع حرب جديدة . و بهذا فقط نكون ، فعلا ، نرغب فى السلم ، و نحصل على سلم حقيقيّ . و بغير ذلك نكون مدّعين برغبتنا فى السلم ، أو أنّنا لا نحصل إلاّ على سلم زائف .
و مع أنّ طبيعة الإستعمار ، كما قلنا سابقا ، لا يمكن أن تتغيّر ، فإنّنا واثقون تماما بأنّه إمّا واصلت القوى الجبّارة المدافعة عن السلم خوض نضال موحّد حازم ، فإنّ بوسعها حتما أن تقيم صفّا من الحواجز يمنع المستعمِرين من إقتراف ما يريدون ، حسب ما تمليه عليهم طبيعتهم . و أكثر من ذلك ، ففى حالة الطوارئ ، كما جاء فى بيان موسكو :
" ... إذا ما غامر مجانين الحرب المستعمِرين ، بالرغم من كلّ شيء ، بشنّ حرب ، فإنّ الإستعمار سيحكم على نفسه بالدمار، لأنّ الشعوب لن تصبر بعد الآن على النظام الذى يسبّب لها تلك الآلام القاسية ويستلزم منها التضحيات الفادحة ".
و لقد كان من الضروري حتما ، أن يشير بيان موسكو إلى هذا . و لم يكن ذلك ليضعف أفق السلم بل ليعزّزه . لأنّه بهذا فقط لا تتجرّد شعوب مختلف البلدان من تسلّحها المعنوي ، و لا تخضع لتهويل مجانين الحرب وتهديدهم ، و لا تقع فى الذعر و الحيرة إذا ما إنفجرت الحرب ، لسوء الحظّ ، فى النهاية .
إنّ المرونة ، و الصبر ، و التفهّم المعيّن ، و المصالحة المعيّنة هي أمور ضرورية للتوصّل إلى التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة . و إنّ الشعب الصينيّ فى نضاله ضد الأعداء الداخليّين و الخارجيّين ، لم يرفض فى الماضي إجراء تسويات لا تضرّ بالمصالح الأساسيّة للشعب ، و لن يرفض القيام بذلك فى المستقبل . و إنّ الشعب الصيني يؤيّد بحرارة جهود الرفيق خروتشوف و الحكومة السوفياتية فيما يتعلّق بمحادثات الذروة بين الشرق و الغرب ، وهو أكثر من ذلك ، يأمل أن تغيّر الحكومة الأميركية الموقف المتعنّت الذى إتّخذته حتى الآن ، و بذلك جعل من الممكن للمحادثات أن تتوصّل إلى الإتّفاقيات التى تنتظرها الشعوب ، حول مسائل نزع السلاح ، و وقف تجارب الأسلحة النوويّة ، و مسألتي برلين الغربية و ألمانيا ، و مسألة إنفراج الوضع الدولي .
ولكن النضال من أجل السلم العالمي هو نضال طويل الأمد ، فالإستعمار لن يقبل بسهولة أيّة إتّفاقية مؤاتية للسلم . و أكثر من ذلك ، فإنّ ما لا يحصى من الحقائق التاريخيّة يثبت أن ما يوافق عليه المستعمِرون يمكن أن ينقضوه أيضا فى أيّ وقت يشاءون . و لذلك فالنضال ضروري سواء للتوصّل إلى إتّفاقيات فى صالح السلم ، أو التمسّك بهذه الإتّفاقيات لدى التوصّل إليها ، و قد أصاب لينين إذ قال :
" لقد إنتشر الآن النضال من أجل السلم ؛ و هذا نضال صعب . فمن يظنّ أنّ من السهولة إحراز السلم ، و من يظنّ أنّه ما علينا إلاّ أن نذكر السلم حتى يقدّمه لنا البرجوازيّون على طبق ، فهو شخص ساذج تماما . و من يحاول أن يعزو هذا الرأي إلى البلاشفة فإنّه يمارس الخداع . و الراسماليون يستميتون فى القتال بغية إقتسام الغنائم . فمن الواضح أن سحق الحرب هو قهر رأس المال . و بهذا المعنى بالضبط بدأت الحكومة السوفياتية النضال "35.
و بسبب أن الحرب الحديثة هي حصيلة طبيعة الإستعمار ، وأنّ طبيعة الإستعمار لا يمكن أن تتغيّر ، لهذا السبب بالذات ، فإنّ النضال لتحقيق السلم العالمي وصيانته ، هو بالضرورة ، نضال مديد معاد للإستعمار . و لهذا فإنّ نشر نظريّة لينين عن الإستعمار بصورة متكرّرة ، و فضح جوهر الإستعمار ، و جميع حيله الخادعة ، أصبح مهمّة ملحّة فى قضيّة السلم فى الوقت الراهن .
فما دام الإستعمار هو مصدر الحرب الحديثة ، فإنّ من الضروري ، فى النضال من أجل السلم العلمي ، الإتّحاد مع جميع القوى التى تقف ضد الإستعمار ، و الحرب الإستعمارية ، و العدوان الإستعماري . و قد نصّ بيان موسكو :
" إنّ الذى يصون قضية السلم هو هذه القوى الجبّارة لعصرنا : معسكر البلدان الإشتراكية الذى لا يقهر ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ؛ و بلدان آسيا و أفريقيا الشغوفة بالسلم و التى تأخذ موقفا معاديا للإستعمار و تشكل سويّة مع البلدان الإشتراكية منطقة سلم واسعة ؛ و الطبقة العاملة العالمية ، و فوق كلّ شيء طليعتها – الأحزاب الشيوعية ؛ و حركة تحرّر شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ؛ و حركة السلم الجماهيريّة لشعوب العالم . إنّ القوى التى تقاوم بحزم مشاريع حرب جديدة هي ، إلى جانب القوى المذكورة آنفا ، شعوب البلدان الأوروبية التى أعلنت الحياد ؛ و شعوب اميركا اللاتينية ، و الجماهير الشعبية فى البلدان الإستعماريّة . و إنّ تحالف هذه القوى الجبّارة يستطيع منع الحرب ".
إنّ المستعمِرين ، و خصوصا المستعمِرين الأميركيين ، لا يدعون حجرا إلاّ و يقبلونه ، فى محاولتهم لشقّ هذا النضال الموحّد . إنّهم يحلمون بوضع النضال من أجل السلم العالمي فى موضع مضاد لحركات الإستقلال الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية ، و لنضالات الشعوب من أجل الحرّية و الديمقراطية و الإشتراكية . و يحاورون بأنّه طالما أن السلم مرغوب فيه ، فإنّ الأمم المضطهَدة يجب أن لا تقاوم العدوان ، و الشعوب المستغلّة يجب أن لا تهبّ إلى الثورة . حتى أنّهم يقولون إنّ من واجب البلدان الإشتراكية ، فيما يظهر ، أن تمنع شعوب البلدان الأخرى من القيام بالثورة . إنّ كلّ هذا محض هراء .إنّ الماركسيين - اللينينيّين ، كما يعرف كلّ إنسان ، قد آمنوا دائما بأنّ الثورة ، بالنسبة إلى الأمم المضطهَدة أو الشعوب المستغلّة ، لا يمكن أن تصدّر . و كذلك لا يقدر أحد و لا يحقّ له أن يمنع الثورة . فالثورات الحديثة تنبع بصورة أساسيّة من العدوان و الإضطهاد و النهب الإستعماري للأمم المتأخّرة و الجماهير الشغيلة داخل البلدان الإستعمارية نفسها . و لهذا و طالما أنّ الإستعمار لن يتخلّى عن عدوانه ، و إضطهاده ، ونهبه ، و طالما أن الإستعمار يبقى إستعمارا ، فإنّ الشعوب المضطهَدة فى مختلف البلدان لن تتخلّى عن ثوراتها الوطنية ، و ثوراتها الإجتماعية .
إنّ البلدان الإستعمارية لم تتوقّف حتى هذه اللحظة عن التدخّل فى الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى ، بما فيها البلدان الإشتراكية ، وهي مع ذلك تروّج كذبا أنّ البلدان الإشتراكية تتدخّل فى شؤون البلدان الأخرى الداخليّة . و بالطبع ، فإنّ البلدان الإشتراكيّة لا تتدخّل فى شؤون البلدان الأخرى ، بما فيها البلدان الإستعمارية . و مع ذلك ، فإن الدول الإستعمارية تحاول الآن إجبار أو إغراء البلدان الإشتراكية على مساعدتها للتدخّل فى شؤون البلدان الأخرى الداخليّة ، أليس هذا بطلان إلى أقصى الحدود ؟
و طالما أنّ الإستعمار باق ، و يواصل إنتهاج سياسات العدوان ، و الإضطهاد ، و النهب ، بوسائل العنف ، فإنّ البلدان الإشتراكية تأخذ دائما موقف العطف و التأييد للأمم المضطهدَة و الشعوب المستغلّة فى مقاومتها للإستعمار . ذلك لأنّ نضالها يمثّل إرادة الشعب ، و يضعف القوى الإستعمارية ، و لأنّه فى صالح السلم العالمي . أليس سخيفا إلى أقصى الحدود ، التفكير بأنّ تطوّر هذا النضال و التأييد المقدّم له ليسا فى صالح السلام ؟
إنّ البلدان الإشتراكية و شعوب العالم المعادية للإستعمار و الشغوفة بالسلم ، تناضل جميعها لوضع حدّ للحرب . و كلّما كانت قوّة البلدان الإشتراكية و القوّة المعادية للإستعمار و المحبّة للسلم فى دول العالم أعظم ، كانت إمكانية منع الحرب أكبر. و لهذا فإنّ تقوية البلدان الإشتراكية ، و حركة التحرّر الوطني ، و حركة تحرير البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية ، و زيادة القوى المحبّة للسلام فى دول العالم ، تجعل من الممكن ، بصورة أكثر فعاليّة ، منع الحرب الإستعمارية و الدفاع عن السلم العالمي .
و المهمّة العظمى الثالثة للشعب الصيني فى الإحتفال بالذكرى التسعين لمولد لينين هي تقوية و تعزيز الصداقة و التضامن مع الشعوب الأخرى و بالدرجة الأولى مع البلدان الإشتراكية ، و على رأسها الإتحاد السوفياتي .
إنّ الماركسية - اللينينية ، هي الأممّية البروليتارية الحقيقية . و قد كانت منذ بدايتها ظاهرة أمميّة . فإنتصار الثورة الصينيّة و تقدّم البناء الإشتراكي فى جمهورية الصين الشعبيّة متعلّقان بشكل لا ينفصم بالتأييد الأممي البروليتاري . و إنّ الشعب الصيني يشكر إلى الأبد هذا التأييد ، و لن ينسى مطلقا ، واجبه فى أن يؤيّد ، بجهوده الخاصة ، البروليتاريا العالميّة ، و الأمم المضطهَدة . و لهذا السبب ، بالذات ، أشار الرفيق ماو تسى تونغ بقوّة عشيّة تأسيس جمهوريّة الصين الشعبيّة قائلا :
" إذا لخصنا تجاربنا و ركّزناها فى نقطة واحدة وجدناها : ديكتاتورية الشعب الديمقراطية بقيادة الطبقة العاملة ( عن طريق الحزب الشيوعي ) و على أساس تحالف العمّال و الفلاّحين . و هذه الديكتاتورية يجب أن تتوحّد مع القوى الثوريّة العالميّة. هذا هو صيغتنا ، و تجربتنا الرئيسية ، و منهاجنا الأساسي ."
و لهذا السبب ، بالذات ، يوجد أيضا ، كما هو معروف تماما ، شعاران مكتوبان بالحروف الكبيرة على الجدار فى تينآمن فى بيكين أحدهما " عاشت جمهورية الصين الشعبية ! " و الثاني " عاشت الوحدة العظمة لشعوب العالم ! ".
إن الشعب الصيني ، فى جميع الأوقات ، بحاجة إلى التمسّك بالصداقة و التضامن مع الشعوب الأخرى . و الشعب الصيني سعيد بأن يرى أن الوحدة الأخويّة بيننا و بين البلدان الأخرى فى المعسكر الإشتراكي ، على رأسه الإتّحاد السوفياتي العظيم ، تتنامي يوميّا ، و أنّ صداقتنا مع شعوب آسيا ، و أفريقيا ، و أميركا اللاتينيّة التى تحبّ السلم و تقاوم العدوان الإستعماري ، تتّسع من يوم إلى آخر ، و أنّ إتّصالاتنا الوديّة مع الشعوب فى البلدان الرأسمالية الأخرى ، تتزايد أيضا بمرور كلّ يوم . و على هذا الأساس ، سيعزّز الشعب الصيني بجهود لا تكلّ ، صداقتنا و تضامننا مع جميع الشعوب الأخرى ، و ذلك لخوض نضال مشترك من أجل المصالح المشتركة لجميع الشعوب .
إن المستعمِرين و خصوصا المستعمِرين الأميركيين فى محاولتهم نسف تضامن شعوب العالم ، يحرضون بشكل محموم على حملات معادية للصين فى بلدان معيّنة . ولكن هذه الحملات لم تحظ و لن تحظى أبدا بتأييد من الشعوب ، لأنّها حملات لا مبرّر لها أبدا . إنّ الشعب الصيني يبنى ، بكدّ ، حياة سلمية جديدة فى بيته ، و يعمل بما فى وسعه لأن يعيش بصداقة مع جيرانه ، فهو لم ينطلق إلى أي بلد أجنبي أو إلى ما وراء بحاره ليقيم قواعد عسكرية ، و قواعد للقذائف الموجّهة ، فلماذا يلقى العداء إذن ؟ و نحن نعلم أنّ الإتّحاد السوفياتي الذى خلقه لينين ، كان بلدا مسالما ، و مع ذلك تعرّض للطعن و الهجوم خلال فترة طويلة من الزمن ، من جانب أناس معادين للسوفيات لأغراض داخليّة معيّنة فى بعض البلدان الكبيرة و الصغيرة ( بما فيها بعض الدول التى ساعدها الإتحاد السوفياتي كالصين ، مثلا ، أثناء حكم الكومنتنغ ). و لكن هذا لم ينجح بإلحاق الضرر بالإتّحاد السوفياتي ، و إنّما فضح فقط حقيقة العناصر المعادية للسوفيات على أنّها ضد السلم و الشعب . و الحملات المعادية للصين التى يحرّض عليها المستعمِرون و الرجعيّون فى بلدان معيّنة ستنتهى حتما إلى نفس المصير .
إنّ المستعمِرين ، و التحريفيّين المعاصرين المتواطئين معهم ، و حفنة من الرجعيّين فى مختلف البلدان ، مسعورين بشكل خاص ، فى الوقت الحاضر ، فى محاولتهم لشقّ الوحدة الأخويّة التى لا تنفصم عراها بين الصين و البلدان الإشتراكية الأخرى بمختلف الوسائل الدنيئة ، و مثيرو الوقيعة هؤلاء هم خبثاء و أغبياء إلى أبعد الحدود . إنّهم لن يستطيعوا أن يفهموا أبدا أنّ وحدة البلدان الإشتراكية قد تشكّلت و تنامت تحت راية الماركسية – اللينينية العظيمة التى لا تتزعزع . يقول بيان موسكو :
" إنّ كون البلدان الإشتراكية متضامنة فى أسرة كبرى موحّدة يرجع إلى أّنّها تتّبع الطريق الإشتراكي المشترك ، و إلى الجوهر الطبقي المشترك لنظامها الإجتماعي و الإقتصادي و سلطة الدولة ، و إلى حاجتها للمساعدة و التأييد المتبادلين . و إلى مصالحها و أهدافها المشتركة فى النضال ضد الإستعمار و لتحقيق إنتصار الإشتراكية و الشيوعية ، و إلى إيديولوجية الماركسية – اللينينية المشتركة بينها جميعا ".
إنّ حقيقة أن المستعمِرين و التحريفيِين المعاصرين و حفنة من الرجعيين فى مختلف البلدان يحاولون بشراسة إيجاد هذا الشقاق ن لا تدلّ على مناعة موقعهم ؛ و لكنّها تظهر انّهم يقتربون من حتفهم . إنّ إنتصارات اللينينيّة السريعة فى نصف القرن الماضي ، و بصورة خاصة فى الخمس عشرة سنة منذ الحرب العالمية الثانية ، قد وضعتهم على نار . فأمام هذه الإنتصارات التى هزّت الأرض و التى تدعمها أوسع الجماهير ، لم يعد الإستعمار الذى يحاول عبثا السيطرة على العالم ، فى الحقيقة ، أكثر من " عملاق من طين " ، كما وصفه لينين فى مقاله " خلاصة أسبوع تجنيد أعضاء الحزب فى موسكو و مهمانا " . و من الطبيعي أن يكونوا معادين للتطوّر الكاسح و التضامن الراسخ للحركة الإشتراكية ، و حركة الإستقلال الوطني تحت راية لينين . و لكن كلّما أكثروا الشتم ، دلّ ذلك بوضوح اكثر على إنتصار اللينينية المحتّم . و قد كان لينين يبتهج عندما يهاجم من قبل أعداء الثورة ، لأنّ هذا يبرهن تماما على أنّه مصيب ، و أكثر من مرّة إقتبس فى كتاباته الأبيات التالية للشاعر الروسي الكبير نيكراسوف :
إن الإفتراءات تنهال عليه
وهو يريد سماع الإستحسان
لا فى أصوات المديح العذبة
بل فى حمأة الشتائم و الإنفعال !
فهل لا تثبت صحّة اللينينية بشتائم الأعداء الحانقة ، و إنّما بمديحهم ؟
إنّ الشعب الصيني فى جهوده لبناء الإشتراكية ، وصيانة السلم و مقاومة الحرب ، و تعزيز وحدة القوى الثوريّة فى مختلف الدول ، قد هوجم دائما و بشكل محموم من قبل أعداء الثورة . و لكن كلّ هذا قد برهن تماما على أنّ الطريق التى إختارها الشعب الصيني هي الطريق الصحيحة . و إنّ الشعب الصيني سيتقدّم دائما ببسالة فى طريق لينين العظيم نحو إنتصار قضية الإشتراكية فى جميع أنحاء العالم !
و لا شكّ مطلقا أنّ الماركسية – اللينينية ستحقّق حتما إنتصارات أعظم ، ليس فقط فى الإتّحاد السوفياتي ، و الصين ، و البلدان الإشتراكية الأخرى ، و إنّما أيضا فى جميع بلدان العالم الأخرى . بالطبع ، إنّ التاريخ يتطوّر بصورة غير متساوية . و مع ذلك فإنّ التعرّجات و الركود فى مجرى التطوّر الطويل للتاريخ الإنساني ليست إلاّ ظواهر جزئيّة و مؤقتة .
لقد أشرنا فى بدء هذا المقال إلى مقالة " المصير التاريخي لتعاليم كارل ماركس " التى كتبها لينين عام 1913 . فقد أشار لينين فى هذه المقالة ، بصورة خاصة ، إلى أنّ آسيا هي مصدر جديد لعواصف عالمية ، لأنّه ، فى ذلك الحين ، كان ركود نسبيّ فى تطوّر الثورة فى أوروبا . و إستنتج لينين إذّاك أنّ هذا الركود ليس إلاّ ظاهرة عابرة سطحيّة و أن الفترة التالية من التاريخ ستمكّن الماركسية ، مبدأ البروليتاريا ، من تحقيق إنتصارات أعظم .
و كتب لينين :
" عندما يكون الإنتهازيون ما يزالون يتغنّون بكلّ قوتهم ب" السلم الإجتماعي" و يطبّلون و يزمّرون بأنّ فى الإمكان تفادي العواصف فى ظلّ " النظام الديمقراطي " يكون مصدر جديد لعواصف عالمية عظمى قد إنبثق فى آسيا ... و بعد آسيا ، بدأت أوروبا تتحرّك أيضا . و لكن ليس بالأسلوب الآسيوي ... فسياق التسلّح المحموم و سياسة الإستعمار يحوّلان " السلم الإجتماعي" فى أوروبا الحديثة ، إلى شيء أشبه ببرميل من البارود . و فى نفس الوقت فإنّ عملية تفكّك جميع الأحزاب البرجوازية و نضوج البروليتاريا تسير قدما إلى أمام ".
إنّ نبوءة لينين العلميّة هذه تحقّقت فى روسيا فى عام 1917 ، ثمّ تحقّقت على نطاق أوسع بعد إنتهاء الحرب العالميّة الثانية . إنّ المصادر الجديدة لعواصف عالمية قد نبعت اليوم لا فى آسيا فقط ، بل فى أفريقيا و أميركا اللاتينية أيضا . فلم يعد للإستعمار مؤخّرة مأمونة على أي بقعة من بقاع هذه الأرض . و ما زالت توجد الآن درجة معيّنة من " السلم الإجتماعي " فى بعض بلدان أوروبا الغربيّة و أميركا الشمالية . و لكن تبعا لسياق التسلّح المسعور و السياسات الإستعمارية لهذه البلدان ، و بسبب قوّة المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتّحاد السوفياتي ، و نهوض حركات الإستقلال الوطني و الحركات الشعبية الثورية ، و تبعا للشعبيّة المتزايدة لحركة السلم ، فإنّ " السلم الإجتماعي " فى هذه البلدان الغربيّة يتحوّل فى الجوهر أكثر فأكثر إلى برميل من البارود ، كما وصفه لينين ، فليناضل الشعب الصيني و شعوب العالم الأخرى معا لتحرز اللينينيّة ، النظرية الماركسية لعصر الإستعمار و الثورة البروليتارية إنتصرات أعظم فى الفترة التاريخية المقبلة !

نشرت في صحيفة " جينمينجيباو" ، 22 أفريل / نيسان 1960
الوثيقة الثالثة :

لنتّحد تحت راية لينين الثورية

التقريرالذى ألقي فى الإجتماع الذى عقدته اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي الصيني فى بيكين فى 22 أفريل نيسان سنة 1960
للإحتفال بالذكرى التسعين لمولد لينين
بقلم : لو تنغ يي
أيها الرفاق و الأصدقاء :
يصادف اليوم 22 نيسان ( ابريل) الذكرى التسعين لمولد لينين العظيم .
لقد كان لينين معلّما ثوريّا عظيما ، بعد ماركس و إنجلز ، للبروليتاريا ، و الشغّيلة ، و الأمم المضطهَدة فى العالم بأسره . ففى ظلّ الظروف التاريخية لعصر الإستعمار ، و فى لهب الثورة الإشتراكية البروليتارية ، دافع لينين بحزم عن التعاليم الثورية لماركس و إنجلز و طوّرها . إن اللينينيّة هي ماركسية عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، و إنّ إسم لينين فى نظر شغّيلة العالم بأسره ، رمز إنتصار الثورة البروليتاريّة ، رمز إنتصار الإشتراكية و الشيوعية .
و عندما وُلد لينين ، منذ تسعين عاما مضت ، كانت البشريّة ما تزال تحت حكم الرأسماليّة المظلم . و قد قاد لينين و الحزب البلشفي الروسي البروليتاريا و الشغّيلة الروس فحطّموا سلسلة الإستعمار العالمي ، وأطاحوا بحكم العنف البرجوازي ، بإستخدام العنف الثوري ، و أحرزوا النصر فى ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى ، و أسّسوا أوّل دولة لديكتاتورية البروليتاريا ، و فتحوا عصرا جديدا فى تاريخ البشريّة . لقد جعلت ثورة أكتوبر حلم الشغّيلة و البشريّة التقدّمية منذ آلاف السنين حقيقة واقعة ، فأقامت ، لأوّل مرّة فى التاريخ ، مجتمعا متحرّرا من إستثمار إنسان لإنسان ، فوق سدس الكرة الأرضيّة . و قد حاول المستعمِرون عبثا خنق هذه الدولة السوفياتيّة التى ُولدت حديثا . و قامت أربع عشرة دولة رأسمالية بالتدخّل المسلّح ، بالتواطؤ مع القوى المعادية للثورة فى روسيا آنذاك . و قد قاد لينين و البلاشفة ، الطبقة العاملة السوفياتية البطلة و الشغيلة السوفيات الأبطال ، فسحقوا التدخّل الإستعماري المسلّح و قضوا على العصيان المعادي للثورة فى الداخل . و قد أشار لينين إلى طريق البناء الإشتراكي ، و طريق التصنيع الإشتراكي ، و جماعيّة الزراعة . و بعد أن مات لينين قادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتّحاد السوفياتي و الحكومة السوفياتية و على رأسهما ستالين ، الشعب السوفياتي ، فى تنفيذ تعليمات لينين ، بحيث أن الإتّحاد السوفياتي ، الذى كان متأخّرا إقتصاديّا و تكنيكيّا ، أصبح بسرعة و فى فترة تاريخية قصيرة ، بلدا إشتراكيّا قويّا . و فى الحرب العالمية الثانية أصبح الإتحاد السوفياتي القوّة الرئيسية فى هزيمة العدوان الفاشستي ، و ساعد شعوب بلدان اوروبا الشرقية على تحقيق تحرّرها ، و ساعد شعوب البلدان الآسيوية على هزيمة الإستعمار الياباني ، مقوّيا إلى درجة كبيرة قضيّة الثورة البروليتارية ، و قضيّة التحرّر الوطني ، و مقدّما مساهمة عظيمة جدّا للسلم العالمي . و قد دخل الإتحاد السوفياتي الآن العصر التاريخي للبناء الشامل للشيوعية . فتحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي ، و الحكومة السوفياتية ، و على رأسهما الرفيق ن. س . خروشوف ، حقّقت فى الإتحاد السوفياتي إنجازات رائعة فى البناء الإقتصادي ، وتقدّم فيه العلم و التكنيك بقفزات و وثبات ، و أطلق الإتّحاد السوفياتي أوّل مجموعة فى العالم من الأقمار الصناعيّة الأرضيّة و الصواريخ الكونيّة ، فاتحا بذلك عصرا جديدا فى ترويض الإنسان للطبيعة . و قد حفّزت هذه الإنجازات الكبيرة شعوب العالم أجمع كثيرا فى نضالاتها ضد الإستعمار ، و من أجل التحرّر الوطني ، و الديمقراطية الشعبية ، و الإشتراكية ، و من أجل سلم عالمي أبدي .
إنّ حياة لينين كانت حياة ثوري بروليتاري عظيم ، أنفقت فى نضال عنيف ضد الإستعمار ، و ضد جميع أنواع الرجعيين و الإنتهازيين . و قد تطوّرت اللينينية فى النضالات ضد الإستعمار والإنتهازية . إنّ الميزة الخاصة للينينيّة ، لم تحي فقط، و بصورة تامة، المحتوى الثوري للماركسية الذى أضعفه محرّفو الأممية الثانية ، ولم تستعد فقط الحدّ الثوري للماركسية ، الذى ثلموه ، و لكنّها طوّرت أيضا المحتوى الثوري للماركسية تطويرا أكثر ، شحذت حدّها الثوري فى ظلّ ظروف تاريخية جديدة و على ضوء التجربة التاريخية الجديدة .
لقد تطوّرت الرأسمالية فى نهاية القرن التاسع عشر ، إلى مرحلة جديدة ، مرحلة الرأسماليّة الإحتكارية ، أو الإستعمار . و فى هذه المرحلة ظهرت جميع تناقضات الرأسمالية بصورة أكثر شمولا و عمقا . و وضع هذا مهمّة جديدة أمام الماركسيين ، تتطلّب أن يقوموا بتحليل جديد لهذه المرحلة الجديدة للرأسمالية . و لم يكن هناك غير لينين العظيم الذى حقّق هذه المهمّة .
فقد أعطى لينين تحليلا عميقا للطبيعة الجوهريّة للإستعمار ، و دحض بصورة تامة تبييض الإستعمار و الإعتذار له من قبل مرتدّي الطبقة العاملة كبرنشتين و كاوتسكي . و شرح لينين بصورة علميّة حقيقة أن الإستعمار هو الرأسماليّة الإحتكاريّة البالية المحتضرة ، و أنّه عشيّة الثورة الإشتراكية البروليتارية . ففى عصر الإستعمار تطوّرت التناقضات بين البورجوازيّة و البروليتاريا فى نفس البلد ، كما تطوّرت التناقضات بين البلدان الرأسمالية ، و التناقضات بين البلدان الرأسمالية الإستعمارية و المستعمرات و أشباه المستعمرات ، إلى درجة من الحدّة لم يسبق لها مثيل ، و هذه التناقضات لا يمكن أن تحلّ إلاّ بالثورات . و يحاول المستعمِرون أن يقضوا على سلسلة التناقضات ، المذكورة آنفا ، بإغراق الملايين و الملايين من الناس فى بحر من الدم فى الحروب بين القوى الإستعمارية ، و فى حروب الإعتداء على المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و حروب القمع ضد البروليتاريا و الشغيلة فى بلدانهم أنفسها . و لكن على العكس من رغبة المستعمرين ، فإنّ الحروب الإستعمارية المعادية للثورة عاجزة عن القضاء على تناقضات الإستعمار، بل إنّها بالضبط ، تزيد من حدّة هذه التناقضات ، و تعجّل أكثر بإنفجار الثورة .
و كما هو معروف تماما ، فقد أشار لينين فى مؤلفه المشهور " رسالة من بعيد " بعد ثورة شباط (فبراير) الروسيّة فى عام 1917 ، فيما يتعلّق بمسألة الثورة الروسية إلى أنّ الحرب الإستعمارية التى شملت العالم كلّه حينذاك ، قد أصبحت " المخرج القدير" : ذلك أنّها كانت تزيد بشكل واسع من سرعة مجرى التاريخ العالمي ، مولّدة أزمات عالميّة ، إقتصادية و سياسية ، و وطنية ، و دوليّة ، متفاقمة تفاقما لا نظير له ؛ و قلبت فجأة عربة النظام القيصري الروسي القذرة الملطّخة بالدماء ، فى هذا الإنعطاف المفاجئ الذى لا مثيل له فى التاريخ العالمي ؟ 36
إنّ الماركسيين – اللينينيين معارضون فى ظلّ أيّة ظروف للنظام الإستعماري و الحروب الإستعمارية . و يعتقدون بأنّ تناقضات نظام الإستعمار الرأسمالي نفسه ستسبّب ، بالضرورة و بصورة حتمية ، الثورة البروليتارية و ثورات المستعمرات و أشباه المستعمرات . إنّ إنتهازيي الأممية الثانية تملكهم ذعر قاتل من " قوّة " الإستعمار الظاهريّة فتركوا البورجوازيين يستأجرونهم و عملوا للإستعمار . و تمشّيا مع مصالح المستعمِرين روّجوا تأثيرات إصلاحية و إستسلامية بين جماهير العمّال و الشعب و قاوموا طريق الثورة . و عندما إنفجرت الحرب الإستعماريّة إنحدروا إلى الموقف المخزي ، موقف تأييد الحرب الإستعماريّة . و على النقيض من الإنتهازيين أخذ لينين دائما موقف الثوري البروليتاري و وقف فى الجبهة الأماميّة ضد الحرب الإستعماريّة . و قد فضح لينين الإنتهازيين و كشف عن وجههم الحقيقي كشركاء للمستعمِرين . و قاوم بقوّة و حزم الحرب الإستعمارية ؛ و عندما إنفجرت الحرب الإستعمارية دعا إلى وضع حدّ لها بشنّ حرب ثورية . و قد أشار لينين بأنّ " النظام الإشتراكي فقط يستطيع تحرير الإنسان من الحرب " 37
إنّ الروح الثورية للينينيّة تظهر بصورة بارزة فى تعاليم الثورة البروليتارية ، و ديكتاتورية البروليتاريا . فمن أجل تحطيم " النظريات " التحريفيّة لكاوتسكي و أشباهه الرامية إلى تبييض نظام الديمقراطية البورجوازية ، و تخدير الروح الثورية للبروليتاريا ، أشار لينين مرارا إلى أنّ على الثورة البروليتارية أن تسحق جهاز الدولة البرجوازية و تستعيض عنها بديكتاتورية البروليتاريا ، فقال :
" إنّ الثانية ( الدولة البرجوازية ) لا يمكن أن تستبدل بالدولة البروليتارية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) فى مجرى عملية " الزوال الطبيعي" ؛ فكقاعدة عامة يمكن أن يحدث هذا فقط عن طريق ثورة عنيفة ". و " هذا بالذات هو أساس تعاليم ماركس و إنجلز بأسرها " 38
وأشار لينين أكثر من ذلك إلى أنّ ديكتاتورية البروليتاريا هي إستمرار للصراع الطبقي بشكل آخر ، و فى ظلّ ظروف جديدة، و أنّها نضال دائب لقمع مقاومة الطبقات المستغِلّة ، و ضد العدوان الأجنبي ، و ضد القوى القديمة و تقاليدها . فبدون ديكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن يكون هناك إنتصار للإشتراكية . إنّ ديكتاتورية البروليتاريا هي نظام سياسي ديمقراطي أكثر بمليون مرّة من الديكتاتورية البورجوازية .
لقد طبّق لينين و طوّر بشكل نيّر الفكرة الماركسيّة عن الثورة المتواصلة و إعتبرها مبدأ أساسيّا موجّها للثورة البروليتارية . و بيّن لينين المبدأ القائل إنّ على البروليتاريا أن تستولي على قيادة الثورة الديمقراطية البورجوازية و تحوّل الثورة الديمقراطية البورجوازية ، بدون إنقطاع ، إلى ثورة إشتراكية . و أكثر من ذلك ، أشار لينين إلى أن الثورة الإشتراكية ليست الهدف النهائي ، بل يجب مواصلة التقدّم لتحقيق الإنتقال إلى المرحلة العليا من الشيوعية و قد قال :
" عندما نبدأ التحوّل الإشتراكي ، يجب أن نضع لأنفسنا ، بوضوح ، الهدف النهائي لهذا التحوّل ، أي هدف بناء المجتمع الشيوعي "39
و إعتمادا على القانون المطلق للتطوّر الإقتصادي و السياسي غير المتساوي للرأسمالية ، توصّل لينين إلى نتيجة أنّ الإشتراكية ستحقّق الإنتصار أوّلا فى بلد واحد او عدّة بلدان . و إنّ التقدّم ، من إنتصار الإشتراكية فى بلد او عدّة بلدان إلى إنتصارها فى بلدان العالم بأسره ، سيستغرق عصرا تاريخيّا كاملا . و كان لينين ، على ثقة تامة بمستقبل الثورة العالمية . فقد قال فى مقاله الأخير " الأفضل خير و إن كان أقلّ " :
" إنّ نتيجة النضال ، فى التحليل النهائي ، ستقرّرها حقيقة أن روسيا ، و الهند ، و الصين إلخ تشكّل الأغلبيّة الساحقة من سكّان العالم . و هذه الأغلبيّة ، بالضبط ، هي التى إندفعت أيضا بسرعة غريبة ، فى السنوات القليلة الماضية ، إلى النضال من أجل التحرّر ، بحيث لا يمكن أن يكون فى هذا المجال ، أدنى ظلّ من الشكّ ، حول ما ستكون عليه النتيجة النهائية للنضال العالمي . و بهذا المعنى فإنّ الإنتصار النهائي للإشتراكية مضمون بصورة تامة و مطلقة "40
إنّ النظام الرأسمالي سيقبر بالتأكيد ، و سيحلّ محله حتما النظام الإشتراكي و الشيوعي . فهذا قانون موضوعي مستقلّ عن الإرادة الإنسانيّة .
لقد شرح لينين ، بعد ماركس و إنجلز ، بصورة أوفى هذا القانون ، و مجّد كثيرا المبادرة الثوريّة لجماهير الشعب . و قد دلّ إنتصار ثورة أكتوبر العظمى بقيادة لينين ، البشريّة بأسرها إلى طريق التحرّر التام ، و إلى الأفق النيّر للإشتراكية و الشيوعية . و كما قال الرفيق ماو تسى تونغ : " إذا أردنا الكلام بصورة أساسيّة ، فإنّ طريق الإتحاد السوفياتي ، طريق ثورة أكتوبر ، هو الطريق المشرق المشترك لتطوّر الإنسانية جمعاء".41
إنّ الثورة الصينية هي إستمرار لثورة أكتوبر . و الحزب الشيوعي الصيني و الرفيق ماو تسى تونغ قد دمجا الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة الصينية ، و من ثمّ فإنّ الثورة الصينية سارت فى الإتجاه الصحيح ، و ظهرت فى مظهر جديد برّاق .
إنّ الرفيق ماو تسى تونغ أظهر بصورة تامة الروح الثورية للماركسية – اللينينية ، و قد دافع عن الماركسية – اللينينية و طوّرها أكثر فى ظلّ ظروفنا . و قاد حزبنا الثورة الصينيّة فى الطريق الثوري الذى أشار إليه الرفيق ماو تسى تونغ ، و سار بها بإستمرار من نصر إلى نصر .
إنّ ثورة الديمقراطية الجديدة فى بلادنا ، كانت ثورة بقيادة البروليتاريا ، إشتركت فيها الجماهير الشعبية الغفيرة ، ضد الإستعمار ، و الإقطاعية ، و الرأسمالية البيروقراطية . و لم يتحقّق إنتصار هذه الثورة إلاّ بعد أكثر من عشرين عاما طوالا من الحرب الثورية .
و فى مجرى الثورة الطويل كان المستعمِرون العدو الأكبر الذى يجابه الشعب الصيني . و قبل أن تحرز الثورة الصينيّة النصر، لاقت الصين الضغط و السيطرة من جانب جميع الدول الإستعمارية فى العالم . و بعد إنتصار الثورة الصينية شنّ المستعمرون الأميركيون هجوما مسلّحا ضد الجمهورية الديمقراطية الشعبيّة الكوريّة ، و هدّدوا أمن بلادنا ، و إحتلوا ارضنا تايوان بالقوّة المسلّحة ، و حاولوا القضاء على الثورة الصينية بفرض الحصار و حظر النقل ، و إستخدام " الفردية الديمقراطية " المزعومة . و لكن الحزب الشيوعي الصيني عبّأ ، بالروح الثورية العالية للماركسية – اللينينية ، أوسع الجماهير الشعبية ، و إستأصل مشاعر " موالاة أميركا ، و عبادة أميركا ، و خشية اميركا " التى بثّها المستعمرون، و خدمهم و شنّ نضالا ضد الإستعمار و عملائه فى الصين ، و أطاح أخيرا بالضغط و السيطرة الإستعماريين فى الصين ، و صان بقوّة ثمار ثورتنا .
لقد تعاون حزبنا مرّتين مع الكومنتانغ - الحزب السياسي البرجوازي - و إنشقّ عنه مرّتين . و لذلك فإنّه يملك تجربة غنيّة جدّا حول مسألة الإتّحاد مع البرجوازية و النضال ضدّها . فليس لدى حزبنا تجربة غنيّة فى النضال المسلّح فقط ، بل أيضا فى النضال السلمي .
إنّ الحزب الشيوعي الصيني ، تحت قيادة الرفيق ماو تسى تونغ ، قد طبّق بصورة صحيحة و محدّدة ، الأفكار التى أوضحها لينين عن إضطلاع البروليتاريا بالقيادة فى الثورة الديمقراطية البورجوازية . و عن قيادة البروليتاريا لجماهير الفلاحين فى تنفيذ ثورة ديمقراطية بصورة شاملة ، و عن كون الثورة الديمقراطية حربا فلاحيّة و ثورة لتقسيم الأراضي ، و عن الثورة المتواصلة فى تحويل الثورة الديمقراطية إلى ثورة إشتراكية . و قد لعبت هذه الأفكار دورا موجّها فى إحراز إنتصارات مستمرّة فى ثورتنا .
لقد علّمنا لينين أنّ من المستحيل قهر الأعداء الأقوياء بدون حزب ثوري بروليتاري متمرّس بالنضالات المستمرّة . و يجب أن يتّخذ هذا الحزب الماركسية – اللينينية كأساس إيديولوجي له ، و يجب أن يكون له برنامج ثوري بروليتاري ، و أن تكون له روابط وثيقة بالجماهير الواسعة من الشغيلة . و حزبنا الشيوعي الصيني هو بالضبط حزب ثوري بروليتاري من هذا النوع . فقد بلغ حزبنا مرحلة النضج أثناء النضالات ضد الأعداء الأقوياء فى الداخل و الخارج ، و ضد الإنتهازية اليمينيّة و " اليسارية " . و لم تتوطّد بصورة راسخة القيادة الماركسية – اللينينية للجنة حزبنا المركزيّة بقيادة الرفيق ماوتسى تونغ، إلاّ بعد نضالات متكرّرة ضد إنتهازية اليمين و " اليسار". و بفضل وجود قيادة كهذه بالذات إستطاع حزبنا ، فى مرحلة الثورة الديمقراطية ، أن يضمن بشكل راسخ قيادة بروليتارية و سار بالثورة الديمقراطية إلى النصر التام ، و حول بسرعة إنتصار الثورة الديمقراطية إلى إنتصار للثورة الإشتراكية .
و فى نضالات حزبنا ضد إنتهازية اليمين و " اليسار" كانت مؤلفات لينين مثل " خطتان للحزب الديمقراطي الإجتماعي فى الثورة الديمقراطية " ، و " الدولة و الثورة " ، و " مرض الطفولة " اليساري" فى الحركة الشيوعية " ، و " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ، أكثر أسلحتنا الإيديولوجية اهمّية .
و طبّق حزبنا فى تجربة الثورة الصينية ، التعاليم الماركسية – اللينينية عن الثورة المتواصلة و تطوّر الثورة على مراحل ، و حلّ بشكل صحيح و محدّد ، سلسلة من المشاكل فى تحويل الثورة الديمقراطية فى بلادنا إلى ثورة إشتراكية . و قد قال لينين فى الحديث عن العلاقة بين الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكية :
" إنّ الثورة الأولى يمكن أن تتحوّل إلى الثورة الثانية . و الثورة الثانية فى مرورها ، يمكن أن تحلّ مسائل الثورة الأولى . و الثانية تدعم عمل الأولى . و النضال ، و النضال وحده ، يقرّر إلى أي حدّ تتفوّق الثورة الثانية على الثورة الأولى"42.
و قال أيضا :
" كلّما كان تحقيق الثورة الديمقراطية أكثر كمالا كان تطوّر هذا النضال الجديد ( إشارة إلى الثورة الإشتراكية ) أسرع ، و أكثر إنتشارا ، و أنقى ، و أكثر حزما ".43
و تثبت الظروف فى بلادنا بشكل قاطع أنّه كلّما سارت الثورة الديمقراطية بصورة شاملة كان تطوّر الثورة الإشتراكية أسرع و أسهل ، و إن زيادة سرعة البناء الإشتراكي ستساعد حتما على تحقيق الشيوعية .
إنّ الإستمرار فى الثورة الإشتراكية حتى النهاية يعنى أنّنا يجب أن نحرز إنتصار الثورة الإشتراكية ، ليس فقط على الجبهة الإقتصادية ، و إنّما على الجبهتين السياسية و الإيديولوجية أيضا ، و أن نزيح بإستمرار التأثير البورجوازي السياسي و الإيديولوجي ، و أن نحلّ بإستمرار التناقضات بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، و بين البناء الفوقي و الأساس الإقتصادي التى تبرز فى مجرى البناء الإشتراكي . و بهذه الطريقة يكون من الممكن أن تعبّأ بصورة تامة المبادرة الثوريّة للجماهير ، و تشكّل فى البناء الإشتراكي " حركة جماهيرية ، حقيقية ، تشترك فيها أغلبية السكّان و حتى مجموع السكّان " ،44
كما وصفها لينين و بذلك نعجّل كثيرا بقفزة القوى الإجتماعية المنتجة إلى الأمام .
و ثمّة نوع من النظريّة يعتقد بأنّه لا توجد فى المجتمع الإنساني إلاّ تناقضات بين أنفسنا و العدوّ، و لا توجد تناقضات داخل الشعب ؛ و أنّ بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، و بين البناء الفوقي و الأساس الإقتصادي فى المجتمع الإشتراكي ، يوجد فقط وجه للمطابقة المتبادلة دون وجه للتناقض ؛ و أنّنا فى البناء الإشتراكي نحتاج فقط إلى الإعتماد على التكنيك ، و ليس على الجماهير ؛ و أن لا حاجة لتطوير النظام الإِشتراكي و إنّما تعزيزه فقط ، و لو كان من الضروري تطويره للتقدّم نحو الشيوعية ، فليست هناك حاجة أيضا إلى المرور بالنضال و المرور بقفزة نوعية ؛ و هكذا فإنّ مجرى الثورة المتواصلة للمجتمع الإنساني ينتهي إلى هذه النقطة و ليس إلى أبعد منها . و هذه فى إصطلاحات الفكر الفلسفي ، راي ميتافيزيكي ، و ليس رأيا ماديّا ديالكتيكيا .
و يطبّق الرفيق ماوتسى تونغ فى كتابه " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب " المادية الديالكتيكية للماركسية- اللينينية على مرحلة البناء الإشتراكي فى بلادنا ، مثيرا مسألة وضع خطّ بين تناقضاتنا مع العدوّ والتناقضات بين الشعب ، و مسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب و مسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، و بين البناء الفوقي والأساس الإقتصادي ، فى ظلّ النظام الإشتراكي . و هذه النظرية الماركسية – اللينينية ، تختلف بصورة اساسية عن الرأي الميتافيزيكي المذكور آنفا . و على أساس هذه النظرية ، بالضبط ، و إستنادا إلى التجربة المتوّفرة فى ممارسة البناء الإشتراكي فى بلادنا ، وضع خط حزبنا العام : خطّ بذل أقصى الجهود و التطلّع إلى العلاء ، و تحقيق نتائج أعظم ، و أسرع ، و أفضل ، و أكثر إقتصادا فى بناء الإشتراكية .
و إسترشادا بالخطّ العام لحزبنا فى البناء الإشتراكي ، شهدت بلادنا قفزات كبيرة إلى الأمام فى الإنتاج الصناعي و الزراعي ، و ظهور الكومونات الشعبية الريفيّة و الحضريّة و حركة الإبتكارات التكنيكية و الثورة التكنيكية ، و ربط التعليم بالعمل المنتج ، و قفزات عظيمة إلى الأمام فى أعمال التجارة ، و البحث العلمي ، و الثقافة و الفنّ ، و الصحّة العامة ، و الرياضة البدينية .
إنّ خطّ حزبنا العام للبناء الإشتراكي لم يهاجم فقط من قبل المستعمِرين و المحرفين المعاصرين ، و إنّما تعرّض أيضا لإفتراء من جانب بعض السذّج الجهلة على أنّه " تعصّب البورجوازية الصغيرة " كما يزعمون . و لكن الحقائق تبقى حقائق . فخطّنا العام للبناء الإشتراكي هو خطّ عام ماركسي لينيني . و بتقدّم قضية بنائنا الإشتراكي ، بتوجيه هذا الخطّ العام ، يتعرّض وجه بلادنا لتغيّر سريع فى جميع الميادين .
لقد حلّل لينين الطابع الإنتقالي للمجتمع الإشتراكي فى " الدولة و الثورة " و غيره من المؤلفات . و أشار إلى أنّ الإشتراكية لم تستطع بعد أن تتحرّر ، كلّيا ، إقتصاديّا و سياسيا و إيديولوجيّا من تقاليد الرأسمالية و آثارها ، و إنّها لم تصبح بعد مجتمعا شيوعيّا كامل النموّ و النضج ، و إنّها ما تزال المرحلة الدنيا من الشيوعية و عليها ان تقوم بالإنتقال إلى المرحلة العليا من الشيوعية ، الشيوعية الكاملة النموّ و النضج . و أفكار لينين هذه ، ذات أهمّية كبيرة لنا . فما دمنا شيوعيّين وجب علينا ، إستنادا إلى المبادئ الماركسية – اللينينية عن الثورة المتواصلة ، و تطوّر الثورة على مراحل ، أن نخلق بنشاط الشروط لتحقيق الشيوعية و نحن نواصل البناء الإشتراكي . و قد أشارت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى الشروط الضروريّة لتحقيق الشيوعية فى بلدنا بالمستقبل . وهذه الشروط هي :
" عندما يكون الإنتاج الإجتماعي قد أصبح وافرا للغاية ؛ و الوعي الشيوعي و الخلق الشيوعي للشعب بأسره قد إرتفع إلى درجة عليا ؛ و يكون التعليم العام قد تحقّق و إرتفع مستواه ؛ و تكون الفروق بين العمّال و الفلاحين ، بين المدينة والريف ، بين العمل الذهني و اليدوي ، تلك الفروق التى خلّفها المجتمع البائد و التى لم يكن بدّ من الإحتفاظ بها فى عصر الإشتراكية قد إختفت تدريجيّا ؛ و تكون بقايا الحقّ البرجوازي غير المتساوي الذى هو إنعكاس هذه الفروق قد إختفت أيضا تدريجيّا ؛ و أصبحت وظيفة الدولة مقصورة على حماية الوطن ضد عدوان خارجي ، و لم تعد تلعب أي دور على النطاق الداخلي . فى ذلك الوقت سيدخل المجتمع فى بلادنا عصر الشيوعية الذى يطبّق فيه مبدأ " من كلّ حسب قدرته و لكلّ حسب حاجته " 45
إنّ الإنتصارات التى أحرزها شعبنا فى ثورة الديمقراطية الجديدة ، و الثورة الإشتراكية ، و البناء الإشتراكي ، قد تحقّقت جميعا تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، و على رأسه الرفيق ماو تسى تونغ ، و إسترشادا بتفكير ماو تسى تونغ الذى يدمج الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة الصينية. و قد تلقّينا المساعدة من الحزب الشيوعي العظيم فى الإتحاد السوفياتي ، و من الحكومة السوفياتية ، و الشعب السوفياتي ، و من جميع البلدان الإشتراكية ، و من الأحزاب الشيوعية و أحزاب العمال ، و الشغيلة و التقدّميين فى مختلف البلدان فى العالم ، و الشعب الصيني سيحفظ دائما هذه الروح الأمميّة العظيمة ، و لن ينساها أبدا .
إنّنا نعيش اليوم فى عصر عظيم جديد ينهار فيه النظام الإستعماري بسرعة أعظم ، و تتوالي فيه إنتصارات الشعوب و يقظتها فى جميع أنحاء العالم .
و الماركسيون – اللينينيون ، و المحرّفون المعاصرون ، إنطلاقا من موقفين و رأيين مختلفين بصورة أساسيّة وصلوا إلى إستنتاجات مختلفة بصورة أساسيّة حول هذا الوضع . فالماركسيون – اللينينيون يعتبرون هذا العصر عصرا جديدا ومؤاتيا بشكل لا مثيل له للثورة البروليتارية فى بلدان العالم ، و للثورة الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . إنّ قوى السلم قد نمت نموّا عظيما و قد صارت ثمّة إمكانية عمليّة لمنع الحرب . فعلى شعوب العالم بأسره أن تشدّد بشكل أقوى النضال ضد الإستعمار، و أن تدفع تطوّر الثورة ، و تدافع عن السلم العالمي . و من جهة أخرى يعتبر المحرّفون المعاصرون هذا " عصرا جديدا " قد إختفت فيه من جدول أعمال العالم ، الثورة البروليتارية فى مختلف البلدان ، و الثورة الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . و يعتقدون بأنّ الإستعمار سينسحب عن مسرح التاريخ بمحض إرادته ، و بدون ثورة ؛ و أنّ سلما أبديّا سيخيّم من تلقاء نفسه بدون أن نشنّ نضالاتنا المعادية للإستعمار . و هكذا فإنّ مسألة ما إذا كان المرء يريد الثورة أم لا ، و ما إذا كان يريد أن يقاوم الإستعمار أم لا ، قد أصبحت الإختلاف الأساسي بين الماركسيين – اللينييين ، و المحرّفين المعاصرين .
إنّ الحجج الرئيسية للمحرّفين المعاصرين فى تحريف الماركسية – اللينينية الثورية و تشويهها وخيانتها ، هي إدّعاؤهم بأنّه فى ظلّ الظروف التاريخية للعصر الجديد ، فإنّ تحليل لينين للإستعمار قد " فات أوانه " ، و أنّ طبيعة الإستعمار قد " تغيّرت "، و أنّ الإستعمار قد " أقلع" عن سياساته ، سياسات الحرب و العدوان . و بحجّة ما يدّعى بالنظر " التاريخي ، غير الجامد " للتراث النظري الذى تركه لينين ، هاجموا المحتوى الثوري ، و الروح الثورية للماركسية – اللينينية .
و فى الظروف التى تتغلّب فيها الريح الشرقيّة على الريح الغربيّة ، و التى أصبحت فيها الغلبة لقوى الإشتراكية و السلم على قوى الحرب الإستعمارية ، توجد صعوبات جمّة بين صفوف المستعمِرين الذين يهوون على حالة أصعب فأصعب . إنّ المستعمرين يقومون بكلّ أشكال النضالات اليائسة فى مسعى لإنقاذ أنفسهم من الهلاك . و مؤخرا حاول المستعمِرون ، و خصوصا المستعمِرون الأميركيّون ، جهدهم إستخدام خطط اكثر مكرا و خداعا للإستمرار فى سياسات العدوان و النهب ، و تخدير شعوب العالم . و حتى المستعمِرون الأميركيون أنفسهم لا يخفون أحيانا عزمهم على إتّباع خطط أكثر " مرونة " كما يزعمون . فقد إستخدموا ، بوسائل متنوّعة ، طريقة الحرب و طريقة السلم ، بالتعاقب ، فبينما يكثرون من زيادة التسلّح ، و التحضيرات للحرب ، و يقومون بالتهديد بحرب نوويّة ، ينشرون فى الوقت نفسه ستارة من الدخان عن " السلم" و يستخدمون القنابل المعسولة فى محاولة لخلق إنطباع زائف بأن المستعمِرين يدعون إلى السلم . فمن جهة لجأوا إلى القمع القاسي للحركات الثوريّة ، و من جهة أخرى عمدوا إلى التضليل و الرشوة فى محاولة لتخفيف الحركات الثوريّة و شقّها . و قد لجأ المستعمِرون إلى هذه الوسائل الخادعة لغرض واحد هو إخفاء طبيعتهم العدوانية النهّابة ، و تغطية تحضيراتهم للحرب لتحقيق غرضهم فى تفكيك الحركات الثورية فى مختلف البلدان ، و الحركات الثورية فى المستعمرات و اشباه المستعمرات، و نضال شعوب جميع البلدان من أجل السلم العالمي ، و لإستعباد شعوب مختلف البلدان و دكّ البلدان الإشتراكية .
فلمكافحة الخطط المختلفة التى يتّبعها المستعمِرون ضد الشعوب ، يجب على شعوب مختلف البلدان فى كلّ انحاء العالم أن تستخدم أيضا فى كفاحها ضد الإستعمار خططا و وسائلا متنوّعة للنضال الثوري . لقد إعتقد الماركسيّون – اللينينيّون ، دائما ، أنّه فى النضال الثوري يجب أن تكون هناك صلابة فى المبدأ و مرونة فى الخطط . إنّ كلّ وسائل الثورة و أشكال النضال ، غير الشرعية منها و " الشرعية " ، خارج البرلمان و داخله ، الدامية وغير الدامية ، الإقتصادية والسياسية ، العسكرية و الإيديولوجية – كلّ هذه يقصد من ورائها فضح المستعمِرين فضحا أكثر و الكشف عن قناع المستعمِرين كمعتدين و رفع الوعي الثوري بإستمرار، و تعبئة جماهير الشعب على نطاق أوسع لمقاومة المستعمِرين و الرجعيِين ، و تطوير النضال من أجل السلم العالمي و التحضير للنصر و إحرازه فى الثورة الشعبيّة و الثورة الوطنيّة .
و قد إعتقد الماركسيون – اللينينيون دائما أيضا ، أنّ على البروليتاريا أن تتّحد مع إحتياطيها لكي تحرز إنتصار الثورة . يجب على البروليتاريا أن تدخل فى تحالف قوي مع الفلاّحين ، و الشغّيلة الآخرين ، و جماهير الشعب المضطهَدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ، الذين هم حلفاؤها الأساسيّون . وبالإضافة إلى ذلك فعلى البروليتاريا ، فى مختلف الفترات أن تتّحد مع الآخرين الذين يمكن الإتّحاد معهم . فمن أجل مصالح الشعب ، بالطبع ، على البروليتاريا أن تستفيد بصورة كاملة من التناقضات بين المستعمِرين ، حتى لو كانت تناقضات مؤقّتة و جزئية . كلّ ذلك بغرض الإطاحة بالمستعمِرين و الرجعيّين .
و فى النضال ضد الإستعمار و سياسته العدوانيّة ، فإن من المسموح به تماما ، و من الضروري و فى مصلحة شعوب مختلف البلدان ، أن تقوم البلدان الإشتراكية ، كلّما أمكن ذلك ، بالمفاوضات السلميّة و تبادل الزيارات مع البلدان الإستعمارية ، و أن تناضل لتسوية النزاعات الدوليّة بالطرق السلمية بدلا من الحرب ، و أن تسعى إلى توقيع إتّفاقيات للتعايش السلمي أو معاهدات عدم إعتداء .
و قد بذلت الحكومة السوفياتية جهودا عظيمة لتخفيف التوتّر الدولي و الدفاع عن السلم العالمي . و إن الحزب الشيوعي الصيني ، و الحكومة الصينية ، و الشعب الصيني يؤيّدون تأييدا إيجابيّا المقترحات السلميّة التى قدّمتها الحكومة السوفياتية و على رأسها الرفيق ن. س . خروشوف لعقد إجتماع الذروة بين الشرق و الغرب ، و لنزع السلاح العام ، و تحريم الأسلحة النووية ... و ما إلى ذلك .
إنّ المحرّفين المعاصرين خانوا كلّية الروح الثورية للماركسية – اللينينية ، و خانوا مصالح شعوب العالم قاطبة ، و خضعوا و سلّموا للبرجوازيين و المستعمِرين . و هم يعتقدون بأن المستعمِرين قد غيّروا طبيعتهم ، و أقلعوا عن سياسة الحرب بمحض إختيارهم ؛ و أنّه لذلك لم تعد هناك حاجة للنضالات المعادية للإستعمار و لم تعد هناك حاجة للثورات . و يبذلون قصارى جهودهم لتغطية سياسات المستعمِرين الأميركيّين ، سياسات العدوان و الحرب ، و تجميل الإستعمار ، و أيزنهاور ، رأس المستعمِرين الأميركيين . و قد أصبح أيزنهاور ، على حدّ وصفهم له ، " مبعوث سلام " ، و لم يعد الإستعمار الأميركي عدوّا للسلم ، و لم يعد عدوّ حركات التحرّر الوطني للمستعمرات و أشباه المستعمرات ، و لم يعد ألدّ أعداء الشعوب فى العالم بأسره . و بإختصار ، فعلى رأي المحرّفين المعاصرين ، يبدو أنّه لم يعد هناك أي فرق بين الإستعمار و الإشتراكية ، و أنّ كلّ من يصرّ على النضال ضد الإستعمار ، و على الثورة ، سيعيق السلم ، و التعايش السلمي ، وهو " ذو جمود عقائدي متصلّب " .
إنّنا ، نحن الماركسيين – اللينينيين ، نعرف جيّدا ما هو الجمود العقائدي ، و قد ناضلنا بإستمرار ضدّه . و يملك حزبنا الشيوعي الصيني تجربة غنيّة فى كفاح الجمود العقائدي . إنّ الجموديّين يريدون الثورة ، و لكنّهم لا يدركون ضرورة دمج الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة فى بلدانهم أنفسها ، و لا إستغلال تناقضات العدوّ المحدّدة ، و تركيز القوى للنضال ضد العدوّ الرئيسي ، و الدخول فى تحالف مناسب مع مختلف القوى الوسطيّة ، و لا يعرفون كيف يطبّقون بمرونة خطط النضال و أساليبه ، و بذلك يتركون البروليتاريا فى وضع تحارب فيه بمفردها . إنّنا نعارض مثل هذا الجمود العقائدي لأنّه مضرّ بالثورة . و نعارض الجمود العقائدي من أجل أن ندفع بالثورة إلى الأمام ، و أن نطيح بالعدوّ . و المحرّفون المعاصرون يقومون بالعكس تماما . فمقاومة " الجمود العقائدي " بالنسبة إليهم مجرد حجّة ليعارضوا من ورائها الثورة ، و يحاولوا القضاء عليها و تشويه الماركسية – اللينينية و إفسادها . و بكلمات لينين فإنهم " يتناسون ، و يطمسون ، و يشوّهون الجانب الثوري لهذا المبدأ ، و روحه الثوريّة ، و يدفعون إلى المقدّمة ، و يمجّدون ما هو مقبول أو ما يبدو مقبولا للبرجوازيين " 46. إنّ التحريفيّين المعاصرين يفترون على الماركسية – اللينينية بانّها " الجمود العقائدي ". و هذه حيلة خسيسة يتخذها المرتدّون عن الطبقة العاملة ، لتفسيخ الروح الثورية للماركسية – اللينينية .
إنّ الثورة هي روح الماركسية – اللينينية . و قد وضع ماركس و إنجلز ، أمام بروليتاريا العالم بأسره ، المهمّة التاريخية العظيمة ، مهمّة القضاء على النظام الرأسمالي و تحرير البشرية جمعاء . و فى ظلّ ظروف تاريخيّة جديدة أيقظ لينين البروليتاريا العالميّة ، و جميع الشعوب المضطهَدة لخوض النضال الثوري المتّقد . لقد وُلدت الماركسية – اللينينية فى النضال البروليتاري الثوري ، و تطوّرت بإستمرار فى ذلك النضال . و قد تتغيّر الآراء الماركسية – اللينينية حول بعض المسائل الفرديّة بمرور الزمن و التغيّرات فى الوضع ، امّا الروح الثورية للماركسية - اللينينية فلا يمكن أن تتغيّر مطلقا . فقد غيّر لينين على ضوء الظروف التاريخية فى عصره آراء ماركس و إنجلز حول المسائل الفرديّة ، و أثار مسائل ، لم يكن بإستطاعة ماركس و إنجلز ان يثيراها فى أيّامهما . و لكن هذه التغيّرات لم تضعف ، فى أقلّ شيء ، الروح الثورية للماركسية ، بل زادت أكثر القوّة الكفاحية الثورية للماركسية . إنّ الثورة هي قاطرة التاريخ . و هذا هو الوضع فى المجتمع الطبقي ، و سيبقى كذلك فى المجتمع الشيوعي فى المستقبل ؛ و الفرق فقط ، فى أنّ ثورة ذلك العصر ستكون مختلفة فى الطبيعة و الأسلوب .
إنّنا نعرف بأنّ الإستعمار الأميركي هو ألدّ أعداء ثورة الشعوب فى مختلف البلدان ، و ألدّ أعداء حركة التحرّر الوطني و السلم العالمي و أشدّهم مكرا . و أيزنهاور هو زعيم الإستعمار الأميركي الآن . و قد أشار لينين منذ زمن بعيد إلى أنّ الإستعمار الأميركي هو ألدّ أعداء شعوب العالم أجمع وهو يلعب دور الدركي. و قد تمادي الإستعمار الأميركي الآن اكثر، مقيما نفسه دركيّا على العالم يخنق الثورة فى كلّ مكان ، و يقمع حركة التحرّر الوطني ، و النضال الثوري للبروليتاريا فى البلدان الرأسمالية ، و يخرّب حركة شعوب العالم من أجل السلم . والإستعمار الأميركي لا يحاول فقط ، فى كلّ دقيقة، أن يدكّ البلدان الإشتراكية و يقضى عليها ، و لكنّه تحت ستار مقاومة الشيوعية و الإشتراكية يبذل أيضا قصاري جهوده فى أن يتغلغل على المناطق المتوسّطة فى أمل عابث لتحقيق السيطرة على العالم . و سياسات العدوان و الحرب هذه ، التى يتّبعها الإستعمار الأميركي لم تتغيّر حتى هذا اليوم . و مهما كانت الخطط التضليليّة التى يتّبعها الإستعمار الأميركي، و أيّان كانت ، فإنّ طبيعته العدوانيّة النهّابة لن تتغيّر حتى موته . فالإستعمار الأميركي هو العماد الأخير للإستعمار الدولي . فإذا أرادت شعوب العالم أن تدافع عن السلم العالمي ، فإنّ رأس حربة النضال يجب أن يوجّه ضد الإستعمار الأميركي . أمّا ما إذا كان المرء يجرؤ أو لا يجرؤ على فضح المستعمِرين ، خصوصا المستعمِرين الأميركيين ، و أمّا ما إذا كان المرء يجرؤ أو لا يجرؤ على النضال ضدّهم ، فذلك هو المحكّ فيما إذا كان يريد أو لا يريد القيام بالثورة الشعبية، و إحراز التحرّر التام للأمم المضطهَدة و تحقيق سلم عالمي حقيقي .
فمن أجل مقاومة السياسة العدوانيّة للإستعمار الأميركي ، يجب الإتّحاد مع جميع القوى الثورية ، و القوى المحبّة للسلم فى العالم بأسره . فالسلم العالمي يمكن أن يدافع عنه بصورة أكثر ، و بصورة فعّالة ، فقط عن طريق ربط نضال شعوب البلدان الإشتراكية ، و النضال الوطني التحرّري لشعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و النضال الثوري البروليتاري فى البلدان الرأسمالية ، ونضال جميع الشعوب من أجل السلم ، و تشكيلها فى جبهة جبّارة معادية للإستعمار ، و تسديد ضربات صارمة لسياسات الإستعمار الأميركي ، سياسات العدوان و الحرب . إنّ المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، هو القوّة الرئيسية فى الدفاع عن السلم العالمي . و نضالات التحرّر الوطني لشعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و النضالات الثوريّة للبروليتاريا و الشغّيلة فى البلدان الرأسمالية ، هي أيضا قوى عظيمة فى الدفاع عن السلم العالمي . و إنّ الإنفصال عن نضالات التحرّر الوطني للمستعمرات و أشباه المستعمرات ، و عن النضالات الثوريّة للبروليتاريا و الشغيلة فى البلدان الرأسمالية ، سيضعف إلى حدّ كبير القوى المدافعة عن السلم العالمي ، و يخدم مصالح الإستعمار .
و ما من قوّة تستطيع أن تعيق أو تحدّ من نهوض شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات إلى الثورة ، و سحق النير الذى ترزح تحته . فنضالاتها الثوريّة تلعب دورا فى زعزعة اساس النظام الإستعماري . و على جميع الماركسيين – اللينينيّين الثوريّين أن يدعموا هذه النضالات العادلة ، بحزم و بدون أدنى تحفّظ . و بالمثل ، فما من قوّة تستطيع أن تمنع أو تحدّ من نهوض البروليتاريا والشغيلة فى البلدان الرأسمالية إلى الثورة للإطاحة بالحكم الرجعي لرأس المال الإحتكاري. و إنّ نضالاتها الثورية تستطيع أن تقيّد ايدي الإستعمار و تمنعه من شنّ حرب عدوانية . فعلى جميع الماركسيين – اللينينيين ، أيضا، أن يدعموا هذه النضالات الثوريّة العادلة بحزم و بدون أدنى تحفّظ . و التأييد القوى لهذين النوعين من النضال يشكّل تعزيزا فعّالا للنضال دفاعا عن السلم العالمي . و يرى لينين أنّ البروليتاريا فى البلدان الإشتراكية يجب أن تدافع ، بمساعدة البروليتاريا و الجماهير الشغّيلة للأمم المضطهَدة فى العالم أجمع ، عن ثمار النصر الذى حقّقته الثورة البروليتارية ؛ و عليها فى الوقت نفسه ، أن تدعم قضيّة الثورة البروليتاريّة فى البلدان الأخرى لتتقدّم بإستمرار، و أن تضعف بإستمرار قوّة الإستعمار حتى تقبر الرأسمالية و تنتصر الإشتراكية فى جميع انحاء العالم . و كلينينيين ، يجب أن نتذكّر دائما هذه الأفكار الأساسية للينين .
إنّ التحريفية المعاصرة هي حصيلة السياسة الإستعمارية . لقد أصيب المحرّفون المعاصرون بهلع شديد من السياسة الإستعمارية ، سياسة التهديد بالحرب النوويّة . فتحوّلوا من الخوف من الحرب ، إلى الخوف من الثورة ، و إنتقلوا من عدم رغبتهم هم أنفسهم فى الثورة إلى معارضة قيام غيرهم بالثورة . و فى مسايرتهم لحاجات الإستعمار، يحاولون إعاقة تطوّر حركة التحرّر الوطني ، و حركة الثورة البروليتارية فى مختلف البلدان . ويحاول المستعمِرون جعل البلدان الإشتراكية تنحطّ إلى بلدان رأسمالية .
و المحرّفون المعاصرون ، أمثال تيتو ، قد كيّفوا أنفسهم وفق حاجة المستعمِرين هذه .
إنّ كون مقاومة التحريفية المعاصرة أمرا مهمّا يعود إلى أنّ المحرّفين المعاصرين يستطيعون ان يلعبوا ، بين جماهير العمّال و الشغّيلة دورا، لا يمكن أن يلعبه البرجوازيّون ، و الديمقراطيّون الإجتماعيّون اليمينيّون . فهم عملاء الإستعمار ، و أعداء البروليتاريا و شغّيلة جميع البلدان .
و يشير بيان إجتماع ممثّلي الأحزاب الشيوعيّة و أحزاب العمّال للبلدان الإشتراكية الذى عقد فى موسكو فى تشرين الثاني ( نوفمبر) 1957، إلى ضرورة الدفاع عن الماركسية – اللينينية فى الوضع الراهن .
يقول البيان :
" إنّ البرجوازية الإستعمارية تبذل قصارى جهودها لإفساد الجماهير من الناحية الإيديولوجية . فهي تشوّه الإشتراكية ، و تفتري على الماركسية – اللينينية ، و تضلّل الجماهير و تبلبلها . لذلك فإنّ تعميق التثقيف الماركسي- اللينيني للجماهير، ومحاربة الإيديولوجية البورجوازية ، و فضح الأكاذيب ، والإختلافات المفتراة للدعاية الإستعمارية ضد نظام الإشتراكية، و الحركة الشيوعية ، و نشر أفكار الإشتراكية ، و السلم و الصداقة بين شعوب البلدان على نطاق واسع و بأسلوب حي مقنع ، هي أمور ذات أهمّية أولية ".
و يقول البيان أكثر من ذلك :
" تسعى التحريفية المعاصرة للطعن فى التعاليم العظمى للماركسية – اللينينية ، و تزعم أنّها " غير ملائمة للعصر" ، كأنّها فقدت الآن أهمّيتها بالنسبة للتقدّم الإجتماعي . و يحاول المحرّفون بكلّ جهدهم إفساد الروح الثوريّة للماركسيّة و تخريب الإيمان بالإشتراكية بين الطبقة العاملة و الشغّيلة . فهم ينكرون الضرورة التاريخية للثورة البروليتارية ولديكتاتورية البروليتاريا خلال فترة الإنتقال من الرأسمالية على الإشتراكية ، و ينكرون الدور القيادي للحزب الماركسي – اللينيني ، و ينكرون مبدأ الأممية البروليتارية ، و يدعون إلى نبذ المبادئ اللينينيّة الأساسيّة حول تنظيم الحزب ، و قبل كلّ شيء ، نبذ المركزية الديمقراطية ، و ذلك لتحويل الحزب الشيوعي من منظمة ثوريّة كفاحيّة إلى نوع من جمعيّة للمجادلة ".
إنّ التحريفية المعاصرة هي ، فى الوقت الحاضر ، الخطر الرئيسي على الحركة الشيوعية العالمية ، و واجبنا المقدّس أن نظهر بشكل كامل روح لينين الثورية ، و أن نكشف بشكل تام الصورة الحقيقية لعميلة الإستعمار هذه ، التحريفية المعاصرة .
إنّ بيان إجتماع موسكو هو المنهاج للحركة الشيوعية العالمية لعصرنا . و قد إعترفت به الأحزاب الشيوعية و أحزاب العمّال لمختلف البلدان . و نحن ، الحزب الشيوعي الصيني ، جنبا إلى جنب ، مع الأحزاب الشيوعية و احزاب العمّال للبلدان الأخرى ، نحافظ بإخلاص على هذا المنهاج العظيم و نقوم بتنفيذه .
لقد كانت الحركة الشيوعية منذ البداية حركة عالمية . فالتضامن الأممي البروليتاري هو الضمانة الأساسيّة لإنتصار قضيّة الشعب الثوريّة فى مختلف بلدان العالم ، و لإنتصار قضيّة التحرّر الوطني للأمم المضطهَدة ، وإنتصار نضال الشعوب من أجل السلم العالمي . فخدمة لمصالح البلدان الإشتراكية ، و مصالح البروليتاريا و الشغّيلة فى مختلف البلدان ، و لأجل تحرّر الأمم المضطهَدة ، و الدفاع عن السلم العالمي ، يجب علينا ، فى جميع الأوقات ، أن نعزّز التضامن الأممي البروليتاري . إن الماركسيين – اللينينيين يحرسون دائما ، كما يحرسون حدقة عيونهم ، وحدة المعسكر الإشتراكي و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، و وحدة صفوف الشيوعية العالمية ، و وحدة البروليتاريا العالمية ، و وحدة الشعوب فى العالم بأسره . و يعتبر المستعمِرون و المحرِّفون المعاصرون هذه الوحدة الأمميّة العظيمة ، أكبر عقبة أمام محاولتهم تفكيك الحركة الثوريّة لمختلف البلدان . فهم يخطّطون ليلا نهارا و يحاولون عبثا تخريب هذه الوحدة عن طريق احقر نشاطات التفرقة و بذر بذور الشقاق و الإشاعات الحقيرة و الإفتراءات ، و لكن هذه الدسائس الخبيثة مكتوب لها الإفلاس الذريع حتما .
إنّ القضيّة الإشتراكيّة للبروليتاريا ، إسترشادا بالتعاليم الثورية للماركسية - اللينينية ، ستحرز ، و تستطيع بالتأكيد أن تحرز ، النصر التام فى جميع انحاء العالم ، و سيسود الإنسانيّة حتما سلم أبدي .
فلنتّحد و لنتقدّم ببسالة تحت الراية الثورية لينين العظيم !
عاشت الماركسية – اللينينية !
الهوامش
1 خطاب لماركس حول كومونة باريس
2 ماوتس تونغ ، الديمقراطية الجديدة
3 خطاب جوزيف بروز تيتو في زغرب 12 كانون الأول ديسمبر 1959
4 لينين ، تحت علم الآخرين
5 لينين ، افلاس الأممية الثانية
6 لينين ، تحت علم الآخرين
7 خطاب جوزيف بروز تيتو في زغرب 12 كانون الأول ديسمبر 1959
8 لينين ، حول عمل اللجنة التنفيذية المركزية لجميع روسيا ومجلس ممثلي الشعب
9 لينين ، المنهاج العسكري للثورة البروليتارية .
10لينين ، وضعنا الداخلي والخارجي ومهمات الحزب
11 لينين ، جواب عن أسئلة مندوب جريدة النيورك المسائية
12 التعايش الفعال والاشتراكية ، نارودينا ارميجا اليوغسلافية ، 28 تشرين الثاني نوفمبر 1958
13 ايزنهاور يصل روما ، بوريا اليوغسلافية ، كانون الأول ديسمبر 1959
14 المؤتمر الرابع للنقابات ولجان المصانع في موسكو
15 برنشتين ، الأشكال المتعددة للحياة الاقتصادية
16 المؤتمر الأول للاممية الشيوعية
17لينين ، خطاب في مؤتمر العمال في منطقة برسنييا
18 لينين ، خطتان للحزب الديمقراطي في الثورة الديمقراطية
19 لينين ، نبوءة .
20 لينين ، المؤتمر الأول لكل روسيا حول الثقافة الاجتماعية
21 لينين ، رسالة الى عمال أوربا وأمريكا
22 لينين ، مهام الثورة
23 لينين ، حول الشعارات
24 لينين ، الجيش والثورة
25 لينين ، الدولة والثورة
26لينين ، الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي
27لينين ، الأممية الثالثة ومكانها في التاريخ
28 لينين ، خطاب في مؤتمر الملاكات النشطة في منظمة موسكو للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفي )
29 لينين ، انتخابات الجمعية التأسيسية وديكتاتورية البروليتاريا .
30ماو ، الوضع في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني يعد سقوط شانغهاي وتايبوان ومهماتنا
31 ماركس / أنجلس ، مقدمة الطبعة الألمانية للبيان الشيوعي الصادرة سنة 1890
32تقرير حول عمل مجلس ممثلي الشعب ، القي في مؤتمر مجلس السوفياتات الثامن لعموم روسيا
33مشروع قرار جناح زيمورفولد اليساري
34لينين ، كلمة الختام حول تقرير منهاج الحزب في المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الروسي
35لينين ، خطاب في المؤتمر الأول لممثلي بحرية عامة روسيا
36 لينين ، رسالة من بعيد / 7 مارس آذار عام 1917 ، المؤلفات الكاملة ، المجلد 23 ، ص 306.
37 مهمّات جناح زيمرفولد اليساري فى الحزب الديمقراطي الإجتماعي السويسري ، تشرين الأول ( أكتوبر ) – تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1916، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 23 صفحة 138
38 لينين ، الدولة و الثورة ، آب ( أوت) – أيلول (سبتمبر ) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلات لينين – المجلد 25 صفحات 387- 388.)
39 تقرير حول تعديل منهاج الحزب و تغيير إسمه ، ألقي فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفي ) ، 8 آذار ( مارس ) عام 1918، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 27 ، صفحة 114 .
40 الأفضل خير و إن كان أقلّ ، 2 آذار ( مارس) عام 1923، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 33 صفحات 453 -454 .)، هكذا وردت الإحالة في الوثيقة الصينية والمقال المشار اليه تحسن ترجمته بـ : أقل شرط أن يكون أفضل ( ملاحظة حزب الكادحين )
41 خطاب فى دورة السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي إحتفالا بالذكرى الأربعين لثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى
42 الذكرى الرابعة لثورة اكتوبر ، 14 تشرين الأوّل ( اكتوبر )عام 1921، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 33، صفحة 35
43 خطّتان للحزب الديمقراطي الإجتماعي فى الثورة الديمقراطية ، جوان ( يونيو) – جويلية ( يوليو) عام 1905 ، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 9 ، صفحة 115.
44 ، لينين ،الدولة و الثورة ، آب ( أوت) – ايلول ( سبتمبر ) عام 1917 ، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 25 ، صفحة 459
45 . " قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني حول إقامة الكومونات الشعبية فى الريف " ، آب ( أوت) عام 1958 .
46 الدولة و الثورة ، آب ( أغسطس) – أيلول ( سبتمبر ) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 25 ، صفحة 373