تطوير الماركسية في علاقته بأزمة العلوم الطبيعة


امال الحسين
2020 / 4 / 20 - 02:44     

هل يجب علينا أن نعتقد أن الماركسية متكاملة ؟

لقد أثبت تطور العلوم الطبيعية، أن تخلف الفكر الماركسي ناتج عن عدم قدرة تصورات الماركسيين، على تطوير الماركسية، بعد الاستنتاجات الهائل التي حققها لينين، على مستوى المعرفة، ومحاولة كل من ستالين وماو بلورتها على مستوى الدولة الاشتراكية، التي يتم اليوم تشوبها، عبر الصراع بين المؤيدين لإحدى التجربتين، الروسية والصينية.
ذلك ما يعمق أكثر أخطاء التجربتين، التي يجب تصحيحها، أي الأخطاء، خاصة القول بأن ماو طور الماركسية إلى مستوى أعلى، بدءا بتصحيح النظرة إلى الطبيعة والمجتمع، حيث فلسفة النظرية العلمية المادية، تتناول أعمال العلماء والفلاسفة بالنقد، وتتخذ الإبستمولوجيا طريقا، لتطوير النظرية الماركسية، وكل طفرة في العلوم الطبيعية، تحدث أزمة علمية وجب تعريضها للنقد، في علاقتها بتطوير الماركسية.
كل معلمين الكبار، الذين عملوا على محاولة تطوير النظرية العلمية المادية : الماركسية، لا يمكن أن يقبلوا أن تقف الماركسية عند نقط جامدة Point Stable، فأعمال ماو قابلة للنقد العلمي المادي، انطلاقا ليس من أخطائها فقط، بل من منطلق انجازاته أيضا، من أجل تطوير ما راكمه هؤلاء المعلمين الكبار على مستوى الممارسة، مما يستوجب اكتشاف ما بأعمالهم من نقط انطلاق لتطوير الماركسية.
ذلك ما نقوم به في هذه المحاولة، من خلال وضع بعض أسس نقد أعمال ماو، وليس "الماوية"، لماذا نقد أعمال ماو ؟ لكون من يسمون أنفسهم "ماويون"، يعملون على تشويه أ‘مال ماو، مما يستوجب علينا تعريضها للنقد العلمي المادي، على ضوء علم الماركسية، في علاقته بتطور العلوم الطبيعية.
إن ما يميز الماركسية عن الفلسفة البرجوازية، التي اتخدث أسماء متعددة من قبيل الحداثية وما بعد الحداثة، هو نقل القوانين العامة من الطبيعة إلى المجتمع، وتناول استنتاجات العلوم الطبيعية بالنقد، خاصة خلال أزماتها، عند كل طفرة علمية، مما يعطي للماركسية إمكانية التطور، عبر نقد كل طفرة في العلوم الطبيعية : نحو التطور، عبر اكتشاف مضامينها المادية، ونزع مضامينها المثالية، التي تشوب الفكر البرجوازي، نقدا علميا ماديا، ذلك ما فشل ماو في تقديمه في عصر الإمبريالية، الذي وضع لينين أسسه المادية، ولم يستطع إتمام ما حققه لينين في هذا المجال، رغم أنه قام ببلورة بعض اكتشافات لينين في هذا المجال السياسي والتزيمي، وأخفق في المجال المعرفي.
وحتى نقف على حقيقة أعمال ماو المعرفية، ونعطيها حق قدرها، يجب علينا دراسة أعمال لينين القيمة، ومواجهتها بالنقد المادي العلمي، في علاقته بالإبستمولوجيا، عبر المعرفة الجيدة لما حصل في العلوم الطبيعية من تطور هائل، الذي أذهل الفلاسفة البرجوازيين وانساقوا في التطبيل الأعماء للرأسمالية، ولم يقم أحد من الفلاسفة الماديين، بتناول هذه الطفرة العلمية بالنقد العلمي المادي، مما يطرح علينا اليوم هذه المهمة.
لقد قام الكاتب سلامة كيلة في تقديمه لكتاب "في التناقض" لماو تسي تونغ، بتناول مسألة التناقض باعتباره أحد قوانين الديالكتيك الماركسي، وقال عن هذا الكتاب :"هذا نص مهم، لأنه يبحث في مسألة التناقض."، ويقدم لنا الكاتب في تقديمه هذا ماو على أنه أدخل إضافات على أحد أهم القوانين الأساسية للديالكتيك الماركسي، الذي وضعه ماركس وإنجلس وطوره لينين على مستوى المعرفة والفلسفة، وقال الكاتب :"ولا شك أن ماو تسي تونغ قد قدم إضافات مهمة في هذا البحث، أي تعدد التناقضات."، انتهى كلام الكاتب، وهذه المقولة ليست علمية، حيث لا وجود ل"تعدد التناقضات" في الواقع الموضوعي، إنما تعدد أشكال التناقض مع تعدد مكونات المادة والحركة، فالتناقض كقانون لا يتجزأ، حتى يصبح متعددا لا نهائيا كجميع الأشياء، فهو قانون يحكم جميع الأشياء في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، وهنا يبدأ طرح الكاتب لمسألة التناقض كقانون أساسي، وهنا يبدأ قلب الجدلية، مما يجعلها تمشي على رأسها.
ولتأكيد قوله حول إضافات ماو، يقول أنه "ميز، من ثم، بين الرئيسي والثانوي فيها، كما أنه دخل في تفصيلات عن الطرف الرئيسي في كل تناقض، ومركز التداعي فيه، إضافة إلى الإشارة إلى عمومية التناقض وخاصيته، وإلى الوحدة والصراع بين طرفي التناقض نتيجة تعدد التناقضات."، كما جاء في مقدمته، وأكد أنه يجب اعتبار الرئيسي والثانوي فيه "وبالتالي من الضروري فهم الرئيسي والثانوي فيها، وكيفية التعامل مع كل منها ومن أجل حسم التناقض الرئيسي."، كما جاء في قوله.
إن اعتبار الكاتب عمل ماو هذا "إضافات مهمة"، إنما يدخل في مجال محاول توسيع رقعة الكتابة في هذا الشأن، في تراكم من الكلام الذي لا يفضي إلى تراكم كيفي، في انعدام تام للقدرة لدى الكاتب، على تحريك ما هو أساسي في خلاصات ماركسي حول الديالكتيك، وفي هذا القانون بصفة خاصة، أما القول ب"إدخال إضافات" على هذا القانون، فهو يأتي ضمن جهل الكاتب لمعنى القوانين الأساسية، في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، التي لا يمكن تحريكها، لكن يمكن فقط اكتشافها وتطبيقها في الطبيعية والمجتمع، في المادة والحركة، ليس من أجل تغيير هذه القوانين في حد ذاتها، إنما من أجل إحداث التغيير في الطبيعة والمجتمع، عبر تحريك التناقض داخل الحركة، مع العلم أن لا حركة بدون مادة كما قال إنجلس.
والقول ب"إدخال إضافات" على هذا القانون الأساسي، هو جهل بطبيعة هذا القانون التي لا تتغير، لكن الذي يتغير هو مجال تطبيقه في علاقته بالقانونيين الآخرين : النفي ونفي النفي والكم والكيف، مما يحدد نوعية التناقض في كل مجال على حدة، لكن ضمن الحركة التي تميز المادة، أما الحديث عما هو رئيسي فيه وما هو ثانوي، إنما يأتي ضمن اللعب بالكلام حول جدلية الأشياء، والتناقض بصفته قانون الحركة الموجودة في المادة : الواقع الموضوع، في الطبيعة والمجتمع، موجود على شكل العملية الجدلية التي تجري في جميع تفاصيل المادة والحركة، وفي جميع مجالاتهما، ويمكن تناول مجال معين حددناه سلفا للدراسة باستعمال الجدلية، من أجل تحديده في ما هو رئيسي في الحركة وما هو ثانوي فيها، ومن منظور قانون التناقض في علاقته بالقانونيين الأساسيين الآخرين، وهنا لا تجري عملية الجدلية في حد ذاتها على التناقض بعينه، فالرئيسي والثانوي موجودان سلفا في كل شيء، وقانون التناقض يشملهما، كما يشمل جميع مكونات المادة والحركة، وهما ليسا معطيين مطلقين، إنما الرئيسي والثانوي موجودان في علاقة جدلية، ويحكمهما التناقض في الصراع بينهما، وفي الصراع داخل كل واحد منهما، بحكم العلاقة بين العام والخاص الموجودان في كل الأشياء في المادة والحركة، في الطبيعة والمجتمع.
والعلاقة الجدلية التي تربط العام بالخاص، الجوهر بالظاهر، الرئيسي بالثانوي ...إلخ، موجودة في كل شيء في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، وليس هناك خاص مطلقة وعام مطلق، ففي كل خاص عام، كما أن في العام يوجد الخاص، وفي الخاص يوجد العام، في علاقة جدلية لا متناهية، كما قال لينين في كتابه "حول الديالكتيك" :"... فالخاص غير موجود إلا في العلاقة التي تؤدي إلى العام. والعام غير موجود إلا في الخاص، عبر الخاص. كل خاص له طابعه العام )بهذه الصورة أو تلك(. وكل عام هو )جزء أو جانب أو جوهر( من الخاص. وكل عام لا يشمل جميع الأشياء الخاصة إلا في وجه التقريب. وكل خاص لا يشترك تمام الاشتراك في العام، إلخ، إلخ .. كل خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الانتقالية بعناصر خاصة من طبيعة أخرى )أشياء، ظاهرات، تفاعلات(، إلخ ..".
أما تناول مفهوم التناقض في علاقته بالرئيسي والثانوي، إنما يندرج ضمن الجدلية الموجود في المادة والحركة، في الطبيعة والمجتمع، أما القول بأن هناك تناقض أساسي أو رئيسي أو مركزي والتناقضات الثانوية، ليس باكتشاف علمي، لكون التناقض في ما هو رئيسي يختلف في ما هو ثانوي، وتجمعهما العلاقة الجدلية في ظل الوحدة بينهما، في التناقض والصراع، التي تنطبق على كل الأشياء في الطبيعة من عالم الذرات إلى عالم المجرات أو ما يسمى في الفيزياء L’infiniment petit et l’infiniment grand، العالم اللامتناهي الصغير والعالم اللامتناهي الكبير، وفي المجتمع من أبسط العلاقات الاجتماعية اليومية إلى أعقدها في حالة الثورات الاجتماعية.
والكاتب يريد أن يحول عمل ماو، من مستواه البسيط في الديالكتيك، الموجود أصلا في جميع الأشياء في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، إلى مستوى عال من الاكتشافات العلمية في المعرفة الماركسية، وبهذا يحدث تشويشا في ذهن القارئ، عبر اللعب بموقع الرئيسي والثانوي في المادة والحركة، وإخراجهما من الواقع الموضوعي، وإسقاطهما على أحد القوانين الأساسية للحركة في علاقتها بالمادة، ويقول أنه يقوم بإزاحة التشويش، الذي تم نشر في صفوف الشيوعيين بالصين، وفي الحركة الماركسية ـ اللينينية عامة، لكنه لم يفعل غير تعميق هذا التشويش.
والتناقض باعتباره قانون أساسي في الطبيعة والمجتمع، في المادة والحركة، موجود في الرئيسي، كما هو موجود في الثانوي، في العلاقة الجدلية بين الرئيسي والثانوي، وليس في "التناقض الرئيسي" و"التناقض الثانوي"، وهنا يكمن الخطأ، ويحصل التشويش في ذهن الكاتب، فالتناقض قانون، وهو موجود بشكل أساسي، من بين القوانين الثلاثة الأساسية في المادة والحركة، في الطبيعة والمجتمع، التي حددها العلم المادي الماركسي، أما إضافة صفة الرئيسي والثانوي لقانون التناقض، فهو عمل يحمل معه مغالطة ولبس وجب كشفهما، من أجل إزاحة التشويش في ذهن القارئ، إزاحة القول غير العلمي في المعرفة الماركسية، كالقول ب"التناقض العام" و"التناقض الخاص"، و"التناقض الجوهري" و"التناقض الطاهري"،...إلخ، فنقول إنه اكتشاف جديد في علم الماركسية.
أما القول بالوحدة في ظل التناقض والصراع بين الأضداد، فهو مسألة بديهية وليست اكتشافا، فالذرات، الجزيئات، الأجسام ... الأقمار، الكوكب، الشموس، المجرات ... أو بصفة عامة : المادة، كما قال عنها لينين : "المادة مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي"، فالوحدة موجودة في شكل، الوحدة في ظل التناقض والصراع بين مكوناتها، وكل مكون موجود في شكل الوحدة في ظل التناقض والصراع بين أجزائه المتناقضة ... هكذا إلى ما لا نهايته.
قال لينين في هدا الصدد في كتابه "حول الديالكتيك" :"... كل هذه أيضا نتائج لجهل الديالكتيك، كل ما لا يتغير، من وجهة نظر إنجلس، هو أمر واحد فقط، هو عكس الوعي البشري )عندما يكون الوعي البشري موجودا( للعالم الخارجي الموجود المتطور خارج وعينا، لا وجود في نظر ماركس وإنجلس لأي "ثابية" أخرى، أو لأي جوهر "مطلق" آخر بالمعنى الذي رسمت به الفلسفة الأستاذية هذه المفاهيم. فإن "كنه" الأشياء أو "الجواهر" هما أيضا نسبيان، وهما يعربان فقط عن تعميق المعرفة البشرية للمواضيع، ولئن كان هذا التعميق لم يمض أمس إلى أبعد من الذرة، واليوم أبعد من الإلكترون والأثير، فإن المادية الديالكتيكية تلح على الطابع المؤقت، النسبي، التقريبي لجميع هذه المراحل من معرفة الطبيعة من قبل العلم المتطور المتقدم لدى الإنسان. إن الإلكترون لا ينضب مثله مثل الذرة، والطبيعة لا متناهية، ولكنها توجد إلى ما لانهاية، إن هذا الاعتراف القاطع الوحيد، بوجودها خارج وعي الإنسان وأحاسيسه هو الذي يميز المادية الديالكتيكية عن اللاعرفانية النسبية وعن المثالية."
إن الكاتب من خلال هذه المقدمة يبحث عن طريق للتميز، في ظل الحركة الماركسية ـ اللينينية، وبشكل فج، من أجل الوصول إلى هدفه الأساسي، وهو أن البلشفية تم تجاوزها من طرف الثورة الصينية، وبالتحديد في أعمال ماو المتقدمة في المعرفة الماركسية، في مستوى عال من المعرفة والفلسفة، في محاولة انتهازية لتجاوز أعمال لينين، التي لا يستطيع الإحاطة بها، في مضمونها العلمي وتراكمها الهائل على جميع المستويات المعرفية، السياسية، الاقتصادية، والتنظيمية : في أعلى مستوياتها، في العلاقة بين الحزب، الطبقة والجماهير، وفي البناء الثوري للاشتراكية.
ويسعى الكاتب لوضع أسس، تسديد الضربة القاضية للدياليكتيك الماركسي لدى لينين، عبر توجيه انتقاداته لأعمال ستالين حول المادية الجدلية، ذلك ما أشار إليه في آخر المقدمة، في محاولة فاشلة لضرب النظرية الماركسية اللينينية، عبر ضرب التجربة الاشتراكية بالاتحاد السوفييتي، مما قاده إلى الوقوع في الديالكتيك الميتافيزيقي، عبر اعتناقه للمنهج المثالي الذاتي والسوليبسيسم.
خلقت ادعاءات "الماويين" حول تطوير ماو للماركسية على جميع المستويات، تشويشا في الحركة الماركسية ـ اللينينية، كما يفعل أصحاب موقع 30 غشت، الذين يريدون تكييف الإرث الثوري لمنظمة إلى الأمام، قبل استشهاد الشهيد عبد اللطيف زروال : المنظور الثوري لمنظمة إلى الأمام، وإدماجه بشكل تعسفي فيما يسمونه "الماوية"، الذي أكده هذا الفريق بعد إصدار ما سمي "بيان حول طبيعة الثورة، الجبهة والحزب في خط منظمة -إلى الأمام- الثوري"، فأصبح من الواجب علينا دحض هذه الادعاءات التي يمكن تصنيفها في خانة التحريفية.
إن مقولة "الماويين" : "هل الواحد ينقسم إلى اثنان أم اثنان يندمجان في واحد؟"، فهي مقولة مشوبة بكثير من التشويش، حيث لم يفهموا معنى الواحد ينقسم إلى اثنين، الذي يعارضونه باثنان يندمجان في واحد، وهم يقومون بقلب الجدل، دون وعي ولا علم، ويتكلمون عن الوحدة في ظل التناقض وأن الواحد يشمل متناقضان أساسيان، بينما هذين الاثنين كليهما يشكلان وحدة في ظل التناقض بين جزأي الواحد.
ويدعون أن ذلك من اكتشافات ماو، التي يسمونها أعلى مستوى في تطوير الديالكتيك الماركسي.
أما على مستوى المجتمع البشري، على مستوى الحزب الثوري، والذي يهمنا هنا، فإن الواحد لا يعطينا دائما اثنان، ففي كل تنظيم يجمع البشر، يوجد التناقض، هذا هو قانون التناقض، الصراع بين قوتين داخل الحزب الثوري مثلا، بين الثورية والانتهازية، فلما يتقوى الجناح الانتهازي، يمكن أن يحدث تقسيم الواحد إلى اثنان، فتقود الانتهازية الحزب من الثورية إلى التحريفية، كما وقع في الحزبين الشيوعيين السوفييتي والصيني، ويعيش ثوريو الحزب في شتات، كما وقع كذلك في منظمة إلى الأمام،
ويمكن اندماج اثنان أو أكثر في واحد، كما وقع في الأممية الشيوعية، وكذلك على مستوى اندماج عدة شعوب في دولة الاتحاد السوفييتي الاشتراكية، التي انقسمت فيما بعد إلى عدة دول رأسمالية، وتقسيم الحزب الشيوعي السوفييتي إلى عدة أحزاب وتنظيمات، بعد انتصار الانتهازية على الثورية، وبقي الحزب الشيوعي الصيني في وحدة، لكن بقيادة الانتهازية نحو التحريفية.
وهنا، يكمن دور قانون النفي ونفي النفي، الذي يحدد مسار التناقض، في ظل الصراع، في ظل الوحدة، في سيرورة عملية التراكم الكمي، التي تعطي التراكم الكيفي، وتحدث القفزة النوعية، بالنفي أو نفي النفي، إلى الأمام أو إلى الخلف.
ففي حالة الحزب الثوري، كما في حالة الدولة الاشتراكية، يتم الصراع، في ظل النفي ونفي النفي، بين الطرفين المتصارعين، في سيرورة التراكم الكمي، الذي يعطى التراكم الكيفي، في حالة انتصار طرف على طرف آخر، فيحدث الانقسام، ويتولد تناقض جديد، في كلي الجسمين، القديم والجديد، في صراع داخلي بكلي الجسمين، في التناقض بين طرفي الصراع، وفي صراع بينهما، قد يفضي إلى استمرار التناقض بينهما، أو العكس، فتحدث الوحدة من جديد بينهما، في اندماج اثنين في واحد، وهكذا، في ظل عملية النسبية، التي تحكم الحركة.
وما دفعهم إلى الافتراء على ماو، هو كونهم يجهلون الديالكتيك الماركسي عند لينين، وهم يسعون للاختلاف في الحركة الماركسية ـ اللينينية، بإضافة كلمة "الماوية"، معتقدين أنهم طوروا الماركسية اللينينية، فينعتون الماركسيين اللينينيين بالتحريفية.
وهم يجهلون استنتاجات لينين، التي استنتجها عبر نقده للمذهب النقدي التجريبي، في منظوره علماء العلوم الطبيعية حول الديالكتيك، الذي أعطاه لينين بذلك، بعدا أدق وأشمل، بتحديد أسس "الحركة الذاتية" عبر:
"ـ إن ازدواج ما هو واحد ومعرفة جزأيه المتناقضين يشكلان جوهر الديالكتيك.
ـ إن تماثل الأضداد هو إقرار بميول متناقضة، متضادة، ينفي بعضها بعضا في جميع ظاهرات الطبيعة والمجتمع وتفاعلاتها.
ـ إن إدراك "الحركة الذاتية" لتفاعلات العالم، من حيث تطورها العفوي، من حيث واقعها الحي، ينبغي إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد، ويعطينا التاريخ مفهومين أساسيين للتطور:
ـ إن التطور هو نضال الأضداد، التطور بوصفه نقصانا وزيادة، بوصفه تكرارا.(المفهوم الأول(
ـ إن التطور بوصفه وحدة الأضداد (ازدواج ما هو واحد، إلى ضدين ينفي أحدهما الآخر، وعلاقات بين الضدين). (المفهوم الثاني(
ـ المفهوم الأول جامد، عقيم، جاف، والمفهوم الثاني طافح بالنشاط والحياة، وهو يعطينا مفتاح "الحركة الذاتية" لكل ما هو موجود (القفزات، الانقطاع في الاستمرار، تحول الشيء إلى ضده، تدمير ما هو قديم، ولادة ما هو جديد ( .
ـ إن وحدة الأضداد مشروطة، مؤقتة، نسبية، ونضال الأضداد التي ينفي بعضها بعضا، هو مطلق، كما هو عليه التطور، كما هو عليه الحركة."
من المعلوم أن الفكر العلمي المدمر لا يمكن مواجهته إلا بالفكر العلمي البناء، الذي يعتبر الإنسان مركز أي تغيير، ومخ الإنسان باعتباره مادة حيوية في شكلها الأعلى، وهو العضو القادر على حل جميع المشكلات المادية والمعنوية، ولا يمكن لأحد أن يشك في هذه المسألة، التي يؤكدها العلم المادي، الذي يقرر بوجود قانون التناقض الذي يحكم المادة والحركة، وفي أرقى تعبيراته التناقض الموجود في مخ الإنسان، الذي أكدت علوم التشريح منذ عدة سنين مضت تقسيم المخ البشري، إلى جزأين متناقضين، يتحكم كل جزء في الجزء المعاكس له، في أعضاء الجسم وهنا يبدأ التناقض.
نحن هنا لا نقوم بالتنبؤات المستقبلية، أو كتابة سنريوهات أفلام الخيال العلمي، لما بات يسمى الصراع حول قيادة العالم الرأسمالي، بين أمريكا والصين، تلك الكذبة التي يروج لها الأساتذة البرجوازيون، إنما نقوم بتحليل علمي مادي، يستند إلى تطور العلوم الطبيعية، وقد سبق أن أوضحنا ذلك في عدة كتابات.
وكما جاء في استنتاجات أعمال لينين الغزيرة، العميقة والمتطورة إلى حد بعيد، يمكن اعتمادها، كانطلاقة علمية جديدة في علم الديالكتيك، في عصر الإمبريالية، بكونها استنتاجات عامة، تضم إلى حد بعيد، المسائل الخاصة، في مسائل العلوم الطبيعية، خاصة الفيزياء، التي طورها انطلاقا من استنتاجات ماركس وإنجلس في هذا المجال، في علاقتها بتطويرها في مجال الصراعات الطبقية، التي حاول ماو في كتابه في التناقض، الإحاطة بها، لكن بشكل لم يضف أي جديد لاستنتاجات لينين، بقدر ما قام بتبسيط بعضها، لكن في تبسيط ما لا يمكن تبسيطه، في حقل العلم، خاصة علم الديالكتيك، أرقى ما يمكن أن تصل إليه المعرفة البشرية، باعتباره مفتاح جميع الاشكاليات العلمية، المطروحة في الطبيعة والمجتمع.
وبعد كل استنتاج علمي، يطرح تساؤل، يعطينا انطلاقة جديدة، للتفكير في المسائل العلمية المستقبلية، التي يستمر العلم بالخوض فيها، إلى حين الوصول إلى استنتاجات جديدة متطورة، متقدمة على ما سبقها من استنتاجات، لكونها نسبية، في حاجة إلى الذهاب بها نحو النهاية، ذلك ما لم نلمسه في كتاب "في التناقض"، الذي تمت كتابته في 1937، في علاقته بكتاب "المادية والمذهب النقدي التجريبي"، الذي تمت كتابه في 1916.
لقد سبق مضمون هذا كتاب ماو، استنتاجات لينين الغزيرة، العميقة والمتطورة إلى حد بعيد، يمكن اعتمادها، كانطلاقة علمية جديدة في علم الديالكتيك، في عصر الإمبريالية، بكونها استنتاجات عامة، تضم إلى حد بعيد، المسائل الخاصة، في مسائل العلوم الطبيعية، خاصة الفيزياء، التي طورها عن نتائج ماركس وإنجلس في هذا المجال، في علاقتها بتطويرها في مجال الصراعات الطبقية، التي حاول ماو في كتابه هذا، الإحاطة بها، لكن بشكل لم يضف أي جديد لاستنتاجات لينين، بقدر ما قام بتبسيط بعضها، لكن في تبسيط ما لا يمكن تبسيطه، في حقل العلم، خاصة علم الديالكتيك، أرقى ما يمكن أن تصل إليه المعرفة البشرية، باعتباره مفتاح جميع الاشكاليات العلمية، المطروحة في الطبيعة والمجتمع.
وبعد سنة من تاريخ وضع كتاب "في التناقض"، وفي 1938، عرفت العلوم الطبيعية، خاصة الفيزياء تطورا هائلا، على مستوى تفاعلات مكونات الذرة، خاصة ذرة اليورانيوم، الذرة الثقيلة، عبر تأثير امتصاص نترون واحد من طرف هذه الذرة، وتسمى هذه العملية انفلاقا Fission ، الذي يؤثر على نواة هذه الذرة، ينتج عنه تقسيم الذرة إلى جزأين غير مستقرين، واثنين أو ثلاثة نترونات مستقلة، مما ينتج عنه انفجار هائل، وإشعاع هائل، بملايين درجات الحرارة، التي تحرق الأخضر واليابس : نواة القنبلة الذرية، التي تم إسقاطها على اليابان في غشت 1945، التي وضعت حدا للحرب الإمبريالية الثانية، والحرب الإمبريالية الكلاسيكية، وحرب اليابانية على الصين، دون أن ننسى طبعا، دور الاتحاد السوفييتي في تلك الحرب.
وقد يتحول هذا الإشعاع إلى طاقة هائلة، في التناقض بين مسار العملية، في السرعة والحركة، في التناقض بين الضدين، في ظل الوحدة، وفي امتداد الحركة، في الزيادة والنقصان، فكلما تم امتصاص نترون من النترونات المستقلة، كلما حدث انشتار وانفجار، وامتد الإشعاع، وهكذا إلى نهاية عملية امتصاص النترونات، كما وقع في حالة القنبلة النوويةA ، وحسب ارتفاع سرعة امتصاص النترون، ترتفع قوة الانفجار، وحسب انخفاض هذه السرعة، يتحول الإشعاع إلى طاقة هائلة، غرام واحد من اليورانيوم يعطى أكثر، مما يعطيه hحتراق عدد كبير من أطنان الفحم الحجري.
فإذا كانت عملية انفلاق Fission، التفجير على مستوى الذرة الثقيلة اليورنيوم، تعطينا انفجارا هائلا، فإن عملية انصهار Fusion، على مستوى الذرة الخفيفة الهيدروجين، تعطينا انفجارا أقوى بكثير، ذلك ما توصل إليه علم الفيزياء النووية، من اكتشاف جد متقدم : القنبلة الهيدروجينية Bombe H، في تناول ذرة الهيدروجين، الذرة الخفيفة، لكن في عملية معقدة، التي تتم عبر ثلاث عمليات متتالية : انفلاق ـ انصهار ـ انفلاق Fission-Fusion-Fission، مما يحدث انفجارا يبلغ تأثيره مستويات عالية جدا، حدود شعاع دائرتها يصل إلى 100 كلم، وتبلغ فيه الحرائق الدرجة الثالثة، وتم تفجيرها في 1952، بينما الصين فجرت أول قنبلة نووية A في 1964.
لا نستعرض هنا، نوعية الأسلحة النووية، إنما نقدم تواتر تطور العلوم الطبيعية، في علاقتها بعلم الديالكتيك، في مستوى عال، في هذه العملية، في التناقض الداخلي فيها، في سرعة المرور من جميع مراحل الديالكتيك، في ظل الوحدة، في المرور عبر القوانين الأساسية الثلاثة : التناقض، النفي ونفي النفي والكم والكيف، في سرعة فائقة، تعطي نتائج باهرة، في التناقض بين إيجابياتها : الطاقة الهائلة، وسلبياتها : انفجار هائل، في التناقض بين تسريع حركة النترون، وانخفاض حركته، في تراكم عدد النترونات المستقلة، ونوعية الانفجار، وتواتره، في زيادته، ونقصانه، في توجيهه نحو إنتاج الطاقة، في صالح الإنسانية، وتوجيهها في دمار الإنسان والطبيعة، في التناقض بين الذرة الثقيلة : اليورنيوم، والذرة الخفيفة : الهيدروجين، في التناقض بين القوة الهائلة، التي تنتج عن هذه العملية، في مستوى الذرة الخفيفة، التي تنتج دمارا هائلا، أكثر مما تنتجه الذرة الثقيل.
فكيف يمكن ترجمة هذه العملية، من الطبيعة إلى المجتمع، في المجتمعات البسيطة، المضطهدة، مجتمعات العمال والفلاحين، حتى تنتج قوة هائلة ؟ قوة ثورية ؟ فلسفيا يمكن أن نقول أن استراتيجية الحروب قد تغييرت، لكن ماو لم يستطع الإجابة عن هذا السؤال، لكون الأحداث العلمية في تسارع هائل في الغرب الإمبريالية، بينما الثورة الاشتراكية في الشرق تسعى إلى الوصول إلى مستوى السبق العلمي، الذي وصل إليه الغرب، لكن دون ربط ذلك بتطوير الديالكتيك الماركسي، على مستوى المعرفية : النقد الفلسفي في علاقته بالإبستمولوحيا.
هنا توقف تطوير الديالكتيك الماركسي عند لينين، ولم يستطع ماو تحقيق إضافات علمية مادية في هذا المستوى، نطرا لتخلف الأساس المادي للثورة الصينية، فاكتفى بالاشتغال بتحقيق مكاسب علية مادية محضة، من قبيل الانخراط في التسلح، والتوازنات السياسية في المنابر الرأسمالية الإمبريالية، بالأمم المتحدة، والصراعات الهامشية مع الانتهازية الروسية، مما أفضى إلى سقوط التجربتين الصينية والروسية.
لا يعني امتلاك القنبلة النووية، تطور المجتمع الصيني، إلى حد مستوى تطور العلوم الطبيعية، خاصة علوم الفيزياء، فكيف يمكن ترجمة تطور العلوم الطبيعية إلى علوم الاجتماع ؟
يمكن ذلك طبعا، عبر الماركسية، عبر الديالكتيك الماركسي، الذي طوره لينين إلى مستوى عال، المذهب الماركسي اللينيني، ليس عبر تلقينه للمناضلين، إنما عبر كيفية جعله منهجا للتفكير، في علاقته بتطوير القوى المنتجة، ذات الصفة الثورية، لتحطيم علاقات الإنتاج القديمة، من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وإلى الهدف الأسمى : الشيوعية.
وللمزيد من كشف الخلط الذي وقع فيه أصحابنا "الماويين"، والناتج عن منطلقاتهم المثالية الذاتية حول المستوى الأعلى في الديالكتيك، والذي من خلاله يحملون فكر ماو ما لا طاقة له به، محاولين تفسير التناقض بين ماو وخروتشوف بالصراع الفلسفي في قولهم : "...«التحليل يتلخص في العبارة “الواحد ينقسم إلى اثنان”، بينما التركيب يعني السيرورة التي تؤدي إلى أن “اثنان يندمجان في واحد”». للتأكيد أن الصراع ضد التحريفية يجري سواء داخل الصين أو على الصعيد العالمي، دحض ماو بشدة هذه الأطروحة. وأعاد التأكيد إذن على أن:« كل الأشياء، كل الظواهر تستجيب لمبدأ “الواحد ينقسم إلى اثنان”» :«في المجتمع البشري كما في الطبيعة الكل ينقسم دائما إلى أجزاء، فقط المضمون والشكل يتغير حسب الظروف.» («مداخلة في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول عمل الدعاية.»، المؤلفات المختارة، الجزء الخامس، طبعات اللغات الأجنبية، بيكين،ص.470 ) أثناء الثورة الثقافية".
والمقولة : "في المجتمع البشري كما في الطبيعة الكل ينقسم دائما إلى أجزاء"، التي جاءت بشكل قطعي ومطلقة، غير صحيحة، ومتناقض مع الديالكتيك الماركسي، في وجود النسبية في كل شيء.
وفي الطبيعة، في مستوى البيولوجيا، على مستوى الخلية، بعد نشوء المادة الحيوية، لا ينقسم دائما الواحد إلى اثنان، فأصغر كائن يتكون من خلية واحد La Paramécie، مازال يعيش إلى اليوم منذ ملايير السنين، عملية التقسيم لديها تتم عبر : الواحد يعطي اثنان ولا ينقسم إلى اثنان، هذا الجسم ذو الخلية الوحيدة يعطي دائما نفس خلية، في عملية تسمى La méiose، وهذه العملية موجودة في جميع الأجسام الحيوية، على مستوى الخلايا الخاصة بالتوالد، عند الذكور والإناث، بينما باقي الخلايا تنقسم إلى عدة خلايا أخرى الخاصة بتكوين مختلف الأعضاء، في عملية تسمى La mitose، وفي كلي العمليتين لدى الإنسان والحيوان، لا تنقسم الخلية إلى أجزاء، بل تنقسم الخلية، فتعطي خلايا بنات، حفيدات...إلخ.
ففي عملية التوالد، اندماج خليتي التوالد الذكورية والأنثوية، تعطي في غالب الأحيان واحد، إنسان واحد، حيوان واحد، وفي عملية التوالد هذه، تتم عملية La méiose، على مستوى خلايا التوالد، وعملية La mitose، على مستوى خلايا الأعضاء المختلفة، وفي بعض الحالات الخاصة، اندماج عدة خلايا ذكورية مع خلية أنثوية واحدة، يعطي عدة أجسام : توأمان أو أكثر.
وكما قلنا في مقالات سابقة، يوجد في مقولات ماو، في مجال الديالكتيك الماركسي، أخطاء، نظرا لعدم إلمامه بالعلوم الطبيعية، والإبستمولوجيا، وفلسفة العلوم، وبذلك لا يمكن أن ننعت أعماله، في هذا المجال، بالمستوى العالي.
وفي علوم البيولوجية أيضا، في علاقتها بتطور الفيزياء، طور العلماء الطبيعيون جزءا قليلا جدا، من وظائف مخ الإنسان، عبر ما يسمى المعلومية Informatique، وتطبيقها في الصناعة، وبدأ ذلك في الثلاثينات من القرن 20، تزامنا مع نشاط ماو الفكري في مجال تنظيم العمال والفلاحي، الذي ختمه بوضع كتاب "في التناقض"، ولم يستوعب التطور في هذا المجال، لكون هذه العلوم يحظى بالسرية التامة، من طرف المخابرات العسكرية الأمريكية، وحقق هذا العلم طفرة نوعية بعد نهاية الحرب الإمبريالية العالمية الثانية، وقيادة أمريكا للإمبريالية.
واخرط الاتحاد السوفييتي والصين في السباق نحو التسلح، بعد تفجير القنبلة النووية باليابان، معتقدين أن امتلاك السلاح النووي يحمي المجتمعات الاشتراكية، وانصهرا معا فيما يسمى الحرب الباردة، والانخراط في التوازنات السياسية العالمية، في ظل الصراع الهامشي بينهما، نظرا لجهل المفكرين بهذين البلدين باستنتاجات لينين حول الإمبريالية، وأهمية النقد العلمي المادي للعلوم الطبيعية، من أجل تسخيرها لصالح البشرية، وتطوير الفكر الماركسي، مما نتج عنه عدم تطوير النقد العلمي المادي، تطوير الماركسية.
وأكد علم التشريح بوجود تناقض عميق في وظائف جزأي المخ، حيث أن الجزء الأيمن يحتوي على مراكز مسائل الخيال، والجزء الأيسر على مسائل المنطق، ويتكامل التفاعل والتناقض بين الجزأين عبر التناوب في القيام بهذه الوظائف بشكل فعال، في أرقى أشكال الدقة وفي أقل جزيء في المئة من الثانية، حسب طلب حل نوعية الإشكالية المطروحة عليه، وبقدر تعقد عملية اشتغال المخ بقدر ما يسهل التحكم فيه بقدر كبير من الدقة، عبر التدريب على تسييره والتحكم في وظائفه، لكن ذلك يتطلب طبعا وقتا طويلا ومعرفة بمكونات مراكزه العليا.
وقد أثبت علم الوراثة أن الطفل ينمو حاملا معه كل أشكال الصفات الوراثة، التي تطبعها الممارسات العدوانية من جهة، ونقيضها من جهة ثانية، بعد تشكل العائلة التي تحدث إنجلس عن تأثيرها في الملكية الخاصة ونشأة الدولة، بعد نمو نزعة التحيز لدى الفرد، لجماعته ومجتمعه، الذي لا يمكن أن يتخلص منه، إلا عندما يكتمل لديه الوعي بوجوده، مستقلا عن الجماعة والمجتمع، وهنا يمكن أن يبدأ في الشروع في التخلص من أنانيته، والتفكير الفردي، عندما تكتمل الشروط الذاتية والموضوعية، ذلك ما قام به ماركس ورفيقه إنجلس، وشرعوا في التفكير في تغيير العالم، وتشكل معرفة العلوم الطبيعية إحدى أهم الوسائل الضرورية، لتعميق المعرفة الذاتية في علاقتها بالمادة :
ـ في علاقة الذات الداخلية للشخص، الحامل للمخ بذاته، في تناقضه الداخلي كمادة، في علاقتها بالأحاسيس، عبر العلاقة بالمراكز العليا المتحكمة في وظائف أعضاء الجسم، من أبسطها إلى أعقدها.
ـ في علاقة الذات الحاملة للمخ بالمادة، الواقع الموضوعي، في التناقض الذي يحكم علاقته بالطبيعة والمجتمع.
من البسيط إلى المعقد، في المعرفة بمكانيزمات المادة والحركة، في الأشكال ذات أبعاد منحى العالم اللامتناهي الصغير Karks، وفي منحى العالم اللامتناهي الكبير Kasars، في السفر بعيدا في الزمان الكوني، الذي يقاس بسرعة الضوء : 150000 كلم في الثانية، في تفعيل المركز الأعلى في المخ، الذي يحتوي على النسخة الأصلية لنشأة عالم المادة الحيوية، وتطورها، عبر تاريخ الفكر الإنساني : الذكاء، في تراكمه الكمي، في علاقته بتحولات تراكمه الكيفي، المتحكمة في تعبيراته الوظيفية : العبقرية، منذ نشأته الأولى، تطور المادة الحيوية لدى الإنسان : الذكاء، الذي يمكن أن يتحول إلى العبقرية في الإبداع، منذ 7 ملايين سنة، من وجوده، بعد تشكل عالم المادة الحيوية قبل 7 ملايير سنة الأخيرة، من تكون الكون منذ 14 مليار سنة.
هكذا يمكن السفر بعيدا، عبر الزمان الكوني، الذي يقاس بالسنوت الضوئية، وليس بالضرورة أن يصل كل شخص إلى هذا المستوى، ولن يصل إليه دفعة واحدة، إلا لما يستطيع ممارسة رياضة المخ البشري: تفعيل العبقرية، حيث العبقرية ليست معطى مسبق، بل هي ملكة يمكن التحكم فيها، وتطويرها، كل حسب مستوى معرفته، قدراته وإمكانياته، وقلة قليلة من المفكرين والفلاسفة والعلماء، الذين يستطيعون الوصول إدراك وجود هذا المستوى، التقرب منه، أكثر ما يمكن، ملامسته، بملامسة المركز الأعلى في المخ البشري، الذي يضم تاريخ نشأة المادية الحيوية، وتطورها، بعد نشأة الذكاء لدى الإنسان.
كل ما قام به العلماء في مجال العلوم الطبيعية خلال قرن من الزمان، بعد الحرب الإمبريالية العالمية الأولى، هو نقل جزء قليل من قوانين اشتغال المخ البشري، من الطبيعة أي المخ كالمادة، عبر العلوم البيولوجية في علاقتها بالفيزياء، والتحكم فيها صناعيا، فيما بات يسمى الذكاء الاصطناعي : الكومبيوتر والهواتف النقالة، مما طور العلوم الطبيعية وأحدث طرفة علمية هائلة، عبر تطور سرعة اشتغال ذلك الجزء، بدءا باستثمار مركز المنطق في الدماغ، بالجزء الأيسر في مخ الإنسان، الاشتغال بما يسمى في الحواسب التقليدية 0 ـ 1، وإحداث طفرة نوعية هائل اليوم، عبر صناعة الحواسب الذكية، عبر تطوير مكونات الحواسب التقليدية، عبر علم الكوانتوم، في اتجاه منحى العالم اللامتناهي الصغير، علم الفيزياء الذرية في مستواها العميق، وإدخالها في الصناعة الإلكترونية.
هذه الطفرة العلمية، التي عملت على تقريب المسافات الضوئية، في علم الفيزياء الفضائية، في منحى العالم اللامتناهي الكبير، لاكتشاف امتدادات الفضاء، واستعمالاها في علم البيولوجيا، عبر السفر بعيد في مستوى العالم اللامتناهي الصغير في المادة الحيوية، في اكتشاف الجينات المنحى اللامتناهي الصغير، واكتشاف المجرات المنحى اللامتناهي الكبير.
يعتبر ما احدثته طفرة الحواسب الذكية، قفزة نوعية في ثورة العلوم الطبيعية، خاصة في مجال البيولوجيا، عبر التحكم في جزيئات المادة الحيوية ADN و ARN، مما أحدث ثورة هائل في علم الوراثة، وصناعة الجينات، وتعديلها، أقصاها في مجال الفيروسات والبكتيريا، مما مكن علماء البيولوجيا الجينية، والفيزياء النووية، من الغوص في عالم الميكروـ فيزيولوجي والميكروـ جيني، عالم يحمل تناقضا خطيرا، في اتجاه إسعاد البشرية، وفي اتجاه القضاء على الجنس البشري، ذلك ما طرح اليوم، في أجندات مصير البشرية.
من هنا تأتي أهمية الوقاية الذاتية، في ظل حرب جرثومية فتاكة، تضرب الإنسان ماديا ومعنوا، خاصة العمال والفلاحين المضطهدين، الذين يحتاجون اليوم لإسعاف من نوع آخر، أكثر رقيا مما عهدناه في الحروب التقليدية، التي تظهر فيها المعارك، بالعين المجردة، ولا يمكن أن يكون هذا الإسعاف إلا بتقوية الثقة بالذات، وذلك عبر فهم علاقة الذات بالموضوع، هذه الذات المريضة طبعا، ولا شك في ذلك، ماديا ومعنويا، مما يتطلب رفع الحجر عنها، رفع قمع إرادة الشعوب في الحرية، عبر محاربة جميع أشكال ترهيب الشعوب، وتخويفهم وحجب الحقيقة عنهم، حقيقة قدرتهم على مواجهة هذه الجائحة، التي يتم تغذيتها يوما عم يوم، من أجل أهداف سياسية.
لقد عملت الشعوب الأسيوية في ثقافاتها التقليدية، على التحكم في بعض وظائف المخ البشري، في مستوى معين، عبر رياضة التنفس والاسترخاء، فيما يسمى اليوغا، التي يمكن لأي شخص منا ممارستها، رياضة التحكم في المخ البشري، لكن عندما تتوفر شروط معينة، لا تقل أهمية من الرياضة بحد ذاتها، وأهمها صفاء الذات الحاملة لهذا المخ.
ويتجلى ذلك في التدريب على خلو الذات ما أمكن، من كل ما يمكن أن يلحق أداء بالآخرين، مع السيطرة على الاتجاه المتناقض له، ونزع العدوانية من الذات البشرية، كما فعل ماركس وإنكلس، اللذان تخليا عن مصالحهما الذاتية، وربطا كل مصالحهما بمصالح المضطهدين في العالم، وسافرا بعيدا في الزمان، واستنكرا الثقافة السائدة في المجتمع الرأسمالي، وترسبات تاريخية تراكمية طبعت الإنسان، التي أصبحت جزءا من طباعه، التي يورثها الآباء للأجيال القادمة، وهي ذات منحى عدواني تخريبي، وجاءت الرأسمالية لتركيزها، وأسست على أنقاضها مشروعها التدميري، عبر خاصيتين أساسيتين : الاستعمار والحرب.
إن أزمة كوفيد 19، تندرج ضمن أزمة الرأسمالية، نقلها من الطبيعة إلى المجتمع، حيث عمل العلماء الطبيعيون البرجوازيون، خدام الاحتكارين الاقتصادين والسياسيين، الذين يخفون على فقدان مصالحهم، كما يفعلون في كل الأزمات والحروب، على نشر الإشاعات حول طبيعة هذا الفيروس، الغاية منها التحكم في الرأي العام العالمي، وتوجيهه لصالحهم، من أجل الوصول إلى أهدافهم الحقيقية، والتي لا تبتعد كثيرا عن إعادة هيكلة الرأسمال المالي الإمبريالي، فتراهم تارة يتخاصمون ويهاجم بعضهم بعضا، وتارة يتفقون ويتعاونون، وعلى رأسهم أمريكا والصين، دون أن يصل التناقض بينهم حد التناحر، بعد تورطهم في الحرب ضد الشعوب، باحثين عن الحلول الممكنة، للخروج من أزمتهم التي ورطوا فيها الشعوب، ولو على حساب إبادة مئات الملايين من البشر، بلا شفقة ولا رحمة.
إن أخطر ما يهدد البشرية اليوم، الشعوب عامة، بعد مرور من مرحلة تسخير الثورة المعلوماتية، في علم البيولوجيا في علاقتها بالفيزياء النووية، في تدمير تاريخ التطور الوراثة الجينية الطبيعية، في عالم الحيوانات والنباتات، وتلويت تاريخ الوراثة الجينية لدى الإنسان، عن طريف الأغذية المعدلة جينيا، الحيوانية والنباتية، وتدمير النظام المناعي للإنسان، وربطه بالأدوية واللقاحات، التي بدونها لا يمكن أن يعيش، وفي مرحلة ثالثة أخيرة خطيرة، وهي دمج علم الميكرو ـ فيزياء بالميكرو ـ جينية، من أجل التحكم في الشعوب، عبر تلقيحهم بمزيج من الفيروسات تحمل مادة ميكرو ـ إلكترونية، مادة تمتزج بالدم عبر اللقاح، يمكن عبرها للمخابرات، ترصد كل شخص، بعدما تم تحديد جيناته، وترقيمه، عبر عملية التلقيح.
إنه الجيل الثالث من الحرب الإلكترونية، من طرف مخابرات الدول الإمبريالية على السياسيين والنشطاء الحقوقيين والنقابيين، الأول يتم بالتجسس عبر التلفاز والحاسوب، والثاني عبر تسليط الأشعة على الشخص المتابع، وآخرها إدماج شفرة ميكرو ـ إلكترونية، عبارة عن مادة لزجة، في دمه عبر التلقيح القسري، ذلك ما تخطط له الإمبريالية، لتنهي به أسطورة كوفيد 19.